قال تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
من المعلوم أنّ هذه الآية نزلت في غزوة أحد، وقد جاء في البخاري وغيره عن ثابت، عن أنس قال: (غَابَ عَمِّى أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِى قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّى أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ – يَعْنِى أَصْحَابَهُ – وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ- يَعْنِى الْمُشْرِكِينَ- ثُمَّ تَقَدَّمَ. فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ: الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ، إِنِّى أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ. قَالَ سَعْدٌ فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ. قَالَ أَنَسٌ فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ أَوْ رَمْيَةً بِسَهْم، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلاَّ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ. قَالَ أَنَسٌ كُنَّا نَرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِى أَشْبَاهِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ).
وكانت الآية ضمن سياق في سورة الأحزاب استفاض في ذكر المنافقين وأحوالهم وتخاذلهم وغدرهم، فجعلهم في حضيض الحضيض، وكيف لا وهم في الآخرة أهل الدرك الأسفل من النار. وشاء الله بعد هذا العرض المستفيض لحال شرذمة المنافقين والذي كان الغرض منه فضح حالهم وتعرية مواقفهم، أكثر من تخويف المؤمنين منهم، فهم أحقر وأضعف من أن يكون لهم في جماعة المؤمنين فعل، فجماعة الصحابة هي ذاك النسيج الفريد الذي حاكه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الرجل فيهم أمة. وهو إذن درس وعبرة وتحذير لأجيال ستأتي.
أجل، شاء الله أن يكون الحديث، أيضاً عن المؤمنين، ورجال من المؤمنين، هم صناع الأحداث بتقدير الله ومشيئته، بعد أن استعانوا على ذلك بوسائل ووسائط عدة أشدها وأفعلها طاعة الله ورسوله. وقد أسلفتُ أنّ الدرس مراد لأجيال قادمة، ونحن منهم، يشتد فيهم أمر النفاق، ويفعل في المؤمنين فعله، لأنّهم ليسوا كأولئك المؤمنين الأوائل!
وأحب أن نخرج من إطار مناسبة الآية، إلى فضاء أوسع، عملاً بالقاعدة المعروفة في أصول التفسير: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المناسبة). ومن هذه القاعدة يُستنتج أنّ كل آية في كتاب الله لها مدلولان: خاص وهو المرتبط بقصة نزولها وأشخاصها، وعام وهو المستفاد من لفظها العام الذي يعطيها دلالات لا تنتهي إلى قيام الساعة. وهذا من أبرز مظاهر إعجاز كتاب الله.
أجل أريد أن نتعامل مع المدلول العام لقوله تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ…) فنمعن النظر، وندرك الغاية، ونستوعب الدرس لنصلح بهذه الآية واقع الأمة المتردي، وحال الأفراد المتعثر، وحال أمة الإسلام اليوم لا يسر محباً ولا يغيظ شانئا.
هذه الآية الكريمة تستحوذ على قارئها أو سامعها مرتين، مرة من خلال بنائها اللغوي، وأخرى من خلال إفضائها المعنوي. أما البناء اللغوي فتقديم الخبر وهو خلاف الأصل يفجؤك بكلمة المؤمنين، وحلاوة اللفظة بكل مدلولاتها تحضر إلى الذهن، ففيها معنى الطاعة والاستقامة، والقبول لكل ما جاء من الله ورسوله. ثم في النهاية الفوز والنجاة أُخرويّاً، وبين هذين الحدين الكثير الكثير من المعاني السامية المرتبطة بوصف المؤمنين، وأنت غارق مع هذه المدلولات التي تستحضرها، لتُوفّي لفظة المؤمنين حقها من تفاعلك معها، يأتيك المبتدأ المؤخر (رِجَالٌ) لتنتبه فجأة وتعلم أنّ هذا التركيب اللغوي ما كان إلا ليعطي الرجال بعض الرجال تميزاً عن جماعتهم جماعة المؤمنين، ولِيُدْرَكَ بالتأمل أنّ للجماعة دوراً ومهمة، وأنّ لبعض الرجال من الجماعة، دورا آخر لا يغني عنه دور الجماعة وقد يتقدمه. فتميز أفراد من ضمن جماعةٍ يلفها الخير من كل جانب، وهي جماعة المؤمنين، ضروري للقيام بأدوار فوق المعتاد، تُدَّخر لأوقات العسرة في حياة الأمة.
