مسألة اختلف فيها العلماء قديما وحديثا، بين موجبٍ للزكاة في الحُلِيِّ، وبين قائل لا زكاة فيها. ومن المذاهب: فالحنفي يرى الوجوب، وباقي الثلاثة لا يرون ذلك. ولقد أكدنا أكثر من مرة، في مناسبات عدة، أنّ المسألة التي تتعدد فيها اجتهادات العلماء، ينبغي على المسلم اختيار الاجتهاد الأقرب لما تقتضيه النصوص، لمن يُحسن ذلك. ولما كثرت الأسئلة التي وردتني، إلى الموقع، حول الراجح في زكاة الحلي، أعدت دراسة الموضوع من خلال أدلة الفريقين المختلفين من أجل الترجيح بين الاجتهادين، وتبين لي، والله أعلم، أنّ الراجح، هو القول بعدم وجوب الزكاة في الحُلي، المُعَدِّ للزينة، دون أدنى نية في الكنز. وسأوجز في الأسطر القادمة، مناقشتي للأدلة التي أوصلتني لما رجحت، وبالله التوفيق.
أولاً: لعل الذين رجحوا الوجوب كان لهم منطلقان:
الأول؛ التأكيد على دلالة النصوص العامة في المسألة ومنها قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ).
وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وجبينه وظهره كلما بردت أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ).
والثاني؛ أنّهم رفضوا تقييد مفهوم النصوص العامة السابقة بأقيسة مثل إخراج الحُلي من مفهوم النصوص العامة، بدعوى أنَّ الحُلي ليس بكنز، إنّما هو للقنية والاستعمال. وسيأتي لذلك تفصيلٌ، إن شاء الله.
ولاشك أنّ هذين النصين، القرآني والنبوي، أصلان أصيلان في موضوع الزكاة المالية. ونلاحظ أنّ النصين المذكورين اقتصرا على ذكر كنز الذهب والفضة، لأنّهما أصل الأثمان كلها، ويطلق عليهما، شرعيا، مصطلح (النقدين). ومن المصطلحات الشرعية، في بحث الأموال، أنّ الأموال هي الأثمان (النقود)، وأما العروض، فهي اسم لكل ما قابل النقدين من صنوف الأموال. وهو ما يطلق عليه حديثاً الأصول الثابتة والمتداولة. وقُسمت العروض إلى عروض التجارة؛ وهي العروض التي يكون الغرض منها البيع، وعروض القنية وهي العروض غير المُعَدة للبيع؛ ويطلق عليها الأصول الثابتة.
ونلاحظ في النصين المذكورين التأكيد على مسألة (الكنز). وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ: (سُئِلَ عَنِ الْكَنْزِ، فَقَالَ: هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ). وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلَهْزَمَتَيْهِ- يَعْنِي شِدْقَيْهِ- ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ). نخلص إذن من تدبر النصوص السابقة، أنّه ليس كلُّ كنزٍ مذموماً، إنّما ما لا تؤدى زكاته.
وَالْكَنْزُ- بِفَتْحِ الْكَافِ- مَصْدَرُ كَنَزَ إِذَا ادَّخَرَ مَالًا، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّذِي يُخَزَّنُ. ويكاد يكون العلماء متفقين على أنَّ الأوراق النقدية، التي عَمَّ استعمالها في العالم اليوم، هي بديل النقدين الذهب والفضة، ولها أحكامهما، وشذ من لا يُعتد بهم، فأشاعوا أنّ الأوراق النقدية لا زكاة فيها، إنّما الزكاة في الذهب والفضة حصرا، وهذا كلام باطل لا دليل عليه.
والذين تمسكوا بالنصين السابقين وما في حكمهما، على أنّها دليلٌ عامٌّ كافٍ لإيجاب الزكاة في الحُليّ، إذا بلغ النصاب، لأنّهم يرفضون تحديد مفهوم النصوص العامة السابقة، بأقيسة مثل إخراج الحلي من مفهوم النصوص العامة، بدعوى أنَّ الحُليَّ ليس بكنز، إنّما هو للقُنية والاستعمال، كأثاث البيوت، والآلات الصناعية، صغيرها وكبيرها، والمركوبات، وإعفاء بيت السكنى من الزكاة، وكذلك العوامل من السوائم. وحجتهم في ذلك أنَّ النص الصحيح الصريح لا يقبل تقييده بقياس، فالقياس لا يعتد به في مواجهة النص. وعززوا حجتهم بمجيء أحاديث تقوي عموم النصوص السابقة منها: (أنّ امرأة أتَتْ رسولَ الله ومعها ابنةٌ لها، وفي يدِ ابنتها مَسَكتانِ غليظتان من ذهب، فقال لها: (أتعطين زكاة هذا؟) قالت: لا. قال: (أيَسُرّكِ أن يسَوِّركِ اللة بهما يومَ القيامةِ سِوارينِ من نار؟!) قال: فخلعتهما، فألقَتْهما إلى النبي وقالت: هما لله ولرسوله).
