تعريف النسخ:
يقول ابن قدامة: (النسخ هو رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه). وتبسيط التعريف، استبدال حكم تكليفي بحكم آخر، إذن المنسوخ هو المتقدم زمناً، والناسخ هو المتأخر عنه زمناً. مثال النسخ قوله عليه السلام: (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزورها). كان منعٌ، ثم استبدل بإباحة.
وعلماء المسلمين متفقون على أنّ النسخ موجود في القرآن والسنة، ولم يخالف إلا بعض المعتزلة بقولهم: النسخ فيه عقيدة البداء أو البدو، وهي العقيدة التي يقولها اليهود عليهم لعنة الله، أي أنّ الله عز وجل ظهر له شيءٌ بعد أن خفي عليه فأمر بشيء ثم ظهر له أنّ الخير والصواب في خلافه، تعالى عما يقولون علواً كبيراً .. فقالوا لو قلنا بجواز النسخ في الأخبار لقلنا بعقيدة البداء، وفي الحقيقة هذا كلام ساقط وليس بصحيح، وهو مدفوع بآيتين كريمتين وكأنهما رد مباشر:
الأولى قوله تعالى في البقرة: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). والثانية قوله تعالى في النحل: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ). ولا ننسى أنّ الله تبارك وتعالى فعال لما يريد، ولا يُسأل عما يفعل.
أنواع النسخ:
أولاً: نسخ القرآن بالقرآن: مثل قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) فهذه الآية نُسخت بآية المواريث. ومن العلماء الذين يجيزون نسخ القرآن بالسنة من قال إنّها منسوخة بقوله عليه السلام: (الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث).
ثانياً: نسخ السنة بالسنة: مثل الحديث المتقدم: (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزورها).
ثالثاً: نسخ السنة بالقرآن: مثل نسخ استقبال قبلة بيت المقدس التي ثبتت في السنة باستقبال الكعبة التي ثبتت بالقرآن.
رابعاً: نسخ القرآن بالسنة: مثل نسخ الوصية للوالدين بالحديث كما تقدم قبل قليل لمن يرى ذلك، وفي هذا خلاف.
الوجوه التي يقع فيها النسخ:
1. نسخ الحكم وبقاء التلاوة. مثل قوله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ…) نسخت بقوله: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ).
2. نسخ التلاوة، وبقاء الحكم. مثاله آية الرجم؛ فقد ثبت عن عمر قال: (إنّ الله عز وجل قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها وعقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده .. فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف). ونص الآية المنسوخ تلاوتها (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة) .. وهذه المسألة مطروحة اليوم، من قبل العلمانيين والمرجفين على أوسع نطاق، كما تنبأ عمر الفاروق رضي الله عنه.
3. نسخ التلاوة والحكم معاً. ومثاله ما أخرجه مسلم من حديث عائشة قالت: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات) فآية الرضعات العشر منسوخ تلاوتها مع حكمها.
أي شيء يتناوله النسخ؟
الشيء الذي ينسخ هو الأحكام كالأوامر والنواهي والحلال والحرام. ولا يكون النسخ أبداً في العقائد كالتوحيد والصفات وسائر الاعتقاد .. كما أنّ النسخ لا يكون في الأخبار لأنّ الخبر لو نسخ بخبر آخر لكان أحدهما وهو المنسوخ كذباً ومحال أن يكون في نصوص الوحيين خبر كاذب.
ولا بد أن يعلم أنّ النسخ لا يكون إلا في حياة النبي عليه السلام، لأنّ الوحي ينقطع بوفاته، والناسخ لا يمكن إلا أن يكون وحياَ.
وهذا أبرز ما تنبغي معرفته عن النسخ في هذه العجالة .. والحمد لله رب العالمين