Skip to main content

كَلَامٌ فِي الأَمْوَالِ

By الجمعة 23 ربيع الثاني 1441هـ 20-12-2019مبحوث ومسائل, دراسات, فقه

ليس هذا بحثا استقصائيا لموضوعات شرعية مالية، بمعنى أنّه استعراض لكل الأقوال مع الأدلة، ثم الدخول في عملية الترجيح لاختيار الأصوب! إنّما قصدي أن أضع بين أيدي المسلمين، الحكم الراجح عندي، في مسائل شرعية مالية، يَكثُر السؤال عنها، وقد كَثُر قبلاً الاختلاف فيها. ولا يعني الكلام السابق أنّي لن أتـطرق إلى الأدلة، وإلى سبب ترجيحي الرأي الذي أطرحه، ألبته. إنّما سأعرج على شيء من هذا، ما وجدته نافعا، لإقناع من أخاطب، بصواب اختياري في المسألة المطروحة، وإلى الموضوع.

بيع العربون…
العربون فيه ثلاث لغات: عُرْبان بضم العين وسكون الراء. وعُرْبون: بضم العين وسكون الراء. وعَرَبون: بفتح العين والراء.
وهو: ما يدفعه المشتري من الثمن قبل قبض المبيع على أنّه إن استلم المبيع أكمل الثمن، وإن لم يستلم يأخذه البائع.
وقد جاء في السنة حديثان ضعيفان: (العربون لمن عربن) قال الألباني (باطل)، (نهى عن بيع العربان) (ضعيف)
وجمهور الأئمة، أي الثلاثة، على أنّ أخذ العربون حرام، وهو من باب أكل مال الناس بالباطل، وهو قياس على أكثر من معاملة محرمة (والقياس في المعاملات جائز، لأنّها كما يقول الأصوليون معقولة المعنى) وأبرز الأدلة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ). وفي رواية أخرى يقول صلى الله عليه وسلم: (أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ).
وهذا الحديث بروايتيه أصل في بيان ضابط حركة المال بين الناس، إذ لا بد أن تكون الحركة مقابل عوض يؤخذ، وبالتالي فإنْ غابَ العوضُ، وكان أخذ المال دون مقابل أو عوض، فالمعاملة من قبيل أخذ أموال الناس بالباطل، وهذا هو دليل الجمهور في التحريم، وليس الحديثين المشار إلى ضعفهما.
لكنّ الإمام أحمد قال بجواز ذلك مع تصريحه بضعف أحاديث النهي عن العربون، واعتمد على ما جاء عن عمر رضي الله عنه، وأنّه فعل ذلك في أثر صحيح: (عن نافع بن عبد الحارث أنّه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية فإن رضي عمر وإلا فله كذا وكذا). قال الأثرم: (قلت لأحمد تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر رضي الله عنه، وضعفُ الحديث المروي). وقد روى قصة عمر الأثرم بإسناده.
والمتأمل في المسألة يرى أنّ الجمهور اعتمدوا القياس، وقد ذكرناه وذكرنا الأحاديث المتصلة به، وهو الصواب، فكيف يقبل الإمام أحمد قصة نافع بن الحارث في شراء السجن لعمر، ويقيس عليها وهي مخالفة للنص..؟ يجيب عن هذا التساؤل ابن قدامة في (المغني) بتبرير حسن. فيقول: (فأما إن دفع إليه قبل البيع درهما وقال: لا تبع هذه السلعة لغيري وإن لم أشترها منك فهذا الدرهم لك، ثم اشتراها منه بعد ذلك بعقد مبتدئ وحسب الدرهم من الثمن، صحَّ لأنّ البيع خلا عن الشرط المفسد. ويحتمل أنّ الشراء الذي اشتري لعمر كان على هذا الوجه فيحمل عليه جمعا بين فعله وبين الخبر وموافقة القياس).
ومن هنا نجزم بأنّ إباحة الإمام أحمد بيع العربون لمجرد حديث نافع المذكور، دون التأويل الذي ذكره صاحب المغني، بعيد لأنّ الأثر المذكور موقوف على نافع أو على عمر أو عليهما، ولا يقوى هذا الموقوف على معارضة ما صح عنه صلى الله عليه وسلم.

والمبيحون لبيع العربون، وبخاصة من المعاصرين يأتون بحجج عقلية لا تقوى أمام النصوص المذكورة في النهي عن أكل المال بالباطل. وهذا نموذج نقرؤه في مجلة البحوث الإسلامية: (فقد يظهر لنا وجه لتخريج العربون على تكييف قد تظهر سلامته من الإيرادات. وذلك أنّ العربون جزء من الثمن في حال إمضاء البيع وفي حال العدول عن الشراء فإنّه يعتبر قدرا زائدا عن التقايل(مصدر لفعل أقال، وهو قبول البائع نكوص المشتري، بعد تمام العقد) بين البائع والمشتري يستحقه البائع لقاء موافقته على الإقالة. وتوضيح هذا: أن المشتري اشترى السلعة بالثمن الذي جرى تحديده به، وأنّ العربون جزء من الثمن فإذا رغب المشتري العدول عن البيع فمخرجه من ذلك بيع السلعة على مالكها الأول بسعرها الذي اشتراها به ناقصا قدر العربون. وبهذا نستطيع الخروج من الإيرادات السابقة ومن الإيرادات كذلك على بيع العربون واعتبار بطلانه بها).
ولا يخفى ضعف ما ذُهب إليه من وجهين:
الأول: أنّ اعتبار أخذ العربون مقابل الإقالة غير صحيح. لأنّ الإقالة لا تقبل عوضاً دنيوياً، وقد وعد النبي فاعلها بإقالة الله عثرته يوم القيامة، فمن يرضى أن يأخذ دراهم معدودة بديلاً عن وعد نبيه..؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أقاله اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). وقد جاء في كتاب (عون المعبود) شرح وإيضاح للحديث، لا غنى عنه في هذا السياق: (هِيَ {أي الإقالة} فِي الشَّرْعِ رَفْعُ الْعَقْدِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ إِجْمَاعًا وَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا وَهُوَ أَقَلْتُ أَوْ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ عُرْفًا).
ويقول: ((مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا) أَيْ بَيْعَهُ (أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ) أَيْ غَفَرَ زَلَّتَهُ وَخَطِيئَتَهُ. وصُورَةُ إِقَالَةِ الْبَيْعِ، إِذَا اشْتَرَى أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ نَدِمَ عَلَى اشْتِرَائِهِ، إِمَّا لِظُهُورِ الْغَبْنِ فِيهِ، أَوْ لِزَوَالِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ، أَوْ لِانْعِدَامِ الثَّمَنِ، فَرَدَّ الْمَبِيعَ عَلَى الْبَائِعِ وَقَبِلَ الْبَائِعُ رَدَّهُ أَزَالَ اللَّهُ مَشَقَّتَهُ وَعَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُ إِحْسَانٌ مِنْهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ قَدْ بَتَّ فَلَا يَسْتَطِيعُ الْمُشْتَرِي فَسْخَهُ). انتهى النقل من عون المعبود.
أقول: قد يفعل ذلك من لا دين له، لذلك فإنّ تبرير (أكل العربون) بهذه الطريقة، ليس شرعياً، بل مصلحيٌ منحازٌ، والله أعلم.
الثاني: افْتُرِضَ في الصورة المذكورة أنّ المشتري قبض السلعة، ثم جاء ليبيعها ثانية على البائع الأول بسعر أقل وهو سعر شرائها منقوصا منه قيمة العربون. ونحن نسأل ماذا لو أنّ الشاري تراجع عن الشراء قبل قبض سلعته فهل الصورة واحدة؟ بمعنى أنّ السلعة ليست بحوزته ليبيعها على مالكها الأول، فكيف يكون التبرير؟
ولقد وقع الشيخ العثيمين رحمه الله، في الوهم نفسه، حين صور لمسألة حلِّ العربون صورة واحدة. يقول رحمه الله في بعض فتاويه، في لقاءات الباب المفتوح: (ما صورة بيع العربون؟ وما حكمه؟
الجواب: أن أقول اشتريت منك هذا التلفون بعشرة ريالات، هذه ريالان إن تم البيع فهو أول الثمن ويبقى ثمانية ريالات، وإن لم يتم البيع فالريالان لك، هذا جائز وفيه مصلحة، لأنّ البائع إذا ردت عليه السلعة سوف تنقص عند الناس لا سيما إذا علموا بذلك، فكون الريالين لي تكميلاً لما ينقص، والمشتري أيضاً يكون في حل كونه يخسر ريالين ولا يخسر عشرة، والعربون جائز
).
وقد يقولون إنّ أخذ العربون من قبل البائع بعد نكول المشتري هو نظير ما أصاب البائع من ضرر لحبسه السلعة لصالح دافع العربون. وماذا يكون جوابهم لو أنّ السلعة، مثلاً، ثلاجة وعند البائع منها عشر قطع معروضات، فما هي الخسارة التي أصابت البائع؟
ومنهم من يقول ما دام الاتفاق بينهما على أخذ العربون من قبل البائع، عند نكول المشتري، عن تراضٍ بينهما، فهو جائز! … نقول وهل التراضي يحل حراما..؟
ويلخص الشوكاني في النيل المسألة فيقول: (والأولى ما ذهب إليه الجمهور لأنّ حديث عمر بن شعيب (نهى عن بيع العربان) قد ورد من طرق يقوي بعضها بعضا ولأنّه يتضمن الحظر وهو أرجح من الإباحة كما تقرر في الأصول. والعلة في النهي عنه اشتماله على شرطين فاسدين. أحدهما شرط كون ما دفعه إليه يكون مجانا إن اختار ترك السلعة. والثاني شرط الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع).
والشيخ ناصر يفصل في أمر العربون فيقول: (لا يجوز للبائع أن يأخذ العربون إلا إذا تضرر بفساد السلعة بسبب حبسها لصالح المشتري. ويكون المال المأخوذ بقدر الضرر دون زيادة. أما في غير ذلك فإن أخذه يكون من باب أكل أموال الناس بالباطل). وهو الحق، إن شاء الله.

