Skip to main content

رُؤوسُ فِتْنةٍ فَاحْذَرُوهُم

By السبت 7 ذو القعدة 1444هـ 27-5-2023مذو القعدة 16, 1444مقالات

الفتنة الكبرى
ما أظنُّ زمناً اكتظت فيه الفتن، كاكتظاظها في الزمنِ الحاضر! وتكاد لتنوعها لا تُحصر! لكنَّ الذي يعنينا في بحثنا أن نقارب فتنة من أخطر الفتن في حياة المسلمين، وهي الأكثر تميزاً ووضوحا، وإحكاما وتأثيراً، لأنّها لم يُرَد لها أن تكون خافية، لتحقق مردودا أكبر في ما وضعت له! إنّها صرف المسلمين، بطريقة أو بأخرى، عن الوحيين اللذين هما أصل الدين، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي, ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض). وقد علق الشيخ الألباني على الحديث بقوله: (فإذا هم فعلوا ذلك فقد وضعوا الأساس لقيام المجتمع الإسلامي وبدونه لا يمكن أن تكون لهم قائمة, أو تنشأ لهم دولة مسلمة).
ولا بد بين يدي الموضوع من تعريفٍ عن مفهوم الفتنة في الدين. إنّها محاولات كثيرة من أعداء الدين لتحقيق هدف واحد، وهو أن يَترك المسلمون الوحي المنزل، وهدي النبي المرسل، ليعملوا بما تمليه عقولهم، وبما يُوحِي إليهم شَيَاطِينُ الْإنسِ وَالْجِنِّ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا. وتمام الآية (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ). وقد أجاد الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية، وكان لزاماً عليَّ إتماماً للفائدة بسط ما قال: (يُزينُ بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل، ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة، ليغتر به السفهاء، وينقاد له الأغبياء، الذين لا يفهمون الحقائق، ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة، والعبارات المموهة، فيعتقدون الحق باطلا والباطل حقا، ولهذا قال تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ} أي: ولتميل إلى ذلك الكلام المزخرف {أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} لأن عدم إيمانهم باليوم الآخر وعدم عقولهم النافعة، يحملهم على ذلك). انتهى الاقتباس.
وينبغي أن يُعلم أنّ فتنة المسلمين، عن طريق ترك الوحيين، قديمة بدأت مع بداية صدع نبينا عليه الصلاة والسلام بالدعوة للدين الحنيف، وما يزال هذا الكيد مستمرا إلى يوم الدين! يقول ربنا تبارك وتعالى: (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا). وفي الآية الأخرى (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ).

ونؤكد الفكرة أكثر، حتى لا نُخدع ولا نَخدع أنفسنا، فنقول: إنّ أكبر فتنة تصيب المسلمين أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويتركوا الوحيين، وقد وقع ذلك، وإلى الله المشتكى. ولقد أدرك أعداء الإسلام وأهله أنّ إفلاحهم في إبعاد المسلمين عن وحي ربهم هو إصابةٌ للمسلمين في المقتل، فاعتمدوا ذلك وتواصوا به، فحققوا بغيتهم في كل الأعصار! وكان أكبرَ معينٍ للأعداء على تحقيق ذلك المكر، ولاسيما في العصر الحاضر، المسلمون الذين كَفَوا أعداء الدين المؤنة من أجل الإفساد، وحققوا في أنفسهم مُراد أعدائهم بهم، فحق عليهم القول (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ).
ولا ينبغي أن يبحث باحث في شأن انتكاسات المسلمين، وما يتصل بذلك من فتن، دون أن يعرج على المدرسة العقلية، التي بدأت مع فكر المعتزلة، ولا زالت تجدد نفسها، وتلبس لكل زمان لبوسا يناسبه، لتحقق أحسن الأداء! وما أظنُّ منصفاً يخالفني في أنّ الإسلام وأهله لم ينلهم وصبٌ ونصبٌ وضربٌ في الصميم كالذي جاءهم من المدرسة العقلية، مع تمويه حقيقتها، وتبديل تسميتها على مر القرون. وموضوعي يبحث في جانب من جوانب كيد تلك المدرسة، فلن أشتت جهدي، وأبدد بحثي في كلام يطول عن مثالب المدرسة العقلية، مع أهمية ذلك انتصارا للإسلام. لكنّ الله تبارك وتعالى سيقيض لكل جانب من ذلك الكيد من هو أهلٌ لفضحه ودحضه وإبطاله، بإذنه تعالى.
لكنّي قبل مغادرة هذه الفقرة، أوًدُّ إقرار حقيقة وهي أنّ المدرسة العقلية لأنّها من أقدم الكائدين للإسلام وأفعلِهم تنشر اليوم جناحيها في كل مكان، لينضوي تحتهما كل مناهض للإسلام، وذلك جمعاً لكل الجهود، من أجل أن تفعل ولا تبعثر، ومنح خبرة ودراية لمن لا يحسن تحقيق مبتغاه، واحتواءً لمن يمتلئون حقدا على الإسلام ولا يحسنون العمل لذلك الحقد، لجهلٍ أو لحبِّ العمل في الخفاء، وتكتيك (إضرب واهرب)، والمدرسة العقلية تعطي كل شيء لشركاء المؤامرة، ولا تأخذ شيئا لأنّها ضمنت ورهنت لنفسها تحقيق الأهداف الاستراتيجية بتسخير أولئك الأعوان! لن أزيد الشرح، فهو ليس بخافٍ على من يحمل همَّ نُصرة الإسلام!

من هم رؤوس الفتنة؟
وإنّ عبارة (رؤوس فتنة) التي ذكرت في العنوان تشير إلى الذين ألبسهم كبراؤهم الذين علموهم السحر لبوس الإسلام، وألقوا على ألسنتهم منكراً منَ القول وزوراً، وقدموهم في الفضائيات على أنّهم مفكرون إسلاميون، يدعون إلى التجديد والإصلاح، وأرسلوهم في الناس يبغونهم الفتنة، وقد خاب وخسر المُرسِلونَ والمُرسَلون! فمن هُمْ؟
إنّهم الهالك (محمد ديب شحرور) و(عدنان إبراهيم) و(علي منصور كيالي)، إنّ هؤلاء جعلوا من أنفسهم، بل جُعلوا رواداً لتحقيق الفتنة الكبرى؛ فتنة مفارقة الوحيين، والتي فيها مقتل المسلمين وضياع الدين. وحينما قلتُ إنّهم رُوادٌ أردت أن يُعلم أنّ معهم سماعين لهم مخفيين، وستظهرهم الأيام، وقد يصبحون رواداً وقُوَّاداً كمن علموهم! وقد يرى بعض الناس كلامي مبالغا فيه، ومغايرا للحقيقة، ولا يحكي الواقع! وأقول لهؤلاء لقد خدعتكم أبصاركم فوهمتم، وحق أن يقال لكم ما قاله المتنبي:

أعيذها نظراتٍ منك صائبةً****أن تحسب الشحمَ في من شحمُه ورمُ

ولقد يغيب عن الناس مفهوم الهداية والضلال، وبخاصة من ليس لهم نصيب في العلم الشرعي. ويناسب أن أبين لأولئك البيان الذي بينه الله لعباده، حتى يكونوا على بينة من أمرهم. فقد جعل الله الحياة والهلاك استعارة للكفر والإسلام. ولنفهم النصوص الآتية على ضوء القاعدة المذكورة. ولنقرأ قول ربكم: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا). ويفسر الشيخ السعدي الآية فيقول: ({أَوَمَنْ كَانَ} من قبل هداية الله له {مَيْتًا} في ظلمات الكفر، والجهل، والمعاصي، {فَأَحْيَيْنَاهُ} بنور العلم والإيمان والطاعة، فصار يمشي بين الناس في النور، متبصرا في أموره، مهتديا لسبيله، عارفا للخير مؤثرا له، مجتهدا في تنفيذه في نفسه وغيره، عارفا بالشر مبغضا له، مجتهدا فيتركه وإزالته عن نفسه وعن غيره. أفيستوي هذا بمن هو في الظلمات، ظلمات الجهل والغي، والكفر والمعاصي. {لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} قد التبست عليه الطرق، وأظلمت عليه المسالك، فحضرها لهم والغم والحزن والشقاء. فنبه تعالى العقول بما تدركه وتعرفه، أنه لا يستوي هذا ولا هذا كما لا يستوي الليل والنهار، والضياء والظلمة، والأحياء والأموات). جعل ربنا الهدايةَ حياةً، والضلالَة موتاً. ولنقرأ أيضا قوله: (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)). وستفهم الأية بوضوح كسابقتها وفق البيان الرباني الذي يفهمه كل الخلق، فمن الذي لا يفهم الفرق بين الموت والحياة؟!
وبعد التشبع بالعرض الماضي مع قواعد فهمه، يتضح تماما الخط العريض لهذه المقاربة: إنّه بالوحيين يحيا الدين، ويكون الدين كله لله، فيسمو به المسلمون ويكونون خير عُمَّارِ الأرض، وبغير الوحيين يضيع الدين لكونه صار لغير الله، ولن يرتفع المسلمون به، بل يُخلدون إلى الأرض، ويتبعون هواهم، ويَدَعون طاعة مولاهم! وقد يكون الإنسان ميتا وفق منطوق القرآن الكريم، وهو يمشي بين الناس يشار إليه بالبنان على أنّه كل شيء في أعين الناس، وهو ليس على شيء عند الله! قال الشاعر:

يا رُبَّ حيٍّ جدار القبر مسكنه***ورُبَّ ميْتٍ على أقدامه انتصبا

ومن هذا القبيل تماماً، الأشخاص الثلاثة الذين هم مادة البحث. وليس بهَمِّي، وما هو بحِرْصي، أن أطيل الكلام في هؤلاء فهم أدنى من ذلك! إنّما همي وحرصي إحقاقُ الحقِّ، وإبراءُ الذمَّةِ، وإقامةُ الحُجَّة، وإزالة الغشاوة التي تُعْمِه البسطاء من المسلمين. وللفائدة ففي لسان العرب: (العَمَهُ فِي الْبَصِيرَةِ كَالْعَمَى فِي البصَر). ونقل عن ابن الأثير: (والعَمَهُ فِي الرأْي، والعَمَى فِي البصَر).
وأقول: إنَّ أولئك الأشخاص صُنعوا على أعين أعداء الإسلام والمسلمين، ومن السذاجة، بل الغفلة أن يُفهم أنّ أولئك تخرجوا من كلية معينة، وتلقوا علوما خاصة، لا! لكنّهم عُرفوا منذ بداياتهم أنّهم، ولأسباب كثيرة، ميالون إلى الفتنة، فهُيِّأَت لهم الظروف والأسباب التي تبقيهم على طريق الفتنة، وتزيدهم ضلالاً.
ولنضرب المثال الإيضاحي بإمامهم الهالك محمد ديب شحرور، فهم على إثره يسيرون، وبأقواله يقولون، وكلهم إلى العبث بالدين، وقلب الحقائق، واتباع غير سبيل المؤمنين يهدفون.
محمد ديب شحرور
وملخص سيرته، أنّه بعد أن أنهى الدراسة الثانوية، وكان ذا ميول يسارية، ابتعث إلى الاتحاد السوفييتي لدراسة الهندسة، ولقن هناك قواعد المهمة التي اختير لها. ثم عاد إلى دمشق ودرَّس في الجامعة. ثم ابتعث ثانية إلى جامعة دبلن بإيرلندا عام 1968 للحصول على شهادتي الماجستير والدكتوراه وحصل عليهاعام 1972 في الهندسة المدنية. ولقد قيل إنّه كان في إيرلندا نشيطا في الاتصال مع بعض العلمانيين واليساريين الغربيين، من ذوي النشاط المبرمج للدعوة لما يعتقدون، واستفاد خبرة تفيده في عمله فيما انتدب إليه لخدمة اليسار الإسلامي. ولقد كثَّف نشاطه كثيرا بعد نشر كتابه الأول، واستطاع استقطاب بعض العاملين ضد الإسلام الحق، في حقيقتهم، لكنّهم على العكس تماماً في ما يعلنون. ولقد رُصدت في تلك الأيام ممارسةٌ ذات معنى، من أكثر من جهة، وهي أنّه إبان ذلك النشاط الثقافي كانت تظهر في محافل فكرية ثلاثة شخصيات كانوا يدخلون ويغادرون الصالات معا!؟ يشاهد دخولهم وخروجهم معا! وهم شحرور والبوطي وجودت سعيد!؟ ولا بد من أن نعرج على نبذة تعريفية، بالمصطلح الذي كررناه وهو (اليسار الإسلامي