ومما يستفاد، في هذا الاتجاه، من حديث الغربة، ومن رواية أبي هريرة: (إنّ الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء) أنّ الغرباء الأولين، وهم الصحابة رضي الله عنهم، كان لهم الدور الكبير العظيم لنصرة الدين في غربته الأولى، وكذلك فإنّ على الغرباء اليوم الدور نفسه، إن لم يكن، أثقل حملاً وأشد وطأً، لنصرة دين الله اليوم، وأهل الأرض يرمونه عن قوس واحدة. ولقد قلت في مرة سابقة: (وهل الغربة إلا تميز، وهل التميز إلا غربة..؟). فليبحث الغرباء عن دورهم المتميز!
ولقد قلت في البداية: إنّ الآية تستحوذ على قارئها أو سامعها مرتين: مرة من خلال بنائها اللغوي، وأخرى من خلال إفضائها المعنوي. وقد تكلمت عن البناء اللغوي. أما فيما يتصل بالإيحاء المعنوي، فأبينه من خلال طرح السؤال التالي: ما الغاية الأساسية من مناقشة هذه الآية الآن؟ ولنجب على السؤال إذن:
* أقول: ألا يَطمع كل واحد منا نحن الذين يوحدنا حمل همّ الإسلام، ويجمعنا منهجٌ ارتضيناه لفهم وتطبيق الإسلام (ما أنا عليه وأصحابي)، أجل، ألا يطمع كل منا أن يكون رجلاً من الرجال أصحاب التميز والذين لهم دور ينتظرهم في محنة الأمة؟ والطائفة المنصورة، والفرقة الناجية التي تُلقى عليها مهمة الإصلاح ومسؤولية التغيير، إنّ تميَّز حضور تلك الطائفة في المسلمين. أوليست هذه الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة مجموعة رجال؟ فأين هم أولئك الرجال؟
* إنّ الأمة في محنتها اليوم لا تتوقع معجزة يكون فيها الخلاص. إنّما تنتظر رجالاً يكون منهم العمل، وبهم يشاء الله التغيير. ونجزم أنّ أولئك الرجال الأوائل لم تصنعهم معجزة لن تتكرر، وزمان المعجزات انتهى بانقطاع النبوات والرسالات، إنّما صنعتهم مبادئُ، وهي لا زالت باقية، ولا زالت قادرة على صنع رجال اليوم، كما صنعت رجال الأمس. ولا يقولَنَّ أحدٌ: ذاك جيل فريد من الرجال لن يتكرر. وأقول: إنّ دليل إمكانية تكرار ذاك النموذج، قول ربنا تبارك وتعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
بل إنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد خصَّ بعض التابعين بإحسان، بأجر أكبر من أجور السابقين الأولين، كما في الحيث المعروف: (للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله قيل يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا أو منهم قال بل أجر خمسين منكم).
ومن مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (أي الخلق أعجب إيمانا؟ قالوا: الملائكة. قال: الملائكة كيف لا يؤمنون؟! قالوا: النبيون. قال: النبيون يوحى إليهم فكيف لا يؤمنون؟! قالوا: الصحابة. قال: الصحابة مع الأنبياء فكيف لا يؤمنون؟! ولكن أعجب الناس إيمانا: قوم يجيئون من بعدكم فيجدون كتابا من الوحي، فيؤمنون به ويتبعونه، فهم أعجب الناس إيمانا – أو الخلق إيمانا).
وحديث: (وددت أنّي لقيت إخواني، فقال أصحابه: أو ليس نحن إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني).
فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك لنا من بعده علما يربى عليه الرجال في كل زمان، ولم يترك رجالاً يُحفظون في متحف التاريخ.