وعودة أخرى إلى حديث إقالة البيع، نتذاكر فيها معاني، ومواقف تنطلق من الأخوة الإيمانية، أراد نبي الأمة صلى الله عليه وسلم زرعها في نفوس المسلمين، لتكون معهم في معاملاتهم المادية، والتي تحول دون سيادة الشُحِّ وروح الأثرة، التي غالبا ما ترافق تلك المعاملات. فلندقق كيف عالج النبي صلى الله عليه وسلم المسألة علاجاً شرعياً، إنسانياً، رحيماً، وليس علاجاً مادياً جشعاً يجعل المسلم متربصاً بأخيه، لا يفوت فرصة لاقتناص ماله بغير الحق، دون مراعاة ظرف أو تقدير موقف. ولخطورة فشو هذا الأمر بين المسلمين رغب النبي صلى الله عليه وسلم فيه إلى حد أن جعل مثوبة المُقيلِ بيعَ أخيه، إقالة عثرته في عرصات القيامة، فهل تباع هذه بعربون يؤخذ..؟

الشرط الجزائي…
يُعرف الفقهاء الشرط الجزائي بتعاريف متقاربة، ولن يجد الباحث تعريفاً قديماً لأنّ الأمر مُحدث فلم يتناوله الفقهاء في الماضي، ووجدت أوضح وأخصر تعريف في جواب عن سؤال حول الشرط الجزائي، في أحد المواقع الإسلامية، يقول د. عبدالله بن ناصر السلمي، عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء: (الشرط الجزائي، هو: اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شُرِط له، عن الضرر الذي يلحقه إذا لم ينفذ الطرف الآخر ما التزم به، أو تأخّر في تنفيذه، والشرط الجزائي يجوز اشتراطه في جميع العقود المالية، ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً؛ لأنّ هذا من الربا، وكذا في العقود التي نهى الشارع عنها، مثل: الوعد الملزم في بيع المرابحة؛ لأنّه يدخل في بيع ما لا يملك الإنسان، وقد نهى الشارع عن ذلك، وبناءً على هذا فيجوز في عقود المقاولات، الشرط الجزائي على العامل (المقاول)، وكذا في عقد التوريد بالنسبة للمورد، إذا لم ينفِّذ ما التزم به، أو تأخر في تنفيذه، ولا يجوز مثلاً الشرط الجزائي على رب العمل لو تأخر في السداد للمقاول؛ لأنّه ربا. ولا يجوز أيضاً الشرط الجزائي على العامل الأمين (وهو الأجير الخاص) لأجل خطئه، وهو لم يفرّط لأنّ هذا تضمين عليه بما لم يضمنه بالشرع، أما لو شرط عليه شرط جزائي فيما لو تأخر بالعمل فلا بأس حينئذٍ، والله أعلم).
فلا بد من الانتباه إلى أمرين أساسيين في الكلام السابق:
أولهما: ارتباط وجود الشرط الجزائي بوجود الضرر المادي ولا عبرة بغير المادي، كالضرر المعنوي أو الأدبي، أو فوات ربح أو مصلحة محتملة.
وثانيهما: أن لا يكون الشرط الجزائي في مسائل الديون والاستحقاقات المالية، حتى لا تتحول المعاملة إلى ربوية.
وقد نشرت مجلة مجمع الفقه الإسلامي بحثاً مستفيضاً عن موضوع الشرط الجزائي المتضمن للتعويض المالي، وذكرت فيها شروط أقرها المجمع وهي ما يلي:
(1. ألا يكون التعويض على المدين في عقد مداينة، فلا يجوز اشتراط التعويض على البائع في عقد السَّلَمْ، ولا على المشتري في البيع الآجل. وكذلك لا يكون على المشتري في عقود الاستصناع والتوريد ونحوها.
2. أن يرتبط التعويض بالضرر الذي يلحق بالمشتري في عقود المقاولات والاستصناع والتوريد. وقد نص قرار المجمع على أنّ الضرر هنا يشمل الضرر المالي الفعلي، ولا يشمل الضرر الأدبي، أو المعنوي، ولا فوات الكسب المحتمل.
3. أن يكون هذا الضرر ناتجاً عن تفريط البائع وإهماله في الالتزام بالعقد، وليس لأمر خارج عن إرادته. كما لا يصح اشتراط التعويض إذا كان الضرر ناتجاً عن سبب آخر لا علاقة له بالبائع، ولا إذا انتفى الضرر.
4. وقد نص عدد من الفقهاء على أنّه لا يجوز أن يتجاوز مقدار التعويض عن الضرر المالي قيمة الصفقة الإجمالية، لئلا يجتمع للمشتري الثمن والمثمن، فيفضي إلى الربح بدون مقابل. كما أنّه من المقرر عند الفقهاء أنّ ضمان المتلفات يكون بالمثل أو بالقيمة، فإذا تأخر البائع في تسليم المبيع فإنّه على أسوأ الأحوال يكون كما لو أتلف المبيع، فليس عليه حينئذ سوى المثل أو القيمة. فلا يجوز اشتراط تعويض مالي يزيد عن قيمة الصفقة
).
ومن الشروط المذكورة يستنبط ألا يكون الشرط الجزائي غرامة مفتوحة مرتبطة بمجرد التأخير، بل إما أن تكون مرتبطة بالضرر الذي تحمله الطرف الآخر جراء التأخير، وإما أن تكون محددة بما لا يتجاوز مبلغاً محدداً (5% مثلاً من قيمة العقد) وفي جميع الأحوال لا يمكن أن تصل غرامة التأخير إلى ما يساوي ثمن المبيع كله (أي 100% من قيمة العقد) لأنّ هذا يناقض أصل العقد القائم على المعاوضة، ويجعل الشرط سبباً للكسب وليس المبيع الذي هو سبب العقد ابتداء.

