Skip to main content

حُكْمُ قِرَاءَةِ القُرْآنِ مِنَ الأَجْهِزَةِ الإِلِكِتْرُونِيَّةِ

By الخميس 25 ربيع الثاني 1437هـ 4-2-2016ممحرم 20, 1441بحوث ومسائل, فتاوى, فقه

جاء في صحيح الجامع للشيخ الألباني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف).

والسؤال هل قراءة القرآن في أي جهاز يحوي كتاب الله مضبوطاً موثوقاً (كالأجهزة الإلكترونية) يختلف عن قراءته من المصحف الذي بين أيدي الناس، من حيث تطبيق منطوق الحديث؟

ومفتاح فهم الحديث معرفة معنى المصحف. فهل المصحف إسم شرعي لكتاب الله؟ والصحيح أنّه مصطلح لغوي أطلق على الصحف التي كتب فيها القرآن. جاء في لسان العرب: (وإنّما سمي المصحف مصحفاً لأَنّه أُصحِف أَي جعل جامعاً للصحف المكتوبة بين الدفتين. قال الفراء يقال مُصْحَفٌ ومِصْحَفٌ كما يقال مُطْرَفٌ ومِطْرَفٌ قال وقوله مُصْحف من أُصْحِفَ أَي جُمِعَتْ فيه الصحف وأُطْرِفَ جُعِلَ في طَرَفَيْه العَلَمان). فاللفظة لا تحمل معنى شرعياً بل المراد منها المعنى اللغوي لكل ما يحمل الرسم القرآني. ولقد وردت عدة أحاديث حول فضل النظر في المصحف وكلها لا تصح إلا الذي بين أيدينا.

ومما يؤكد أنّ كلمة المصحف لا تعني معنى شرعياً، أي ليست إسماً خاصاً بالقرآن، تعامل العلماء مع مسألة النظر في المصحف: جاء في فتح الباري لابن حجر: (ومن حيث المعنى أنّ القراءة في المصحف أسلم من الغلط، لكنّ القراءة عن ظهر قلب أبعد من الرياء، وأمكن للخشوع. والذي يظهر أنّ ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص).

وقال النووي في الأذكار: (قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة من حفظه، هكذا قال أصحابنا، وهو مشهور عن السلف رضي الله عنهم، وهذا ليس على إطلاقه، بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا فمن المصحف أفضل، وهذا مراد السلف).

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: (هل هناك فرق في الأجر بين قراءة القرآن من المصحف أو عن ظهر قلب؟ وإذا قرأت القرآن في المصحف فهل تكفي القراءة بالعينين أم لابد من تحريك الشفتين؟ وهل يكفي تحريك الشفتين أم لا بد من إخراج الصوت؟

فأجاب: لا أعلم دليلا يفرق بين القراءة في المصحف أو القراءة عن ظهر قلب، وإنما المشروع التدبر وإحضار القلب، سواء قرأ من المصحف أو عن ظهر قلب، وإنما تكون قراءة إذا سمعها. ولا يكفي نظر العينين ولا استحضار القراءة من غير تلفظ. والسنة للقارئ أن يتلفظ ويتدبر، كما قال الله عز وجل: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) وإذا كانت القراءة عن ظهر قلب أخشع لقلبه وأقرب إلى تدبر القرآن، فهي أفضل، وإن كانت القراءة من المصحف أخشع لقلبه، وأكمل في تدبره كانت أفضل، والله ولي التوفيق). انتهى من مجموع فتاوى الشيخ ابن باز.

ولا يخفى أنّ القرآن لم يُجمع في مصحف واحد في حياة الرسول عليه السلام، فتكون كلمة مصحف استعمالا لغويا. ولو كان للنظر في المصحف فضل غير التثبت من القراءة لكان الصحابة قد حرموا هذا الفضل، لأنّهم كانوا ينظرون في صحف خاصة بهم، فالغاية التثبت من الصحة. وقد أبعد بعض العلماء النجعة في تفسير الحديث بتكلف. وكما جاء في فيض القدير:

(والنظر إلى المصحف أي القراءة فيه نظرا فإنها أفضل من القراءة من ظهر قلب فإن القارئ في المصحف يستعمل لسانه وعينه فهو في عبادتين والقارئ من حفظه يقتصر على اللسان).

ويقول: (من سره أن يحب الله ورسوله أي من سره أن يزداد من محبة الله ورسوله فليقر القرآن نظرا (في المصحف) … وذلك لأن في القراءة نظر زيادة ملاحظة للذات والصفات فيحصل من ذلك زيادة ارتباط توجب زيادة المحبة وكان بعض مشايخ الصوفية إذا سلك مريدا أشغله بذكر الجلالة وكتبها له في كفه وأمره بالنظر إليها حال الذكر).

والمترجح عندي أنّ القراءة نظرا أدعى للتدبر لأنّ العقل يتفرغ لذلك، أما في حالة القراءة غيبا، ينشغل العقل بعملية الاستذكار والاستحضار. وتستوي القراءة بكل ما يحوي القرآن مكتوبا، بشرط كونه مصدرا موثقا، لأنّ المقصود، من خلال ما مر، ضبط القراءة والتدبر .. والله أعلم