Skip to main content

صِيَامُ السَّبْتِ إِذَا وَافَقَ عَاشُورَاء أَوْ يَوْم عَرَفَة أَوْ غَيْرهمَا

By الثلاثاء 6 محرم 1439هـ 26-9-2017ممحرم 20, 1441بحوث ومسائل, فتاوى, فقه

اطلعت على الكلام الذي أرسل إلي، وطُلب مني التعليق، وها أنذا أُثبته هنا: (اذا وافق يوم عاشوراء يوم السبت فما حكم الصيام ؟

اختلف العلماء في حكم يوم السبت على قولين : الصحيح منهما الجواز، لفعله صلى الله عليه وسلم، وحديث الصمَّاء الوارد في النهي لا يصح وهو قوله: (لاَ تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ، إِلاَّ فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلاَّ لحاء عنبٍ، أو عود شجرة، فليمضغها) أنكره مالك وقال أبو داود بنسخه.

ولو ثبت الحديث لكان مخصوصاً بوجود السبب وهو عاشوراء فكيف والحديث غير صحيح، فعلى هذا يصح صيام يوم عاشوراء إذا وافق يوم السبت ولا كراهة في هذا) ا.هــ

أبدأ القول: إنّ الكلام ليس جديداً وهو رأي أكثر العلماء في القديم، وفي الحديث عند من لا يرى الخروج على رأي السابقين .. وأُريد في البداية أنْ لا يطغى رأي الأكثرين على علمية المناقشة وقوة وحجية الدليل .. فالحق لا يُعرف بالرجال وكل يؤخذ من قوله ويرد..!

وللتبسيط نُقسّم القائلين بجواز صيام السبت نفلاً إلى ثلاثة أقسام:

1. قسم لا يرى صحة حديث (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة، أو عود شجرة فليمضغه) رواه أحمد وأصحاب السنن والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري، وحسنه الترمذي، كذلك رواه غيرهم من الأئمة.

وقد تابع مُعظم هؤلاء الإمام مالك رحمه الله، في حكمه على الحديث (إنه كذب). ولهؤلاء أقول: إنّ مالكاً حكم على رواية بلغته، ولكنْ غيره من العلماء المحققين وقف على روايات أخرى لا علة فيها، فحكم بصحة الحديث. كما جاء عن النووي فيما ينقله الشيخ الألباني: وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير بعد أن ذكر قول مالك هذا [ 103 / 1 ]: (قال النووي: لا يُقبل هذا منه وقد صححه الأئمة) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (3/ 219).

وتقصي الروايات كلها ومقارنتها، ومناقشتها تُوصل إلى صحة الحديث، وقد فعل هذا عديد من الأئمة في القديم، والشيخ الألباني من المعاصرين .. ولمن لم يقبل صحة الحديث نقول: إعمل بما ترجح لديك، إن كُنت من أهل البحث والترجيح، ولا تكن مقلداً، لتكون منسجما مع نفسك..!

2. فريق لم يقولوا بضعف الحديث وإنّما غيروا في دلالته، فقالوا الحديث ينهى عن إفراد السبت بصوم، وليس عن صيامه مطلقاً .. وهذا يُخالف نص الحديث الواضح، ويُحمِّل كلام أفصح العرب معنى لم يقله ولم يُرده، وهذا أمر لا ينبغي أنْ يكون فضلاً أن يُعمل به .. ويردُّ ابن القيم على هؤلاء في ما جاء عنه في تهذيب السنن كما نقله الشيخ الألباني في تمام المنة قائلاً: (وتأويل الحديث بالنهي عن صوم السبت مفردا يأباه قوله: (إلا فيما افترض عليكم) فإنّه كما قال ابن القيم في “تهذيب السنن”: (دليل على المنع من صومه في غير الفرض مفرداّ أو مضافا) لأنّ الاستثناء دليل التناول وهو يقتضي أنّ النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض ولو كان إنّما يتناول صورة الأفراد لقال: لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده كما قال في الجمعة فلما خص الصورة المأذون فيها صومها بالفريضة علم تناول النهي لما قابلها).