ولسائل أن يسأل: ما هو الدليل الشرعي لحل الشرط الجزائي، ما دامت المسألة عصرية ولم تكن معروفة في القديم؟
والجواب: أنّها مندرجة تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، وجاء في صحيح البخاري الحديث الآتي الذي استدل به الفقهاء المعاصرين على جواز الشرط الجزائي: (وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ رَجُلٌ لِكَرِيِّهِ أَدْخِلْ رِكَابَكَ، فَإِنْ لَمْ أَرْحَلْ مَعَكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَلَكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ. فَلَمْ يَخْرُجْ، فَقَالَ شُرَيْحٌ مَنْ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ فَهْوَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ إِنَّ رَجُلاً بَاعَ طَعَامًا وَقَالَ إِنْ لَمْ آتِكَ الأَرْبِعَاءَ فَلَيْسَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ بَيْعٌ. فَلَمْ يَجِئْ، فَقَالَ شُرَيْحٌ لِلْمُشْتَرِى أَنْتَ أَخْلَفْتَ. فَقَضَى عَلَيْهِ).
وعلق ابن حجر في فتح الباري فقال: (وَوَجَّهَهُ بَعْضهمْ بِأَنَّ الْعَادَة أَنَّ صَاحِب الْجِمَال يُرْسِلهَا إِلَى الْمَرْعَى، فَإِذَا اِتَّفَقَ مَعَ التَّاجِر عَلَى يَوْم بِعَيْنِهِ فَأَحْضَرَ لَهُ الْإِبِل فَلَمْ يَتَهَيَّأ لِلتَّاجِرِ السَّفَر أَضَرّ ذَلِكَ بِحَالِ الْجِمَال لِمَا يَحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ الْعَلَف، فَوَقَعَ بَيْنهمْ التَّعَارُف عَلَى مَال مُعَيَّن يَشْتَرِطهُ التَّاجِر عَلَى نَفْسه إِذَا أَخْلَفَ لِيَسْتَعِينَ بِهِ الْجَمَّال عَلَى الْعَلَف. وَقَالَ الْجُمْهُور: هِيَ عِدَة (وعد) فَلَا يَلْزَم الْوَفَاء بِهَا، وَاَللَّه أَعْلَم).
وفضلاً عن الدليلين المذكورين، فإنّ العمل بالشرط الجزائي بضوابطه المذكورة، يحسم كثيراً من النزاعات التي تثور بين الناس وخاصة في قطاع المقاولات. فيقلل الخصومات ويخفف على المحاكم.

بيع التقسيط…
مشكلة عمت وملأت حياة الناس المالية، وكان لسعة انتشارها بين الناس أثران خطيران: أولهما أنّها صارت في عرف الناس من المسلّم بِحِلِّها فلا تقبل المناقشة.
ثانيهما: يبدو أنّ هذا الواقع كان له من التأثير على أهل العلم فأجازوها، ولم يقفوا طويلا للبحث فيها، بل صار اللاحق يعتمد سكوت السابق عنها. كل ذلك يزيد رسوخها بين الناس وفي معاملاتهم، إلى حد يصل إلى عدم الاهتمام بأقوال المُحَرِّمين، ورفض الاستماع إلى حججهم الشرعية، بل يحكم على تلك الأقوال بالشذوذ، من بعض أهل العلم، ومن عوام الناس.

ولا أحب أن افوت فرصة الاستفادة من بحث هذه المسألة الفقهية، لتأكيد وترسيخ قواعد المنهج الذي ندعو إليه، وهو باختصار ربط كل حكم فقهي بالدليل من الوحيين، وعدم الاعتداد بأي قول أو رأي يعارضهما، بغض النظر عن الجهة الصادر عنها. ولتقرير حقائق شرعية، لا زالت خافية على كثير من المسلمين، وغائبة عن أصول تدينهم، وإنّ هذا الخفاء والغياب تسبب في مخالفات شرعية في حياة الناس. وأوجز تلك الحقائق بالآتي:
1. لاعبرة بالكثرة في أمر الدين، وإنّما العبرة بالدليل، والله أبطل فعل الكثرة (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وقد بلور الفكرة ابن مسعود حين قال: (الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك).
2. القاعدة العظيمة (الحق لا يعرف بالرجال) وأوضح فأقول: إنّ من يريد الاستبراء لدينه، لا ينظر من قال، ولكن يبحث في صحة الاستدلال. ويتصل هذا الكلام بالقاعدة العظيمة للإمام مالك: (كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر).
3. حين يكثر الكلام وتتعارض الأقوال لا بد من ضوابط عاصمة يسلكها المؤمن استبراء لدينه. وهذه بعض الضوابط:
. (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ).
. إذا تعارض حاظر ومبيح، قدم الحاظر.
. (إستفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك).

وأستأذن قبل بدء البحث الفقهي، أن أحذر من موقف يشيع بين الناس، استحلالاً للقضايا التي يكثر فيها الجدل، يعبر عنه مثل نجدي يقول (خلّ بينك وبين النار مطوع)، أي: إجعل بينك وبين النار شيخاً. وبطلان هذا التوجه الاستحلالي والتحللي أبين من أن يحتاج إلى شرح.
ورغم تأكيد القواعد السابقة، لا زلنا نسمع من الكثيرين تساؤلاً يصل إلى حد الاستنكار، (من قال بتحريم بيع التقسيط..؟ وهل يمكن أن تغيب حرمته عن مئات العلماء في القديم والحديث..؟) وأحب أن أؤكد على خطورة قاعدتين انتشرتا بين المسلمين، وأحدثتا أثراً سيئاً في المسلك الفقهي عند المسلمين، وابتعدت بالفقه عن الارتباط بالأدلة من الوحيين:
أولاهما: قاعدة انتشرت بين أهل العلم قديماً، وازداد تمسك من بعدهم بها، وقد نسبت لبعض العلماء، تقول القاعدة: (لا تقل قولا لم يقل به أحد قبلك). ولقد أخافت هذه الكثيرين، إلى حد تعطيل النص، من المتأخر متابعة للمتقدم وخوفاً من مخالفته! وما أسهل استعمال كلمة قول شاذ بمجرد مخالفة المتقدمين أو الجمهور.
أما الثانية: وإن لم تنسب لأحد لكنّها أعملت في مسائل كثيرة. وهي تحريف لقاعدة ذهبية تقول (استدل ثم اعتقد)، والذي يحصل أحيانا العكس (إعتقد ثم استدل)، وسترون ذلك في المسالة التي بين أيدينا.

وإلى الموضوع مع استدلالاته الصحيحة. وتعجبني عبارة أصفها بأنّها صحيحة ودقيقة وجريئة، لم أجدها إلا في كتاب واحد للدكتور رفيق يونس المصري، وكان الأولى بها كتبٌ فقهيةٌ متخصصةٌ. وبالمناسبة فإنّ من يقرأ للدكتور المصري يجد أنّه مطلع اطلاعاً كبيراً على كتب الفقه القديمة، ويكثر من الاستشهاد بها، لكن استنتاجاته وترجيحاته ليست مسددة دائماً (على الأقل من وجهة نظري).. يقول في كتاب عنوانه (بيع التقسيط): (على أنّه تجدر الإشارة إلى أنّ بيع النسيئة، وإن كانت هناك نصوص أجازته، إلا أنّه ليست هناك نصوص أجازت فيه الزيادة، لأجل التأجيل أو التقسيط). ويقول في مكان آخر من الكتاب: (الثمن في بيع التقسيط يزيد على الثمن في البيع الحال، وليس لدينا نص شرعي صريح بجواز هذه الزيادة). ويقول في مكان آخر: (إنّي أعترف أنّ هذه الزيادة ربا، ولكنّه ليس ربا محرماً…!). عفا الله عنه، أحسن الاستدلال ابتداءً، ولم يوفق في استنتاج الحكم، انتهاءً!
إنّ الدكتور المصري، يحكي واقع كل العلماء الذين أباحوا بيع التقسيط، فإنّ اعتمادهم كان على استنتاج بعيد عن النصوص، أفرزه ترجيحٌ عقلي، أو تقليدٌ غيرٌ مُتَبَصِّرٍ. ولنأخذ نماذج:
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز: (س 73: أنا صاحب بقالة أبيع لأجل (يعني إلى نهاية الشهر) فأزيد على ثمن السلعة قدرا بسيطا نظير البيع لأجل. فما حكم ذلك؟
ج: لا حرج في الزيادة المناسبة على الثمن في بيع الأجل عن الثمن الحاضر؛ لعموم قول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) الآية، ولما ورد من الأحاديث الصحيحة المطلقة في ذلك، ولأنّ المعنى يقتضي ذلك، لأنّ البيع الحاضر ليس كالبيع المؤجل، فأجاز الله سبحانه الزيادة المناسبة في البيع إلى أجل، (
ونسأل الشيخ أين النص الذي أجاز؟)، حتى يتمكن المحتاج العاجز عن الثمن النقد من شراء حاجته إلى أجل مسمى، وهذا من رحمة الله سبحانه وإحسانه إلى عباده، والله ولي التوفيق).
وفي فتوى أخرى: (الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه. أما بعد فقد سئلت عن حكم بيع كيس السكر ونحوه بمبلغ مائة وخمسين ريالا إلى أجل وهو يساوي مبلغ مائة ريال نقدا.
والجواب عن ذلك أنّ هذه المعاملة لا بأس بها، لأنّ بيع النقد غير بيع التأجيل ولم يزل المسلمون يستعملون مثل هذه المعاملة، وهو كالإجماع
). والشيخ رحمه الله معروف أنّه لا يذكر حكماً إلا مشفوعا بالدليل، واستدل هنا بالإجماع، والإجماع لايبنى إلا على دليل ، فأين الدليل؟
أما شيخنا العثيمين فيقول في لقاء الباب المفتوح: (التقسيط الحلال: أن يأتي على من عنده السلعة، ويقول: بع لي هذه السلعة التي تساوي الآن مائة بمائة وخمسين مؤجلة إلى سنة أو سنتين مثلاً، هذا ليس فيه شيء؛ لأنّ الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين، وأباح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك لهم). ولا يخفى ضعف هذا الاستدلال عند الشيخ، الذي اشتهر بقوة استدلاله، وسيأتي الإيضاح إن شاء الله.
وكذلك المجامع الفقهية، وقعت في مثل ذلك وهاكم مثالا: مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، مجلة المجمع: (إنّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 – 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 – 20 آذار (مارس) 1990م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع البيع بالتقسيط، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:
أولاً: تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً، وثمنه بالأقساط لمدد معلومة، ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل. فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد، فهو غير جائز شرعاً
).

