Skip to main content

إِدْرَاكُ الوَقْتِ وَالرَّكْعَةِ وَالجُمْعَةِ وَالجَمَاعَةِ

By السبت 5 رجب 1441هـ 29-2-2020مبحوث ومسائل, فقه

يصادف كلُّ مصلٍ في صلاته أحياناً حالات من الخطأ أو النقص، فكيف يتعامل معها. وفي هذا السياق، أريد أنْ أنبه على أمر مهم، ينقدح في الذهن لدى تلاوة قوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ). والعبادات، ولا شك، من شعائر الله، بل أعظمها. وتعظيم العبادة يكون بأمرين اثنين: إخلاصِ النية قبلها، والإتيانِ بها وفق الهدي النبوي. فليست كل فتوى صائبة، وليس كل عابدٍ يُقلد! والعلم أساس ضبط الدين، وما كل كلام يعتبر علما في دين الله. ورحم الله من قال:

العــــــلم قال الله قــــــــــــال رسولــــــه … قال الصحابة ليس بالتمويه

كلا ولا نصب الخلاف سفاهة … بين الرسول وبين قول فقيه

كلا ولا جحـــد الصفاة ونفــــــيها … حذراً من التمثـــــيل والتشبـيــــه

فعلى المؤمن، أنْ يحذر، وأن يتعلم مِنْ أيْنَ يأخذ دينه، فالدين لا يقبل المغامرة، ولا المسايرة، ولا المكابرة.

وستكون مذاكرتنا الآن، في بعضٍ من تلك الحالات، وهي:
1. إدراك الوقت
بمعنى، كيف يُدْرَكُ وقت الصلاة، ومعلوم أنّ الصلاة إذا وقعت خارج الوقت فليست مقبولة (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا). وفي الموضوع تفصيل، ونتعرف على ذلك، من خلال استعراض بعض الأحاديث النبوية:
. عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ).
. عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: (مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ سَجْدَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، أَوْ مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ فَقَدْ أَدْرَكَهَا).
. عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاَتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاَتَهُ).
نلاحظ في الأحاديث الثلاثة السابقة وجود كلمتي ركعة وسجدة، وهما تؤديان المعنى نفسه، وهو إدراك الركعة بتمامها. فقد جاء في كتاب (إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل) العبارة الآتية: (فدل ذلك على أنّ هذا الاختلاف إنّما هو من الرواة، ولا اختلاف بينهما فى الحقيقة من حيث المعنى، فإنّ الأمر كما قال الخطابى: (المراد بالسجدة الركعة بركوعها وسجودها، والركعة إنّما يكون تمامها بسجودها فسميت على هذا المعنى سجدة). نقله الحافظ في الفتح).
وكان فهم العلماء من الحديث واحداً؛ أنّ من أدرك ركعة في الوقت فقد أدرك الصلاة كاملة في الوقت، وعليه أن يتم صلاته، كما جاء في بعض الروايات. ولقد جاء في المسألة خلاف لا يعتد به لكون النصوص مجتمعةً تردُّه.
ولكنْ جاءتنا في الموضوع روايةٌ فيها زيادة صحيحة، فلا بد من أن يصار إلى العمل بها، عملا بقاعدة: (زيادة الثقة مقبولة، لأنّ مع الراوي صاحب الزيادة زيادة علم). فعن أبي هريرة مرفوعا: (إذا أدرك أحدكم (أول) سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فلْيتمَّ صلاته، وإذا أدرك (أول) سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته).
يقول الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة: (أخرجه البخاري في صحيحه دون الزيادتين {أول سجدة}، وإنّما آثرت الكلام على هذه الطريق لورود الزيادتين المذكورتين فيها، فإنّهما تحددان بدقة المعنى المراد من لفظ “الركعة” الوارد في طرق الحديث الأخرى، وهو إدراك الركوع والسجدة الأولى معا، فمن لم يدرك السجدة لم يدرك الركعة، ومن لم يدرك الركعة لم يدرك الصلاة).