3. وأهل القسم الثالث لم يطعنوا في أصل السند، وإنّما وصفوا الحديت بالنكارة أو الشذوذ أو النسخ، وذلك لأنّهم لم يُوفقوا إلى الجمع بينه وبين أحاديث مخالفة له، كما بدا لهم، كتلك التي تُثبت صوم النبي صلى الله عليه وسلم ليوم السبت، وأكثر تلك الأحاديث لا يصح، وكذلك الجمع بينه وبين حديث: (لا تصوموا الجمعة إلا ويوما قبله أو يوما بعده)، وحديث جويرية رضي الله عنها في البخاري: عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها:
(أنَّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخَل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: (أصمتِ أمس؟ قالت: لا، قال: تُريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري).

ويُرد على هؤلاء بأنّ الحُكم على الحديث بالشذوذ أو النسخ دليل واضح على أنّه صحيح الإسناد أصلاً، عند من حكم عليه بذلك، كما تقتضي قواعد علم المصطلح، والحُكم عليه بالشذوذ أو بأنّه منسوخ، كما فعل أبو داود وغيره بدعوى مخالفته عندهم للأحاديث المذكورة آنفاً. ويُرد على ذلك بالآتي:

الأصل عدم إسقاط نص مع إمكان الجمع بينه وبين النصوص المخالفة، والجمع هنا ممكن بطرق:

أ. تطبيق القاعدة المشهورة: (إذا تعارض حاظر ومبيح) يقدم الحاظر، وحديث النهي عن صوم السبت نفلاً يُقدم على ما صح من أحاديث صومه لأنّه نص حاظر .

ب. تطبيق القاعدة الشهيرة: (إذا تعارض فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله قُدّم القول)، وحديث النهي عن صوم السبت حديث قولي، وجُل، بل كل الأحاديث المخالفة أحاديث فعل.

ج. أما فيما يختص بحديث النبي صلى الله عليه وسلم مع جويرية رضي الله عنها (دخَل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: أصمتِ أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري)، وظنّه مخالفاً أو معارضاً لحديث النهي عن صوم السبت نفلاً، فحُكِم على الحديث بالنسخ أو الشذوذ فيقال:

إنّ حُكم صوم السبت لمن يصوم يوم الجمعة ولم يكن قد صام الخميس، واجبٌ للخروج من النهي عن إفراد صوم الجمعة، فيكون عندئذ صوم السبت منسجماً مع منطوق ومفهوم الحديث، فالحديث ينهى عن صوم السبت في ما سوى الفرض، وصوم السبت بعد الجمعة لمن لم يصم الخميس فرض ولا شك.

أما الذين يدفعهم الحرص على كسب ثواب صوم النفل، كصوم عاشوراء أو عرفة، إذا وافق يوم السبت إلى الوقوع في مخالفة هدي نبيهم عليه السلام لعدم معرفتهم أصول الاستدلال، أو لتغليبهم العاطفة الجاهلة على العلم المؤصل، محتجين أنّ النهي وارد إن لم يكن لصيام السبت سبب أو مناسبة .. نقول: إنّ هذا الاستثناء الذي استثنته عقولكم وأهواؤكم، كان الأولى به النبي المعلم، الذي ما ترك خيراّ إلا ودل أمته عليه، والذي لا يُؤخر البيان عن وقت الحاجة، كما تقضي القاعدة الأصولية..! ونقول لهؤلاء أيضاً: من لم يصم السبت يوم عرفة، مثلاً، خرج مأجوراً بتكفير سنتين لنيته، مضافاً إلى ذاك الأجر، أجر ترك صوم السبت اتباعاً للحديث .. أما من صام فالله أعلم بحاله، ولا أتألى على الله.


هذا ما يُقال في عجالة واختصار، ومرة أخرى، لا ينبغي لمسلم أنْ تصده أقوال العلماء، المخالفة للأدلة، مهما علت رتبهم، لأنّهم بشر قد تند عن أفهامهم فكرة بسيطة يُدركها من هو أقل منهم بكثير، وقد تغيب عنهم نكتة، يُوفق إليها غيرهم، وكل يُؤخذ من قوله ويرد .. والله أعلم، ورد العلم إليه أسلم .. والحمد لله رب العالمين