ولنورد الآن أدلة تحريم الزيادة في بيع التقسيط:
أولا: إنّ كل نص في تحريم الزيادة في القروض واعتبار ذلك من الربا المحرم في دين الإسلام، يعتبر نصاً في تحريم زيادة الثمن في بيع الأجل فلا يخفى على عاقل أنّ الأمر في المسألتين زيادة المال من أجل الزمن.
ومنذ سنين طويلة وأنا أنظر في حجج من فرق بين المسألتين فحرَّم واحدة وأحلَّ أخرى، ولم أجدْ شيئاً مقنعاً. وها هي بعض الأقوال: يقول مصري كتب في هذا الموضوع واسمه ربيع سيد أحمد، ويبدو أنّه من أهل العلم: (…لأنّ زيادة الدين مقابل الأجل هي زيادة في الدين، أما زيادة الثمن في البيع بالتقسيط فهذه الزيادة زيادة في قيمة السلعة مقابل زيادة الأجل، فالبيع بالتقسيط مع زيادة الثمن، الزيادة فيه زيادة في ثمن السلعة مقابل زيادة الأجل، أما الزيادة في القرض فهي زيادة في الدين مقابل الأجل).
وأرد عليه فأقول: وهل ثمن السلعة إلا دين تعلق بذمة المشتري بعد إبرام بيع الأجل..؟
ويضيف قائلا: (…أما زيادة الثمن في البيع بالتقسيط فهي زيادة في ثمن السلعة، وليس زيادة في الدين، وزيادة الأسعار بزيادة الآجال في البَيع لا علاقة لها بالربا؛ لأنّها بَيع. لذلك كان الأجل في بيع النسيئة هو الداعي لزيادة ثمن السلعة، وما أكثر الدواعي لإرتفاع الثمن فقد يكون قلة السلعة في السوق بنسبة لا تساوي الطلب الذي عليها داعياً لزيادة ثمنها في الحالات المتعارفة، كما أنّ عدم سقوط الأمطار في الفصول المتوقع سقوط المطر فيها يكون داعياً لزيادة سعر الحاجيات المتوقف زيادتها أو إنتاجها على سقوط الامطار، والصحيح في بيع التقسيط هو أنّ الثمن كله قد وقع في مقابل السلعة، وكان الأجل داعياً لزيادة الثمن فإذا احتاط البائع لنفسه فباعها بثمن مؤجل مرتفع ومعجل غير مرتفع فإنّ موضع المعاملة يقبل الارتفاع والانخفاض في الأزمان).
وأرد اختصاراً فأقول: إنّ كل زيادة يزيدها البائع في الثمن للدواعي الذي ذكرها الكاتب، ومنها المزاج الشخصي لا إشكال فيها، لكنّ الزيادة حينما يكون الداعي لها الزمن فالنصوص الصريحة تحرمها.
ثانياً: قوله صلى الله عليه وسلم: (من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا).
قال الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة: (رواه ابن أبي شيبة في المصنف، وابن حبان في صحيحه، وكذا الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا سند حسن وقد صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ثم ابن حزم في المحلى. ورواه النسائي والترمذي وصححه، وابن الجارود وابن حبان أيضا والبغوي في شرح السنة وصححه أيضا، وأحمد والبيهقي من طرق عن محمد بن عمرو به بلفظ: (نهى عن بيعتين في بيعة)).
وبسبب مخالفة القاعدة الذهبية المذكورة (استدل ثم اعتقد) من أجل التسهيل على الناس، وعدم التضييق عليهم في أمر معاشي، ومن أجل قياساتٍ، وتقليدٍ لمن سبق، تعرض الحديث المذكور إلى تأويلات، أسمح لنفسي أن أقول: ما أنزل الله بها من سلطان. وهاكم أبرزها:
قالوا: بأنّ المقصود بهذا الحديث بيع العينة. وقالوا: المقصود أن يقول المشتري: أبيعك سيارتي على أن تبيعني سيارتك. وقالوا: لو فسر الحديث على ظاهره، وهو قول البائع: هذه السلعة بعشرة نقداً وباثني عشر إلى أجل فالمقصود من ذلك النهي عن هذا البيع للجهالة أما إذا تفرقا وقد أبرما العقد على أجل محدد فالبيع صحيح. وقالوا: إنّ معناه أن يبيع البائع سلعة لأجل فإذا حل الأجل ولم يستطع المشتري الوفاء، قال له البائع أبيعك إياها مرة ثانية لأجل ثان بزيادة. فيكون قد باع الشيء الواحد مرتين.
وكل تلك التأويلات والمفهومات يردها وجود عبارة (فله أوكسهما أو الربا)، فتغدو تلك التأويلات، لا فائدة منها، ولا معنى، ولا تعدو كونها التفافاً على دلالة نص صحيح صريح، وهو تطبيق للقاعدة المنكوسة (اعتقد ثم استدل).
وعند إدخالنا في متاهات التأويل، ما هو الفصل والفيصل؟ لم يبق بعد ذلك إلا التفسير الواضح للحديث وهو: أن يقول البائع للمشتري أبيعك هذه السيارة بألف نقداً وبألف ومائتين إلى سنة، وهذا الذي فسره به سماك بن حرب راوي الحديث حيث قال: (هو الرجل يبيع البيع فيقول هو بِنَساً كذا، وهو بنقد بكذا وكذا). وقد تابع سماكاً، جمع من العلماء. وللاختصار أكتفي بسرد أسماء أولئك الرجال سردا، وإلا فالشيخ الألباني رحمه الله وَفّى المسألة حقها في السلسلة الصحيحة، فذكر الأقوال بأسانيدها وخرجها من كتب الحديث:
1. سماك ابن حرب وهو تابعي معروف، قال: أدركت ثمانين صحابيا. فتفسيره للحديث ينبغي أن يقدم عند التعارض ولا سيما وهو أحد رواة هذا الحديث، والراوي أدرى بمرويه من غيره، لأنّ المفروض أنّه تلقّى الرواية من الذي رواها عنه مقرونا بالفهم لمعناها، فكيف وقد وافقه على ذلك جمع من علماء السلف وفقهائهم.
2. ابن سيرين، روى أيوب عنه: (أنّه كان يكره أن يقول: أبيعك بعشرة دنانير نقدا، أو بخمسة عشر إلى أجل).
3. طاووس، قال: (إذا قال: هو بكذا و كذا إلى كذا وكذا، وبكذا وكذا إلى كذا وكذا، فوقع المبيع على هذا، فهو بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين).
4. سفيان الثوري. 5. الأوزاعي.
6. الإمام النسائي، فقال تحت باب (بيعتين في بيعة): (وهو أن يقول: أبيعك هذه السلعة بمئة درهم نقدا، وبمئتي درهم نسيئة).
7. ابن حبان، قال في صحيحه (الإحسان): (ذكر الزجر عن بيع الشيء بمئة دينار نسيئة، وبتسعين دينارا نقدا).
8. ابن الأثير، في غريب الحديث، فإنّه ذكر ذلك في شرح الحديثين المشار إليهما آنفا.