وعن عبد الله بن شداد: أنّه قال: (دخلنا على عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى فى يدى فتخات من ورق فقال: (ما هذا يا عائشة؟) فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله. قال: (أتؤدين زكاتهن؟) قلت: لا، أو ما شاء الله. قال: (هو حسبك من النار)).
ثانياً: أما الفريق الآخر، الذين لا يرون في الحُلي المُعَدِّ للزينة زكاةً، فيرون أنّه من الممكن تقييد مفهوم النصوص العامة حول الكنز، وإخراج الحُلي من ذاك العموم بالقياس، لأنّ النصوص العامة، مُسَلَّطةٌ على مفهوم الكنز، ولم تنصَّ على الحُلي. ويمكن إخراج الحلي من منطوقها ومفهومها، إن سَلِمَ من نِيَّة الكنز، وليس ذلك تقييدا للنصوص بالقياس. فإنّنا إذا أدخلنا الحُلي تحت عموم تلك النصوص، باعتبار مادةِ الحلي، يعني الذهب والفضة، المذكورين في النصوص العامة السابقة، فإنّ الحُلي يَخرجُ من ذلك العموم، عن طريق كونه ليس كنزا بالنية، وقد صار بالنية عرضاً وليس ثمنا مكنوزا. والوعيد في النصوص العامة ليس على الاقتناء، وإنّما على الكنز، وبعبارة أخرى، ليس الوعيد على العروض، إنّما على الأثمان المدخرة.
يبقى الإشكال قائماً، في إيراد الحديثين المذكورين آنفا، حديث (المسكتان الغليظتان)، وحديث (فتخات عائشة)، وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عما إذا كانت تؤدى عنها الزكاة أم لا؟ ويمكن صرف دلالة ذينك الحديثين بتأويل سؤال النبي عليه السلام عن أداء زكاة الحلي، على أنّ المقصود بزكاته عاريتَه! وقد يُستغرب هذا التأويل، ويُعتبر التفافاً على إيجاب الزكاة في الحُلي! باعتباره تأويلا بعيداً. لكن الاستغراب يزول، ويعتبر التأويل صحيحا، إذا علم أنّ خمسة من الأصحاب كانوا يقولون إنَّ زكاة الحلي عاريته، فقد جاء في المغني لابن قدامة: (قال الإمام أحمد رحمه الله: خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ليس في الحلي زكاة، ويقولون زكاته عاريته. وقال ابن قدامة رحمه الله بعد ذكر أدلة الموجبين: ويحتمل أنّه أراد بالزكاة إعارته كما فسره به بعض العلماء، وذهب إليه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم).
وجاء عن ابن القيم في الطرق الحكمية قوله: (وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: إنَّ زَكَاةَ الْحُلِيِّ عَارِيَّتُهُ، فَإِذَا لَمْ يُعِرْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ زَكَاتِهِ. وَهَذَا وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ. قُلْتُ: وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَإِنَّهُ لَا يَخْلُو الْحُلِيُّ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ، وَالْمَنَافِعُ الَّتِي يَجِبُ بَذْلُهَا نَوْعَانِ، مِنْهَا: مَا هُوَ حَقُّ الْمَال، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْخَيْلِ، وَالْإِبِلِ، وَالْحُلِيِّ، وَمِنْهَا: مَا يَجِبُ لِحَاجَةِ النَّاسِ).