تعريف بمصطلح اليسار الإسلامي
منذ خمسين عاما تقريبا أو يزيد، كنت أستمع لنشرة الأخبار من (B.B.C) لندن، وبعد قراءة الموجز نبهوا أنّه سيذاع بعد الأخبار برنامج خاص حول (ظاهرة اليسار الإسلامي)، واستمعت بشغف. ومما علق بذاكرتي الآتي: إنّه بعد أن رصد الاتحاد السوفييتي أنّ محاولاته لتصدير الشيوعية إلى المناطق الإسلامية باءت بالفشل، ولم يستطع أن يتغلغل بين أبناء الإسلام، لأنّ الذين جُنِّدوا لهذا الغرض يرفعون لافتات الإلحاد التي تحمل الشعارات الشيوعية والماركسية، مثل (الكون مادة، ولا إله) و(الدين أفيون الشعوب)، وسلوكهم، وظاهر حالهم، يقيم بينهم وبين من حولهم حاجزا من الكره، أو فلْنَقُلْ فجوة من اللامبالة بهم. ولاشك أنّ المنطقة العربية والإسلامية محصنة بثوابت الإسلام المتجذرة فيه منذ أربعة عشر قرنا! وقرر المهتمون بهذا الشأن أن يغيروا أسلوب العمل لتلك الغاية، فابتدعوا وسيلة جديدة شيطانية لبث الإلحاد بامتياز، ترمي إلى تجنيد أشخاص من العرب المسلمين ظاهرا، ويبطنون الكفر والإلحاد باطنا، يتلفعون بلباس مفكرين إسلاميين مجددين وتنويريين، يبثون الباطل الذي علمهم إياه أسيادهم، ليكونوا فتنة لبعض السماعين لأهل الباطل، ممن هم في الصف الإسلامي، كما قال ربنا في سورة التوبة: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِين (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ).
ويقول الشيخ السعدي في تفسير الآيات السابقة التي تتحدث عن المنافقين الذين يتخاذلون عن الجهاد، ويعملون في فتنة المؤمنين: ({لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا} أي: نقصا. {وَلأوْضَعُوا خِلالَكُمْ} أي: ولَسَعَوا في الفتنة والشر بينكم، وفرقوا جماعتكم المجتمعين، {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} أي: هم حريصون على فتنتكم وإلقاء العداوة بينكم. {وَفِيكُمْ} أناس ضعفاء العقول {سَمَّاعُونَ لَهُمْ} أي: مستجيبون لدعوتهم يغترون بهم، فإذا كانوا هم حريصين على خذلانكم، وإلقاء الشر بينكم، وتثبيطكم عن أعدائكم، فإن فيكم من يقبل منهم ويستنصحهم).
وبعد سماع حكاية اليسار الإسلامي من إذاعة لندن بوقت ليس بالطويل، أتيحت لي قراءة كتاب الشحرور الأول الذي نشره في عام 1990، بعنوان (الكتاب والقرآن). وقد قرأته قراءة نقدية دقيقة، ودونت ملاحظات على وريقات، ولا زالت عندي، وكانت متوافقة مع كل الدراسات التي صدرت فيما بعد من لفيف ممن انتقدوا الشحرور من زاوية إسلامية، وقوموه وفق تأصيل منهجي. ولما فرغت من قراءة كتاب شحرور، لم يكن يخامرني أدنى شك في أنّ محمد ديب شحرور هو طليعة ذلك العمل الجديد، تحت مسمى (اليسار الإسلامي). وتأكد لي ذلك من قراءة ترجمة الرجل.

تحذير من اليسار الإسلامي
والآن أريد أن أدخل إلى عمق الموضوع، لأكون قد وفيتُ بواجبي لوضع القارئ في حالة تحصين من الباطل، كما أنذرت في العنوان. وإنّ عمل النذارة الذي يتسم به هذا الموضوع لا يُعنى أبدا بمناقشات مواقف، أو استعراض أفكار وآراء. إنّما هو عمل تحذيري، يتأسس على كشف وفضح أشخاص أو تجمعات أو تيارات، تعمل بدأب وحذر، للمكر بالاسلام والمسلمين، عن طريق التشكيك بثوابت الدين، يركبون من أجل تحقيق أهدافهم مطية العقل، لابسين لبوس التجديد والتنوير، معلنين حربا شعواء على كل قديم ولو كان تراث المسلين الذي أنزل وحياً من فوق سبع سماوات! وأخطر ما ينطوي عليه فكر هؤلاء الثلاثة، والذي يجعلونه المنطلق الرئيس لحركتهم، تشكيك المسلمين بالسنة النبوية، لإخراجها من أن تكون الأصل الثاني لدين الإسلام مع القرآن الكريم، وهي ما يسميها العلماء الربانيون والمسلمون المتبعون بالوحي الثاني. وخطتهم مفضوحة لأنّ كل محاولاتِ نسفِ الإسلام منذ زمن النبي عليه الصلاة والسلام وحتى قيام الساعة تقوم على إلغاء السنة، عن طريق تشكيك المسلمين بحجيتها، وعدم أهليتها لتكون الأصل الثاني للإسلام، جنبا إلى جنب مع القرآن، وبذلك يسقط الإسلام.
ومن أبرز الأسس التي يعتمدون عليها لتحقيق هذا الهدف، تعظيم دور العقل في الحياة، إلى أن يجعلوه بفلسفته الحائرة أصلا في الدين! فيلغي العقلُ الوحيَ بزعمهم. ولأتمم النذارة التي تعهدت بإطلاقها، لابُدَّ من صيحة أطلقها على مسامع المسلمين، أن يا قوم! إنّ أسلوب الفتنة التي توشك أن تجتاح المسلمين، وهم نائمون غارون، تقوم على المقدمة الآتية، (إذا تعارض العقل البشري مع النقل، وهو نصوص الوحيين، وجب تقديم العقل…!). وقد نجح المعتزلة الجدد في تحقيق حلمهم الكبير، والذي يغدو الدينُ بتطبيقه غيرَ الدين، إنّما هو مكر الماكرين! وكيد الحاقدين! أو قصور الجاهلين! وأين نخب المسلمين مما يجري؟ إنّهم نائمون أو غافلون أو مشاركون؟! والمصيبة الكبرى أن يكونوا في الأحوال الثلاثة يتقلبون! ومن لا يزال غيرَ مُحسٍ بهذا الخطر نناديه أن إنْفض عنك ثوب الغفلة واللامبالاة، وإنّ وسادك لعريض، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابي عدي بن حاتم!

ما الذي جرى ويجري؟!
أردت من هذه الإحاطة أنّ الثلاثة المبطلين يلتقون تماما على تحقيق إسقاط السنة، لكنّ أساليب عملهم تبدو متنوعة، وفق دراستي لتحركهم.
شحرور يُبدِئُ ويعيد، ويكرر حتى في المقابلة الواحدة، أنّ الوحي هو القرآن فقط. وأما السنة السنوية فلا صلة لها بالوحي! إنّما هي اجتهادات بشرية صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم، اقتضاها تطبيق القرآن وتعاليمه مع أهل زمانه. وقعّد من عنده قاعدة أنَّ كل اجتهاد بشري يلغيه اجتهاد بشريٍّ مثله مادام خيراً منه! ولن يكون المسلمون مجبرين على اتباع اجتهادات النبي التي وقعت قبل أربعةَ عشرَ قرنا، إن كانت غير صالحة لزمانهم. وليس في ذلك غضاضة مادامت السنة ليست وحيا! ولما طرح الشحرور تلك الأفكار في المقابلة التلفزيونية على قناة فضائية من الإمارات، قاطعه المذيع، وهو سعودي الجنسية، قائلا يا دكتور إنّك تلغي بذلك جهودا مضنية قام بها علماء الحديث لخدمة السنة، لأنّها وحيٌ كالقرآن! أجابه الشحرور بما معناه: لا قيمة لجهودهم ولم يكلفهم بهذا أحد! يلاحظ أنّ الشحرور صرح بكل صراحة أنّ السنة ليست بوحي ولا دور لها في الإسلام في العصر الحاضر. والشحرور في ذلك كفى نفسه تطويل الطريق في اللفِّ والدوران لإلغاء السنة، وجعل التصريح المباشر، على سوءه، أسهل من التلميح! كما فعل صاحباه، عدنان إبراهيم وعلي كيالي، كما سنبين لاحقاً. وأحب أن أؤكد على ثلاثة قواسم مشتركة يلتقي عليها المذكورون الثلاثة، وهي:
1. كلٌ منهم تطوع من تلقاء نفسه، أو جُنِّدَ لحساب جهة ما، لتحقيق هدف واحد لا يعلنونه، بل يظهرون ضده، لتسويق أنفسهم بين الناس وتمويه باطلهم الذي صُنعوا له! فينتحلون دور دعاةٍ إسلاميين مجددين ومستنيرين، بل إنّ الكيالي يزعم أنّه عاكف على إخراج تفسير جديد للقرآن، وشحرور يزعم أنّه قدم تفسيره في عام 1990 وأسماه (الكتاب والقرآن .. قراءة معاصرة)، ورُوِّجَ له يومئذٍ على أنّه صيحةٌ جديدةٌ في عالم التفسير، وما لبث أهل الشأن أن اكتشفوا أنّ الكتاب لا يَمُتُّ إلى الإسلام والقرآن بأدنى صلة، وأنّه بمثابة (أوراق اعتماد)، ولْنستعمل المصطلح الدبلوماسي، تُقدم للعاملين من وراء حجاب، أنّ اليسار الإسلامي قد دخل الحلبة، وأنّ طورا جديداً من صراع الباطل مع الإسلام وأهله قد بدأ (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
ومادام الحديث عن المبطلين العاملين على تشويه الإسلام، منتحلين أدوار ومواقف المنافحين عن الإسلام، فإنّي أسوق حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد تُكُلِّمَ في سنده، لكنّ الشيخ الألباني كان يستشهد به أحيانا ويقول: مثل هذه الأحاديث يقول فيها العلماء:(يصحُّ معنىً، ولا يصحُّ مبنىً)، أي إنّ معناه يوافق الشرع، وإن كان سنده لا يصح. والحديث هو: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه، تأويل الجاهلين، وتحريف الغالين، وانتحال المبطلين). وهذه المواقع الثلاثة التي خشي نبينا صلى الله عليه وسلم على أمته أن تؤتى من قبلها.
2. إنّهم متفقون تماماً على تحقيق هدفٍ استراتيجيٍ واحدٍ، وهو المكر بالإسلام وأهله، إلا أنّ الباحث في شأنهم لا يستطيع أن يصفهم بأنّهم يتبعون أسلوبا واحدا للوصول إلى ذلك الهدف، وإنّما يتخبطون في عرضهم لمبتغاهم، وتبدو في ما يطرحون ثغراتٌ تُظهر تناقضا واضحا في أصل معتقدهم وأفكارهم، مع حرصهم على إخفاء ذلك، وهيهات، لأنَّ الباطل ديدنُه التناقض! وصدق الله القائل: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا).
3. ورغم اختلافهم في (التكتيك) كما ذكرنا، فإنّه يتأكد توافقهم على تحقيق هدف استراتيجيٍ مهم وهو إسقاط السنة النبوية، لأنّ إسقاط السنة إنهاء للإسلام عند أعداء الإسلام، زعموا وخاب فألهم! فالله تكفل بحفظ دينه إلى يوم القيامة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
ولعلي نوهت سابقا أنّه ليس مقصدي إطالة الوقوف مع أولئك الثلاثة، لنقد تفاصيل باطلهم، فهو متهافت تلقائياً، أو لمناظرتهم، فليسوا على شيء في كلِّ ما يأتون، وألاعيبُ سُبقوا إليها يلعبون. ولكنَّ غايتي مما أحرِّرُ الآن تبيانٌ ونذارةٌ لبعض المتهوكين من المسلمين، الذين وصفهم ربنا تبارك وتعالى في سورة التوبة في قوله: (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)، فإن وَعَوُا القول، وأعرضوا عن هذا، فذلك ما أرجو وأبغي، وإلا فإنّهم في الفتنة سقطوا، بكسب أيديهم، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
ووجدت عندي على وريقة ملاحظة سجلتها عن شحرور، بدا لي إثباتها. لأختم كلامي بها عن شحرور، فإنّها تعطي الصورة الحقيقية لكل نشاطاته البائسة! يقول شحرور في تفسير قوله تعالى: ((أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}، الصدور هنا لا تعني صدر الإنسان الذي يحتوي على العضلة القلبية؟؟ وتعني الناس الذين يشغلون مواقع الصدارة في المجتمع؟! وقوله: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}). وفي نظر شحرور المنحرف أنّ الراسخين في العلم هم من الناس الذين يحتلون مكان الصدارة بين العلماء والفلاسفة أمثال: البيروني، الحسن بن الهيثم، ابن رشد، ثم ذكر مجموعة من الملاحدة أمثال: داروين، وكانت، وهيجل، وجعل هؤلاء ومن لف لفهم من الملاحدة أكثر علما ومعرفة بآيات الله، أكثر ممن عاصروا التنزيل..؟