بقي أن نستعرض استدلالات العلماء غير الصحيحة في المسألة:
1. قول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ). وليس كل بيع حلالا فهناك بيوع محرمة وهذا منها.
2. الإباحة الأصلية: قالوا بأنّ الأصل في الأشياء الإباحة، والبيع مباح لأنّه معاملة من المعاملات، وادّعوا أنّه لم يأت ما يحرم هذا البيع فيبقى على أصل الإباحة. ولم يعتدوا بالحديث المذكور. وأنّى لهم ذلك؟
3. القياس العقلي: قالوا إنّ مقتضى القياس العقلي يبيح ذلك لأنّ التاجر حُرٌ في أن يبيع بأي سعر يريد، فقد يخفض السعر لهذا وقد يزيد على ذاك. ولا حرج في ذلك ما دام أنّه يوجد تراضٍ، وكذلك يجوز للبائع أن يزيد في السلعة من أجل الأجل فيقول: أبيعها الآن بعشرة ولسنة باثني عشر.
4. القياس الشرعي: قالوا والقياس الشرعي أيضاً جوز ذلك. فقد أباح الرسول صلى الله عليه وسلم بيع السَّلم وهو تقديم الثمن (النقود) وتأخير السلعة، وقالوا والمعلوم أنّ من يشتري سلعة غير موجودة الآن، ولا يستلمها إلا بعد عام أو عامين، فبيع السلم هو العكس تماماً لبيع الأجل. والجواب: أنّ بيع السلم جاء استثناء من قاعدة لا تبع ما ليس عندك ولا يقاس على مستثنى.
5. آية الدين: واستدلوا كذلك بآية الدين (ياأيها الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوه). وقالوا: لقد أباح الله المداينة، ولم يشترط سبحانه أن تكون المداينة بسعر الوقت الحاضر، والدين يصحبه الزيادة في الثمن في الغالب، والسكوت في معرض الحاجة بيان. ولذلك بيع السلعة بالتقسيط مع زيادة الثمن مشروع؛ لأنّه داخل في عموم الآية، ولا يجوز القول بحرمة بيع التقسيط مع زيادة الثمن إلا بدليل صريح صحيح. وواضح كالشمس أنّ الآية تبيح التداين ولا تبيح الزيادة.
6. استدلالهم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى لأجل كما جاء في البخاري من حديث عائشة. وزعموا كذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مارس بنفسه هذا البيع واستدلوا لذلك بحديث البخاري الذي يرويه بإسناده إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (أَنَّ النَّبِىَّ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِىٍّ إِلَى أَجَلٍ فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ). وهل في الحديث إشارة إلى الزيادة..؟
ومن التعسف قول بعضهم: معلوم أنّ اليهودي لا يمكن أن يبيع الطعام إلى أجل بثمنه في وقته الحاضر؛ لأنّ اليهود أهل شح وطمع، فلا يمكن لهذا اليهودي أن يبيع الشعير إلى أجل بثمنه الحاضر فدل هذا على جواز الزيادة..! سبحانك، هذا استدلال عجيب!
7. قولهم: الاستدلال بما رواه الإمام أحمد وأبو داود والدارقطني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث جيشاً على إبل كانت عندي قال: فحملت الناس عليها حتى نفذت الإبل وبقيت بقية من الناس. قال فقلت: يا رسول الله الإبل قد نفذت وبقيت بقية من الناس لا ظهر لهم فقال لي: (ابتع علينا إبلاً بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى تنفذ هذا البعث) قال: وكنت ابتاع البعير بقلوصين وثلاث قلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذت ذلك البعث).
وقد جاء في الحديث الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم: (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً)، وهنا نطبق قاعدة تعارض القول مع الفعل منه صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنّ القول مقدم، ويكون الحديث واقعة عين.
8. قولهم أنّه يسر ومنفعة، ولا يخفى بطلان هذا الاستدلال مع ثبوت النهي.
9. قولهم إنّ البائع بالأجل مخاطر، ولا بد من أن يعوض. نقول: إنّه في حقيقة الأمر مقرض والله تعالى عوضه بحديث: (إنّ السلف يجري مجرى شطر الصدقة). والله أعلم.

ملاحظة: أدقُّ ما كُتب في هذا الموضوع، كتيبٌ بعنوان (القول الفصل في بيع الأجل) للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، فليراجع.

الفروغ أو خلو الرجل…
وحين يناقش موضوع بيع العربون والشرط الجزائي لا بد من أن يناقش معهما الظاهرة التي عمت وطمت واستمرأها الناس واستحلوها، وسايرهم بعض الدعاة والمشايخ فأحلوها. إنّ ما يحتم بحثها مع الموضوعين السابقين أنّ الثلاثة تجري من واد واحد كما يقال، وأنّ أدلة تحريمها واحدة. إنّها أخذ الفروغ عن البيوت والمحال التجارية، وقد أصبحت هذه المسألة عرفاً بين الناس لا يقبل المناقشة.
ولا أجدني بحاجة إلى الإسهاب في شرحها فهي معروفة. وباختصار رجل يسكن بيتاً إيجاراً، ثم بدا له أن يخرج منه، لا يخرج حتى يأخذ الفروغ إما من صاحب البيت، أو ممن سيستأجر مكانه، وقل الشيء نفسه في المحلات التجارية. والأسوأ أنّ تاجر البناء الذي يبني عمارة جديدة للبيع أو الإيجار لا يؤجر أو يبيع، إلا بعد أخذ الفروغ إضافة إلى الثمن أو الأجرة. وحرمة هذه المعاملة أنّها مال يؤخذ دون مقابل فهو من أكل أموال الناس بالباطل.
ولنستحضر الحديثين اللذين ذكرناهما آنفا:
. قال صلى الله عليه وسلم: (لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ).
. وقوله صلى الله عليه وسلم: (أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ).
قولوا لي: آخذ الفروغ ماذا قدم للطرف الآخر..؟ سيقول بعضكم على الفور عقاراً.. أقول: إنْ كان مستأجرا فقد حلَّ له شغلُ العقار، بالأجرة المتفق عليها، وإنْ كان مبتاعاً، فقد حلت له ملكيةُ العقار بالثمن الذي دفع. فماذا فعل الفروغ إذا، وماذا قدم..؟ لا جواب إلا أنّه صورة للجشع الذي انتشر بين الناس فصار يأكل بعضهم بعضا، ويستحلون أموال بعضهم استحلالا. ولا أريد الدخول في مناقشات لإثبات أنّ الفروغ صار عرفاً وأنّه صار أمراً واقعاً لا مفر منه، لأنّ الجواب أنّ الناس هم جعلوه كذلك.