وبالتحقيق يتبين أنّ الصحابة الذين قالوا بالعارية، هم عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وعائشة، وأسماء، رضي الله عنهم جميعاً، وناهيك بهم. والمهم أنّ القول بأنّ زكاة الحلي عاريته كان معروفا ومشهورا ومتداولاَّ في المجتمع النبوي. وعلينا أن نتذكر قول ربنا تبارك وتعالى: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) وقد جاء في كتب التفسير أنّ من معاني الماعون ما يبذل للناس على سبيل العارية. وأذكر أنّ عارية الحُلي كانت شائعة بين أهل الشام، قبل ستين سنة، في حفلات الزفاف، لمن ليس يملك الحُلي. وحتى للعروس. وكذلك كان الشأن في ثياب الزفاف للعروسين!ويعزز التوجه السابق، في مسألة عدم إيجاب الزكاة في الحُلي، إن خلا من نية الكنز، بحمل سؤال رسول الله عن أداء زكاته على أنّها العارية، اعتباراتٌ أخرى تُرجِّح ذلك. وهي:
أ. كلامٌ مؤصلٌ قاله ابن القيم في (إعلام الموقعين): (ثُمَّ قَسَّمَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدِهِمَا مَا هُوَ مُعَدٌّ لِلثَّمَنِيَّةِ وَالتِّجَارَةِ بِهِ وَالتَّكَسُّبِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ كَالنَّقْدَيْنِ وَالسَّبَائِكِ وَنَحْوِهَا، وَإِلَى مَا هُوَ مُعَدٌّ لِلِانْتِفَاعِ دُونَ الرِّبْحِ وَالتِّجَارَةِ كَحِلْيَةِ الْمَرْأَةِ وَآلَاتِ السِّلَاحِ الَّتِي يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ مِثْلِهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ. ثُمَّ قَسَّمَ الْعُرُوضَ إلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ أُعِدَّ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَقِسْمٌ أُعِدَّ لِلْقِنْيَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ فَهُوَ مَصْرُوفٌ عَنْ جِهَةِ النَّمَاءِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ).
وقال ابن القيم رحمه الله، في مكان آخر، مُرجِّحاً قول الذين ذهبوا إلى عدم وجوب الزكاة في العوامل من الإبل والبقر، قال: (وحجة هؤلاء مع الأثر النظر، فإنّ ما كان من المال معدا لنفع صاحبه به كثياب بذلته وعبيد خدمته وداره التي يسكنها ودابته التي يركبها وكتبه التي ينتفع بها وينفع غيره، فليس فيها زكاة ولهذا لم يكن في حلى المرأة التي تلبسه وتعيره زكاة، فطرد هذا إنّه لا زكاة في بقر حرثه وإبله التي يعمل فيها بالدولاب وغيره فهذا محض القياس).
ب. في كتاب (السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ص: 229) للشوكاني، نجده يؤكد على معنى دقيق في النصوص التي تتحدث عن الزكاة في الذهب والفضة، ويذكر مثلاً، حديث علي رضي الله عنه، عند أبي داود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم. وليس عليك شيء – يعني في الذهب – حتى يكون لك عشرون دينارا فإذا كان لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار). وقد نقل عن البخاري تصحيحه وحسنه ابن حجر.
ويستنبط من مثل هذه النصوص، أنَّ زكاة النقدين مفروضةٌ في المضروب، الذي يصنف مع الأثمان، وليس في عروض القنية التي منها حُلي المرأة! ويقول في الكتاب المذكور: (ولا يصح استدلال من استدل على وجوب الزكاة في الحلية، بما ورد من ذكر الزكاة في الورق، والزكاة في الرقة، في الأحاديث، لأنّه قد ثبت في كتب اللغة، الصحاح والقاموس وغيرهما، أنَّ الوَرِقَ والرقة، اسم للدراهم المضروبة، فلا يصح الاستدلال بهذين اللفظين على وجوب الزكاة في الحلية، بل هما يدلان بمفهومهما، على عدم وجوب الزكاة في الحلية، بما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد مرفوعا بلفظ: (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة)، وأخرجه مسلم أيضا، من حديث جابر. ووجه عدم صحة الاستدلال بهذا، أنَّه قد بينه بقوله: (من الورق)، والوَرِقُ هي الدراهم المضروبة، كما عرفت، فلا تدخل في ذلك الحلية. بل مفهوم الحديثين يدل على عدم وجوبها في الحلية). انتهى كلام الشوكاني.
