Skip to main content

(قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ)

By الثلاثاء 14 شوال 1445هـ 23-4-2024مذو القعدة 16, 1445مقالات

صدق الله، وهو الذي خلق الإنسان، ويعلم ما توسوس به نفسه! وقد خلق له حالتان لا ثالثة لهما:
الأولى: أن يقضي مدته على الأرض منسجما مع أصل خلقته التي خُلق لها (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةًفيسستحق أن يكون مكرماً من ربه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا َفْضِيلًا). ومن أدلة تكريم بني آدم أيضا، أن خلق الله أباهم آدم عليه السلام بيدَيْه تبارك وتعالى! يقول الله: (قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ)، وجاء في الحديث الصحيح عن حكيم بن جابر قال: (أخبرت أن ربكم عز وجل لم يمس بيده إلا ثلاثة أشياء: غرس الجنة بيده، وخلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده). يقول الشيخ الألباني: (أخرجه الآجري في “الشريعة” “ص303” وإسناده صحيح).
وأما الثانية، أن يُعرِض وينأى بجانبه عما أنزل الله، فيعيش وفق ما يملي عليه هواه، مستفتيا عقله، فهو ممن قال فيهم خالقهم: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا). ولذلك استحق أن يقول فيه خالقه: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَه)!
وفي تفسير القاسمي، محاسن التأويل، ذكر تحت عنوان لطائف: (الأولى: قال الزمخشري: قُتِلَ الْإِنْسانُ دعاء عليه وهي من أشنع الدعوات. لأن القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها.
الثانية: قال ابن جرير: في قوله: ما أَكْفَرَهُ وجهان أحدهما التعجب من كفره مع إحسان الله إليه وأياديه عنده. والآخر ما الذي أكفره، أي أيّ شيء أكفره؟
وذكر قول الرازيّ: قُتِلَ الْإِنْسان تنبيه على أنهم استحقوا أعظم أنواع العقاب. وقوله: ما أَكْفَرَهُ تنبيه على أنهم اتصفوا بأعظم أنواع القبائح والمنكرات
).
وأما السعدي فيقول: (لهذا قال تعالى: {قُتِلَ الإنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} لنعمة الله وما أشد معاندته للحق بعدما تبين، وهو ما هو؟ هو من أضعف الأشياء، خلقه الله من ماء مهين، ثم قدر خلقه، وسواه بشرا سويا، وأتقن قواه الظاهرة والباطنة. {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} أي: يسر له الأسباب الدينية والدنيوية، وهداه السبيل، وبينه وامتحنه بالأمر والنهي، {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} أي: أكرمه بالدفن، ولم يجعله كسائر الحيوانات التي تكون جيفها على وجه الأرض، {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} أي: بعثه بعد موته للجزاء، فالله هو المنفرد بتدبير الإنسان وتصريفه بهذه التصاريف، لم يشاركه فيه مشارك، وهو -مع هذا-{ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} لا يقوم بما أمره الله، ولم يقض ما فرضه عليه، بل لا يزال مقصرا تحت الطلب).