. كيف نتعامل مع هذا الواقع إذاً؟
أقول: الناس أحدُ رجلين، رجلٌ حالَ الفروغ المفروض عليه، بينه وبين بيتٍ للسكن، أو تأمينِ محلٍ للاتجار، ولم يجد بديلاً، فيدفع الفروغ، ويعتبر ذلك مالا حراما أخذ منه بغير حق، والله سيعوضه وليس بآثم. مع الانتباه أنّه حين سيترك العقار لا يجوز أن يأخذ فروغا من المستأجر الجديد، بحجة أنّه يسترد ما دفعه بغير حق! نقول لا يجوز أخذ مالك المغصوب، من إنسان لا علاقة له بالفروغ الذي أخذ منك، أما إنْ كنت ستسلم العقار لمن أخذ منك الفروغ، فلك شرعاً استرجاعه منه. أو رجلٌ هو في موقع المطالِب بالفروغ، أو الآخذ له، فعليه أن يتقيَ الله في كسبه، وفي الآخرين، ويترك أكل المال الحرام. وربه سيأجره على ترك الحرام، ويبارك له ويعوضه، ويكون مثلا يحتذى بين الناس، يسهم في إزالة هذا الواقع، غير الشرعي، من حياة المسلمين. ولا ننسى قول نبينا (إنّك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه).
وإنّي لأعرف أناسا بأسمائهم صمدوا أمام هذا الإغراء، وقالوا لا للقرش الحرام، ونعم لمرضاة الله ورسوله. وإنّ أكثر المسلمين اليوم تنقصهم فورية الاستجابة لله ورسوله، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). وبكل أسف فإنّ مسلمي اليوم استبدلوا، بفورية الإستجابة، التريث والتردد، بحثاً عن فتيا، من دَعِيِّ علمٍ، يخرجهم من الاتباع إلى الابتداع، ومن الطاعة إلى المعصية، وهم بذلك راضون فرحون بكسب جولة على حكم الله ورسوله..!
ولا تضيقوا ذرعاً، بشدة الطرح، وستقبلونها، حين تقرؤون النصوص القادمة. عن سليمان بن يسار أنّ رافع بن خديج قال: (كنا نخابر على عهد رسول الله فذكر أن بعض عمومته أتاه فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعا، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا وأنفع، قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له أرض فليزرعها أو فليزرعها أخاه، ولا يكاريها بثلث ولا بربع، ولا بطعام مسمى)).
وإنّ كلمة طواعية في الحديث، والتي تصف حال الصحابة رضي الله عنهم مع نبيهم، تذكرني هذه بتلك المطاوعة التي تعجب منها مؤمنو الجن حينما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون إلى قراءته في صلاة الفجر المشار إليها في أول سورة الجن: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا)، فرأوا أصحابه صلى الله عليه وسلم يصلون بصلاته، يركعون بركوعه، يسجدون بسجوده، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (عجبوا من طواعية أصحابه له). فمتى تعود أمة الإسلام إلى تلك الطواعية، ليعود لها كل ما سلب منها يوم تركت تلك الطواعية.

ولقد وقفت للشيخ الألباني رحمه الله على كلام شرعي وواقعي في موضوع الفروغ. يؤكد فيه حرمته وأنّه من أكل أموال الناس بالباطل. لكنّه يجيزه في حالة واحدة، وهي أن يأتي رجل إلى رجل يشغل محلا ويقول أتعطيني هذا المحل وتنتقل إلى غيره، وأنا أعوضك عن النقل وتعطيلك أثناء النقل عن العمل بكذا وكذا، فهذا جائز ما دام المال المأخوذ بحدود الضرر المقدر. والكلام السابق، نقلته مُلخصاً، عن الشيخ الألباني بعد سماعي لشريط من (سلسلة الهدى والنور) تحت رقم (238).

ربط الدّين…
من المشكلات التي تؤرق الكثيرين من المنغمسين في المعاملات المالية اليوم، ويرون فيها ظلماً كبيراً للمحسنين من الناس، مسألة القرض. ولعل هذه المناقشة العجلى للموضوع تضع الأمر في نصابه وتقيم فيه العدل.
. تعريف القرض: ولا يعنينا هنا المعنى اللغوي لكلمة القرض، والبحث في المادة اللغوية التي اشتقت الكلمة منها، بقدر ما يعنينا المعنى الاصطلاحي والتعريف الفقهي للقرض. هو أن يدفع المقرض للمقترض عيناً معلومة من الأعيان المثلية التي تستهلك بالانتفاع بها، ليرد مثلها. كأن يقرضه مائة ليرة فيعيدها له مائة ليرة، وهكذا في كل ما يجوز فيه القرض.
وعقد القرض عقد تمليك، فالعين المُقرَضة تخرج من ملك المُقرِض وتدخل في ملك المُقترِض إذا قبضها، فيثبت في ذمته مثلها لا عينها ولو كانت (العين) قائمة.
. موقف الدين من القرض: إنّ الإقراض من أعمال البر والإحسان إلى الناس، لأنّ فيه حلا لعسرتهم، وتفريجا لكربتهم. ولذلك كان الحض على القرض شرعا، وهذه بعض النصوص الحاضَّة:
. (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ).
. (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
. قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ).
. عن ابن مسعود أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة).
. وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنّ السلف يجري مجرى شطر الصدقة).
ما المشكلة إذن في أمر القرض؟
من قراءة التعريف الفقهي يبدو أنّ المال المُقرَض يخرج من ملكية المقرض إلى ملكية المقترض (ولذلك سمي قرضا وهو من القطع). ولا شك أنّ غياب المال من يد صاحبه (المُقرِض) يفوت عليه بعض فرص الاتجار وكسب الربح، كما أنّ القرض إذا كان طويل الأجل، فإنّ تغير الأحوال الاقتصادية العامة، قد ينقص من قوة ذلك المال المُقرَض الشرائية. باختصار إنّ المُقرِض لن يخلو من خسارة مادية بالحساب الأرضي جراء قرضه، والدِّين يقر بذلك، ولذلك عوض الله المُقرِض تعويضاً أخروياً بأن احتسب له نصف قيمة القرض صدقة. فلو أنّ مسلماً أقرض أخاه مليون ليرة، كتب له أجر التصدق بنصف مليون، وذلك مثوبة تفريج كربة أخيه وتعويضاً لما يناله من خسارة دنيوية.
وحتى نزيد من إيضاح عدل الشرع ورحمته نسأل: ما معنى أن يحسب للمقرض أجر التصدق بنصف مليون ليرة؟ وللإجابة الحاسمة إقرؤوا الحديث التالي: (مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ). فكم تمرة يكون نصف المليون، وكم جبلاً من الأجر ينتظر صاحب القرض الحسن..؟