* ولنتأمل الآية ثانية لنتعرف على الأوصاف التي وصف الله بها أولئك الرجال؛ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
هما شيئان: (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) و (وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
وقبل البحث في هذين الوصفين، بل المبدأين العظيمين، أريد تحرير معنى: (قَضَى نَحْبَهُ). نجد كتب اللغة وكتب التفسير تذكر للنحب أكثر من معنى، ومن هذه المعاني النحب: ما التزمه الإنسان واعتقد الوفاء به، ومنه قول الشاعر:
عشية فرّ الحارثيون بعد ما قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر
والنحب يطلق على النذر والقتل والموت. قال ابن قتيبة: (قضى نحبه أي قُتل. وأصل النحب: النذر، والنحب: العهد). ومنه قول الشاعر:
لقد نحبت كلبٌ على الناس أنّهم أحقّ بتاج الماجد المتكرّم
فأي المعاني أكثر مناسبة للآية؟
لا شك أنّه معنى العهد والنذر، أما الموت فهو ليس المراد أصلا في الآية. لكن يستعمل لأنّ المتوفى يعتبر قد قضى ما عليه. كما نستبعد أن يكون الموت هو المعنى المراد، من معاني النحب، في الآية للحديث الآتي: (من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض وقد قضى نحبه، فلينظر إلى طلحة). والحديث جاء بألفاظ متعددة وزيادات، والشيخ الألباني يقول، في السلسلة الصحيحة، إنّه يرقى بتعدد طرقه إلى الصحة. فمعنى قضاء النحب هنا، إلى معنى وفاء العهد والنذر أقرب منه إلى الموت. لأنّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عن طلحة، وطلحة رضي الله عنه يمشي على الأرض، ويراه الناس. فينحصر معنى (قضى نحبه) ضرورة، في أنّه صدق الله العهد في عمله، لا أنّه قتل في سبيل الله. ومرة أخرى أقول: إنّ قضاء النحب يستعمل لمن قتل في سبيل الله على أنّ موته مقاتلا في سبيل الله يعني قضاءه ما عاهد الله عليه، كقصة أنس بن النضر التي بين أيدينا.
إذا انطلقنا من أنّ النحب هو النذر والعهد فيكون وصف الرجال من المؤمنين بــ (قَضَى نَحْبَهُ) أي أدى واجباته تجاه ربه ودينه وأمته، فمنهم من انتهت فرصته في الاستمرار على الوفاء بعهد الله بموته، فكان حَظِيّاً بأجرِ ما قدم من عملٍ، وأجرِ النية التي مات عليها، والذي ينتظر ما زال على الطريق سائراً، ولواجباته مؤدياً، حتى يأتيه اليقين.
* ثم أرجع إلى الفكرة التي ذكرتها في البداية، وهي: كيف استحق وبم استحق، هؤلاء النخبة من المؤمنين ثناء الله عليهم، وتميزهم بين جمع المؤمنين؟ ذكرت أنّهما شيئان:
1. الصدق في أداء حقوق الله عليهم وواجباتهم تجاه دينهم وأمتهم.
2. عدم التبديل، أي، الثبات على المبادئِ.
ومن الوضوح بمكان أنّ الله تبارك وتعالى عرض لنا صورتين كل منهما تزيد المضادة لها وضوحاً وتميزاً، وهذا لا شك لزيادة الإيضاح وقوة الإقناع. فلما كان أبرز ما يميز المنافقين، وسياق آيات الأحزاب جله في ذم المنافقين كما أسلفت، الكذبَ ونقضَ العهدِ، فقد قال تعالى (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ)، ثم عدم الثبات والتذبذب، فليس لهم موقفٌ، وليس لهم انتماء! (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ). ناسب أن يكون وصف المؤمنين، بل رجالٍ متميزين من المؤمنين، في الصورة المقابلة بقوله: (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) و (وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
* ونتناول كلاً من الصفتين ببعض التفصيل. فالصدق أنواع أعلاها صدق الالتزام ويوضح ذلك كلام لابن تيمية، ومؤداه أنّ الفيصل بين الإيمان والنفاق، الصدق والكذب. فالمؤمن صادق في التزامه، وفي ولائه يظهر مثل ما يبطن. أما المنافق فكاذب في انتمائه، وفي ولائه يظهر خلاف ما يبطن. فالمؤمن والمنافق يستويان في النظرة الخارجية، أما في الحقيقة فصادق وكاذب. وهل الدين إلا إقرارٌ وتصديقٌ وعملٌ، وإنفاذٌ لعهد الله في كل شيء..؟
ولقد جاءت في كتاب الله آيات عدة تتحدث عن وفاء العهد مع الله، وهل مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إبرام عهد وعقد مع الله..؟ يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا). وفي آية أخرى: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ).