وبعد، فلنجعل (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَه) منطلقنا، فنسقطها على حال الإنسان، الذي هو اليوم بالنظرة العامة لتصرفاته، ومنطلقاته التي تحكمها الأهواء والمصالح، بل المطامع يستحق أن يُصرخ فيه، بما شهد به خالقه (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَه)…!
لقد حمَّل الله بني آدم أمانة عظيمة، فهل نجحوا؟ الجواب واضح ممن خلق وكلَّف وعلَّم، تقدست أسماؤه. ولنقرأ آيات من سورة الأحزاب. (إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
يقول السعدي في تفسير الآيات السابقات: (يعظم تعالى شأن الأمانة، التي ائتمن الله عليها المكلفين، التي هي امتثال الأوامر، واجتناب المحارم، في حال السر والخفية، كحال العلانية، وأنه تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة، والقوية، السماوات والأرض والجبال، عرض تخيير لا تحتيم، وأنكِ إن قمتِ بها وأدَّيتِهَا على وجهها، فلكِ الثواب، وإن لم تقومي بها، ولم تؤديها فعليكِ العقاب. {فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} أي: خوفًا أن لا يقمن بما حُمِّلْنَ، لا عصيانًا لربهن، ولا زهدًا في ثوابه، وعرضها الله على الإنسان، على ذلك الشرط المذكور، فقبلها، وحملها مع ظلمه وجهله، وحمل هذا الحمل الثقيل. فانقسم الناس -بحسب قيامهم بها وعدمه- إلى ثلاثة أقسام:
منافقين، أظهروا أنهم قاموا بها ظاهرًا لا باطنًا، ومشركين، تركوها ظاهرًا وباطنًا، ومؤمنين، قائمين بها ظاهرًا وباطنًا. فذكر الله تعالى أعمال هؤلاء الأقسام الثلاثة، وما لهم من الثواب والعقاب فقال: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}
).
وإنّ القراءة الواعية المستبصرة للآيات السابقة مع تفسيرها الواضح، رغم أنّه مقتضب، من كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، يقول الزمخشري في شرحها: (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أى قلبٌ واعٍ، لأنّ من لا يعي قلبه فكأنه لا قلب له. وإلقاء السمع: الإصغاء. وَهُوَ شَهِيدٌ: أى حاضر بفطنته، لأنّ من لا يحضر ذهنه فكأنّه غائب). فمن كان شأنه كذلك، وقرأ وفهم وأبصر، ثم أسقط ذلك على الواقع المعاصر في العالم كله، لأدرك حقائق تغيب أو تُغيَّب عن أعين الناس وعن أفهامهم.
ويعنيني جداً، ويُهمني كثيرا، أن أرى وأُرِيِ معي من يريد ذلك، رؤيتين: الأولى للعالم الإسلامي، فإنّي من هذا العالم المسلم وإليه، فرباطي به وثيق ليس كالجزء الباقي من العالم، فنسبي الإسلام قبل أي نسب. والذي أقوله دون إطالة، إنَّ الذي عليه أكثر المسلمين اليوم ليس الإسلام الذي أنزله الله تبارك وتعالى في قرآنه، وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة…!؟ إنّما هو إسلام لعبت به الأهواء، حين لم تكن استجابة أكثر الناس لدعوة نبيهم صادقةً ولا حقيقيةً! وقد حذرنا ربنا من هذا المنزلق في قوله: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). وحذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم في حديث الافتراق الشهير، والذي هو أرجى حديث لمن ينشد إصلاح المسلمين صادقاً، ولن تقوم للمسلمين قائمة أبدا إلا بهذا الحديث، بعد توفيق الله. (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: الجماعة، وفي رواية: ما أنا عليه وأصحابي).