ونحن، إذْ نتحدث عن الوَرِق، نتذكر قول ربنا في سورة الكهف: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا). ويقول ابن عاشور: (وَالْمُرَادُ بِالْوَرِقِ هُنَا الْقِطْعَةُ الْمَسْكُوكَةُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَهِيَ الدَّرَاهِمُ). ويطبق الشوكاني الاستنباط نفسه، على ما جاء في الذهب (ليس عليك شيء، يعني في الذهب، حتى تكون لك عشرون دينارا فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار). فالدنانير هي النقود المضروبة أيضا. ونجد في بعض الأبحاث، التي تبحث في فقه زكاة الذهب والفضة، والمصطلحات النقدية، الآتي: (والدينار الشرعي والمثقال كلاهما وزن واحد، لكن المقصود بالمثقال: معيار الوزن، والمقصود بالدينار: قطعة الذهب المضروب المعد للتعامل).
ونستفيد من كلام الشوكاني، في السيل الجرار، ما استنبطه من دراسة بعض الألفاظ في بعض النصوص، ومقارنتها مع المصطلحات الفقهية، أنّ النصوص التي ذكرت سابقا عن زكاة الذهب والفضة، حملت ألفاظا كالرقة والورق والدينار، وهي ألفاظ واضحة الدلالة على المسكوك، والمضروب، من هذه الأثمان، بل لنقل إنّها إشارة واضحة إلى أنّ الزكاة في النقدين هي في ما كان مُعداً للنماء والمتاجرة والادخار، ويخرج من ذلك كل مقتنىً ليست فيه تلك النية، ولو بقي فيه معنى الثمنية، وهو الشأن في كل قُنيةٍ. ويفيدنا ذلك الفهم في بحثنا في (زكاة الحُلي)، لتسويغ تأويل سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للَّواتي يتحلين بالذهب والفضة، عما إذا كُنَّ يؤدين زكاة حليهن، على أنّه سؤال عن عاريته، وليست زكاة عما فيه من ثمنية، مادام ليس معدا للنماء والمتاجرة والادخار، بناءً على ما كان معروفا وشائعا في مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين من أنّ (زكاة الحلي عاريته)!
وقد جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 372)، تأكيدٌ لتلك الفكرة، في قوله: (وَنُقِلَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدِ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ: زَكَاةُ الْحُلِيِّ عَارِيَّتُهُ، وَلِهَذَا تَنَازَعَ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ هَلْ عَلَيْهَا أَنْ تُعِيرَهُ لِمَنْ يَسْتَعِيرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي، إذَا لَمْ تُخْرِجْ الزَّكَاةَ عَنْهُ، أَنْ تُعِيرَهُ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ تُكْرِيهِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ). وقد ذكرنا قبلا كلاماً مشابهاً، لابن القيم، عن الموضوع نفسه.
ولقد لخص صاحب الروضة الندية، مسألة الاختلاف في زكاة الحُلي، بالعبارة الآتية، التي نسبها للدهلوي، صاحب الحجة: (الأحاديث فيه متعارضة، وإطلاق الكنز عليه بعيد، ومعنى الكنز حاصل، والخروج من الاختلاف أحوط).
الروضة الندية شرح الدرر البهية ط المعرفة (1/ 191). وأحببت إيراد عبارة الدهلوي، المنقولة من قبل صاحب الروضة صديق حسن خان، شاهداً على خلاف قديم في زكاة الحُلي، وأنّ المسألة دخلت عند كثير من العلماء، حتى عند الصحابة، في طور الاجتهادات، لوجود بعض النصوص غير الصريحة، ولا تثريب في ذلك! وأتحفظ على عبارة (والخروج من الاختلاف أحوط). وأقول: إنّها قد توقع فاعلها، أحيانا، في شرٍ مما يفر منه، وهو الوقوع في مخالفة السنة والصواب. فالقاعدة إذن ليست على إطلاقها، وللبحث مظانه، ولا مُتَّسَع له الآن، لكنّي لا أجد لنفسي مندوحة، عن إتحاف القاريء بكلامٍ قيم لابن القيم: (الاحتياط إنّما يشرع إذا لم تُتَبيَّن السنة، فإذا تبينت فالاحتياط هو اتباعها وترك ما خالفها، فإن كان تركها لأجل الاختلاف احتياطاً، فترك ما خالفها واتباعها أحوط وأحوط، فالاحتياط نوعان: احتياط للخروج من خلاف العلماء، واحتياط للخروج من خلاف السنة. ولا يخفى رجحان أحدهما على الآخر).