وتزداد مسألة العهد والميثاق وضوحاً في هذه الآية الكريمة: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ). وجاء في تفسير السعدي: (يأمر تعالى عباده بذكر نعمه الدينية والدنيوية، بقلوبهم وألسنتهم. فإنّ في استدامة ذكرها داعيا لشكر الله تعالى ومحبته، وامتلاء القلب من إحسانه. وفيه زوال للعجب من النفس بالنعم الدينية، وزيادة لفضل الله وإحسانه. و{مِيثَاقَه} أي: واذكروا ميثاقه {الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ} أي: عهده الذي أخذه عليكم. وليس المراد بذلك أنّهم لفظوا ونطقوا بالعهد والميثاق، وإنّما المراد بذلك أنّهم بإيمانهم بالله ورسوله قد التزموا طاعتهما، ولهذا قال: {إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} أي: سمعنا ما دعوتنا به من آياتك القرآنية والكونية، سمع فهم وإذعان وانقياد. وأطعنا ما أمرتنا به بالامتثال، وما نهيتنا عنه بالاجتناب. وهذا شامل لجميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة. وأنّ المؤمنين يذكرون في ذلك عهد الله وميثاقه عليهم، وتكون منهم على بال، ويحرصون على أداء ما أُمِرُوا به كاملا غير ناقص.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ} في جميع أحوالكم {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي: بما تنطوي عليه من الأفكار والأسرار والخواطر. فاحذروا أن يطلع من قلوبكم على أمر لا يرضاه، أو يصدر منكم ما يكرهه، واعمروا قلوبكم بمعرفته ومحبته والنصح لعباده. فإنّكم، إن كنتم كذلك، غفر لكم السيئات، وضاعف لكم الحسنات، لعلمه بصلاح قلوبكم).
ولقد منّ الله بهذه الآية على عباده المؤمنين بأن جعل الميثاق الذي واثق تبارك وتعالى به خلقه نعمة، وما أعظمها من نعمة! لأنّ ذلك الميثاق هو السبيل الوحيد الذي يدخلهم الجنة ويعتق رقابهم من النار، وفي عبارة (إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) نوعان من الإقرار: إقرار بحصول البلاغ ووصول العلم، وهو ما عبر عنه بالسمع، وإقرار بالتزام الطاعة لما بلغهم من العلم عن الله ومن طريق رسول الله والعمل به.
ولقد عمد بعض المفسرين عند تفسيرهم آية (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ) إلى ذكر العهد الذي صدقوا فيه (كالقتال ونصرة النبي وعدم تولية الأدبار) ولكنّي بفهمي المتواضع لا أرى ذلك متوجها، بل ناقصا، والأفضل أن نعتبر العهد هو كل ما جاء في الدين من واجبات وأحكام، ولذلك سمي الإيمان في القرآن نذرا في أكثر من آية. لأنّهم لما آمنوا أوجبوا على نفسهم العمل بكل ما أمر الله به، فشابه الإيمان بذلك النذر. يقول تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا). ويقول: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ). ويقول: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).
* ولقد استشكل بعض العلماء والمفسرين التعارض بين الآيات المذكورة، التي ذكر فيها النذر، وما جاء في الحديث الصحيح، (لاَ تَنْذُرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ لاَ يُغْنِى مِنَ الْقَدَرِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ). وعن عبد الله بن عمر: (أنّ رَسُولَ الله نَهَى عَنِ النَّذْرِ وَقَالَ: (إِنَّهُ لاَ يَأْتِى بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ)).
فكيف ينهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النذر نهياً صريحاً، ويذم النذر بقوله إنّه لا يأتي بخير. وتأتي الآيات الثلاث لتحض عليه وتثني على فاعليه؟ وأطال العلماء الحديث في ذلك، وافترضوا افتراضات، وسموا تسميات لا داعي لها من أجل الجمع ، ولم يكن الجمع موفقا مقنعا، والصواب إلماحات جاءت من بعض العلماء، نطورها إلى محاولة لجمعٍ موفقٍ، بإذن الله.