واستكمالا للبحث، ولكن بشكل مختصر، أختصر ما جاء به الشيخ الألباني في كتابيه النافعين (إرواء الغليل) و(السلسلة الصحيحة)، فيكاد يكون الأولَ في ما وصل إليه علمي، ممن تناول هذا الموضوع الفقهي الدقيق، بحثاً، ودعا إلى العمل به عبادةً. والبحثُ الحديثيُ تركز عنده حول إثبات صحة الزيادتين: (أول سجدة) من صلاة العصر ومن صلاة الفجر، واللتين لم يذكرهما البخاري في روايته في صحيحه. فالروايتان كما يذكر الألباني هما عن الفضل بن دكين، وهو أبو نعيم شيخ البخاري، يقول الشيخ الألباني في (الإرواء1/ 275): (وقد أخرجه البيهقى (1/378) من طريق محمد بن الحسين بن أبى الحسين، حدثنا الفضل يعنى: ابن دكين به، بلفظ: {إذا أدرك أحدكم أول سجدة…} بزيادة “أول” فى الموضعين. والفضل بن دكين هو أبو نعيم شيخ البخارى فيه. والراوى عنه محمد بن الحسين. قال الخطيب: “كان ثقة صدوقا” وقد تابعه عمرو بن منصور، شيخ النسائى فيه، وهو ثقة ثبت، كما قال الحافظ في “التقريب”. وتابع أبا نعيم على هذه الزيادة حسين بن محمد، أبو أحمد المروذى، حدثنا شيبان به. أخرجه السراج، وحسين هذا هو ابن بهرام التميمى، وهو ثقة محتج به فى الصحيحين. وشيبان هو ابن عبد الرحمن التميمى وهو ومن فوقه ثقات مشهورون).
ويتابع الشيخ الألباني، فيقول: (فثبت مما ذكرنا أنّ هذه الزيادة صحيحة ثابتة فى الحديث، وهي تُعَيِّن أنّ المراد من الحديث إدراك الركوع مع السجدة الأولى، كما سبق بيانه، وما يترتب عليه من رفع الخلاف الفقهى فى الحديث الذى قبله). ويقصد الشيخ الألباني في عبارة (الحديث الذي قبله) رواية البخاري الخالية من الزيادتين.
وهذه الرواية، والزيادة التي فيها (أول سجدة) تفتح في المسألة فهماً فقهياً جديدا. ومن العجيب أنّني لم أعثر خلال بحثي الطويل في المسألة على من أشار إلى هذا الفهم الجديد، ودعا إلى التزام العمل به إلا الشيخ الألباني رحمه الله! كما نقلنا قبل قليل، وهذا بلا شك دأب المحدثين في البحث والتقصي، والذي يؤكد أنَّ على عواتق أهل الحديث يقوم البنيان الفقهي، وإن جحد ذلك أصحاب مقولة (الأطباء والصيادلة) التي ما زال الذين ما قدروا الحديث وأهله حق أقدارهم، يُبدؤون بها ويعيدون متأثرين بالعصبية المذهبية. وهي، وإن كانت نُسبتْ في الكتب إلى أكثر من اسم عالم، وهذا لا يغير عندي شيئا، فتبقى تعبر عن آراءٍ فردية، وليس عن حقائق علمية! لكنّني أحب أن أطرح سؤالا على كل حفيٍ بهذه المقولة، أخبروني بالعلم الذى أتقنه الفقهاء، حتى رفعهم منزلة فوق المحدثين..؟! كفانا تعصباً!