عدنان إبراهيم
أما عدنان إبراهيم فهو يعمل للأهداف التي يعمل لها شحرور، وعلى رأسها نسف السنة، ولكن سلك لتحقيق الهدف طريقا مغايرا لشحرور، لكنّهما يلتقيان في النتيجة. اهتم عدنان إبراهيم وحرص كل الحرص أن يقدم نفسه للناس على أنّه مسلم يحب السنة ويعمل بها ولها، وذلك لتغطية مواقفه المؤيدة للشيعة، ولاسيما أنّ الشكوك حامت حوله من كل من قرأه أو استمع إليه، يتهمونه إما أن يكون شيعياً أو متشيعاً، ويريد الظهور على أنّه داعيةٌ وعالمٌ من علماء المسلمين، وخطيب مصقع ذرب اللسان، يدافع عن قضايا الأمة، ويعمل لنصرة الإسلام، وهو يتقن الدور تماما، لأنّه لا يُنْكَرُ أنّه يصدر عن خلفية علمية ليست بالبسيطة، ويتمتع بحافظة قوية تعينه على استحضار الشواهد لكل ما يقول، بغض النظر عن صحة الإدعاء والاستشهاد، فهو أقوى الثلاثة على لعب دورٍ ماكرٍ ضد الإسلام وأهله. ويملك رصيدا من تربية صوفية تمكنه بأي لحظة من إظهار قسمات الخاشع المتباكي، ولا يتحرج إن شعر بالحاجة أن يقص على الناس كراماته، ولا يتردد أن يقسم أغلظ الأيمان على صحتها، وقد يُسمي بعض الشهود، لما يدعي!
وأختصر القول: إنّ لعدنان إبراهيم المقدرة على مخاطبة الناس بالصوت والصورة، فإنّه يتقن التمثيل، وأن يرسم على وجهه القسمات التي تناسب ما ينطق به لسانه! ما يجعل المستمعين له سريعي التأثر بما يطرحه من أفكار. وأشهد أنّ الجهال من المسلمين، والبسطاء الأميين من حيث ثقافتهم الإسلامية، والمغرضين الذين يحملون في أنفسهم احتجاجات على الإسلام ينجفلون إليه، ويُعجبون به ويظنونه من مجددي الإسلام، الداعين إليه على بصيرة تناسب العصر، وكل ذلك وهم وسرابٌ بقيعة (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا).
ولكنّ الرجل، برغم حضوره العلمي الإسلامي، وسعة اطلاعه، إلا أنّه لا منهج له، وبالتالي لا يستقر على موقف! وهذا أمر طبيعي، لأنّ من لا منهج له لا موقف له. ولأنّ فقدان المنهج، يورث صاحبه كثرة التناقضات في المواقف، والمتناقضات يفني بعضها بعضا فتؤول إلى الصفر. وتنقض ما يؤسس لنفسه من مكانة عند الناس. بناها بالكذب السافر، والخداع الماكر، والأسلوب الفاجر!
انتهينا إلى القول أنّ عدنان إبراهيم يفتقد المواقف الواضحة! وهذه النتيجة تجعلني بحاجة إلى تفصيل أكثر عن حال الرجل، في مواطن اختصرت القول فيها. فأقول إنّ ظاهر الرجل يبين الآتي:
أكدت سابقا أنَّ نسف السنة من أولى وأَوْلى الواجبات عنده. ولا بد من إيضاح المعنى الذي أريد حتى لا يُساء فهمي. فأنا أقصد في قولي نسف السنة، يعني إسقاطها من أن تكون وحياً صنوَ كتاب
الله في الحجية، أي الأصل الثاني لدين الإسلام. ولقد ذكرت في كلامي عن شحرور أنّه اختصر على نفسه الطريق، فبات يبدئُ ويعيد عشرات المرات، إن لم تكن المئات، أنّ الوحي هو القرآن فقط، وأنّ السنة ليست بوحي أبدا، إنّما هي اجتهاد بشري من النبي صلى الله عليه وسلم! وبالتالي فترك العمل بالسنة لا يشَكِّل مُشكلةً شرعية عند شحرور!
أما عدنان، فسلك طريقا يفضي إلى النتيجة نفسها التي وصل إليها شحرور، بعد طول لف ودوران، يصل بالمتابع إلى الدوخان. إنَّ عدنان إبراهيم يكثر في أحاديثه وخطبه من الأحاديث النبوية ويتحدث عن الرواة من الصحابة وغيرهم، وأئمة الحديث ويبين للناس أنّه من أهل الحديث، ولكنّه يكثر من التصريح ببساطة وعدم اكثراث، أنّه لا يجد غضاضة في مخالفة العمل بالحديث الصحيح متى شاء ذلك ويعطي لنفسه الخيرة في ذلك، كأن لم يقرأ قول الله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)، ولا قوله: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا).
لا أريد أن أتعامل مع تفصيلات طرائق هؤلاء الرجال، فأقف عند كل خطأ لتفنيده وشرح الطريق إلى تسديده، فإنّي لم أضع في حسباني إصلاح حالهم، فليس هذا شأني، وإن كنت أتمنى مخلصا لهم الصلاح. لكنّ همي أن أحول بينهم وبين الناس توقيا من إضلالهم ، بتحذير الناس من ضلالهم. ولذلك جعلت همي أن أبين فساد طريقة أولئك الأشخاص في تبيان انحرافاتهم عن أصول الدين، أعني مخالفة الوحيين. وأكتفي بالتأكيد على كبريات المسائل الشرعية التي يلتقي الثلاثة عندها في الانحراف.
وأضيف تتمة لفكرة أنّ عدنان إبراهيم أعطى لنفسه الخيرة في الأخذ والترك من السنة وفق هواه دون أي برهان، كما فعل شحرور، ولو كان باطلا. وأحسب وهذا اجتهاد مني، أنّ سلفه في هذه المثلبة محمد الغزالي المصري، الذي يقول في بعض كتبه: (
آثرت هذا المنهج في كتابة السيرة فقبلت الأثر الذي يستقيم متنه مع ما صح من قواعد وأحكام وإن وهى سنده، وأعرضت عن أحاديث أخرى توصف بالصحة لأنّها في فهمي لدين الله وسياسة الدعوة لم تنسجم مع السياق العام). وليس لي إلا تعليق واحد (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)!
ذكرت لدى حديثي عن شحرور بأنّه كان صريحا وبَيَّن خيوط مكيدته بوضوح، وهو التأكيد على أنّه يريد إسلاما بدون سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وللأمانة فإنّه لم يقل تلك العبارة نصّاً، بل هي لازم قوله: إنّ السنة ليست وحيا، والقرآن هو الوحي فقط! وذكرت هذا من أجل أن أعقد مقارنة بين شحرور وعدنان. والأخير يكثر من ذكر الأحاديث النبوية والاستشهاد بها، ويتحدث عن المحدثين ويثني عليهم مما يوهم سامعه أنّه يعتقد أنّ السنة وحي. لكنّه ينقض غزله أنكاثا في عدة أمور أبرزها:
إنّ من يسمع خطب وتسجيلات متفرقة لعدنان إبراهيم يقف على حقيقة لا تقبل الجدل، وهي عداوته للسنة النبوية، رغم حرصه على عدم التصريح بذلك. فمنذ أن سطع نور الإسلام في المعمورة، فإنّ أعداء الإسلام أدركوا أنّ السبيل إلى ضرب الإسلام إفساد العلاقة بين المسلمين وسنة نبيهم عليه السلام، وركبوا من أجل ذلك الصعب والذلول! ونوعوا طرائق الكيد، فمن إسقاط رموز السنة وهم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فنجد أنّه لم يسلم عنده صحابي من ذم أو نقد، حتى من شتيمة، عياذاً بالله، وسنذكر بعض نقول للتمثيل وليس الحصر. ونعوذ بالله ونستغفره من أن تخط يمين مسلم
كلاما كالذي تفوه به عدنان إبراهيم، ولولا أنّنا ننتصر لأصحاب نبينا، فنعري هذا الدعي، الذي يلعب دور الداعية كذبا وتمويها، ما فعلنا!
. يقول في أبي بكر رضي الله عنه، تصريحا بلسانه: (لولا أبو بكر ما كان الإسلام، ولكنه اضطرب واختلط وتشيع وضل).
. طعنه في عمر رضي الله عنه يقول: (عمر لا يمثل الإسلام دائما ولا أبدا، ويصف عمر رضي الله عنه لأنّه اجتهد في قسمة الغنيمة، قائلا: هذه مشكلة توجب الردة والزندقة!).
. طعنه في معاوية رضي الله عنه، فيقول عنه: (دعِي بن دعِي، ويصف ابنه يزيد بأنّه ابن حرام ويصف ميسون بنت بحدل الكلبية زوجة معاوية أنها كانت تهوى سرجون خادم معاوية ويلعن معاوية لعنا قبيحا. ويصفه بأنه دجال عظيم، وعنده عقدة جنسية).
. طعنه في عائشة رضي الله عنها، فيقول: (عائشة بِدائية جاهلة! ويقول إنها رجلة، تركب الفرس، ومعنى رجلة أنها تتشبه بأفعال الرجال.وهذا لعن منه لها!! لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الرجلة من النساء. ويتورع من أن يقول: عائشة في الجنة فيقول الله اعلم بحالها!! ويصفها بأنها طفيلية لأنها تبِعت النبي صلى الله عليه وسلم ليلا. ويقول: عائشة مبطلة وعلى باطل، وقد اشتراها معاوية بالمال حتى تسكت. ويقول حديث “من أحب الناس قال عائشة” أنا لا أقبل هذا الحديث يقول: كان بينها وبين طلحة بن عبيد الله حب).
. طعنه في أبي هريرة رضي الله عنه، والطعن في أبي هريرة طعن في الدين كله! يقول: (أبو هريرة أسلم من أجل بطنه، أسلم من أجل الخِرفان، حتى ضجِر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: زر غبا تزدد حبا. ويتهمه بأنّ بني أمية أعطوه الأموال ليروي الأحاديث لهم).
طعنه في عدة من الصحابة رضي الله عنهم، يقول: (عن أنس بن مالك: أكثر ما يروي أحاديث جنسية. ويقول عن عمر بن الخطاب كان يعرف أن ابنه عبد الله بن عمر (نسونجي) لا يصلح للخلافة. يقول: عثمان لما حكم أطلق يد معاوية ورخص له كل شيء لأنه ابن عمته وأطلق العنان لبني أمية في أموال المسلمين وأعراضهم. يقول عن الحكم بن العاص: حقير لعين لعنه الله .وينتقص انتقاصا ظاهرا من الصحابة الذين طعموا مع النبي صلى الله عليه وسلم ويقول عنهم طفيليين وأصحاب سواليف وكلام فاضي والنبي مش فاضي لهم. ويقول: بعض الصحابة كان لا يستحي أن يأكل مع النبي وزوجة النبي قبل نزول الحجاب. وقال الخبيث: أحيانا تجول يده في الإناء فتلمس يده يد زوجة النبي، فيلاحظ النبي ولا يعجبه، بعض الصحابة يحب يلمس يد زوجة النبي). قلت: وهذا اتهام لعرض النبي صلى الله عليه وسلم بل هو اتهام لخاتم الأنبياء بالدياثة.
ويقول: (النبي يعرف الصحابة فيهم الفاجر وفيهم المنافق وفيهم من لعن الله والديه. ويؤكد دائما على أن الصحابة ليسوا مقدسين ويهتك هذا الحجاب ويقول انتقدوهم لا تسكتوا عليهم!).
يقول: (إنّ من أسلم بعد صلح الحديبية ليس صحابيا، فعنده خالد بن الوليد وأبو هريرة وأبو موسى الأشعري وغيرهم كثير ليسوا صحابة أبدا).
ولم يقف في جنوحه المسعور إلى الكيد للسنة عند حد! فلما انتهى من النيل من الصحابة، الذين وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام، مبينا دورهم الكبير في حفظ الدين، في قوله: (النُّجُومُ أَمَنَةُ السَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا أَنَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ). رضي الله عنهم أجمعين، وهم الحلقة الأولى التي عَدَّلها الله وائتمنها على تحمل الوحي من النبي عليه السلام، مشافهة إلى الأمة دون أي تضييع أو تحريف. وكأنّ عدنان ابراهيم لم يدر بهذا، ولم يقرأ الحديث المذكور، ولم يسمع بشيء اسمه (عدالة الصحابة)!
ولم يكتف بعداوة أصول السنة وهم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، لكنّه لم يدع رمزا من رموز السنة الذين أفنوا أعمارهم لخدمة السنة وحفظها، وتمييز صحيحها من سقيمها، إلا نال منه نيلا كبيرا! وهؤلاء هم الحفظة الذين حفظوا الوحي الثاني، وأقصد السنة، وإنّ أعمالهم وطرائقهم لتحقيق ذلك الهدف حيَّرت المفكرين من المعاصرين في الغرب. ومن هؤلاء الذين لم يسلموا من أذية عدنان إبراهيم، الإمام أحمد، البخاري ومسلم، الذهبي، وغيرهم من رموز السنة. وله مجموعة خطب يعنونها (مشكلتي مع البخاري)، يتكلم بكلام متحامل لا طائل له. ويطعن في المحدثين، ويقول: (مذهب الشيعة الإمامية في الصحابة أقل خطرا على العقول والنفوس من مذهب أهل السنة والجماعة).
وينتقص من الإمام أحمد بن حنبل، وكذلك الإمام الذهبي لأنّهما نقدا أحاديث لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولدى بحثي في تصفح الكثير من الصفحات التي تناول أصحابها نقد عدنان إبراهيم، وقفت على كلام مناسب جدا أن يستعيره الإنسان من إمام كبير كالإمام أبي محمد بن قتيبة، المتوفى سنة 276هـ، ليرد به على المندسين اليوم لبث الفتن بين المسلمين، والتشكيك في ثوابت الإسلام. يقول ابن قتيبة في كتابه تأويل مختلف الحديث ص 61: (وقد تدبرت -رحمك الله- كلام العايبين فوجدتهم يقولون على الله ما لا يعلمون، ويعيبون الناس بما يأتون، ويبصرون القذى في عيون الناس، وعيونهم تطرف على الأجذاع، ويتهمون غيرهم في النقل، ولا يتهمون آراءهم في التأويل. ومعاني الكتاب والحديث، وما أودعاه من لطائف الحكمة وغرائب اللغة، لا يدرك بالطفرة والكيفية والكمية والأينية، ولو ردوا المشكل منهما إلى أهل العلم بهما، وضح لهم المنهج، واتسع لهم المخرج). انتهى كلامه رحمه الله
ومدرسة عدنان إبراهيم العقلية ليست جديدة، بل هي قديمة جداً ترجع إلى التأثر الكبير بمنهج المعتزلة وأفكارهم، وهي في باطلها وانحرافها تختصر في ثلاث كلمات (تقديم العقل على النقل)، تلك المدررسة المارقة، تتكرر في كل عصر، وتجدد نفسها باستمرار! وما أكثر ضحايا هذه المدرسة التشكيكية! وأبسط ما يقال لأولئك المرجفين الذين يقدمون النَّقْلَ على العقلِ عند التعارض، كيف يفوت عقولَكم، إن كانت لكم عقولٌ استنارت بنور الوحي، أنَّ النَّقْلَ عِلْمُ الخالِقِ الكامِلِ، والعَقْلَ عِلْمُ المخلوقِ القاصِر! ألا تجدون العظة والعبرة في من سبقكم ممن غرتهم عقولهم، حتى تطاولوا بها على النقل الذي هو الوحي المنزل من فوق سبع سماوات، أولم تقرؤوا ما كتبوا في أخريات أيامهم، حين ندموا على ما فرطوا، ولات حين مندم، فقال قائلهم، وهو الفخر الرازي، الذي كان أكبر المدافعين عمن ضاعوا في متاهات تهويمات العقول! وقد قال عنه الذهبي في كتابه “سير أعلام النبلاء”: (العلامة الكبير، ذو الفنون، فخر الدين، محمد بن عمر بن الحسين القرشي، البكري، الطبرستاني، الأصولي، المفسر، كبير الأذكياء والحكماء والمصنفين، انتشرت تواليفه في البلاد شرقاً وغرباً، وكان يتوقد ذكاء، وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم وسحر وانحرافات عن السنة، والله يعفو عنه، فإنه توفي على طريقة حميدة، والله يتولى السرائر، وقد اعترف في آخر عمره حيث يقول: لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن). انتهى الاقتباس مختصرا.
ولقد قال الذهبي تعليقا رائعا في (سير أعلام النبلاء)، يجب أن نرفعه في وجوه رؤوس الفتنة اليوم. قال الذهبي: (لعن الله الذكاء بلا إيمان، ورضي الله عن البلادة مع التقوى). وقد صدق والله!
ويكاد المتابع لعدنان إبراهيم في خطبه يقول دون ترددٍ أو تحفظٍ: ما ترك عَلماً من أعلام الإسلام، إلا نال منه! وها هو يقول في ابن تيمية: ناصبي عاشق لبني أمية. وفي الذهبي ناصبي هواه أموي. وكذلك وجه الإتهام نفسه إلى ابن حزم، وابن كثير وابن عساكر، ثم ينتقص الطبري وينقد أسلوبه في التاريخ وطريقته. ويقول عن كتاب العواصم من القواصم لمؤلفه ابن العربي المالكي رحمه الله، كتاب تضليل وتزوير وبهتان فيقول: (عواصم ابن العربي قواصم النصب والبغض لأهل البيت والكذب على الله والرسول والأئمة والتواريخ وعلى العقل والشواهد والحس والضرورات)!
ورغم كل ما ذكرناه من تلك المواقف والأعمال التي تجعل المطلع عليها لا يتردد لحظة في الحكم على عدنان إبراهيم أنّه شيعي جلد، ومع ذلك فإنّ القارئ لأعماله أو السامع لخطبه، يجد أنّه لا يوفر مناسبة يؤكد فيها أنّ الناس يتهمونه بالتشيع، وهو أبعد الناس عن ذلك! وأقول: إنّه كذاب أشر! ويصدق في ما يقول عن نفسه، المثل العربي القائل: (يكاد المريب أن يقول خذوني).
وأجْمَلَ الكلامَ في بعض خطبه، فقال فاحش القول في المشايخ: (مشايخ اليوم أستحي أن أقول عنهم نساء ولا صبيان ولا حقراء، بل هم ذباب وصراصير وفئران وأرانب). ولا يتحرج من قول ذلك على المنبر! ومن جرأته على رد الثوابت الشرعية، قوله: (إنّ القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث هذا كان صالحا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أما الآن فيجب أن تكون القسمة سواء، لأنّ مسألة الميراث مسألة اقتصادية).
خلاصة القول، رجلٌ لا منهجَ عنده ولا طريقَ قويماً! وعاءٌ لكلِّ شك أُثير عن الإسلام على مر التاريخ، يُبديءُ ويعيدُ استعراضاً للشكوك، وهو يستتر وراء ثقافةٍ واطلاعٍ واسعين في تاريخ الإسلام صوابِهِ وباطلِهِ، وذاكرةٍ حاضرةٍ جَمَّاعَةٍ، ما يُعينه على دسِّ دسائسه، وستر افتراءاته، في طيات سيل من الكلام يغرق الأفكار، في خبطٍ وخلطٍ، وهو إرثٌ من علم الكلام الذي أتقنه ووظفه كما وظفه أهل الكلام في الماضي، ترويجاً لانحرافاتٍ عقديةٍ، خالفوا بابتداعها الوحيين، وما كان عليه أهل القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، وعلى رأسها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين. فأضحى في ضياعٍ واضحٍ، وضلالٍ من ذلك العبِّ فاضحٍ. فانجفل إليه السذج الجاهلون، والمشككون الحائرون!
وصدق الله، تبارك وتعالى، فالقصة الذي ذكرها ربنا في كتابه تتكرر في كل عصر ومصر، وهو ما نراه بأعيننا ونسمعه بآذاننا! قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ). ولنقرأ تفسير الشيخ السعدي للآية الكريمة، ليسهل علينا إسقاطه على الواقع! يقول: (يقول تعالى مسليا لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وكما جعلنا لك أعداء يردون دعوتك، ويحاربونك، ويحسدونك، فهذه سنتنا، أن نجعل لكل نبي نرسله إلى الخلق أعداء، من شياطين الإنس والجن، يقومون بضد ما جاءت به الرسل. {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} أي: يزين بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل، ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة، ليغتر به السفهاء، وينقاد له الأغبياء، الذين لا يفهمون الحقائق، ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة، والعبارات المموهة، فيعتقدون الحق باطلا والباطل حقا).

شر الثلاثة الكيالي
ونأتي الآن إلى علي منصور كيالي، وهو شر الثلاثة! إنّه معولٌ لهدم الإسلام بالجهل، وطاعة من لهذا العمل ندبوه. أقول هذا لأنّ المذكورَيْن السابقين لا يُبرَّآنِ من أنّهما معاول هدم، لكنّهما كما ذكرت يحاولان أن يوجدا لنفسيهما واجهة علمية مزعومة تساعدهما على تمرير باطلهما الذي نُدبوا له، أو نَدبوا أنفسهم له. أما الكيالي فرغم حرصه على إثبات مواقف علمية يحسن الخوض فيها، لكن الجهل وسوء القصد يكشفان كل مخبوء. يحاول بين الفينة والأخرى أن يقحم، بلا مناسبة، علم الرياضيات والفيزياء والهندسة التي تخصص بها ليشعر الناس أنّه يأوي إلى ركن علمي شديد، لكنّه قلما يفلح أن يقرأ آية من كتاب الله دون لحون لغوية متعددة، وكثيرا ما يستبدل اللفظة القرآنية التي يخونه حفظها، بلفظة من عنده.
والفجاجة في الكلام، والحركات الجسدية المائعة، وهو يتكلم في موضوعات تقتضي منتهى الجدية والاتزان، لأكبر دليل على سوء النية، وفساد الطوية، في كل ما هو فيه وإن يريد إلا الإفساد ما استطاع، ولا يمُتُّ في كل برامجه إلى أدنى إصلاح! وحتى لا يقول جاهل كيف تتهم النوايا؟ أقول من يريد الإصلاح فلا يسلك إلا طريق الوحيين؛ قال الله وقال رسوله! وأما الذي يرد السنة كلها، ويقدم عقله وعقول من وراءه على ما أنزل الله، وجاء عن رسول الله، أيكون داعية إصلاح، ووسيلة هداية…؟!
وحتى لا يطول الكلام في هذه الشخصية (المهزوزة)، سأحدد ما أقول في نقاط:
1. الرجل قرآنيٌ بوضوح ما بعده وضوح، ويعلن ذلك بكل صراحةٍ، مراتٍ ومراتٍ! وما أكثر ما يقطع حديثه ليرفع القرآن في يده عالياً وهو يقول بعصبية وانفعالٍ: (أيها الناس، والله لن تُسألوا إلا عما في هذا الكتاب). وذلك، ولا شك أسلوب عامي في التعبير عما يريد، وهو التأكيد على نزعته القرآنية! ويخطِئُ من يظن، وهم كثير، أنّ دعوة القرآنيين تنطوي على تصفية الإسلام من الشوائب، وتقديس كتاب الله من العبث به، والصحيح غير ذلك تماماً. إنّما هي دعوة قصدها إلغاء السنة من دين الإسلام، من أجل إسقاط الإسلام كله، ونحن نؤكد دائما الحقيقة القاطعة (إنّ الإسلام لا يقوم بالقرآن وحده)، ولكنَّ المكر أخفى النية الحقيقية، تغطية وتمويها للجريمة، وستراً لأهلها، حتى لا يكشفوا أنّهم أعداء لله ولرسوله ولدينه ولكل المسلمين! ويكفي لنسف دعوة القرآنيين وأصحابها أن ننشر بين الناس هذا الحديث النبوي الصحيح. ففيه الوقاية من مكر الماكرين، وبطل المبطلين، وتلون المارقين! فهي دعوة مبرمجة لإسقاط الإسلام، وهي قديمة وليست جديدة، والمدرسة العقلية اليوم بعثتها من جديد، مع ربطها بالواقع المعاصر وكل ضلالاته وانحرافاته لتبقى حاضرة تستقبل الأجيال الجديدة، في باكورة تفتحها العقلي والإدراكي لما حولهم! عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: (أَلا إِنِّي أُوتيت الْكتاب وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، وَإِنَّما حَرَّمَ رَسُولُ الله كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمُ لحم الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبع وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا…إلى آخر الحديث). فالحديث كما هو واضح نبوءةٌ نبويةٌ عن باطل سينتشر، وتكذيبٌ لذلك الباطل بكلامٍ نبوي، هو من الوحي بلا أدنى شك (أَلا إِنِّي أُوتيت الْكتاب وَمِثْلَهُ مَعَهُ، وَإِنَّما حَرَّمَ رَسُولُ الله كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ).
ويناسب المقام، وقد ذُكر قبل قليل، عبارة (وتَلَوُّن المارقين)، الاستشهاد بالأثر التالي، عن مَوْلًى لِابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: (دَخَلَ أَبُو مَسْعُودٍ عَلَى حُذَيْفَةَ فَقَالَ: اعْهَدْ إِلَيَّ. فَقَالَ: أَلَمْ يَأْتِكَ الْيَقِينُ؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّي. قَالَ: فَاعْلَمْ أَنَّ الضَّلَالَةَ حَقَّ الضَّلَالَةٍ أَنْ تَعْرِفَ مَا كُنْتَ تُنْكِرُ، وَأَنْ تُنْكِرَ مَا كُنْتَ تَعْرِفُ، وَإِيَّاكَ وَالتَّلَوُّنَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ وَاحِدٌ). {شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي}
2. وبرغم الإكثار من ذكر النبي ويصلي ويسلم عليه وعلى آله وأصحابه، وكثيرا ما يقول قال (جدي)، ليشير إلى أنّه منسوبٌ إلى آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام! وعلى الناحية الأخرى فإنّه ينسف أقوال النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة بعصبية وسخرية أحيانا. وسأسرد بعض الموضوعات التي نفاها وقد جاءت بها الأحاديث الصحيحة، على سبيل التمثيل لا الحصر:
. نراه بكل بساطة يقول في شريط فيديو بالحرف: (موضوع اليوم مع خطإ شائع بين كل المسلمين حتى الآن، وهو أنّ لله تسعا وتسعين إسما! إنّ لله إسمين فقط هما (الله والرحمن)، حتى الرحيم هي صفة للرحمن وليس إسما لله). ومعلوم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث صحيح مذكور في الصحيحين ومعظم دواوين السنة: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ)!
. يقول كيف ندعو 3 مليار مسلمة إلى الإسلام ونحن نقول: إنّ الإسلام ينظر للمرأة على أنّها ناقصة عقل ودين، وأنّها أكثر أهل النار، وأنّها تقطع صلاة الرجل كما يقطعها الكلب والحمار. وكل ذلك جاء في أحاديث صحيحة!
. ينكر حد الرجم للزاني المحصن. والأحاديث في ذلك صحيحة، في صحيح البخاري وغيره، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: (لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ، حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ: لاَ نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، أَلاَ وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أَحْصَنَ، إِذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ – قَالَ سُفْيَانُ: كَذَا حَفِظْتُ أَلاَ وَقَدْ «رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ»).
. ينكر حقيقة (يأجوج ومأجوج) وقد جاءت في كتاب الله، وأحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلغت حد التواتر! ينفي حقيقة الصراط والميزان يوم القيامة، وقد جاءت في كتاب الله وأحاديث صحيحة! ينفي حقيقة عذاب القبر عقليا، وقد ذكرت في القرآن وأحاديث صحيحة! ينفي رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة، وهي في القرآن وأحاديث صحيحة! يخالف الأحاديث الصحيحة التي تنفي خلود عصاة المؤمنين في النار، ويقول إنّ أهل المعاصي يخلدون في النار.
والكيالي يأبى إلا أن يُظهر جهله، وعدم أهليته للكلام في مسائل الدين، فيقحم نفسه في موضوع لغوي وهو الحروف الزائدة، في القرآن مثل (مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ)، ومثل (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ)، ومثل (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ) فكل أهل التفسير يقولون عن (من) و (أن) في الآيات السابقة، وكل ما يشابهها في الحكم، أنّها حروف زائدة، ومن العلماء من يميل إلى تسميتها (حروف الصلة) تنزيها لكتاب الله عن أن يأتي جاهل كالكيالي فيقول إنّ ذلك خطأ! ولكن الجاهل والدعي الكيالي يقف مع قوله تعالى في سورة يوسف: (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ)، وصاح بملء صوته، والفيديو موجود في (يوتيوب)، متحديا أن يُعرب له العلماء حرف (أن) في الآية، وقال: إنَّ كل المفسرين، وكتب إعراب القرآن، قالوا إنّها: (زائدة لا عمل له)، ثم اخترع من عقله قاعدة لغوية تقول: (ما يمكن حذفه فوجوده في النص خطأٌ)، وبنى على ذلك أنّ العلماء قد خطَّأوا الله في مائة موضع في القرآن الكريم. وبعد أشهر من هذا الفديو ظهر على الناس ليعرب قول الله تعالى: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ)، فيقول (من) حرف جر زائد لا عمل له، لأنّها لو حذفت من الآية لاستقام المعنى، ونسي ما قاله قبلاً، وتحدى به العلماء بناء على قاعدة اخترعها! هذا غيض من فيض من غرائب الكيالي، بل باقعاته!!!

بعد هذا التطواف، غير الماتع، في فكر وتوجهات هؤلاء الثلاثة، أريد أن أركز على ملاحظات ذكرتها في تضاعيف حديثي، وأريد الآن إعادتها لأسبغ عليها تأكيدا أكبر!
أ. لم يكن الحديث عن هؤلاء الثلاثة نقدا لمواقفهم وأفكارهم، إنّما الهدف أكبر من ذلك. إنّما المراد كشفهم وفضحهم على أنّهم أعداء للإسلام وأهله، وأنّهم معاول هدم لثوابت الإسلام التي جاء بها الوحيان، ولا يصدرون عن خلاف شخصي مع الإسلام وأهله، وإنّما هم مجندون في جيش شُكِّلَ وجُنِّدَ وجُهز، وأعلن القائمون عليه حربا على الإسلام، أسموها زوراً (الحرب على الإرهاب)! وهي في حقيقتها حرب على الإسلام وأهله!
ب. إنّ المناوئين للإسلام اليوم يشنونها حربا على الإسلام وأهله، أرادوا تسويغها بأنّها حرب وقائية، لأنّهم يعتقدون الآن أنّ الإسلام وأهله صاروا يشكلون خطرا على أمن الغرب النصراني، بناء على دراسات معمقة لديهم، وإنّهم ليحرفون الكلم عن مواضعه، زاعمين أنّ الإسلام جاء ليجند الجند لحربهم، ولو كانوا صادقين ومنصفين، ويحسنون القراءة والفهم، لعلمو أنّ الإسلام جاء ليحييهم بالهداية وليس ليميتهم! (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ). ويقول الشيخ السعدي في تفسيرها: (قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ} من قبل هداية الله له {مَيْتًا} في ظلمات الكفر، والجهل، والمعاصي، {فَأَحْيَيْنَاهُ} بنور العلم والإيمان والطاعة، فصار يمشي بين الناس في النور، متبصرا في أموره، مهتديا لسبيله، عارفا للخير مؤثرا له، مجتهدا في تنفيذه في نفسه وغيره، عارفا بالشر مبغضا له، مجتهدا فيتركه وإزالته عن نفسه وعن غيره. أفيستوي هذا بمن هو في الظلمات، ظلمات الجهل والغي، والكفر والمعاصي. {لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} قد التبست عليه الطرق، وأظلمت عليه المسالك، فحضرها لهم والغم والحزن والشقاء. فنبه تعالى العقول بما تدركه وتعرفه، أنه لا يستوي هذا ولا هذا كما لا يستوي الليل والنهار، والضياء والظلمة، والأحياء والأموات).
ج. وقد يقول من يطيل الفكر في النظر في أحوال هؤلاء الثلاثة أنّ الذين جندوهم لهذه المهمة أتقنوا مسألة التمويه والإخفاء، ليقنعوا أنَّ أمثال هؤلاء يصدرون عن أنفسهم وأفهامهم ومشاعرهم وملاحظاتهم، وليس عن تلقين لُقنوه، أو دورِ أُريد لهم أن يلعبوه! ليلقوا في روع عامة الناس أنّ الإرهاب الإسلامي أمر جليٌ ظاهرٌ للناس العاديين، بل ومجمعٌ على خطورته، ونواياه العدوانية!
د. إضافة إلى الفقرة السابقة، فيما يتعلق بتمويه مهمة الأشخاص الثلاثة، فإنّ إجماع الثلاثة على تحقيق هدف استراتيجي واحد، وهو فصل السنة عن القرآن، وهما ما أحرص عل تسميتهما دائما بالوحيين، تأكيدا لإرادة الله التلازم بينهما، حتى قيام الساعة، وهذا ما يؤكده حديث رسول الله (إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ). ولا يفوتني أن أضيف قضية مؤكدة لما قلنا. فمنذ شهرين تقريبا أرسل لي أحد الأصدقاء عددا من جريدة الشرق الأوسط السعودية، تحمل مقالا لصحفي سعودي، عنوان المقال (إسلام القرآن، وإسلام الحديث!). ويتنبأ الكاتب بصراع سيقوم بين المسلمين بسبب ذلك. وقد رددتُ عليه في ما فيه كفاية، وليس بعيدا أن يكون ذلك الصحفي من تلك المنظومة، وإلى الله المشتكى.

معلومة يجب أن يعرفها كل مسلم
أحب أن لا يفوتني أن أضيف معلومة عامة، وملحوظة هامة، تتعلق بالقاسم المشترك الإستراتيجي لهذا التحرك المضاد، الذي جُنِّد له الثلاثة المذكورون الذي جعلوا همهم الكيد للإسلام وأهله، بناء على دراسات عالمية معمقة، تتوافر عليها (الصادات الثلاث) لحماية الغرب من خطر قادمٍ، محققٍ وليس متوهماً، وقد أوجدوا لذلك العمل عنوانا وشعاراً، تدور حوله دراسات لا تتوقف! فقالوا: (Islamophobia). أما مصطلح (الصادات الثلاث) فإنّي استعرته من محاضرة لرجل عراقي هو (الدكتور الشيخ حسين المؤيدوفقه الله وثبته وحماه، وهو ممن اهتدى إلى الإسلام الحق، وتخلى عن تشيعه، والتزم الإسلام السُنّي، بعد أن توصل إلى أعلى المراتب العلمية في قم في إيران ومنح لقب (آية الله). واليوم وصل الكيد والتآمر على الإسلام حين ظهرت عداوة الشيعة، بعد أن كانت تدار في السر. وكانت النتيجة القتل الذي استحرَّ في أهل السنة في العراق وسورية واليمن، وكانت أداته حزب الله المسيطر الآن على سورية ولبنان، وكان يزعم أنَّ كل إعداده واستعداده موجهٌ للعدو الإسرائيلي، وقد كان كاذباَ والله، فالخصم الألد للشيعة هم أهل السنة، وقد صدَّق الواقع المعاش اليوم هذا الشيء!
لقد استعمل الدكتور (حسين المؤيد)، ثبتنا الله وإياه على الحق، ذلك المصطلح (الصادات الثلاث) في محاضرةٍ له عن العداوات والمؤامرات التي تُدار في العالم كله ضد الإسلام السني، ورمز بالصادات إلى (الصليبية، والصهيونية، والصفوية)، وللأهمية البالغة، ولدقة التوثيق، قمت بنفسي بتفريغ كلام الدكتور المؤيد من شريط الفديو، لأثبته على أنّه وثيقة مهمة حول ما يدار ضد الإسلام السني في العالم. والعداء للإسلام حلقات متداخلة، وموجات متلاطمة، وكلها تحظى بالاهتمام من مؤسسات لا تحصى، جندت في كل مكان في العالم، لتلتقي وتخدم هدفا استراتيجيا، يحتل الصدارة في الدوائر السياسية في العالم، وإلى التفريغ الحرفي لما قاله الشيخ المؤيد في محاضرته:
(واليوم الموقف الدولي هو الذي يساند التشيع، وهناك كتاب هذا ينفعكم أن تقرأوه اسمه صحوة الشيعة ألفه شخص اسمه نصر ولي، قيل أنّه أفغاني أو إيراني، تنصر وهو في امريكا يشتغل مع المحافظين الجدد في أيام بوش، ألف كتاب صحوة الشيعة وطبع وترجم لأكثر من لغة منها العربي، أعضاء الكونغرس الأمريكي قرظوا هذا الكتاب وأنا قرأت تقريظاتهم. واحدهم قال من يريد التعرف على الاتجاهات المستقبلية للسياسة الامريكية عليه أن يقرأ هذا الكتاب. وإن قرأته ستجد خلاصته تقول أنّ أهل السنة هم الخطر على الغرب وأن أهل السنة مشروع نهضوي يمكن أن ينفجر في أي لحظة من اللحظات يسترجع مجدهم ولا نستطيع السيطرة عليهم، فمن أجل ضربهم لا بد من ضربهم واضعافهم، ومن إجل ذلك يجب علينا إخراج الشيعة من القمقم ونخلق كتل سياسية، دول شيعية في وسط أهل السنة كي نمنع تماسك الدول السنية وكي تبقى هذه الكيانات الشيعية مصدر لضرب الاستقرار في الدول السنية، هذه سياسة الغرب. اليوم التحالف أنا اسميه تحالف الصادات الثلاث “الصليبية،الصهيونية والصفوية” التقت مصالحهم ضد أهل السنة والجماعة. والغرب يرعى التمدد الشيعي. اليوم أي دعم دعوي بسيط يوصف بالارهاب إذا كان من أهل السنة والجماعة، وأي عمل خيري يمنع. أراد أهل السنة والجماعة فتح مدرسة بأفغانستان فمنعتهم أمريكا وجاء الخامنئي وفتح جامعة كبرى في كابل السنية التي ليس فيها شيعي. وأجيز: الغرب يرعى التمدد الشيعي ويريد لهذا التشيع أن يمتد لأنّه صنيعهم أصلاً تاريخياً، هؤلاء يرعون صنيعتهم هم صنعوا التشيع وأرادوه أن يبقى إسلامياً، وهم صنعوا البهائية ولكن تسأل البهائي هل أنت مسلم؟ يقول: لا.
لكن هؤلا الشيعة أرادوا لهم أن يقولوا نحن مسلمون ونحن جزء من هذه الأمة كي يستطيعوا أن يلعبوا هذا الدور. أتمنى لو يقول الشيعة نحن لا علاقة لنا بالإسلام، العلويون في تركيا قالوا ذلك، قالوا للحكومة التركية تعاملوا معنا كدين آخر نحن لا نعترف بالقرآن، هذا يريحك جداً. الشيعي لو يقول لك أنا دين ثاني ولست محسوباً على هذا الدين ترتاح، المشكلة لا يقول فقط أنا مسلم بل يقول أنا الممثل الحقيقي لهذا الدين، أنا الذي أمثل الإسلام المحمدي وأنت الذي لا تمثل الإسلام بل الإنحراف. والغرب يريد هذا كي يلعب الشيعة الدور لا بد أن يلعبوه كمسلمين من داخل الأمة الاسلامية كي يحطموها من الداخل. اليوم إيران دولة لا تفكر إلا في القومية الفارسية، التشيع عندها ليس إلا وسيلة وأداة
).

اعتراض غير وجيه، بل غير شرعي
منذ فترة ليست ببعيدة، كنت أقرأ نقدا شرعيا لأحد الجانحين عن النهج القويم في الدين، كهؤلاء الثلاثة الذين نتكلم عنهم الآن. وكان الناقد متبصرا وعادلا ولم يتجنَّ في نقده. ووجدت في التعليقات من اتهم ذلك الناقد بأنّه ظالم وغير منصف! ومما أخذه على الناقد أنّه ما ترك سلبية عند من ينتقد إلا ذكرها، لكنّه لم يذكر إيجابية واحدة، وهذا هو الظلم، وخاطب الناقد قائلا: يا أخي كن عادلا واذكُر الحسنات والسيئات! وقرأت تعليقات أخرى فوجدتها متعاطفة مع هذا التعليق، إنّها مشكلة كبيرة تسللت إلى عقول بعض المسلمين، حتى من نخبهم عن طريق المدرسة العقلية وجنايتها على الإسلام وأهله، وقد أشرت في تضاعيف كلامي إلى خطورة المدرسة العقلية على دين الإسلام، كيف لا، وهي وارثة الفكر الاعتزالي، وما أكثر جناياته على عقيدة المسلمين. وأعتمد هذه القصة لاتخاذها مدخلا لتقديم نصيحةٍ ووصيةٍ وتحذيرٍ للمسلمين، من تسلل فكر المعتزلة الذي تتبناه المدرسة العقلية، التي يصلح أن يكون الثلاثة الذين درسنا، نموذجا أو رموزاً لها! وقد يستغرب كثيرون هذا الكلام، وأقول موضحا: إنّ المدرسة العقلية من أساس منهجها أن تنافس نصوص الوحيين بالعقل! وليس وراء ذلك الفساد من إفساد!
أما الذي أريد قوله في التعليق على القصة التي ذكرت، فهو الآتي:
إنَّ المدرسة العقلية تحرص على عدم إلغاء أحد، وكل نتاجٍ للعقل محترم والخيار مفتوح، وما يعجبك قد لا يعجبني والعكس كذلك، والمهم أن يبقى الاختيار حراً دون تدخل! يقولون ذلك ليثبتوا موضوعية المدرسة العقلية، فنراهم يكثرون من عبارات (الاعتراف بالآخر) (إحترام الآخر) (الحوار أولا) (الساحة تتسع للجميع)، ولقد أولع كثير من النخب بتلك الطروحات، وتلك العناوين الكاذبة، لكن حقائق الأمور تبقى طيَّ السرية، والتبادل من تحت الطاولة، فلم يعد البوح مقبولاً. والثلاثة الذين درسنا هم من صنعت المدرسة العقلية. إنّ (المدرسة العقلية) في وادٍ، والإسلام، وآمال وآلام الناس، وبناء مستقبلهم ومستقبل أبنائهم في واد آخر، لذلك نجد اهتمام المدرسة العقلية في هدم الثوابت من كل شيء!!! وليس سراً، وليس خافياً، وليس عجيباً أنّ المدرسة العقلية هي الوارث الوحيد لأفكار المعتزلة، ولا يجهل مسلم أنّ المعارضة التي واجهها الإسلام، بعد معارضة أهل الكفر، هي معارضة المعتزلة، وكانت أخطر وأفعل من العداوات المسلحة، لأنّها دخلت إلى العمق، لتواجه الواقع الإسلامي بإقحام العقل لمواجهة
الوحي، وتطبيق الأسلوب الفلسفي في حوارهم مع أهل الدين، وكسبوا عليهم جولات عديدة. لأنّ المنهج الإسلامي يختلف كليا مع طروحات العقلانيين! لأنَّ للإسلام مرجعيةً علويةً سماويةً، هي المحكمة أولا وآخرا، وفي كل شأن. أما ساحات النقد والحوار وترتيب نمط الحياة لا يحكمها إلا العقل بديلاً عن الوحي، والعقل غير المستنير بنور الوحي!
وحتى أحسم الأمر دون إطالة أنتقل إلى الاستشهاد بالنصوص. فإنّ نبينا صلوات الله وسلامه عليه لم يتركنا لعقولنا البشرية القاصرة تلعب بنا كيف شاءت، لكنّه ترك لنا هدياً نبوياً فيه كل نافع من العلم والتوجيه، وما ترك خيرا في الدارين إلا دلنا عليه. ورأينا في دراستنا للثلاثة كيف تفعل العقول التي لم تستنر بنور الوحي فعلها المنكوس في الناس! إنّ النبي صلى الله عليه وسلم اختصر لنا قصة الخوارج من قبل أن يراهم، وجعل لنا في خبرهم عبرةً و درساً، في حديث صحيح:
عن أبي سعيد الخدري قال: (قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَهْوَ يَقْسِمُ قَسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ، وَهْوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ. فَقَالَ: (وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ). فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِى فِيهِ، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ: (دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا، يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِم ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ)). 
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ). وقال: (الخوارج كلاب النار).
وإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد للخوارج بالتفوق في اجتهادهم في عباداتهم على الصحابة، ومع ذلك قال فيهم ما قرأتم! ولم يقل لنا: خذوا عنهم الاجتهاد في العبادة ودعوا ما سوى ذلك، بل أمرنا أن ننبذ إليهم على سواء، وأسقطهم كلياً وجزئياً، دون أن يكون لاجتهادهم الذي شهد لهم به في العبادة أي اعتبار! وهل بعد قوله عليه الصلاة والسلام: (لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ) من كلام يقال؟! وذلك ليعلمنا نبينا عليه السلام أنّه إذا سقط المنهج سقط معه كل شيء! والتقويم الشرعي يجب أن ينطلق من الحكم على المنهج الذي يصدر عنه المقوَّم، وليس على مواقف جزئية، أو تصرفات ترتبط بمناسبات طارئة. وقد علمنا نبينا أنَّ المنهج أولاً وآخرا، وعليه يقومُ تقويمُ الناس إسلامياً، لتحديد طبيعة وطريقة التعامل معهم. ولا ينبغي أنْ يُقوَّم الناس من خلال مواقف وأقوال وأفعال طارئةٍ، إنّما الحكم  للمنهج والمنطلقات الثابتة. ولا يجوز أن يكون التقويم الشرعي جزافاً، بل ينبغي أن يكون دقيقاً ومسؤولاً. لأنّ ذلك ذمة وأمانة، وتقويم الناس شرعيا يجب أن يكون في غاية التجرد والحياد والمسؤولية، ولْيستبعد فيه الهوى، وميول النفس. قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
وحين تخلى المسلمون عن المنهج الرباني، والهدي النبوي القويم، وغزتهم المدرسة العقلية (المعتزلة الجدد) بفلسفتها العقلية، ونظرياتها الأرضية الطينية، غاب حكم الله، وضاع الأمر الحازم، واختلطت الأوراق، ولم يعد المسلمون مسددين ولا موفقين، في تمييز الصديق من العدو، وبالتالي يختل ميزان الولاء والبراء، ويصبح الأمر فُرُطاً.
ولما أضعنا ذلك الحكم والعلم والفهم، والميزان والمعيار،عميت الأبصار وعمهت البصائر، وسُوِّدَ الأصاغرُ، وازْدُريَ الأكابر. وأضرب لذلك مثلا من الواقع الحاضر، لا ينكره إلا جاهل أو جائر.
على شكل سؤالٍ أطرحه: كيف يُعظِّم مشايخ الشام قديماً وحديثاً، وحتى يومنا هذا ابن عربي، وتملؤ مؤلفاته المُضَلِّلَة المكتبات. ويُتَّخذ قبره عيداً، تُشد إليه الرحال، وتُنذر له النذور، وتُطلب عنده الحوائج…! ويُزدرى ابن تيمية، ويُذم في مجالس المشايخ ودروسهم. وقد وأدوا ذكراه وتراثه، وهو ابن دمشق، عاش في ربوعها يبث فيها علماً مُؤصلاً، ونهجاً مُدَلَّلاَ، واستنفر أهلها وقادهم للقتال والدفاع عنها، حين دهمها الأعداء. وهاهم مشايخ دمشق يَجزون ذلك الإمام جزاء سِنِمَّار…! وفي العالم الإسلامي أماكنُ كثيرة تعيش الحالة الدمشقية، في رفع الأشرار، وخفض الأبرار، وذلك من عمى البصائر والأبصار. كان ذلك وسيبقى، لفقدان منهج التقويم المؤصل على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بالله من ذلك…! 

إطالةٌ لم يكن منها بدٌ، لإعادة الأمر إلى نصابه بين المسلمين، وهم يعيشون الحالة الذي حذرهم منها نبيهم فلم يحذروا! قال عليه الصلاة والسلام: (سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة).
ولا شك ولا ريب أنّ المسلمين اليوم يعيشون حالة تلك السنوات الخداعات، على أسوأ ما تكون، فهل يا ترى نخب المسلمين يعون؟!

وبعد، فقد أردت من هذه الإحاطة أنّ الثلاثة المبطلين مجندون ضمن أعداء الإسلام للمكر بالإسلام وأهله، ولا يمتون إلى أنّهم مفكرون إسلاميون، ولا دعاة مستنيرون، كما تقدمهم بعض الفضائيات الضالعة في المؤامرة. وليس لهؤلاء ومن على شاكلتهم، موقع في حسن الظن. وكما أكدت أكثر من مرة، في تضاعيف كلامي، فلست معنيا بحصر كل مخالفاتهم ومناقشتها، لأنّني أردت إسقاطهم بفضحهم على أنّهم لا منهج لهم يلتزمون به، فداعية الفساد ليس له من شيء يحاسب عليه بعد أن تثبت عنده نية الفساد، كما شرحت قبلا في حديث الخوارج! وإنّهم متفقون، تماماً على تحقيق هدفٍ استراتيجيٍ واحدٍ، وهو المكر بالإسلام وأهله، إلا أنّ الباحث في شأنهم لا يستطيع أن يصفهم بأنّهم يتبعون أسلوبا واحدا للوصول إلى ذلك الهدف، وإنّما يتخبطون في عرضهم لمبتغاهم، وتبدو في ما يطرحون ثغراتٌ تُظهر تناقضا واضحا، في أصل معتقدهم وأفكارهم، ورغم اختلافهم في (التكتيك)، كما ذكرنا، فإنّه يتأكد توافقهم على تحقيق هدف استراتيجيٍ مهم وهو إسقاط السنة النبوية، لأّن إسقاط السنة إنهاء للإسلام عند أعداء الإسلام، زعموا وخاب فألهم! فالله تكفل بحفظ دينه إلى يوم القيامة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
ولعلي نوهت سابقا أنّه ليس مقصدي إطالة الوقوف مع أولئك الثلاثة، لنقد تفاصيل باطلهم، فهو متهافت تلقائياً، أو لمناظرتهم، فليسوا على شيء في كلِّ ما يأتون، وألاعيبُ سُبقوا إليها يلعبون. ولكنَّ غايتي مما أحرِّرُ الآن تبيانٌ ونذارةٌ لبعض المتهوكين من المسلمين، الذين وصفهم ربنا تبارك وتعالى في سورة التوبة في قوله: (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)، فإن وَعَوُا القول، وأعرضوا عن هذا، فذلك ما أرجو وأبغي، وإلا فإنّهم في الفتنة سقطوا، بكسب أيديهم، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