لا شك أنّ صورة النذر الشائعة بين المسلمين هي ما أسماه الفقهاء (نذر المعاوضة أو نذر المجازاة)، وهو ولا شك عمل فيه سوءُ أدبٍ مع الله، بسب الاشتراط في العبادة، أو وفعل القربات، مقابل حاجة يريدها العبد من ربه! وهذا ما انصب عليه معنى الحديث النبوي المذكور بروايتيه، من النهي عن النذر، وذمه. ولا بد أن نبقي هذا النهي والذم على حقيقته، ولا نخترع أسماءً وصوراً للنذر مفترضة وليست موافقة لما يفعله الناس، وإنّما نوفق بين الآيات والحديث باستنباط معنى للنذر، من الآيات، يخالف الذي عليه الناس، والذي ذمه الرسول عليه السلام.
ولو سلم النذر في بعض صوره من إشكال الاشتراط والمعاوضة، وذلك افتراض نظري ليس موجودا عند الناس، يبقى في النذر محظور شرعي، ولا يسلم من مخالفة لأنّ المسلم يوجب على نفسه ما لم يوجب عليه الله، وقد يعجز عن الوفاء وكثيرا ما يحدث ذلك، ويكون المسلم بذلك قد رغب عن قبول صدقة الله وعافيته، ورحمته. فشق على نفسه بإلزامها ما ليس ملزما شرعا. ولو زعم إرادة التقرب إلى الله، فباب النفل والتطوع مفتوح وليس فيه أي شكل من أشكال الإلزام.
* والآن ما هي صورة النذر التي يُثني الله بها على عباده في قوله: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ)، (أو نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ)، (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ)؟
إنّ الإنسان إذا قال كلمة التوحيد وهي الشهادتان، وصار مؤمناً يكون قد ألزم نفسه إلزاماً بكل أحكام الدين وأوامره ونواهيه، فيصح أن تسمى كل التكاليف الدينية (وفق المعنى اللغوي والاصطلاحي لكلمة النذر) نذوراً يُلزم المؤمن بها نفسه، وأن يعتبر فاعلها وافياً بنذره، مستحقاً ثناء ربه. واقرؤوا الآيات السابقة ثانية على ضوء هذا الفهم وستجدون أن لا تعارض بين الحديث والآيات والحمد لله.
* أما الصفة الثانية التي تميز بها أولئك الرجال فهي (وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) ووقفتنا مع الصفة الثانية التي نعت بها ربنا تبارك وتعالى أولئك الرجال يجب أن تكون أطول وأعمق منها مع الأولى لسببين:
1. لأنّ معظم ما نال المسلمين من محن كانت بسبب التبديل.
2. لأنّ فقدان الصفة الأولى عند الرجال وهي الصدق ووفاء العهد مع الله، من شيمة أهل النفاق، فهي في صفوف المؤمنين قليلة. لكن التبديل قد يصيب المؤمنين الصادقين، وهم لسبب أو لآخر، لا يدرون أنّ فتنة خطيرة سرقتهم، وذلك إما عن طريق التأويل الذي ظاهره الرحمة وحقيقته العذاب، أو عن طريق التقليد والاستسلام للغير، أو بدعوى التجديد والتغيير. وأكثر ما يوقع المرء في تلك الشراك الهوى وتحكيم العقل في أمر الدين، وهذا في المسلمين كثير.
ولطالما تذاكرنا في لقاءاتٍ طيبةٍ عديدة، أنّ أمة الإسلام وقعت في فتنة التبديل وهي أعظم فتنة في حياة أمة الإسلام، وكل فتنة غيرها أهون منها، لأنّ فتنة التبديل نالت أصول الدين وثوابته فغيرتها، فبُدل الدين غير الدين، ولم يعد الدين لله، لأنّ تلك الفتنة حولته من دين علوي المصدر سماوي الانتماء إلى دين سفلي المصدر أرضي الانتماء.