ومن إدبار حال بعض نخب المسلمين وعلمائهم ودعاتهم، أن جعلوا همهم إسقاطَ هذا الحديث، واستبعاده من دائرة العمل به، بدعاوى وحججٍ، مِنْ أبطلها، وكلُّها باطلة، زعمُهم الحرصَ على وحدة المسلمين، التي يرون حديث الافتراق يهددها، زعموا! وأين هي هذه الوحدة التي عليها تخافون؟ وأقول قولاً مضحكاً مبكياً، لبيان موقفي من هذه المسألة المركزية في دنيا المسلمين وأخراهم، لو كانوا يسعون للآخرة وليس للعاجلة (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ)! أجل، إنّي أقول وأقسم، أنّه لو ضاع حديث الافتراق، ولن يضيع بإذن الله، لجعلت جائزة من يجده لي، وحدة الأمة التي يتباكون عليها، وهم الذين ضيعوها، حين ضيعوا حديث الافتراق، عامدين! وإنّي لأعتقد أنّ حديث الافتراق هو هدية الله ورسوله لمن أراد النجاة، حين تكثر الفتن وأخطرها التفرق في الدين! حتى إنّي وصفتُ حديث الافتراق في بعض كتاباتي، بأنّه طوق نجاةٍ ألقاه النبي عليه الصلاة والسلام لمن أراد النجاة من أمته، حين سُئل في الحديث عن الفرقة الناجية من النار، فقال:
(ما أنا عليه وأصحابي). ولقد رصدتُ آراء بعض العلماء الذين يريدون سلب صفة الصحة عن الحديث، وبالتالي ترك الاحتجاج به، فرأيت عجبا! وبخاصة حينما يتم الاطلاع على أسماء الذين شهدوا بصحة الحديث، وأكدوا وجوب العمل به، لإصلاح أحوال المسلمين. ومن هؤلاء، الترمذي، الحاكم، أبو داود، الذهبي، ابن حجر، ابن تيمية، الشاطبي، ابن كثير، والألباني، من المعاصرين، وله دراسة حديثية معمقة عن الحديث، في كتابه (سلسلة الأحاديث الصحيحة) ، وصححه بتعدد طرقه، رداً على من ضعفوه.
وكل من تكلم في الحديث لم يدرس كل طرق الحديث، وعددها ستة عشر طريقا، كما تقتضيه قواعد المحدثين، إنّما ضعفوا روايات بلغتهم وحسب، وذلك مبلغهم من العلم. وممن حشد الكلام لإسقاط الحديث الشيخ القرضاوي، ولم يكن موفقاً، وليراجع موقعه! ومما لا ينقضي عجبي منه قوله في بعض ما قال: إنّ الحديث ليس في الصحيحين، وهو أعلم الناس بأنّ حجته داحضة، لأنّ علماء الحديث أجمعوا على أنّ
الصحيحين لم يستوعبا كل الصحيح! وليست الأحاديث الصحيحة مقصورة فقط على ما في الصحيحين! وأوهى من هذه الحجة قوله: والأولى ترك العمل بالحديث، لأنّه يسبب تفرق الأمة واحترابها! والصواب الذي فات القرضاوي ومن كان له موقفه، أنّ صلاح أمر الأمة وفلاحها منوط بتطبيق حديث الافتراق. وممن سعى في نسف الحديث من المعاصرين، الدَدّو، في كلام طويل ولم يأت بما يروي الغليل، على طريقة علماء الكلام، في تشويش الأفهام!
ولا ينقضي عجبي من عالم ألف كتابا، منذ ثلاثين سنة أو أكثر، كرس 74 صفحة منه لدراسة روايات حديث الافتراق الستة عشر، دراسةً حديثيةً مِهنيَّةً بحق، أوصلته إلى تصحيحه والتأكيد على وجوب العمل به، للمِّ شمل المسلمين. وبعد تلك المدة، نقض ما كتبت يمينه، وكتب في منشور له ما معناه: (لبعض العلماء كلام في سند الحديث، وعلى فرض صحته لا ينبغي أن نعدو قدره عند الناس). ولم أصرح باسمه لمصلحة شرعية.
على أنّي لا أود مغادرة هذه الفقرة قبل أن أشهد لوجه الله، ثم لنصرة دين الله، بعد أن خذله أهله حينما فعلت
فتنة التبديل فيهم فعلها، وأوردهم التأويل، الذي علمهم إياه، وأغراهم به، أهل الاعتزال، ورثة الفلسفة اليونانية الوثنية، المهالك. وأقول محذراً ومذكراً، أنّ تلك الطائفة، وقد أسماهم بعض الباحثين في الشأن الإسلامي (المعتزلة الجدد)، مكرهُم اليومَ، بالإسلام وأهله، مكراً كٌبَّاراً، يستخفون بمسميات ولبوس متبدل، تمويهاً وخداعاً، مستغلين كل وسيلة عصرية للغواية الفكرية! وفي أهل الإسلام سماعون لهم، بين مُضلَّلٍ ومُعجبٍ، ففارق أكثر الناس وحي الله، وهدي رسول الله، فغاب من الإسلام أصولُه، وحلَّ مكانها العقلُ المخلوقُ القاصرُ وتأويلُه، فأخلد المسلمون إلى الأرض، واتبعوا أهواءهم، وماعاد ينفعهم أهل الأرض لو اجتمعوا، يوم يقفون للسؤال (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ).