ج. ومما يصلح شاهداً ذا اعتبار للقول إنّ حُلي النساء العاري عن نية الكنز، لا زكاة فيه، احتجاجُ من احتج بحادثة بلال رضي الله عنه في يوم عيد، بعد أن توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى النساء، ومعه بلال، فقال: ({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا}، فتلا هذه الآية حتى فرغ منها ثم قال حين فرغ منها: (أنتن على ذلك؟). فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها منهن: نعم يا نبي الله. (قال: فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة)).
ومما قاله النبي صلى الله عليه وسلم للنساء يوم العيد، كما هو ثابت في عدة روايات صحيحة:(تَصَدَّقْنَ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ). وفي رواية: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ، فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ). وتتمة الحديث السابق: (فبسط بلالٌ ثوبه ثم قال: هلمَّ لكُنَّ، فِداكنَّ أبي وأمي فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه). وفي رواية: (فجعلن يلقين الفتخ والخواتم في ثوب بلال). وفي رواية، (فجعلنَ ينزعنَ قلائدَهُنَّ، وأقرُطَهُنَّ، وخواتيمَهُنَّ يقذِفنَهُ في ثوبِ بلالٍ يَتصدَّقنَ بِهِ، ثم انطلق هو وبلال إلى بيته). ولاشك أنّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم للنساء بالصدقة، هو أمر بصدقة النفل، وكُنَّ يُلقين في ثوب بلال من حُليهن، كما هو ثابت في الصحيح. وليس بعيدا، ولا غريبا، أن يخطر في البال، أنّ أمرَ النبيِ صلى الله عليه وسلم للنساء أن يتصدقن من حليهن، يؤيد اعتبار الحلي قنيةً، يُتصدق بها، لأنّه يبعد احتمالُ أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالتصدق بالحلي الذي تدفع زكاته النقدية!
ويقول الشوكاني، في السيل الجرار، معلقا على القصة: (ولو كان عليهن في ذلك زكاة لأخبرهن (أي بلال)، لأنّه فعل ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أمرهن بما هو واجب عليهن أقدم، من أمرهن بما ليس بواجب عليهن، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار)).
د. إنّ موقف بعض الصحابة من زكاة الحلي ثابت، كما جاء ذلك عن مالك عن نافع: (أنّ عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يحلى بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة). وأخرج مالك أيضا في الموطأ، والشافعي عن عائشة: (أنّها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي، فلا تخرج منه الزكاة). وصحَّ (أنَّ رجلا سأل جابر بن عبد الله عن الحلى: أفيه الزكاة فقال جابر: لا، فقال: وإن كان يبلغ ألف دينار؟ فقال جابر: كثير).
وهذه الآثار قد صح وقفها على الصحابة، ولكن بعض العلماء، ومنهم شيخنا الألباني، أعلها بالوقف، فأسقط الاستدل بها، في موضوع زكاة الحُلي، ولاشك أنّ الحديث الموقوف على الصحابي، من أقسام الحديث الضعيف، ولا ترد به النصوص الصحيحة! وهذا حق! أما استدلال من استدل بتلك الآثار، فلم يستدلوا، بها، وهي موقوفة، ليردوا بها دلالة النصوص الصحيحة، إنّما وظفوا صحة وقفها لتأويل سؤال النبي صلى الله عليه وسلم (أتؤدين زكاتها؟)، تأويلا سائغا منسجما مع ما كان معروفا في مجتمع الصحابة، وما نقل عن الصحابة الثلاثة المذكورين آنفا، منْ (أنّ زكاة الحلي عاريته). وهذا الاستدلال تكفي فيه صحة الوقف، ولاشك. وبالتالي يتأكد، ولاعتبارات أخرى ذكرناها، أنّه لا زكاة في الحُلِيِّ، الذي سلم من نية الادخار. ومن لم يجز ذلك، من العلماء أخذ ببعض ظواهر النصوص، وأعرض عن تأويل ذلك الظاهر، لأنّ همة أولئك، وهم كبار، كانت مع عمومات النصوص، توخياً لمصلحة مستحقي الزكاة! أما الفريق الآخر، متمثلا بابن تيمية وابن القيم، والشوكاني، والجمهور، كانوا يتوخون إبراز الانسجام في مواقف الشريعة، وعدم التعارض في أحكامها، ولقد أفضنا في إثبات نقولٍ للعلماء الثلاثة المذكورين، حول تأصيل ذلك التوجه، ونعيد للذكرى سطورا مما أثبتناه سابقا، لابن القيم، يقول: (وحجة هؤلاء مع الأثر النظر فإنّ ما كان من المال معدا لنفع صاحبه به كثياب بذلته وعبيد خدمته وداره التي يسكنها ودابته التي يركبها وكتبه التي ينتفع بها وينفع غيره ، فليس فيها زكاة ولهذا لم يكن في حلى المرأة التي تلبسه وتعيره زكاة).