ولقد بدأت الفتنة في وقت مبكر من حياة الأمة وما زالت في ازدياد. لكنّها في عصورها الأولى وجدت من الرجال من تصدوا لها فثبتوا في مواقعهم، وحققوا الثبات للدين وتعاليمه وأحكامه فاستحقوا من ربهم شهادة هي أغلى الشهادات، ودرجة هي أعلى الدرجات (وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا). أما بعد ذلك فقد استمرت تلك الفتنة، والأمة سائرةٌ في طريق الضعف، وهل تضعف الأمة إلا بضعف رجالها، وضعف دين رجالها؟ فتجارت عناصر الفتنة، فتنة التبديل في كل مفصل من مفاصل دين الأمة كما يتجارى الكلَب بصاحبه فلم يبق مفصل إلا دخله، كما قال صلى الله عليه وسلم. وما دام دين الأمة في ضعف فإنّ الضعف صار ضجيعها في كل شأن في السياسة والاقتصاد والاجتماع والحرب وووو … فتداعت عليها الأمم من كل جانب، وسلط الله عليها ذلاً، لا ينزعه عنها حتى ترجع إلى دينها الحق .. ولست أريد أن أعرض ما جرى بالسرد التاريخي وأسكت، لكن الأهم عندي أن نتبين لماذا جرى. فنتحرى الأسباب ونناقش الموجبات.
* وقبل أي حديث، فبوابة الدخول إلى فتنة التبديل، والطريق الحتمي لها تلخصه هذه الكلمات التي يجب أن تبقى في سمع وعقل وتحت نظر كل باحث: لن تكون فتنة التبديل ما دامت نصوص الوحيين حاضرة، مُحَكَّمَةً مُقدَّمةً على كل شيء، وكلما انحسر سلطان النصوص وتقلص، زادت تلك الفتنة من اجتياحها وشددت من وطأتها. ومن يرصد التاريخ الديني للأمة، وبدايات فتنة التبديل وتطورها تظهر له بجلاء تلك المنعطفات الخطيرة، والأسباب التي أوصلت إليها. وأجملها في الآتي مركزاً على الأسباب، وأكتفي بالعناوين، وأسطرٍ من شرحٍ لا غنى عنه:
1. عدم توقير النبي عليه السلام وتعزيره، متجليا في عدم اتباع سنته. فمهما بذل المسلمون من جهد ومن مال من أجل حفلات دينية وغير دينية، يزعمون أنّها لإحياء ذكرى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنّ كل ذلك لا يعدل عند الله إحياء سنة لنبيه وتعليمها. ذلك لأنّ من أحيا سنة وعلمها للناس فقد أحيا نفوسهم بالوحي! ومن أحيا في المسلمين سنةً فقد أمات بالمقابل بدعة،
ومن أمات سنةً فقد أحيا بالمقابل بدعة أيضا. وما غثائية الأمة، وما غيابها، إلا النتيجة الحتمية لبعد المسلمين عن الوحي.
2. تأثير الفلسفة وتسللها إلى بعض العقول والنفوس، وظهور علم الكلام، أفرز مذهب تحكيم العقل في الدين، وتقديمه على النصوص، ويعد هذا المنزلق، أشد مكر يُمكر بالإسلام وأهله.
3. انتشار الأحاديث النبوية غير الصحيحة بين المسلمين. ومآلُ ذلك، إن استمر، أن لا يكون الدين لله. فالسنة هي الأصل الثاني لدين الإسلام، بعد كتاب الله، وإن دخله ما ليس منه، ضعف الدين ودخله التحريف والتبديل.
4. تكريس مذهب التقليد في الدين، وتحكم التعصب المذهبي. وإذا فشا التقليد في المسلمين، واستحكمت المذهبية، فأين موقع الوحيين آنئذٍ؟ إنّه تعطيل العمل بهما!
5. تعظيم الرجال وجعل دورهم في الدين أقوى من دور النصوص. وهذه هي خطوات الانحراف بالدين، عن مواقع الوحيين وثوابتهما، والنصوص معصومة، وأما الرجال فتميل بهم الأهواء (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
6. هجر النصوص أحيانا، وادعاء العمل بالمصلحة، ومقاصد الشريعة. وهذه أحدث الشرور التي نزلت بالمسلمين آخرا. والمشكلة أنّ الداعين والمنظرين لهذه الانعطافة الخطيرة علماء ودعاة، ومع أنّ هذه الانعطافة مكشوفة في دعوتها إلى تعطيل العمل بالنص، وإدخال العقل ليأخذ مكان النص، فإنّ أصحابها سوغوها وأسلموها بدعوى ما أسموه (الفقه المقاصدي). ولو أُنكِر على أحدهم ذلك لقال تركنا العمل بالحديث لصالح تحقيق مقصد من مقاصد الشريعة.