والآن، ما هو هذا الفهم الجديد في المسألة؟
إنَّ الحُكم الذي أتت به رواية أبي نعيم، شيخ البخاري، أنّ من ضاق به وقت الصلاة، ولا يعنينا السبب، فأحرم بالصلاة، سواء كانت الصلاة فجرا أم عصرا، فلا يُعدُّ مدركا للصلاة في الوقت إلا إذا أدرك السجدة الأولى من الركعة الأولى قبل طلوع الشمس إذا كانت الصلاة فجراً، أو قبل غروبها إن كانت عصراً، ثُمَّ يضيف إلى ذلك في صلاة الفجر ركعة ثانية. وإذا كانت الصلاة عصراً يضيف ثلاث ركعات. ويكون المصلي قد أدى الصلاة أداءً في الوقت. ولا يفوتني، أن أنبه، أنّ المذهب الحنفي يقول أنّ من أدرك ركعة من الفجر قبل شروق الشمس لا يجوز أن يضيف إليها ركعة، لأنّ الصلاة تحرم أثناء شروق الشمس، ويكون قد فاتته صلاة الفجر!!! وهذا القول يبطله الحديث الذي نحن في صدد دراسته، فإنّ خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
ويجب عدم الخلط بين حالتين: بين من أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج الوقت، بإدراك السجدة الأولى من الركعة الأولى، قبل الشروق أو الغروب، وبين من استيقظ بعد نومٍ، أو تَذَكرَ بعد نسيانٍ، بعد خروج الوقت. ففي الحالة الأخيرة يؤدي النائم أو الناسي الصلاة كاملة، بعد الاستيقاظ أو التذكر، فوراً دون تأخير، وتؤدى الصلاة أداءً وليس قضاءً، عملاً بالحديث النبوي: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) وفي بعض الروايات زيادة: (لا كفارة لها إلا ذلك). وهي تؤكد عدم القضاء بالمفهوم المذهبي!

وأود أن لا أدع هذه الفقرة قبل الإشارة إلى تطبيق مُشوَّهٍ للحديث السابق (من نام عن صلاة أو نسيها…). وألخص المسألة بالمثال الآتي: شخص غلبته عيناه فلم يستيقظ لصلاة الفجر إلا بعد طلوع الشمس، فأول ما يفعله بعد التأكد من طلوع الشمس، ينظر الساعة فيجدها السادسة مثلا، فيقول في نفسه بيني وبين الذهاب إلى الدوام ساعتان، فلأتابع نومي، وإذا استيقظت للدوام صليت الفجر! فهل هذا الفعل صحيح؟ إنّه من وجهة النظر الفقهية يُعدُّ آثماً، لم يصلِّ الفجر! لماذا؟ لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن النائم عن الصلاة، والناسي لها: (فليصلها إذا ذكرها). وتقع صلاتها في حكم الأداء دون أي مؤاخذة، لأنّ الناسي والنائم مرفوعٌ عنهما قلم التكليف، فإذا استيقظا جرى عليهما، وبدأ التكليف، ويبدأ الوقت في حقهما من لحظة الاستيقاظ أو التذكر، فإن تهاونا وأخرا الصلاة عن لحظة الاستيقاظ أو التذكر خرج وقت الصلاة، وكانا مفرطين في الوقت، ولا تقبل منهما الصلاة، وهذا التهاون كثير الانتشار بين الناس اليوم.
ويفتي بعض الناس أنّ تأخير الصلاة بعد الاستيقاظ فعله النبي عليه السلام مع أصحابه، يقصدون الحديث الآتي: عن أبى هريرة قال: (عَرَّسْنَا مَعَ نَبِىِّ اللَّهِ فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ النَّبِىُّ: (لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ). قَالَ: فَفَعَلْنَا ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ. ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ).
وحجتهم أنّ النبي عليه السلام لم يأمر بالصلاة مباشرة، بل أمر بالرحيل! ونُجيب إنّ للرحيل تعليلاً ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ).

2. إدراك صلاة الجمعة
والبحث يتناول، من دخل إلى مسجد الجمعة والإمام يؤدي الصلاة، فكيف يكون الموقف؟ هناك احتمالان:
الأول: أن تفوته الركعة الأولى من صلاة الجمعة، ويكون لذلك حالان: إما أن يدخل المسجد وقد رفع الإمام من الركوع، فيدخل مع الإمام، لكن لا تحتسب له الركعة، أو أن يدخل المسجد وقد قام الإمام إلى الركعة الثانية، فيدخل معه، أو يدرك مع الإمام الركوع من الركعة الثانية، وفي الحالين يكون قد أدرك مع الإمام ركعة واحدة من الجمعة. فإذا سلم الإمام لم يسلم معه، ثم يقوم فيأتي بالركعة الثانية، ويكون قد أدرك الجمعة. وحديث النبي صلى الله عليه وسلم صريح في ذلك: عن أبي هريرة مرفوعا: (من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة). وفي رواية: (فليضف إليها أخرى). وعنه مرفوعا: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ مَعَ الإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ) متفق عليه. وتأتي هذه الرواية مبينة للاختصار، في الروايات السابقة، وهو أنّه لا بد من إضافة ركعة ثانية إلى الأولى التي أدركها مع الإمام. فعن أبي هريرة، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى).

الثانية: أن يدخل المسجد والإمام قد رفع من ركوع الركعة الثانية، فينبغي عليه الدخول مع الإمام فوراً، ولا يعتبر قد أدرك الجمعة. فإذا سلم الإمام لم يسلم معه، ثم يقوم ليبدأ الركعة الأولى من ركعاتٍ أربعٍ، تجب عليه لأنّه سيصلى الظهر. ويؤخذ هذا الحكم من قوله عليه الصلاة والسلام، فيما يرويه ابن مسعود رضي الله عنه: (من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة فَليصل إِلَيْهَا أُخْرَى، وَمَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَتَانِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا). ومثل ذلك ما جاء عن ابن عمر: (إذا أدركت من الجمعة ركعة فأضف إليها أخرى، وإن أدركتهم جلوسا فصل أربعا).
وتوجيه ذلك فقهياً، أنّ الجماعة شرطٌ لصحة صلاة الجمعة. والذي فاتته ركعتا الجمعة مع الإمام، لا يُعَدُّ مصلياً مع الجماعة، وحينما يبدأ قضاء ما فاته بعد تسليم الإمام، يُعَدُّ منفردا، فلا تصح منه الجمعة، لفوات شرطها، وهو الجماعة، فيصلي ظهراً، حسب ما جاء في الأحاديث.

3. إدراك الركعة
والمقصود بالإدراك هنا، إدراك الركعة مع الإمام. وبإيضاح أكثر، ما هي الوضعية التي إذا دخل المأموم فيها الصلاة مع الإمام يعتبر المأموم مدركا للركعة؟ والجواب: إنّها الركوع. ولنمعن النظر في الأحاديث الآتية:
. عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ).
. عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من صلاة الجمعة أو غيرها فقد أدرك الصلاة).
ولا بد من أن نضيف السؤال الذي ناقشناه قبلا: بِمَ تدرك الركعة؟
والجواب: بإدراك الركوع مع الإمام. فمن دخل مع الإمام راكعاً مطمئناً فقد أدرك الركعة مع الإمام. ودليل ذلك حديث أبي هريرة مرفرعاً: (إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلَا تَعُدُّوهُ شَيْئًا، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فقد أدْرك الصَّلَاة). رواه أبو داود، وفي لفظ له: (من أدرك الركوع أدرك الركعة). وهذه الرواية عليها المُعول في مسألة إدراك الركعة، وهي القاطعة للنزاع، فالمسألة محل خلاف. وزيادةً في الإيضاح، وتأكيداً للفائدة، أقول: لقد ذكرنا سابقا، أنّ وقت الصلاة لا يدرك إلا بإدراك ركعة من الصلاة قبل خروج الوقت، ولكنّ الركعة هنا تدرك بإدراك الركوع مع أول سجدة من الركعة الأولى من الصلاة. أما إدراك الركعة مع الإمام فيكون بإدراك الركوع مع الإمام، فيجب التمييز.
وذكرت أقوال أخرى، تتعلق بإدراك الركعة مع الإمام، لكن الذي عليه الأدلة أنّ الركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع مع الإمام، ويؤيد هذا المذهب جريان عمل جماعة من الصحابة عليه، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أنّه قال: (من لم يُدرك الإمام راكعاً، لم يُدرك تلك الركعة) وسنده صحيح كما ذكر الشيخ الألباني في الإرواء.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (إذا جئت والإمام راكع، فوضعت يديك على ركبتيك قبل أن يرفع فقد أدركت) وإسناده صحيح كما في الإرواء.
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان يقول: (من أدرك الركعة (الركوع) قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة) وإسناده جيد كما في الإرواء.

ولا بد لتحرير المسألة، لأهميتها، من كلام يقال حول أبرز حجة تعلق بها من لم يقولوا بأنّ الركعة تدرك بإدراك الركوع مع الإمام، بل عارضوا ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) للبخاري ومسلم وغيرهما. وفي رواية أخرى: (مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهْىَ خِدَاجٌ – ثَلاَثًا – غَيْرُ تَمَامٍ) لمسلم وأبي عوانة.
ووجدت في تفريغ (سلسلة الهدى والنور)، والمطبوع في كتاب (جامع تراث العلامة الألباني في الفقه (5/51)) مناقشة حديثية وأصولية، متقنة مفصلة، تردُّ على الذين يذهبون إلى أنّ الركعة لا تدرك بإدراك الركوع، وهي نفيسة، يقول الشيخ الألباني رحمه الله:
(أنت الآن إذا دخلت المسجد، ووجدت الإمام راكعاً واقتديت به وركعت معه، أدركتَ الركعة أم لا؟ نعم، أدركت الركعة، ماذا نفعل في قوله: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) إذن؟ لم يبقَ الحديث على عمومه، دخله التقيِّيد والتخصيص، فصار معنى الحديث: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، إلا لمن لم يستطع أن يقرأ الفاتحة، في صورة من الصور منها: أن يأتي المسجد، فيجد الإمام راكعاً، فلا يستطيع أن يقرأ الفاتحة، والركعة محسوبة له، مع أنّه لم يقرأ الفاتحة، إذاً: الحديث هنا ليس على إطلاقه.
مداخلة: إذا تَكَرّمت، بالنسبة لما دار بين الشافعية: إذا الأحاديث تعارضت يعني: أليس الأفضل التوفيق بينها، وهو حال الشافعية على من يقول: يقرأ الفاتحة بعد الإمام في سكتاته، فإنّهم وفّقوا بين الأحاديث المتعارضة.
الشيخ: عفواً، الظاهر أنّنا نسينا ما قلنا، التوفيق بين الأحاديث ما يكون بمخالفة السنة، فقد ذكرنا -آنفاً-: أنّ الرسول عليه السلام طيلة حياته المباركة، حينما كان يصلي بالناس في الصلاة الجهرية، ما كان يسكت.
فلا يكون الجمع بين الأحاديث، بأن نعطي حَلاًّ يخالف سنة الرسول عليه السلام، طيلة حياته المباركة. نحن نأتي بحل من نفس الأحاديث، وهذا الذي كنت أنا في صدد إتمامه بيان الحل، لأنّي قلت: لأمر ما ذكرت أنّ حديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ) ليس مطلقاً، كما نقلت عن العلماء، وإنّما هو مُقَيّد في بعض الصور، وذكرت صورة متفقاً عليها بين العلماء وهي: إذا دخل المسجد، ووجد الإمام راكعاً، اقتدى فيه وركع معه، فصلاته صحيحة مع أنّه لم يقرأ الفاتحة. إذاً: هذا الحديث لم يبق على عمومه وشموله وإطلاقه.
وهنا يأتي جواب سؤالك الأخير، وهو كان سيأتيك -عفواً- بدون طلب منك: إذا تعارض حديثان عامان، كل منهما عام، فأيُّهما يُسَلَّط على الآخر ويخصصه؟
قال العلماء: إذا كان أحد النَصَّين العامين، دخله تقييد أو تخصيص، بحيث ضَعُف عمومُه وإطلاقه، فهو الذي يُسَلَّط عليه النص العام، الذي بقي على عمومه وشموله ولم يدخله تخصيص ولا تَقيّيد، هذه قاعدة مهمة جداً جداً من الناحية الفقهية. الآن وَضَحت: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} هل هناك حالة من الحالات لا يسمع الإنسان فيها، ويجوز أن يلهو والقرآن يتلى؟ أبداً. كذلك قوله عليه السلام في الحديث السابق: (إنّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا) ما دخله تقييد؛ لأنّه ماشي مع الآية تماماً.
إذاً: هنا عمومان تعارضا، عموم: (لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب) وعموم: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} فيُقَيَّد العام المقيَّد، بالعام غير المُقَيَّد
).

ولدى الحديث عن الركوع، وأنّه الحالة التي إذا أدركها المأموم مع الإمام كان مدركا للركعة، ولو لم يكن قد أدرك مع الإمام شيئا من القراءة، ولا سيما الفاتحة، نتذكر الخلاف الفقهي بين العلماء، والذي يترتب عليه أنّ العلماء لم يتفقوا على جوابٍ للسؤال، بم تُدْركُ الركعة؟ وقد بيَّنا قبلاً، الدليل القاطع للنزاع، في هذه المسألة.
لكنَّنا يجب أن نلاحظ، أنّه رغم التأكيد على أنّ من لم يُدرك الركوع لم يُدرك الركعة، فإنّ هذا الحكم لا يجوز أن يُزَهِّد المصلين بثواب الجماعة مع الإمام! فنرى كثيرا من المصلين إذا فاتهم إدراك الركوع مع الإمام، وقفوا ينتظرون قيام الإمام إلى الركعة الجديدة، ليدخلوا معه في الصلاة، اعتقادا منهم جواز ذلك، ماداموا سيقضون ما فاتهم بعد انتهاء الصلاة. بل إنّي رأيتُ، مراراً، دخول شخصين أو أكثر إلى المسجد، ممن يفوتهم إدراك الركوع مع الإمام، يظلون واقفين، يتحدثون في ما بينهم، وهم ينتظرون قيام الإمام إلى ركعة جديدة. ولقد حَرَمَ هؤلاء أنفسهم من ثواب الصلاةِ جماعةً مع الإمام. وثواب الجماعة ليس له حدود، لإدراك المأموم له، بل يدركه أو بعضه في كل لحظة يكون فيها مع الإمام، ولو أدرك التسليم مع الإمام فقط، لناله شئٌ من ثواب الجماعة. وسيكون في الفقرة الرابعة، زيادة إيضاح، إن شاء الله. ولذلك جاءت أحاديث تحض على الدخول مع الإمام على أية حال كان، ابتغاء ثواب الجماعة. يقول عليه الصلاة والسلام، فيما يرويه أبو هريرة مرفوعا: (إذا وجدتم الإمام ساجدا فاسجدوا، أو راكعا فاركعوا، أو قائما فقوموا).

الركوع قبل الصف
ما أظنها حالةً وحيدة تدعو إلى الغرابة، لأنّ لها نظائر في كتب الفقه! إنّها تعليمٌ نبويٌ غائبٌ من حياة الناس الدينية، بل نراه غائبا في أكثر كتب الفقه، لاختلاف أنظار العلماء فيه، وتسلل العقل للمشاركة، وتغلبه على النص! وعندئذ يفتح باب التأويل! ويختفي الحق وراءه!

يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع فليركع حين يدخل، ثم يدب راكعا حتى يدخل في الصف؛ فإنّ ذلك السنة).
والحديث أخرجه الطبراني، وأخضعه الشيخ الألباني لدراسة حديثة مؤصلة، في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/454)، ثم خلص إلى القول: (وقال الحاكم: “صحيح على شرط الشيخين”. ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ومما يشهد لصحته عمل الصحابة به من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم:
. روى البيهقي: أنّ أبا بكر الصديق وزيد بن ثابت دخلا المسجد والإمام راكع، فركعا، ثم دنيا وهما راكعان حتى لحقا بالصف.
. عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: أنّه رأى زيد بن ثابت دخل المسجد والإمام راكع فمشى حتى أمكنه أن يصل الصف وهو راكع، ثم كبر فركع ثم دب وهو راكع حتى وصل الصف.
. وعن خارجة بن زيد بن ثابت: أن زيد بن ثابت كان يركع على عتبة المسجد ووجهه إلى القبلة، ثم يمشى معترضاً على شقه الأيمن، ثم يعتد بها إن وصل إلى الصف أو لم يصل.
. عن زيد بن وهب قال: خرجت مع عبد الله، يعني ابن مسعود من داره إلى المسجد، فلما توسطنا المسجد ركع الإمام، فكبر عبد الله وركع، وركعت معه، ثم مشينا راكعين حتى انتهينا إلى الصف حين رفع القوم رؤوسهم، فلما قضى الإمام الصلاة قمت وأنا أرى أنّي لم أدرك، فأخذ عبد الله بيدي وأجلسني ثم قال: إنّك قد أدركت
).
وأشار الشيخ الألباني، في السلسلة الصحيحة إلى صحة هذه الآثار. وهذه الآثار تصح أدلةً لأمرين: على أنّ الركعة تدرك بإدراك الركوع، وهذا ما بسطناه قبلاً، وعلى أمر آخر جديد، هو وجوبُ الركوع خلف الصف لمن دخل المسجد ورأى الإمام راكعا. ونقول بالوجوب، لمجيء الأمر (بلام الأمر) عن رسول الله (فلْيركعْ حين يدخل، ثم يدبَّ راكعا حتى يدخل في الصف؛ فإنّ ذلك السنة).

والذي فتح باب المناقشة، حول تلك المسألة، أمام العلماء، حتى توصلوا إلى إلغائها، استغرابُ العلماء لهذا الفعل، وهو أن يدبَّ المصلي راكعاً، حتى يدخل الصف، من جهة. وليست غرابته لذاته، ولكن لغيابه من مساجدنا، مع أنّ النصوص تشهد أنّه كان مطبقاً عند الصحابة كما مر. ومن جهة ثانية، وجود حديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم يحمل عبارة نبوية، كانت مادة للأخذ والرد، عند العلماء، حول ثبوت هذا التكليف.
والحديث: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: (أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ. فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلاَ تَعُدْ)).
ومفتاح فهم الحديث، بشكل صحيح، ومفتاح فهم المسألة به، ضبطُ كلمة (تَعُدْ). ولها عند العلماء احتمالات ثلاثة. الأول: (تُعِدْ) من(الإعادة)،(بضم الأول، وكسر الثاني، وتسكين الثالث). والثاني: (تَعُدْ) من (العَوْد) (بفتح الأول، وضمِّ الثاني، وتسكين الثالث). والثالث: (تَعْدُ) من (العَدْوِ) (بفتح الأول، وتسكين الثاني، وضم الثالث).
وقد (قطعت جهيزة قول كل خطيب)، حين قال الحافظ ابن حجر في «الفتح»: (ضبطناهُ في جميع الروايات بفتح أوله، وضم العين، (ولا تَعُد) من العَوْد). فيكون بذلك فهم الحديث واجبا على ما ثبتَ ضبطُ كلمة (تَعُدْ) به في كل الرويات، ما يقطع احتمالات الفهم والتأويل، وناهينا بابن حجر في الضبط!
وفي كتاب (تمام المنة في التعليق على فقه السنة) ناقش الشيخ الألباني رحمه الله الاحتمالات الثلاثة، التي أثيرت في فهم الحديث السابق، وعلى وجه الخصوص عبارة (زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلاَ تَعُدْ)، وفق ضبط شكل كلمة (تَعُدْ). وأُذكِّر أنّ ابن حجر العسقلاني رحمه الله، في فتح الباري، ضبط الكلمة من روايات الحديث كالآتي (تَعُد) من العود، وهي التي قام الشيخ الألباني باعتمادها في توجيه معنى الحديث، ومقارنة ذلك التوجيه مع ما يوافقه من نصوص وما يخالفه.
يقول الشيخ الألباني في التعليق رقم 4، على الصفحة 285 من الكتاب المذكور: (تفسيرا لقوله صلى الله عليه وسلم: “زادك الله حرصا ولا تَعُدْ“: “قيل: لا تعد في تأخير المجيء إلى الصلاة، وقيل: لا تعد إلى دخولك في الصف وأنت راكع، وقيل: لا تعد إلى الإتيان إلى الصلاة مسرعا.
قلت: أقرب هذه الأقوال إلى الصواب، القول الأخير، لقوله صلى الله عليه وسلم: {إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، ولا تأتوها وأنتم تسعون فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا}. متفق عليه.
وأما القول الذي قبله، فلا يصح ما يؤيده، بل هو مخالف، لحديث عطاء بن أبي يسار، أنّه سمع عبد الله بن الزبير على المنبر يقول للناس: {إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع فليركع حين يدخل ثم ليدب راكعا حتى يدخل في الصف فإن ذلك السنة}. قال عطاء: وقد رأيته هو يفعل ذلك. أخرجه ابن خزيمة 1571 والطبراني والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وهو كما قالا على ما بينته في “الصحيحة” 229 وجرى عليه عمل السلف، كأبي بكر وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وقد خرجت آثارهم في ذلك هناك. وأما الحديث المخالف له، وهو {إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف} فهو ضعيف وله علة خفية بينتها في “الضعيفة” 977، ولهذا لم يأخذ به الإمام أحمد، بل أخذ بحديث ابن الزبير
).