كذلك فإنّي لا أود مغادرة هذا الموضوع، قبل أن أبدي رأيا حول سكان هذا الكوكب، من غير المسلمين، ليس للمناصحة، فلست منهم، ولا يصغون لمقالتي، وإنّما ليتوازن الخطاب، ولكي لا أُتَّهم بالتعصب والكراهية، فالإسلام لا يحتاج لمن يتعصب له، ولا لمن يستجدي من أجله! لكنّي يعصر قلبي الأسى، حين أرى فعل غير المسلمين في أهل الإسلام وناشئتهم كبير، في حين أنّ فعل أهل الإسلام في غيرهم من أهل الأرض قليل ضعيف! لأنّ كل عمل إسلامي إصلاحي لا يُؤتي أُكُلَهُ، لا عند أهل الإسلام، ولاعند غيرهم، ولو كان صواباً ومؤصلاً، مادام تحركاً فردياً. والأصل أن يكون من وراء مثل تلك الأعمال الشرعية الدعوية الضرورية، ثِقلُ حضورِ أمة الإسلام، وصوت أمة الإسلام، الذي هو صدى الوحي الذي صنع الأمة ووحدها وجعل صوتها مجلجلا في أنحاء المعمورة! ولكن هيهات هيهات، لقدغابت أمة الإسلام، أو فقدت فاعليتها فصارت كغثاء السيل، أو لَتُكْفَأنَّ عن دِينِهَا كَمَا يُكْفَأُ الْإِنَاءُ فِي الْبَطْحَاءِ. والمعاني السابقة عما سيصيب أمة الإسلام قد جاءت في أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما كان ذلك إلا بفعل أبنائها حين شردوا عن الوحيين واستبدلوا بهما العقل وأقوال الرجال!
أما الذي أريد أن أقوله لسكان الأرض، من غير المسلمين، وتجمعني معهم رابطة الإنسانية، وكلنا أبناء آدم عليه السلام. أقول لهم، من واقع ما نعايش بل نضطر إلى أن نعايش في إقليمنا هذه الأيام أصوات طبول الحرب تقرع أسماعنا، وتصم آذاننا أصوات الإنفجارات من كل أسلحة الدمار، وتزكم الأنوف رائحة البارود وقداختلطت بالروائح التي تخرج من الجثث الملقاة في كل مكان، دون أن تحظى بآخر حق للإنسان على أخيه الإنسان أن يواري سوأة أخيه إذا مات! وننام ونصحو على أخبار العنف والقتل والدمار والتشرد، مع أبشع وأقسى الصور التي تُعرض فيراها كل الأعمار! فما عساي أقول لبني أدم على الأرض؟! أراكم يا أهل الغرب المتحضر كما يُحب أن يسمي نفسه، أو أن يُسمى، أراكم نسيتم تماما ما تواضع عليه آباؤكم وأجدادكم، في حالة هبوبٍ لرياح إنسانية، فكتبوا بأيديهم ميثاق الأمم المتحدة، ولائحة حقوق الإنسان، وبنود مجلس الأمن، وشيدوا بأدوات البناء التي صنعت لبناء الحضارة والجمال تمثال الحرية الشامخ، كل ذلك فعله الآباء والأجداد الإنسانيون لوقاية الإنسان من ظلم وبأس وجشع أخيه الإنسان! فما بال أحفاد أولئك القوم البناة، يتنكرون لرابطة الإنسانية بين أهل الأرض، ويجحدون الأخوة بين بني آدم، وأحلوا بدائل لقوانين وتشريعات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، سباق التسلح النووي، وتطوير أسلحة الدمار. وأما من شُيد على أرضهم تمثال الحرية، فقد استبدلوا به ما هو خير منه، وهو الفيتو في مجلس الأمن ليُخرس كل صوت ينادي بالعدل أو نصرة المستضعفين، أو قمع كل متغول على حرية الآخرين! وإنّي لأرى أنّ الكبار أو من يُسمَون بدول المركز، صاروا كأخيهم قابيل يقول لأخيه هابيل لدي خلاف بين أخوين توأمين: (لأَقْتُلَنَّكَ)، فيجيبه توأمه هابيل: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)!

وأخيرا، يا ساكني كوكب الأرض، كلنا لآدم، فلِمَ يَتخذُ بعضُنا أخاه قابيل قاتل أخيه التوأم إماماً، يتبع طريقته حتى في مذهب (لأَقْتُلَنَّكَ)، وبعضنا يكونون كأخيهم هابيل، يهدده أخوه بالقتل فيكون جوابه للتهديد (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)! فهل يستويان مثلا؟! وصدق الله العظيم (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَه).

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك