Skip to main content

التَّشَبُّهُ وَضَوَابِطُهُ

By الخميس 12 جمادى الآخرة 1441هـ 6-2-2020مجمادى الآخرة 14, 1441بحوث ومسائل, فقه

شرائع الإسلام، وتعاليمه، والواجبات فيه، كثيرة كثيرة، لأنّها تغطي نشاطات الإنسان على هذه الأرض. ولا يُتَصور أنّ من واجب كل مسلم ومسلمة، أن يعمد إلى قائمة بتلك الواجبات ليحفظها كما يحفظ الآية، فذلك دونه خرط القتاد، إنّما طريق حفظها، له شكل آخر. فكلما كان المسلم في شأن، يحرص أن يبحث عن تعاليم الإسلام المتعلقة بهذا الشأن فيطبقها، فيكون حفظها في تطبيقها، وهذا النوع من الحفظ لا تستقل به الذاكرة، ولكنَّ مَلَكاتٍ أخرى في الإنسان، تتعاون مع الذاكرة، حتى يصبح ذلك الأمر عادة تزيدها الأيام رسوخاً.
ومما أستشهد به لتأييد هذه الفكرة ما نقل إلينا: (أنّ ابن عمر رضي الله عنه حَفظَ سورة البقرة في ثماني سنوات). وسيقول قائل: إنّ أولادنا يحفظون البقرة في أسبوعين، فما هذه المفارقة؟ وأجيب: إنّ حفظ ابن عمر وسائر الصحابة رضي الله عنهم ليس كحفظنا وحفظ أولادنا، إنّما كان حفظهم يعتمد على ربط تعاليم الدين بالتطبيق والعمل، فيكون هذا الحفظ أشد من حفظ الذاكرة، وحدها، إنّما تتعاون معها الجوارح. وحينما يكون المسلمون مُتَحَلِّينَ بتطبيق هذا النوع من الحفظ فإنّه يُكسبهم صفة التَميُّز عن غيرهم بالسلوك والمظهر، وهو التميز الذي يُطالبُ به الإسلامُ أتباعَه. ولتأكيد هذا التميز وتعميقه، فقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم ونهانا. نهانا عن التشبه بغير المسلمين، في شؤون كثيرة، وأمرنا بمخالفتهم أيضا.

إذن، موضوعنا؛ عن حكم التشبه بغير المسلمين، نصوصه، أحكامه وضوابطه. والذي يُحتِّم إثارة هذا الموضوع، والإلمام بأحكامه، كثرة الاحتكاك بين المسلمين وغيرهم، في كل بلاد المسلمين، لأنّ تطور الحياة في العالم كله، وكثرة المصالح المتبادلة بين أهل الأرض، من كل الأطياف، يستلزم ذلك.
ومن البداية، أحب أن نستعرض الحديث التالي لنتبين أنّ تطبيق الأمر بعدم المشابهة، وكذلك المخالفة، تتأتى عنه خيرية الأمة، والسبب ببساطة، لأنّ ذلك يظهر التميز، وهو خير للأمة كلها: (لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ)، (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، عجلوا الفطر فإنّ اليهود يؤخرون)، (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار).
وهذا الحديث ينقل تفكيرنا عن أن يبقى حبيسَ واقعةٍ وتكليفٍ، وعملٍ فردي، إلى آفاق كبيرة وعالية، من مآلات تطبيق هذه التكاليف الفردية، لتغدو بمجموعها رافعة، ترفع الأمة كلها، لتكون كما أراد لها الله (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). أما النظرة القاصرة إلى هذه النصوص على أنّها تكاليف لأعمال فردية، وهي تعجيل الفطر وحسب، دون مغزىً، وهذا ما تُنزَّهُ عنه نصوص الوحيين، كما يظن أكثر المسلمين، وقد قيلت لي (يعني لو أُخِّرَ الفطر قليلاً، خربت الدنيا)؟! فبمثل هذه السطحية أضاع المسلمون فرصهم، وضَيَّعوا خيرات الله التي تتنزل عليهم!
وأجدني الآن مضطرا لأن أعطي دليلا آخر على الفكرة السابقة لأهميتها، وزُهدِ المسلمين بها. عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ فَقَالَ: (عِبَادَ اللَّهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ)). وفي رواية للحديث: (أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ – ثَلَاثًا – وَاللَّهِ لتقِيمُنَّ صُفُوفكُم أَوْ ليخالفنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُم). ويقول النعمان، عقب ذكره الحديث: (فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه).
ولأهمية هذه الهيئة والطريقة في تسوية الصفوف في الصلاة، فقد ترجم البخاري للحديث بقوله: (باب إلزاق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم في الصف)، ويقول بعض العلماء: إنّ ترجمات البخاري للأبواب هي بمثابة الأحكام المستخلصة من الأحاديث، رحمه الله.
وقال أنس: (فلقد رأيت أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه). وفي كلام أنس هذا دليل على أنّ الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كان يطبقون ذلك الأمر النبوي في صلاتهم. ولقد جاء في فتح الباري، لابن حجر: (وَزَادَ مَعْمَرٌ فِي رِوَايَتِهِ وَلَوْ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِأَحَدِهِمُ الْيَوْمَ لَنَفَرَ كَأَنَّهُ بَغْلٌ شَمُوس).
وزيادة معمر تؤكد وجود حالات من الجهل المركب (أي يجهل ولا يدري أنّه يجهل)، بين المسلمين منذ وقت مبكر! ولننظر كيف يتصدون لمن ينصحهم، أو يحاول تعليمهم، ويكفي وصف معمر لهم، (لَنَفَرَ كَأَنَّهُ بَغْلٌ شَمُوس). وما أكثر هؤلاء، بيننا اليوم.
والنقطةُ الرئيسة التي يجب أن نلفت إليها الانتباه، الجزاءُ الذي يستحقه من لا يطبق هذا الأمر النبوي من الله، وقد جاء في ذلك روايتان في الأحاديث المذكورة، (أَوْ ليخالفنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُم) و (أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ)، وماذا يبقى في المسلمين من خير إن تخالفت قلوبهم وتناكرت، وتشتت وجوهم، وتدابرت؟! شرُّ مصيبة تصيب البشر أن يسود فيهم فساد ذات البين بينهم، فيصبحوا متفرقين أيدي سبأ، عاجزين عن أي إنجاز. وإلى باقي فِقَرِ البحث.

ما المقصود بالتشبه؟
عن محمد الغزي الشافعي يقول: (التشبه عبارة عن محاولة الإنسان أن يكون شبه المتشبه به، وعلى هيئته، وحليته، ونعته، وصفته، وهو عبارة عن تكلف ذلك وتقصده وتعمله).
وقال المناوي في فيض القدير في شرح حديث من تشبه بقوم فهو منهم: (أي تزيا في ظاهره بزيهم، وفي تصرفه بفعلهم، وفي تخلقه بخُلقهم، وسار بسيرتهم، وهديهم في ملبسهم، وبعض أفعالهم، أي وكان التشبه بحق قد طابق فيه الظاهر الباطن).

ما الحكمة من النهي عن التشبه؟
1.
إنّ عدم التشبه بغير المسلمين يحقق عمليا معنى البراءة من أهل الكفر بدءا بالعقائد وانتهاء بالعوائد.
2. إنّه يحفظ للأمة المسلمة وللفرد المسلم التميز عن غيرهم ممن ليسوا بمسلمين، وكيف لا يكون التميز بين متحرك بمنهج رباني، وآخر بقانون أرضي..؟
3. التشبه لا يكون إلا من الأدنى متشبهاً بالأعلى، فكيف يليق بالمسلم الذي أعزه الله بالإسلام (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا). وقوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ). وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، أن يسعى للتشبه بمن هو دونه، بميزان الله..؟
4. وكما أنّ المسلم يتميز إيجابيا بترك التشبه، فإنّ الكافر يتميز سلبيا، بعقائده وسلوكه، وعوائده المخالفة للإسلام، فيلفت انتباه الآخرين للمقارنة بين مسلم وغير مسلم. كما أنّ ذلك التميز السلبي يفضح باطل المخالفين، وبالتالي يكون ذلك تحذيرا للمسلمين من أن يكونوا مثلهم (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ).
5. كيف يرغب المسلم عن منهج الله إلى مشابهة أهل الكفر بأعمال إما باطلة أو ناقصة، أو مخالفة لما يرضي الله ورسوله..؟
6. إنّ تشابه الظاهر وسيلة إلى تشابه الباطن. ويفصل ابن تيمية القول في هذه الفكرة فيقول: (إنّ المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإنّ اللابس ثياب أهل العلم، مثلا، يجد من نفسه نوع انضمام وانقياد إليهم، وكذلك اللابس لثياب الجند يجد في نفسه نوع تخلق بأخلاقهم، ويصير طبعه متقاضياً لذلك، إلا أن يمنعه مانع).
ويقول في موضع آخر: (إنّ الله جبل بني آدم، بل سائر المخلوقات على التفاعل بين الشيئين المتشابهين، وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم، إلى أن يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر.
ولهذا وقع تأثير في بني آدم، واكتساب بعضهم أخلاق بعض بالمعاشرة والمشاكلة، وكذلك الآدمي إذا عاشر نوعا من الحيوان اكتسب بعض أخلاقه، ولهذا صار الفخر والخيلاء في أهل الإبل، وصارت السكينة في أهل الغنم (أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم). وصار الجمالون والبغالون فيهم أخلاق مذمومة، وكذلك الكلابون، وصار في الحيوان الإنسي بعض أخلاق الناس وقلة النفرة، فالمشابهة في الأمور الظاهرة توجب المشابهة في الأمور الباطنة، على وجه المسارقة والتدريج الخفي
).
7. إنّ التشبه بقوم يُكَثِّر سوادهم في أعين الناس.

الأمر بالمخالفة
لم يأمرنا الشرع بعدم التشبه وحسب، بل أمرنا بمخالفة من نهينا عن التشبه بهم. وقد يكون ذلك في أمر خَلْقيٍ، لا علاقة له بالدين، وليس من العوائد أيضا (كتغيير الشيب). فالمسلم يشيب كما يشيب الكافر، لكن المخالفة تكون بتغيير الشيب. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى).
والأمر بالمخالفة أعم من النهي عن التشبه. فالنهي عن التشبه يكاد يكون محصورا فيما يتصل بالدين، أما الأمر بالمخالفة، فيكون أوسع، ويمتد إلى المخالفة بالعوائد. وأما الاختلاف بين الأمرين من حيث الطبيعة، فالمخالفة فعل، وأما النهي فمجرد الترك.

وهل حكمهما واحد؟
الجواب: تكون المخالفة في أصل الفعل (كالنهي عن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد ). عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فِى مَرَضِهِ الَّذِى لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ). لَوْلاَ ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِىَ أَوْ خُشِىَ أَنَّ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا).
كما تكون في صفة الفعل المنهي عنه (كصيام عاشوراء). عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (حِينَ صَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ يُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ)).
وقد تكون في الحكم مع التماثل في ظاهر الفعل (حكم الصلاة بالنعال). يقول عليه الصلاة والسلام: (صلوا في نعالكم ولا تشبهوا باليهود).
. وهل حكم الأمر بالمخالفة، كحكم النهي عن التشبه، أي الوجوب أم الاستحباب؟ في الغالب أنّ حكم النهي عن التشبه يكون للوجوب. أما الأمر بالمخالفة، ففيه تفصيل يذكر مع النصوص، وحسب قرائن أخرى.

شبهات يوردها مخالفون
الشبهة الوحيدة التي يوردها أنصار التشبه، قاعدة (شرع من قبلنا شرع لنا)، وهذه حجة ناقصة لأنّ القاعدة المستشهد بها ليست على إطلاقها. فشرع من قبلنا هو شرع لنا، إذا جاء في شرعنا ما يؤيده. ويكون عملنا به حينئذ لأنّه من تعاليم ديننا، وليس لأنّه شرع لمن قبلنا، مثال ذلك: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًاْ). وواضح جداً أنّ صلاة المسلم نفلاً كصلاة نبي الله داود، وكذلك صيام المسلم نفلا كصيام داود عليه السلام مندوبٌ لها من قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فصارت بذلك من شرعنا، وليس لأنّ شريعة نبي الله داود عليه السلام هي شرع لنا.
وهذه القاعدة، قد تكون منفية أحيانا (شرع من قبلنا ليس شرعا لنا). مثال ذلك، أنّ الناس اتخذوا قبر أصحاب الكهف مسجداً (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا)، ويتمسك بهذا القبوريون، من المسلمين، والمتصوفة، الذين تعجبهم الأضرحة في المساجد، ويقولون: ما دام ذلك جائزا في شرع من قبلنا فهو جائز عندنا، ونرد عليهم بالحديث الآتي: عَن جُنْدُب قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ).

أدلة النهي عن التشبه
وردت في الكتاب والسنة أدلة متعددة تنهى عن التشبه، منها عام في لفظه ومعناه، ومنها خاص يتناول نوعاً من أنواع التشبه. أما النص العام فهو قوله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ).
وقد أسهب بعض العلماء في شرح هذا الحديث، وملخص ما قالوه: إنّ من تكلف مشابهة أحدٍ فهو مثلُه في الحال والمآل، فمن تشبه بالصالحين كان صالحاً وحشر معهم، ومن تشبه بالكفار أو الفساق فهو كذلك.
وجاء في فيض القدير: (من تشبه بالصالحين وهو من أتباعهم يكرم كما يكرمون، ومن تشبه بالفساق يهان ويخذل كهم. ومن تشبه من الجن بالحيات وظهر بصورهم قتل).
وقال الصنعاني: (والحديث دال على أنّ من تشبه بالفساق كان منهم أو بالكفار أو بالمبتدعة في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو مركوب أو هيئة).
وقال ابن تيمية: (هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بأهل الكتاب، وإن كان ظاهره يقتضي كفر من تشبه بهم).
والتشبه يقع في الأمور القلبية من الاعتقادات والإرادات، ويقع في الأمور الخارجية الظاهرة من العبادات والعادات.

الأمور التي نُهـــي فيها عن التشبه مـع الأدلــة
أ. التشبه بالكفار:
فقد نهي المسلمون عن التشبه بهم في عقائدهم، ومواقفهم المخالفة للحق (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّه وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْل فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ).
. (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَات وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ {16} وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْر فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون {17} ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
. (وَلا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَات وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم).
. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُم تَسْمَعُونَ {20} وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُم لاَ يَسْمَعُون).
. (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّون عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط).
. (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِك هُمُ الْفَاسِقُون).
. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُوا انظرْنَا وَاسْمَعُوا وللكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيم).

وفي السنة الصحيحة أحاديث عدة تدندن حول الموضوع نفسه. وسيأتي معظمها إن شاء الله في تضاعيف الحديث، وفي سياق المناسبة التي جاء من أجلها. ومن تلك الأحاديث العامة في النهي عن التشبه، حديث أبي سعيد الخدري: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ). قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: (فَمَنْ)).
ولننظر إلى غيظ أهل الكتاب من مخالفة المسلمين لهم
اعترافا بتأثيره السلبي عليهم، ولا يزال بعض المسلمين اليوم لا يُلقون للأمر بالاً. عن أنس بن مالك: (أنّ اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله سبحانه (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) إلى آخر الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح). فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله؛ إنّ اليهود تقول كذا وكذا؛ أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجدعليهما، فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهما؛ فسقاهما؛ فظننا أنه لم يجد عليهما).

وقد جاء النهي عن التشبه بالكفار:
1. في الصلاة: عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: (اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك قال فذكر له القنع يعني الشبور وقال زياد شبور اليهود فلم يعجبه ذلك وقال هو من أمر اليهود، قال فذكر له الناقوس فقال هو من أمر النصارى فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو مهتم لهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأري الأذان في منامه).
. وعن عمرو بن عبسة قال: (يَا نَبِىَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِى عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَجْهَلُهُ. أَخْبِرْنِى عَنِ الصَّلاَةِ قَالَ: (صَلِّ صَلاَةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَىْءُ فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّىَ الْعَصْرَ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ)).
. وقال صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّى أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ).
. وقال صلى الله عليه وسلم: (خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ).
. وقال عليه السلام: (إذا صلى أحدكم في ثوب واحد فليشده على حقويه ولا تشتملوا كاشتمال اليهود).
. وعن جابر قال: (اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا فَصَلَّيْنَا بِصَلاَتِهِ قُعُودًا فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: (إِنْ كِدْتُمْ آنِفِاً لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ فَلاَ تَفْعَلُوا ائْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُمْ إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا)).
. وعن ابن عمر رضي الله عنه: (أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى رجلا وهو جالس معتمد على يده اليسرى في الصلاة، فقال: (إنّها صلاة اليهود)). وفي رواية: (لا تجلس هكذا، إنّما هذه جلسة الذين يعذبون).

2. في الجنائز: يقول عليه الصلاة والسلام: (اللحد لنا، والشق لأهل الكتاب).

3. في الصوم: عن عمرو بن العاص أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ).
. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ).
. عن ليلى امرأة بشير بن الخصاصية رضي الله عنه وعنها قالت: (أَرَدْتُ أَنْ أَصُومَ يَوْمَيْنِ مُوَاصَلَةً فَمَنَعَنِي بَشِيرٌ وَقَالَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ هَذَا وَقَالَ: (إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى، صُومُوا كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ، وَأَتِمُّوا الصَّومَ كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ؛ وَأَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ فَأَفْطِرُوا)).
. وعن عبد الله بن عباس قال: (حين صام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمرنا بصيامه قالوا: يارسول الله، إنّه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع) فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم).

4. في الحج: قال تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ).
. وعن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال:(إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لاَ يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ، فَخَالَفَهُمُ النَّبِىُّ فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ).

5. في الأطعمة: عن قَبِيصَةُ بْنُ هُلْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ مِنَ الطَّعَامِ طَعَامًا أَتَحَرَّجُ مِنْهُ، فَقَالَ: (لَا يَتَخَلَّجَنَّ فِي صَدْرِكَ شَيْءٌ ضَارَعْتَ فِيهِ النَّصْرَانِيَّةَ)).
جاء في عون المعبود: (وَالْمَعْنَى لَا يَدْخُلُ فِي قَلْبِكَ ضِيقٌ وَحَرَجٌ لِأَنَّكَ عَلَى الْحَنِيفَةِ السَّهْلَةِ، فَإِذَا شَكَكْتَ وَشَدَّدْتَ عَلَى نَفْسِكَ بِمِثْلِ هَذَا شَابَهْتَ فِيهِ الرَّهْبَانِيَّةَ).
وجاء في كتاب (جلباب المرأة المسلمة) للشيخ الألباني، بعد ذكر الحديث: (لا تتحرج فإنّك إن فعلت ذلك ضارعت فيه النصرانية؛ فإنّه من دأب النصارى وترهبهم. كذا في تحفة الأحوذي).

6. في اللباس والزينة: عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: (إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلاَ تَلْبَسْهَا). وفي لفظ: (فَقُلْتُ أَغْسِلُهُمَا؟ قَالَ: (لَا بَلِ احْرِقْهُمَا)).
. وعن أبي أمامة قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم، فقال: (يا معشر الأنصار! حمروا وصفروا، وخالفوا أهل الكتاب)، قال: فقلنا: يا رسول الله! إنّ أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب)، قال: فقلنا: يا رسول الله! إنّ أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون! قال: (فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب). قال: فقلنا: يا رسول الله! إنّ أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم، قال صلى الله عليه وسلم: (قصوا سبالكم، ووفروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب)).
.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ؛ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأفوا اللِّحَى).

. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جُزُّوا الشَّوارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى؛ خَالِفُوا المَجُوسَ). وعنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبِغُونَ، فَخَالِفُوهُم)
.

.
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ وَلاَ بِالنَّصَارَى).

7. في العوائد والسلوك: عن جابر بن عبد الله مرفوعاً: (لاَ تُسَلِّمُوا تَسْليمَ اليَهُودِ، فَإِنَّ تَسْلِيمَهُمْ بِالرُؤُوسِ وَالأَكُفِّ وَالإشَارَةِ).
. وعن عمرو بن الشريد، عن أبيه الشريد بن سويد قال: (مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِي الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي وَاتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِي. قَالَ: (أَتَقْعُدُ قِعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)).
.
وعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود؛ تجمع الأكباء في دورها
). (والأكباء جمع كِبى، وهي: الكُناسة).

. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَهَاتَانِ الكَعْبَتَانِ المَوسُومَتَانِ اللَّتَانِ تزْجرَانِ زَجْرَاً، فَإِنَّهَا مَيْسِرُ العَجَمِ).
. عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول: (لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عيسى ابْنَ مَرْيَمَ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدُ الله، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ).
. عن أبي واقد الليثيِ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ، مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ! هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهَاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ)).

ب. التشبه بأهل الجاهلية:
. قال تعالى: (أَفَحُكْم الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُون). وقال: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى).
. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ: مُلْحِدٌ فِى الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ).
. عن جابر قال: (خطب رسول صلى الله عليه وسلم الناس في نمرة، بعرفة، حين حجَّ بهم فقال: (إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا إنّ كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أضعه من دمائنا دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنّه موضوع كله…)).
. قال أبو ذر: (إنّي كنت ساببت رجلا وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أبا ذر، إنّك امرؤ فيك جاهلية)).
. وقال عليه الصلاة والسلام: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ).
. وقال أيضا: (مَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُثَى جَهَنَّمَ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ).

. وفي التهنئة، عن الحسن: (أنّ عقيل بن أبي طالب تزوج امرأة من جشم فدخل عليه القوم فقالوا: بالرفاء والبنين فقال: لا تفعلوا ذلك (فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك)).
قال ابن حجر في الفتح: (بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ وَكَانَتْ كَلِمَةً تَقُولُهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَوَرَدَ النَّهْيُ عَنْهَا، كَمَا رَوَى بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ مِنْ طَرِيقِ غَالِبٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ كُنَّا نَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ عَلَّمَنَا نَبِيُّنَا قَالَ قُولُوا بَارَكَ اللَّهُ لَكُمْ وَبَارَكَ فِيكُمْ وَبَارِكْ عَلَيْكُمْ).

ج. التشبه بالشيطـان:
. قال تبارك وتعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ).
. وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ).
وقال أيضا: (ليأكل أحدكم بيمينه، وليشرب بيمينه، وليأخذ بيمينه، وليعط بيمينه، فإنّ الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله، ويعطي بشماله، ويأخذ بشماله).

د. تشبه النســـاء بالرجــــال والعكس:
. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ). وقال: (ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال).
. وعن ابن عباس قال: ((لَعَنَ النَّبِىُّ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ وَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ). وَأَخْرَجَ فُلاَنًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلاَنًا). وفي لفظٍ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ).
.
ويقول عليه الصلاة والسلام: (ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث).
. قيل لعائشة رضي الله عنها: (إنّ المرأة تلبس النعل؟ فقالت: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء)).

هـ . التشبه بالأعراب:
. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا، وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ، وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ افْتُتِنَ).
. وقال عليه الصلاة والسلام: (لاَ تَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلاَتِكُمْ أَلاَ إِنَّهَا الْعِشَاءُ، وَهُمْ يُعْتِمُونَ بِالإِبِلِ).

و. التشبه بالحيوانات:
. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهاني خليلي صلى الله عليه وسلم عن ثلاث: نهاني عن نقرة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب).
. ويقول صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، الَّذِى يَعُودُ فِى هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِى قَيْئِهِ).
. ومن حديث أنس مرفوعا: (اعْتَدِلُوا فِى السُّجُودِ، وَلاَ يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ).
. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَن نَقْرَةِ الْغُرَابِ وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ).
. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يبرك الْبَعِير وليضع يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ).

كما بدأنا ننتهي، لقد أراد نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم من كل مسلم ومسلمة، أن يكونوا متميزين بإسلامهم، الذي يأمرهم بكل خير، ويحثهم على كل فضيلة، في كل شأن من شؤونهم. وإنَّ هذا التميز، له جانبٌ خفيٌّ ومهمٌ، وهو أنّه دعوةٌ صامتةٌ ومؤثرةٌ، لدين الإسلام، فلا نفرط بها.

ويتصل بموضوع التشبه، مسألة مهمة، أريد التذكير بها. فقد تتغير بعض المناهي عن التشبه، بزوال السبب الذي دعا إليها، فيسقط عندئذ النهي. مثال ذلك الحديث الذي مر معنا: عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: (إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلاَ تَلْبَسْهَا).
(والمعصفر: هو الثوب المصبوغ بالعصفر، وهو نبات لونه يجمع الحمرة مع الصفرة، وهو من التوابل، يضاف إلى الطعام فيصبغه باللون الأصفر، وإن اشتد يصبح برتقاليا. وله نكهة خاصة يعطيها للطعام).
وفي حديث عبد الله بن عمرو السابق، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلاَ تَلْبَسْهَا). والقاعدة الأصولية تقول: (إنّ الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً)، فالثياب المعصفرة مادامت يتميزُ الكفار بلبسها، أما إذا جاء زمانٌ، كزماننا، صارت فيه تلك الثياب عامة، يلبسها كل الناس، تكون علة الحكم قد انتفت، وينتفي بذلك الحكم. فتصبح تلك الثياب غير محرمة، وذلك استنباط فقهي من النصوص يؤكده أهل العلم للناس ولا يكون من شأنِ كلِّ أحد. يقول الشيخ الألباني في الشريط رقم (266) من سلسلة الهدى والنور: (فإذاً نحن لا ننظر إلى أصل لباس ما، بل ننظر لواقعة الآن. فإذا كان هو من لباس الكفار فلا يجوز لباسه، وإن كان من لباس النساء، فلا يجوز لنا أن نلبسه، وهكذا، أما إذا كان أمرا مشتركا {أي عاما بين كل الناس}، فالأمثلة التي ضربناها آنفا كافية لبيان؛ أنّ الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما).

إنّ في ما بُسط من علم، ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد

والحمد لله رب العالمين