مرة أخرى نعود لعنوان الفقرة، ما المشكلة إذن..؟
حين وجد الآن، في بعض الدول، أوراق نقدية تتغير باستمرار وبنسبة كبيرة (كالليرة السورية، واللبنانية، اليوم مثلا) إلى حد أنّ القرض الذي يكون بمثل هذه العملات قد يفقد أكثر من نصف قيمته الشرائية عند السداد، وإنّ انتشار هذا الواقع قد يؤدي إلى امتناع الناس عن الإقراض، والأصل أنّ الإقراض ليس واجباً وإنّما هو على الندب، فيضعف فعل الخير بين الناس، ويغيب الإحسان، بين المسلمين … وإذن لا بد من حل، ما هو الحل؟
لغياب هذه الصورة المعاصرة (هذا النوع من العملات الورقية) في الماضي، لم نجد للفقهاء بحثا لهذه المشكلة، لكن هناك ما يشابهها من صور، وهذا توصيف الفقهاء لها. ذكر الفقهاء لإيفاء القرض ثلاث حالات:
1. إذا كان الشيء المُقرَض موجودا بعينه فرده المقترض، وليس فيه عيب لزم المقرض قبوله، سواء تغير سعره أو لم يتغير. أما إذا حدث به عيب فلا يلزمه قبوله.
2. إذا كان الشيء المُقرَض مكيلاً أو موزوناً (ويدخل في ذلك نقود الذهب والفضة) فقد أجمع العلماء أن يرد مثله، سواء رخص سعره أم غلا أو ثبت على حاله.
3. إذا كان القرض دراهم مكسرة أو فلوسا (نقودا مغشوشة أو اصطلاحية) فحرمها السلطان فكسدت كساداً عاماً، ولم يعد يتعامل بها أحد، كان للمقرض قيمتها، ولم يلزمه قبولها سواء كانت موجودة بعينها لدى المقترض أو كان قد استهلكها، لأنّ هذا عيب قد لحقها وهي في ملكه.
واختلف العلماء في الحالة الثالثة على رأيين: هل تلزمه القيمة يوم العقد أو تلزمه القيمة يوم الكساد، أم يوم السداد، وللعلماء تفصيل واسع في ذلك لا يعنينا الخوض فيه.
ومن قياس الواقع المعاصر فيما يخص النقد الورقي شديد التذبذب في القيمة، على الحالة الثالثة التي سماها الفقهاء (الكساد). جاز أن يعدل المقترض عن المثل إلى القيمة عند وفاء قرضه، وكان ذلك من حق المُقرِض. ولا بد من تقدير ذلك التغير في قيمة العملة بدقة وهو ما يعبر عنه (بنسبة التضخم). على أنّ بعض الفقهاء المعاصرين، وأخصائيي المال، وجدوا سبيلاً أدق وأعدل لحفظ حق المُقرض، وعدم غبن المقترض، وهو ما سموه بربط الدين. والمقصود بذلك، ربط قيمة القرض يوم الإقراض
بسلعة قليلة التغير في السوق، ويكون السداد بما يساوي قيمتها عند السداد. ولا بد من الاتفاق على ذلك وقت العقد وتسجيله.
ولنوضح بمثال: رجل أقرض آخر مليون ليرة، فينظران كم يساوي هذا المبلغ وزنا من الذهب ويسجل في العقد مثلا: (لفلان في ذمة فلان مليون ليرة وهو ما يساوي كذا غرام من الذهب، وأنّ السداد يكون بالليرة السورية بما يساوي قيمة الوزن نفسه من الذهب وقت السداد). ويمكن الاتفاق على أية سلعة يختارانها وقت العقد غير الذهب، كما يمكن ربط الدين بأي عملة أخرى يتفقان عليها ويريان لها ثباتا أكبر. وللوهلة الأولى، قد يثير موضوع سداد الدين، بزيادة عن قيمته، وقت الاقتراض سؤالا: أليس ذلك رباً منهياً عنه؟
من المهم جداً أن يعرف كل مسلم، قيمة النية التي تسبق أي عمل في الإسلام، بل إنّ النية هي الأصل لو خالفها العمل وهذا معلوم من قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)، ولتأكيد هذا الأمر أبين أنّ السنة أن يزيد المقترض على قيمة القرض عند السداد، هدية، من باب الشكر والامتنان للمقرض. لكن تلك الزيادة لو كانت باتفاق من الطرفين لكانت رباً محرماً يأثم به الطرفان، وكذلك لو كانت بتعريضٍ من المُقرض. وإليكم الأدلة من السنة:
. عن محارب بن دثار قال: (سمعت جابر بن عبد الله قال: كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين، فقضاني وزادني).
. عن أبي هريرة قال: (كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِىِّ سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: (أَعْطُوهُ). فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلاَّ سِنًّا فَوْقَهَا. فَقَالَ: (أَعْطُوهُ). فَقَالَ أَوْفَيْتَنِى أَوْفَى اللَّهُ بِكَ. قَالَ النَّبِىُّ: (إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً)).
. عن سعيد بن هانئ يقول سمعت عرباض بن سارية يقول: (بعت من النبي صلى الله عليه وسلم بكرا فأتيته أتقاضاه فقال: (لا أقضيكها إلا نجيبة) فقضاني فأحسن قضائي. وجاءه أعرابي يتقاضاه سنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطوه سنا) فأعطوه يومئذ جملا فقال: هذا خير من سني فقال: (خيركم خيركم قضاء)).
.
عن عطاء بن يسار عن أبي رافع: (أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فأتاه يتقاضاه بكره، فقال لرجل: (انطلق فابتع له بكرا) فأتاه فقال: ما أصبت الا بكرا رباعيا خيارا، قال: (أعطه فإنّ خير المسلمين أحسنهم قضاء)).
فهذه سنة نبيكم الذي تأدب وأراد أن يؤدب أمته بما علمه ربه (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ). وما هذه السنن إلا لإقامة المجتمع الإسلامي على الحب في الله، هذا الحب في الله الذي أضاعه المسلمون، اليوم، فيما بينهم، فضيَّعوا معه كل شيء، حتى ليوشك أن يضيعوا دينهم معه! إقرؤوا هذه الأحاديث في الهدية وكيف وظفها نبي الأمة صلى الله عليه وسلم لتول
يد الحب بين المسلمين، ولبناء المجتمع المتماسك على الحب في الله:

. قال عليه الصلاة والسلام: (لوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلتُ وَلوْ دُعِيتُ عَلَيْهِ لأَجَبْتُ).

. عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تهادوا تحابوا).

. وقوله: (يا نساء المسلمات! لا تَحْقِرَنَّ جارةٌ لجارتها، ولو فرسن شاة).

فحين يزيد المُقترض المُقرِض، حباً وشكراً وعرفاناً وامتناناً، يكون قد أصاب سنة نبيه، وعمل بهديه فأطاع نبيه وربه، وأنجى نفسه ومجتمعه، من وبال وشؤم الربا، الذي فشا اليوم في المسلمين، وصار له مفتون ومنظرون من تلامذة إبليس، يعصون الله كما عصاه، سيدهم أول معصية بالعقل.
وللشيخ الألباني فتاوى، في بعض أشرطته، تحض على الزيادة، وقت السداد لتقاربَ القيمة وقت العقد، إذا كانت العملة شديدة النقصان. وهذه بعضها مفرغة من الأشرطة، من مجموعة (جامع تراث العلامة الألباني في الفقه):
(سؤال: رجل اقترض من رجل قرضاً أو أراد أن يقترض، فذهبا جميعاً إلى محل ذهب ليُقَيِّما قيمة هذا المال، حتى إذا أراد أن يوفيه قُيِّم له أيضاً، وأعطاه نفس قيمة الذهب هذا بالعملة المحلية، هل هذه صورة صحيحة؟
الشيخ: صحيحة معلوم، وهذا شيء طيب.
سؤال: في مسألة القرض، كذلك أراد أنّه يقترض من إنسان فاقترض منه المبلغ بالدينار مثلاً على أن يَرُدّه بالدولار، واشترط عليه المقرض هذا. هل هذا الشرط صحيح؟
الشيخ: لا؛ لأنّه قد يكون يرتفع وينخفض، إنّما لا بد أن يرد له الدينار بقُوّته الشرائية يوم استقرضه.
مداخلة: ممكن هذا؟
الشيخ: كيف يعني ممكن، تقصد يعني واقعياً وإلا شرعياً؟
مداخلة: شرعياً.
الشيخ: وهذا الواجب كيف لا، «خيركم خيركم قضاء، وأنا خيركم قضاء».
مداخلة: لكنّه مشروط.
الشيخ: لو أنّك أقرضتني مائة دينار قبل سنة، واليوم المائة دينار يساوي خمسين ديناراً، الخمسين دينار لا أشتري ما كنت أشتريه بمائة دينار اليوم من القمح والشعير واللبن وأشياء ضرورية من ضروريات الحياة، فضلاً عن غيرها، فلا يجوز لي أن أكون شكلياً ظاهرياً، فأوفيك مائة دينار وأقول لك: يا أخي أنا هذا الذي استقرضته منك، وهذا هو أنقده لك نقداً.
مداخلة: بس ما الضابط؟
الشيخ: الضابط هو: «خيركم خيركم قضاء، وأنا خيركم قضاء» «من أحسن إليكم فكافئوه، فإن لم تستطيعوا أن تكافئوه، فادعوا له حتى تعلم أن قد كافأتموه».
فهذا الذي أقرض إليك مائة دينار أحسن أم أساء؟ أحسن، أنت عندما وفيته في وقت انخفاض قيمة الدينار مائة دينار، أحسنت إليه أم أسأت؟
مداخلة: أسات.
الشيخ: هذا هو.
مداخلة: يجب أنه يُقَيّم بالذهب.
مداخلة: إذاً: يكون على الوجوب وليس على الاستحباب.
الشيخ: لا، ليس على الاستحباب.
مداخلة: طيب، ولو أنه قَيّمه له بالدولار مثلاً؟ عند الأداء فقط مثلما يفعل بعض الناس.
الشيخ: إذا عند الأداء تُعْطِيه من الدولارات ما يساوي قيمة مائة دينار شرائية يوم استلمها منه.
مداخلة: إذا كان اختلاف بالعملة؟
الشيخ: بالعملة نعم يكون بس. قلنا حينذاك إذا كان في التجارة ما يجوز، ولكن لوفاء الدين نعم يجوز
).

بيع المرابحة…
وهذه المسألة وثيقة الصلة ببيع الأجل مع الزيادة بل هو أساسها الذي تبنى عليه. وهي المصيبة التي أصابت المسلمين اليوم، وزينها لهم علماؤهم، فصارت أداة محق المال، ومجلبة سخط ذي الجلال. وهي الكذبة الكبرى التي التقت مع توأمها المفتراة، كذبة البنوك الإسلامية. وسأبسطها قدر الإمكان.
وقد استعير لها اسم يوحي بالشرعية والنقاء من المخالفات وهو المرابحة، وأصله: يحدد البائع رأس مال سلعته ويتفقان على زيادة يدفعها الشاري هي بمثابة الربح وهذا النوع من التبايع قال به بعض الفقهاء، ومنهم من جعله ثلاثة أقسام:
1. بيع بزيادة على رأس المال بعد تحديده، وهو البيع بربح.
2. جعل رأس المال هو الثمن.
3. جعل ثمن البيع أقل من رأس المال، وهو بيع بخسارة، وغالبا ما يكون في حال البوار.
وكل الأشكال الثلاثة لا إشكال فيها وهي حلال، وسماها بعضهم بيع الأمانة، لائتمان البائع على تحديد رأس مال السلعة. وتختلف عن أي بيع في أنّ رأس المال مكشوف في المرابحة.