وتمهيدا لإنهاء الكلام في الشأن الخاص، وهو الحديث عن الثلاثة، وما قيل فيهم كافٍ لتجلية باطلهم، وبيان أنّهم ليسوا ظاهرة ثرثرة لبعض العابثين، إنّما أكدّتُ أنّهم صُنعوا لدورٍ من قبل جهةٍ، فهموا، الإسلام وأدركوا أنّه دين الله الذي سيسقطهم، فبدؤوا التحرك لأخذ حذرهم. وبكل أسى يقول المسلم إنّ أعداء الإسلام كانوا أعرف وأبصر بالإسلام ومآلاته، وأنّه حرب على أعداء الله من أجل نصرة أهل الحق المؤمنين بالله، أكثر من بعض أبناء الإسلام، وإنّها لجناية كبيرة تعصب برؤوس الدعاة إلى الإسلام الذين لم تكن دعوتهم على بصيرة، فحجبوا حقيقة الإسلام حتى عن أبنائه! بل إنّنا بمرارة نقول: إنَّ بعض أعداء الإسلام أعلم بدور الإسلام، الذي ينبغي أن يتمثله أهل الإسلام، على أنّه رسالة حضارة وإصلاح وسلام لكل الخلق على الأرض، ومن ذلك وجدوا فيها تهديدا وتحديا لحضارة الغرب الآيلة إلى الإنهيار، ولذلك تمالؤوا على حرب استباقية ظنوا أنّهم ناجون بها، ولكن تدميرهم سيكون في تدبيرهم، إن شاء الله، إلا أن يتوبوا ويؤمنوا..!؟ لكن الذي فهمه أهل الغرب، والحاقدون على الإسلام منهم، أنّ الإسلام هو العدو القادم، وإنّ أهل الغرب لا يزالون مسكونين بالحروب الصليبية وآمالها التي ضاعت، ويطمعون أن يشهدوا كرة أخرى يخططون لها، ويجمعون لها كل مُعادٍ ومُناوئٍ على الأرض اليوم، كغزوة الأحزاب التي جمع المشركون، يومئذ، كل الأحزاب التي تريد التخلص من الإسلام ونبيه والمؤمنين، واستئصال شأفتهم من جزيرة العرب، ولم ينالوا خيراً!، أهل الغرب وهم ينطلقون من خلفيات توراتية، يحلمون بأن تكون لهم الجولة القادمة، ولذلك أجمعوا أمرهم لشن حرب أسموها حرباً على الإرهاب، وجعلوا في مقدمتها الدول الإسلامية، لكنّها في حقيقتها حرب على الإسلام وأهله، وقد انكشف المخبوء، يوم ظهر أهل التشيع على الساحة، يتولون كبر التربص بالإسلام السني وأهله، وقد أشارت إلى ذلك السطور التي نقلتها عن الشيخ حسين المؤيد.
وبناء على كل ما تقرر سابقاً، سأكتفي بما قلت في الشأن الخاص، وهو التحذير من رؤوس فتنة، وأؤكد ما ذكرته مرات من أنّي لا أهدف إلى تفنيد كل باطل لهم، ولكنّي أعهد إلى كل من قرأ هذا الموضوع أن يزيد اطلاعه على انحرافات هؤلاء الثلاثة، عن طريق اليوتيوب، فما ذكرت من أخبارهم غيض من فيض، وإنّما اكتفيت بما يشكل خطوطا عريضة للتحذير منهم، وفضح مخبوئهم. وليجعل أحدكم الحديث عنهم مادة دعوية في مجالس الناس، فهم مَقبولون عند نسبة لا بأس بها من العوام في دينهم، لا لصحة دعواهم ولكن للتخفف جدا من تكاليف الدين، لمن يريدون إظهار بعض الإسلام مسايرة للوسط ليس إلا، أما المآل الأخروي فهم عنه غافلون.

وإلى الكلام في الشأن العام، لاستكمال الصورة، بالاستزادة من الأمثلة. أصدرت صحيفة نيويورك تايمز عدداً خاصاً تم تكريسه بأكمله لموضوع واحد استغرق جميع صفحات العدد، الأمر الذي يحدث لأول مرة في تاريخ هذه الصحيفة العريقة التي تعتبر قدوة للصحافة الجادة. موضوع العدد هو الكارثة التي حلت بالعالم العربي خلال 13 عاماً، ابتداءً من عدوان أميركا وبريطانيا على العراق واحتلاله في عام 2003. ولم أدخل نفسي في تفاصيل ما جاء فيه ونشره، بغية الاختصار.

ولقد نُشر ذلك الإصدار في كثير من المواقع الإلكترونية، وكثرت التعليقات عليه، ومن شاء تابع ذلك في مظانه، وهو مهم! ووجدت في أكثر المواقع مقالة منشورة تتصل بالموضوع بعنوان (حقيقة المؤامرة وليس نظرية المؤامرة)، ولم يُشَر إلى اسم كاتبها إلا في موقع واحد وهو (د. صالح الرقب، أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية، فلسطين). ولذلك حرصت على نشر بعض ما جاء في هذا الملف الخطير، الذي ينبغي أن يطلع عليه كل مسلم، ويطلع عليه غيره. ولا أراني مبالغا في أنّ ما في هذا التقرير، يجب أن يعتبر ورقة عمل، لكل مشروع إصلاحي إسلامي! ولذلك رأيته لصيق الصلة بموضوعنا الرئيس، وبخاصة المقالة الموسومة (حقيقة المؤامرة وليس نظرية المؤامرة):
(قبل سنوات أصاب الغرب رعب شديد من عودة سطوة الإسلام، عندما نبَّههم بعض الباحثين الغربيين بأن الإسلام سيكون خلال أقل من نصف قرن متمكناً من بلادهم، فأسرعوا لمواجهة انتشاره قبل أن يستفحل أمره ويشتد، فيستحيل عليهم إيقاف مده، فقامت مؤسسة راند RAND الأمريكية ووضعت خطةً لنشر صورة إسلام بديل، يحقق مصالحهم الاستراتيجية، فأسسوا مركز ابن خلدون بالقاهرة، تحت إدارة سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية، فنظم مؤتمراً بعنوان الإسلام والإصلاح، بالتعاون مع مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكنجز، ومركز دراسات الإسلام والديمقراطية، ومنبر الحوار الإسلامي، وقد انتهى المؤتمر إلى توصيات أبرزها:
1. الاستغناء عن السنة النبوية.
2. إعداد تفسير للقرآن تفسيراً عصرياً.
وبعدها تم تنظيم مؤتمرات لمنح جوائز لمن يقومون بهذه المهمات فحصل الكاتب يوسف زيدان على عدد من الجوائز لقاء تشكيكه بحقيقة القدس ومكانتها في الإسلام، وتشكيكه بحادثة الإسراء والمعراج، ومُنح محمد شحرور جائزة عن كتبه التي أحل فيها كثيراً من المحرمات وبدأت تظهر ملامح خططهم تحت مسمى تجديد الخطاب الديني والذي هدفه ضرب الإسلام.
كنا نلاحظ في الماضي أن الشبهات التي كانت توجه للإسلام تتعلق بأحكام عامة كتعدد الزوجات والجزية، لكنها الآن انتقلت إلى التشكيك بما هو معلوم من الدين بالضرورة أي الثوابت، وانتقلت خططهم لأساسيات الدين الإسلامي، عن طريق توظيف أشخاص ليقوموا بهدمه من الداخل، واستهداف القرآن الكريم، والسنة النبوية، وأصول الأحكام، والتلاعب بالحلال والحرام، والحرب على الدعاة ومؤسساتهم، وللأسف فقد سقط بعض المفكرين بالمشاركة معهم أملاً إما في الشهرة، أو الأموال.
ومن خطتهم احتواء وتهميش الافتاءات الشرعية التي تصدر عن أهل العلم المعتبرين، وتوصيفهم بأنهم أدوات في أيدي السلطات والأنظمة الحاكمة، مما خلق فراغاً أُعِد ليملأه أدعياء التجديد لتدمير الإسلام.. لكن أعداء الإسلام بعدها أدركوا أن الخصوم التقليديين للإسلام أمثال إبراهيم عيسى، يوسف زيدان، ايناس الدغيدي، نوال السعداوي وآخرون، ينتقدون الاسلام بلا وعي أو منهجية، فأدركوا أنهم ساقطون فراحوا وغيّروا من استراتيجيتهم، فدعموا أشخاصاً آخرين لهم حضور وكاريزما ومسميات دينية براقة مثل:
(عدنان إبراهيم، وإسلام البحيري والمزيف ميزو المدعي أنه شيخ، وجمال البنا، ومحمد شحرور، فهؤلاء اليوم يجدون كل التأييد والدعم، للتشكيك بالسنة النبوية، والعبث بتفسيرات كتاب الله.. وليقطع الغرب الطريق على من يحاول أن يكشف، ويحذر، ويفضح حقيقة مخططاتهم الخبيثة فقاموا وأطلقوا عبارة نظرية المؤامرة، لتكون هذه العبارة الخبيثة، والاستهزائية حاجزاً يمنع أيّ شخص من محاولة التفكير بفضح مخططاتهم، لأنه عندها سيكون محل استهزاء واستخفاف، ولأنه سيُوصَف بأنه ذو عقلية ساذجة وتفكير سطحي، فصارت هذه العبارة أسلوب السُخرية والانتقاص ممن يتكلم حول هذه الخطط الخبيثة، فإذا هُزِمَ أحدهم من مُحاور وما استطاع أن يجاريه بالمناقشة، عندها أسهل طريقة للفوز عليه هو أن يقول له أنت تفكر بمبدأ: نظرية المؤامرة، فينكفئ هذا المتكلم، وينتصر عليه خصمه، عندها تكون خططهم وللأسف قد حُصِنت تحصيناً قوياً أمام تفكير المفكرين الواعين
).

ختاماً أقول: إنّ كثرة الكلام وطوله لم ينفعنا أبدا على درب الإصلاح، في ما مضى، إن لم يكن سببا من أسباب الفساد. ولن ينفعنا في مقبل الأيام إلا العمل بالمنهج الصحيح، ولا منهج إلا (ما أنا عليه وأصحابي) الذي نزل به الوحي، هو وحده الذي يجب أن يُحكم في معالجة كل إنحرافٍ، أو تقصيرٍ، أو جهلٍ! وما أحسب المسلمين اليوم، وقد أبعدوا النجعة، وفارقوا الالتصاق التام بالوحيين، وأحلوا الرجال وتقليدهم بديلا عن الوحي، ليسوا بخارجين من هذه الوهدة التي علقوا فيها إلا بالعودة إلى الوحي! قال عليه الصلاة والسلام: (إنَّها ستكونُ فتنةٌ. فقالوا: كيف لنا يا رسول الله؟! أو كيف نصنعُ؟ قال: ترجعون إلى أمْرِكم الأوَّلِ). فإلى الأمر الأول، والله يرعاكم، وإلى الهدف المنشود يُسدِّدُ خطاكم، والحمد لله أولا وآخرا.