والفريقان المذكوران، من العلماء، ليسوا متناقضين في تعاطيهم مع موضوع (زكاة الحُلي)، حاشا! وهم أكابر العلماء، ولكنّهم، بما اسستنبطوه من مفهومات النصوص، انتقلوا بمسألة (زكاة الحلي)، من دائرة النصوص الصريحة الصحيحة، حيث لا يصح معها الاجتهاد، إلى مسرح الاجتهاد، لكون النصوص صحيحة غير صريحة، وعندئذ تطبق قاعدة (لا اجتهاد بأولى من اجتهاد)، وعلى المسلم التحري. ولعلها من الحالات التي يصح أن تعتبر مثالاً، للمسائل التي يصح أن يقال فيها: (إنّ في الأمر سعة)! وعندها نقول للمرأة التي تسأل عن تأدية زكاة حُليها، إن فعلتِ فحسنٌ، وإلّا فحسنٌ أيضا، والله أعلم.
وأجدني قبل أن أنهي الكلام في هذا الموضوع الفقهي الهام، الذي يتناول تفصيلا في أعظم شعائر الإسلام، وهي الزكاة، وكيف لا، وقد اقترنت مع شعيرة الصلاة، فكان أكثر ذكرهما في كتاب الله، مقرونتين معا! فكانت الزكاة قسيمة الصلاة في الأهمية. أجل أجدني لزاماً عليَّ التأكيد على موقفي، مما ذهب إليه بعض الأشياخ، من وجوب الزكاة في حلي المرأة، وأخص منهما شيخين حبيبين إلى قلبي، وكنتُ، ولله الحمد، أكثر انتفاعا بعلمهما، من سواهما، رحمهما الله، وهما الألباني والعثيمين. ولا أرضىى لنفسي، أن أكون كتلك الزعانف، التي كان يقول عنها الشيخ الألباني: (تـزبَّبَتْ قبل أن تتحصرم)، تستمريء التطاول على الربانيين من العلماء، لترفع نفسها من الأرض أُنْمُلة! فلا، أُخَطِّؤُهُم، وحاشا لمثلي أن يفكر في ذلك. بل كانوا في المسألة، التي بين أيدينا، منسجمين مع أنفسهم، وصحيح علمهم، لكنّ الاختلاف معهم، ولا أقول اختلافي، فإذا ذكر أحمد ومالك والشافعي، وابن تيمية وابن القيم، والشوكاني، فمن أنا؟ أجل إنّ الاختلاف كان مبعثه اجتهادات متباينة. فبين مُنْطَلِقٍ من النصوص العامة، في زكاة الذهب والفضة، وجعلها شاملة للحُلي باعتبار جنسه، وعدم القبول بإخراج الحلي من عموم النصوص، باعتباره عرضاً، وليس نقداً، ومعاملته على أنّه قُنية، لا تشملها نصوص الزكاة، مهما ارتفعت القيمة. فصاروا إلى تأكيد وجوب الزكاة في الحُلي، معززين ذلك بأحاديث صحيحة، فيها سؤال النبي صلى الله عليه وسلم (أتؤدين زكاتها)، فأعملوا ظاهر النصوص كما أعملوا عموم نصوص زكاة النقدين، ولا إشكال في ذلك، ومن هذا المنطلق، لم يأخذوا بالحسبان، دور النية، في امتلاك الحُلي، هل هي محضُ الزينةِ، فيكون الحُلي قنيةً لا زكاة فيه، أم أنّ النية تشوبها نية الكنز والادخار، فتجب في الحلي الزكاة، ولا تردد؟
و طرفٍ، آخر في المسألة، رأيتني أميل إليه، وقد سبقني إلى ذلك أكابرُ من العلماء، وأختصر موقف هذا الطرف، كالآتي: لقد تحرر هذا الطرف، من عموم نصوص زكاة النقدين بالآتي:
1. إخراج الحلي، الذي ليس فيه نية الكنز، من عموم النصوص، لأنّه قنيةٌ، قياساً على المقتنيات الكثيرة التي لم تَطُلها الزكاة.