لكن هذه الصيغة المبسطة من المرابحة وهذه الطريقة من التعامل لا تمتُّ إلى مرابحة اليوم بصلة، فالمذكورةُ حلالٌ، والرائجةُ اليوم حرامٌ.
ومع الأسف فإنّها المعاملة الأساسية فيما يسمى اليوم بالبنوك الإسلامية، والمؤسف أكثر، أن تكثر الفتاوى المحلة لها، والدعايات المروجة لتعاطيها. وحقيقة هذه المعاملة هي حقيقة المعاملة التي تجريها شركات تسمى شركات التسهيلات مع بعض الفروق الشكلية التي لا تؤثر في الموضوع، وهي أنّ المشتري، الذي لا يجد مالاً حاضراً لشراء سلعة، أو الذي يريد استيراد سلعة من الخارج، يلجأ إلى البنك (الإسلامي) ليشتري له هذه السلعة، فيقوم البنك هذا بالاتفاق مع المشتري على أن يشتري له السلعة، ويأخذ منه ربحاً حسب مدة السداد، فإن كان سيسدد المشتري في سنة كانت عشرة بالمائة مثلاً وإن كان في سنتين تضاعف النسبة وهكذا. هذا مع تحمل المشتري لكافة المصاريف من شحن وتأمين وخلافه، وهكذا يقوم البنك (الإسلامي) بتمويل الصفقة، ويشتريها لعملائه ويبيعها لهم، ويتقاضى الفرق بين سعر الحاضر (النقد) وسعر المؤجل (الأقساط) وهو الذي يسمى اليوم زوراً عند الممارسين والمفتين (بالمرابحة الشرعية) وما هو كذلك، ويقدر الفائدة حسب مدة السداد تماماً كما تقدر الفائدة الربوية.
وهكذا يصبح البنك (الإسلامي) وسيطاً ربوياً، يقرض المشتري بفائدة مع التظاهر أنّه يشتري ويبيع، والحقيقة أنّه يجري إجراءات شكلية لا معنى لها، من عقود بيع وشراء، ووكالات وغير ذلك، بقصد التحايل والدوران على الأمر الشرعي. ومن أعجب ما رأيت في لوحة إعلانية كبيرة في السعودية، تسميتها (بالمرابحة المباركة). وقد يحتج المبيحون والمروجون، أنّهم لا يرون في بيع التقسيط مع الزيادة حرمة، فحلت عندهم هذه المرابحة.

الإيجار المنتهي بالتمليك…
وهذه المعاملات كما تروي بعض المصادر قديمة في عالم الغرب وعند بعضهم ترجع إلى عام 1846 لكن مجيئها إلى بلاد المسلمين حديث. والمؤجر أو البائع يرغب في تلك المعاملة لأسباب:
1. يضمن عدم المماطلة بدفع الأقساط من قبل المستأجر أو المشتري لأنّ العين، لا تزال باسم المؤجر أو البائع، إذ يسهل عليه التهديد باستردادها.
2. إذا أفلس المستأجر أو المشتري، فإنَّ دعاوى الغرماء لا تطال العين المذكورة.
3. لا يستطيع المستأجر أو المشتري التصرف أبداً بالعين، لأنّها لا زالت في ملك البائع.
4. يضمن المؤجر محافظة المستأجر على العين والاعتناء بها، لأنّها ستؤول إلى ملكه في النهاية.
5. يستطيع المؤجر فسخ العقد، في أي لحظة، وليس للمستأجر مطالبته بما دفع لأنّها تعتبر أقساط أجرة.
6. باب من أبواب ترويج البضاعة لإقبال الناس على ذلك من أصحاب الدخل المحدود.

أما المستأجر أو المشتري فيرغب بها لأسباب:
1. تعطي فرصة الانتفاع بالسلعة أو العين لقاء أقساط أجرة وفي النهاية تؤول إليه. فهي وسيلة ميسرة لاقتناء سلع يضيق عنها دخله.
2. لأنّ العين لا زالت في ملك البائع فهو يتحمل ما يصيبها من أضرار كبيرة ليست من تفريط المستأجر.
3. لا يحتاج المستأجر إلى كفيل غارم، كما هو الحال في بيع التقسيط، لأنّ السلعة لا زالت في ملك البائع، وله استردادها إذا أخل المستأجر بالتزامه.
4. تعفي المستأجر من الضرائب على الممتلكات فترة تسديد الأقساط.

والآن ما حكم هذا النوع من المعاملات، شرعياً؟ وقد بدأ ينتشر بين المسلمين وبخاصة في أمرين: شراء البيوت والسيارات؟
إليكم هذه الفتوى الواضحة من بعد المواقع الإسلامية: (أريد شراء سيارة جمس من شركة لا تقبل نظام التقسيط وتقبل نظام التأجير، ومن الشروط أن تظل السيارة باسمهم إلى السداد كاملا، وأنا مضطر للسيارة من هذه الشركة السؤال هل يجوز الشراء بنظام الشراء؟ ولكم الشكر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنّ هذه الصورة داخلة فيما يعرف بالإيجار المنتهي
بالتمليك، والذي يظهر، والله أعلم، أنّها لا تجوز لاشتمالها على عدة محاذير شرعية لا يمكن تجاوزها منها:
1. العقد على عين واحدة بعقدين غير مستقر على أحدهما، مع التنافر الواقع بين لازميهما، وتنافر اللوازم يؤدي إلى تنافر الملزومات، فالبيع يلزم منه انتقال العين بمنافعها إلى ملك المشتري، فضمانها عليه ومنافعها له، والإيجار يلزم منه أن تبقى العين، في ملك صاحبها وينتفع المستأجر بالمنافع فقط، ولا تصرف له في العين.
2. إنّ القسط المحدد الذي يسميه البائع قسط إيجار لا يتناسب في الواقع مع إيجار مثل هذه العين، بل الغالب فيه أن يكون ضعف إيجار المثل أو أكثر أو أقل، لأنّه نظر إليه في الواقع على أنّه قسط من الثمن، فلو أعسر المشتري ببعض هذه الأقساط سحبت منه العين، وربما يكون قد دفع أقساطاً تساوي في الواقع أكثر قيمة العين، يوضح ذلك المثال الآتي: بيت قيمته مائة ألف، إيجار مثله ألف، يؤجر إيجاراً منتهياً بالتمليك بثلاثة آلاف، عجز المؤجر عن السداد بعد أن دفع اثني عشر شهراً، فسحب منه البيت ولم يرد إليه شيء، بحجة أنّه استوفى المنفعة، ولا يخفى ما في هذا من أكل أموال الناس بالباطل.
3. أنّ هذا العقد أدى إلى إفلاس كثير من الناس، بسبب تساهلهم في أخذ الديون، وربما يؤدي إلى إفلاس الدائنين أنفسهم، ولهذه الأسباب المذكورة، أفتت اللجنة الدائمة في السعودية بمنع هذه الصورة.
ويغني عن هذا العقد الفاسد، ويحقق مقاصده، عقد البيع بالتقسيط، مع أخذ الضمانات الكافية، أو رهن المبيع إلى حين استيفاء القيمة، وفي حال العجز عن السداد تقوّم العين، ويخير المشتري بين الوفاء بالتزاماته أو بيع العين وقضاء ما عليه، ويخير البائع بين أخذ العين بقيمتها في السوق ورد ما زاد عن حقه إلى المشتري، وبين تحصيل ما بقي له بعد بيع العين لأجنبي
).
ولقد وجدت أنّ هذه الفتوى تلخص معظم ما جاء عن جهات شرعية متعددة فيما يتعلق بهذا الموضوع وأكتفي بها حيث أنّها تفي بالمطلوب.

والحمد لله رب العالمين