4. إدراك ثواب الجماعة
ولا بد من التفريق بين مفهومين: مفهوم إدراك ثواب الجماعة وفضلها، وهو الذي نستنبطه من قوله عليه الصلاة والسلام: (صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً). وقوله: (الصلاة في جماعة تعدل خمسا وعشرين صلاة). وبين مفهوم إدراك حكم صلاة الجماعة، بمعنى متى يدرك المصلي حكم صلاة الجماعة مع الإمام، فلا يعدُّ منفرداً.
إنّ فضل الجماعة وثوابها، يحصل لمن أدرك أي جزء منها. أما حكمها فلا يحوزه إلا من أدرك فيها ركعة على الأقل. وهذا الأخير، هو ما سبق أن بسطناه، غير بعيد، في الفقرة السابقة.
أما ما سنبسطه الآن، بعون الله، فهو ما جاء في الحديثين المذكورين، عن حيازة فضل وثواب الجماعة. ولا بد من البيان، أنّ الأجر والثواب، لأي عبادة لا نستطيع أن نجزم به، لأحد، بل نرجوه له. لأنّ الأجر والثواب عند الله تبارك وتعالى. ولننظر بإمعان إلى الحديث الآتي (إنّ العبد ينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا نصفها، إلا ثلثها، حتى قال: إلا عشرها). فهل نستطيع إذا نظرنا إلى مصلٍ، أو إلى أنفسنا، أن نعرف كم حصَّلنا من
أجر الصلاة؟! وكذلك يكون الشأن، مع الجماعة! فقد يشهد الرجل الجماعة ولا يدرك منها أجراً، وقد لايشهدها ويكون له أجرها كاملاً. ولنقرأ هذا الحديث: عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلَّاهَا وَحَضَرَهَا، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورهم شَيْئا).
وعن سعيد بن المسيب قال: (حضر رجلاً من الأنصار الموتُ فقال: إنّي محدثكم حديثا ما أحدثكموه إلا احتسابا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى الصلاة، لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عز وجل عنه سيئة، فليقرب أحدكم أو ليبعد، فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضا وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك)).
ولذلك نقول بعد الذي فصلناه، إدراك أجر الجماعة لا يمكن أن نحدَّ له حداً، فهو عند الله، ودورنا أن نوصي الناس بحسن أداء الصلاة، والخشوع قدر المستطاع، وعدم التشاغل عن الصلاة، أثناء أدائها. ومما يلاحظ كثيرا في المساجد أنّ الرجل يدخل المسجد متأخراً، فإذا رأى الإمام قعد القعود الأخير لا يدخل معه، ظناً منه أنّه لن يدرك شيئا من أجر الجماعة! صحيح أنّه لن يدرك حكم الصلاة، وسيقضيها، ولكنّه سيناله شيءٌ من أجر الجماعة، ولو دخل مع الإمام، ولم يدرك إلا التسليمتين! ولذك قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الصَّلَاةَ وَالْإِمَامُ عَلَى حَالٍ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ) من أجل ثواب الجماعة.
وقد اختلف العلماء قديما في هذه المسألة بِمَ يُدرك فضل صلاة الجماعة، فالجمهور على أنّ من أدركها قبل سلام الإمام حاز على فضلها.
أما المالكية فلا يرون حصول فضل الجماعة إلا لمن أدرك ركعة منها على الأقل، ولهم قولٌ ثانٍ يفرقون فيه بين فضل الجماعة وحكمها. والمرء قد يدرك أجر الجماعة ولو لم يدرك من الصلاة شيئا. وقد وضحنا ذلك.

أسأل الله أن ينتفع كلُّ مسلم باغٍ للحق بما كُتِب .. وأسأله الأجر لمن حرر القصد، واجتهد وكَتَب

والحمد لله على ما أنعمَ ووَهَب