2. تأويل الأحاديث التي فيها سؤال النبي عليه الصلاة والسلام لصواحب الحلي: (أتؤدين زكاتها)، وهي من الصحاح التي لا يمكن ترك العمل بها على ظاهرها! على أنّ الزكاة المسؤول عنها ليست الزكاة العَهْديَّة، إنّما عاريتها، بناء على ما كان معروفاً في عصر النبي وأصحابه. فقد صح القول، على الأقل، عن ثلاثة من الصحابة، وقد ذُكروا قبلاً (إنّ زكاة الحلي عاريته). وقد مر التفصيل.
وقد يَحتجُّ عليَّ بعض من يقرأ هذا الكلام، قائلا إنّ شيخك الألباني قد ضعَّف تلك الآثار، فكيف تحتج بها؟ أقول لقد صدَقَ، وصدقْتَ، لكنْ فاتك يا أُخيَّ، أنّ الألباني قد أعلَّها بالوقف، فلا تقوى على معارضة كلام رسول الله، في أنّه لا زكاة في الحلي. أما احتجاجي بها، بعد ما صحح الشيخ وقفها، لإثبات أنّ القول: إنّ زكاةَ الحُلي عاريتُه، كان معروفا في ذلك الزمن، فالموقوف على بعض الصحابة، كافٍ لهذه الغاية، وجائز. ووجوب الزكاة في الحُلي، صُرف من الوجوب الذي فهمه بعض العلماء من سؤال النبي عليه الصلاة والسلام إلى العارية، فسقط وجوب الزكاة العهدية، فلا إشكال، والحمد لله رب العالمين.
وبعد هذا العرض، أتساءل، ألا يصحُّ لمستفت استُفتِيَ في زكاة الحلي، أن يعرض المذهبين، ثم يعطي الخيار لصاحبة الحُلي، في أن تأخذ بأيهما شاءت، وتطيب به نفسها، أو يختاره لها وليها، وكان يتناسب مع الوضع المادي؟ ولِمْ لا، ولقد تـبين لي لدى البحث الدقيق، أنّ الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، كان فيهم المذهبان المطروحان في هذا البحث، في ما يخص زكاة الحلي، وقد صح موقوفا عن جابر، وعبد الله بن عمر، وعائشة، وأسماء، رضي الله عنهم، القول بأنّه لا زكاة في الحلي، وكذلك الفعل، وناهيكم بأولئك!
ولا يفوتني البيان والتأكيد، أنّ النتيجة التي انتهى بي البحث إليها، ليست على الطريقة التي شاعت هذه الأيام، عند من تعجلوا لأنفسهم موقع الفتيا، وقد كثُروا، وطريقتهم، أن يسردوا كل الأقوال الموجودة في كتب الفقه، الصحيح والسقيم، والراجح والمرجوح، دون تمييز، ويطلبوا من الناس أن يأخذ كل أحدٍ، بما يناسب حاله من تلك الأقوال! فهل بعد هذا التضييع من تضييع؟
وأذكر أنّي كنت في مجلس طُرحت فيه مسألة زكاة الحُلي، فأدليت بدلوي، فانبرى أحد الحضور قائلا: ومتى كان الدين يعطي الخيار بين حكمين مختلفيين؟ فوفقني الله إلى الرد بالآية، (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
والله يشهد أنّي بذلت قصارى الجهد في البحث، مُحَيِّداً نفسي عن الميل إلى جهة لا تعصباً، ولا هوىً، ولا أبتغي بعد مرضاة الله إلا الحق، واليسر، كما كان هديه عليه الصلاة والسلام ففي المتفق عليه، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا أَنْ يُنتهك حرمةُ الله فينتقم لله بهَا).
وختاماً .. فما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطإِ أو خطلٍ، فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله من ذلك
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.