وبالرغم من تساهل الدكتور يوسف القرضاوي، في مسائل الاستدلال بدعوى وسطيته، فإنّه يسمى المدرسة المقاصدية:
(مدرسة المُعطِّلة الجُدد، وهي مدرسة تعطل النصوص بادعاء المصالح والمقاصد).
7. فقدان نصوص الوحيين قدسيتها، بسب ترك العمل بها، وتقديم الأدنى عليها، كأقوال الرجال، والتعصب المذهبي، والأهواء. وفي كتب الفقه التي بين أيدي المسلمين، نماذج صارخة لهذه الانحرافات، سُكِتَ عنها، ومُنحت شرعيتها تحت غطاء (الاختلاف رحمة). وقبل أن تُعصَّب جناية هذه الفِعلة الشنيعة، برؤوس العوام الجهال، فالأولى أن تعصب برؤوس علماء كبار في الماضي والحاضر. وللبحث مظانه، ولا مجال للاسترسال فيه الآن.
8. ظهور طبقة جديدة، في الأمة بديلا للعلماء، سُمُّوا {المفكرون}، وهي مترجمة عن اللغات الغربية، حيث يعتبر المفكرون أعلى طبقة في تلك المجتمعات. وما ذلك إلا لافتقار تلك الأمم للثوابت، كثوابت الوحي لدى أهل الإسلام. ولقد أُريد بالمسلمين شراً ، يوم أُحدثت تلك الطبقة الدخيلة، في ديار المسلمين، لتنافس الوحيين بالفكر والعقل. وهاهم يتصدرون الفضائيات، يبثون سمومهم وانحرافاتهم، بل ويتجرؤون على الفتيا في الدين. والخطورة أنّ في المجتمعات الإسلامية سماعين لأولئك الدخلاء، لرغبة الناس في أخذ دينهم المحرف والمخفف من هؤلاء! لرقة الدين، ووجود المُضَلِّلين من (المشايخ).
استعراض واقعي، مختصر لفتنة التبديل في حياة المسلمين تناول أشكالها وألوانها، والأسباب التي مكنت لتلك الفتنة فما العمل؟
أطرح ثانية عنوان اللقاء (أَيْنَ الرِّجَالُ…؟) لأعيد للأذهان أنّ البحث كله مكرسٌ ومُنْصَبٌ على النتيجة المرجوة التي عبرت عنها في تضاعيف حديثي بهذه العبارات:
.(ألا يطمع كلُ واحد ممن يوحدهم حمل همّ الإسلام، ويجمعهم منهج ارتضوه لفهم وتطبيق الإسلام (ما أنا عليه وأصحابي)، ألا يطمع كل واحد منهم أن يكون رجلا من أولئك الرجال أصحاب التميز والذين لهم دور ينتظرهم في محنة الأمة..؟).
. (إنّ الأمة في محنتها اليوم لا تتوقع معجزة يكون فيها الخلاص. إنّما تنتظر رجالا يكون منهم العمل، وبهم يشاء الله التغيير).
. (أن نعلم بل ونجزم أنّ أولئك الرجال لم تصنعهم معجزة لن تتكرر، وزمان المعجزات انتهى بانقطاع النبوات والرسالات، إنّما صنعتهم مباديء، وهي لا زالت باقية، ولا زالت قادرة على صنع رجال اليوم كما صنعت رجال الأمس).
. (فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك لنا من بعده علما يربى عليه الرجال في كل زمان، ولم يترك رجالا يُحفظون في متحف التاريخ).
إذن: مَن لفتنة التبديل إلا رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وما بدلوا تبديلا. وما هو زاد أولئك الرجال..؟ تعلُّم الوحيين، والعمل بهما، وبثهما في الناس، والاستغناء بهما عما سواهما. وأن تعاد لنصوص الوحيين القدسية التي سلبت منها. وبغير ذلك لا تبرأ الذمة وايم الله.
ولنحذر من غفلة قد تذهلنا عن وردٍ ينبغي أن يلازمنا، ولا مانع من تحريك الشفاه به، لعل غيرنا يَذَّكرُ فتنفعه الذكرى، وَوِرْدُنا، (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا). (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا).
والحمد لله رب العالمين
