(إِنَّ الأَرْضَ لاَ تُقَدِّسُ أَحَداً، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الإِنْسَانَ عَمَلُهُ).
سُئلت مرات عن صحة الأحاديث التي جاءت في فضائل الشام، واسترجعت إلى الذاكرة مجالس سمعت الناس يتحدثون فيها عن تلك الأحاديث، يفهمونها كيف شاؤوا، ويسقطونها كيف أرادوا. وتبين لي أنّ تلك الأحاديث تقع أحياناً في يد (غيور، متعصب، جاهل) فينسخها ويوزعها على من يعرف من باب التطمين على مصيرٍ خيرٍ، ومستقبلٍ مشرقٍ، يحسب أنّه يحسن بذلك صنعاً.
وأسوأ ما تكون عليه الأمور، أن تُستغل الأدلة الشرعية لتبرير الخلل، وتصويب الخطأ في مسألة يديرها الجهال، وبها يعبثون. فكان لا بد من وضع الأمر في نصابه، وسحب المسألة من مجالس الجهل والعصبيات، لتكون على بساط العلم المؤصل. وسأتناول الموضوع على شكل وقفات إن شاء الله.
الوقفة الأولى: استقصاء لأحاديث الباب
. عن معاوية رضي الله عنه مرفوعا: (إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ، وَلَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ).
. عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا طوبى للشام! يا طوبى للشام! يا طوبى للشام! قالوا: يا رسول الله وبم ذلك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام).
. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّكُمْ ستُجَنَّدُون أَجْنَادًا: جُنْدًا بِالشَّامِ وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ) قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خِرْ لِي؟ قَالَ: (عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بيَمَنهِ ولْيَسْقِ مِنْ غُدَرهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ)). قال ربيعة: (فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث يقول: ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه).
. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنّي رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فنظرتُ فَإِذَا هُوَ نورٌ ساطعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلا إِنَّ الإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الفِتَنُ بِالشَّامِ).
. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشام أرض المحشر والمنشر).
. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ثم أقبل على القوم فقال: (اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مدنا وصاعنا، اللهم بارك لنا في حرمنا، وبارك في شامنا) فقال رجل: وفي العراق؟ فسكت. ثم أعاد، قال الرجل: وفي عراقنا؟ فسكت. ثم قال: (اللهم بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مدنا وصاعنا، اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم اجعل مع البركة بركة، والذي نفسي بيده ما من المدينة شعب ولا نقب إلا وعليه ملكان يحرسانها حتى تقدموا عليها)).
ولا بد من وقفة سريعة مع هذا الحديث، بل مع هذه الرواية من الحديث التي ذكر فيها (وعراقنا) وأكثركم يعرف أو يحفظ أنّ الرواية التي تدور على الألسن (ونجدنا). إنّ في هذه الرواية رد بل إسكات، بل إخراس، لأصحاب الهوى الذين جعلوا ديدنهم التصدي لدعوة الحق، والتأليب عليها حماية للباطل الذي يحملونه، ألا ساء ما يحملون، وإليه يدعون وبئس ما يدعون ويَدَّعون. لقد استغل أولئك الروايات التي فيها (ونجدنا) لاتخاذها ذريعة وحجة للنيل من دعوة الحق، دعوة العودة إلى الكتاب والسنة التي ظهرت في نجد وكان صوتها صدى لما كان في الشام على يد المجددين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله. وذكر الشيخ الألباني في الصحيحة: (والحديث له روايات عدة جاءت بألفاظ مختلفة وروي بلفظ: (نجدنا) مكان (عراقنا) والمعنى واحد. أخرجه البخاري وغيره وروي أيضا بلفظ: مشرقنا مكان عراقنا وزاد في آخره: (وبها تسعة أعشار الشر). ووردت الزيادة بلفظ آخر: (وبه تسعة أعشار الكفر وبه الداء العضال)).
وقد علق على ذلك ثلة من العلماء وهذا بعض ما جاء في فتح الباري لابن حجر: (وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَة عِكْرِمَة بْن عَمَّار عَنْ سَالِم “سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول: سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِير بِيَدِهِ نَحْو الْمَشْرِق وَيَقُول: هَا إِنَّ الْفِتْنَة هَاهُنَا ثَلَاثًا حَيْثُ يَطْلُع قَرْن الشَّيْطَان” وَلَهُ مِنْ طَرِيق حَنْظَلَة عَنْ سَالِم مِثْله لَكِنْ قَالَ “إِنَّ الْفِتْنَة هَاهُنَا ثَلَاثًا” وَلَهُ مِنْ طَرِيق فُضَيْل بْن غَزْوَانَ “سَمِعْت سَالِم بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول: يَا أَهْل الْعِرَاق مَا أَسْأَلكُمْ عَنْ الصَّغِيرَة وَأَرْكَبكُمْ الْكَبِيرَة، سَمِعْت أَبِي يَقُول سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: إِنَّ الْفِتْنَة تَجِيء مِنْ هَاهُنَا، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْو الْمَشْرِق مِنْ حَيْثُ يَطْلُع قَرْنَا الشَّيْطَان).
وللشيخ الألباني كلام في الصحيحة، هذا بعضه: (وإنّما أفضت في تخريج هذا الحديث الصحيح وذكر طرقه وبعض ألفاظه لأنّ بعض المبتدعة المحاربين للسنة والمنحرفين عن التوحيد يطعنون في الإمام محمد بن عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد في الجزيرة العربية، ويحملون الحديث عليه باعتباره من بلاد (نجد) المعروفة اليوم بهذا الاسم، وجهلوا أو تجاهلوا أنّها ليست هي المقصودة بهذا الحديث، وإنّما هي (العراق) كما دل عليه أكثر طرق الحديث، وبذلك قال العلماء قديما كالإمام الخطابي وابن حجر العسقلاني وغيرهم. وجهلوا أيضا أنّ كون الرجل من بعض البلاد المذمومة لا يستلزم أّنه هو مذموم أيضا إذا كان صالحا في نفسه، والعكس بالعكس. فكم في مكة والمدينة والشام من فاسق وفاجر، وفي العراق من عالم وصالح. وما أحكم قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء حينما دعاه أن يهاجر من العراق إلى الشام: (أما بعد، فإنّ الأرض المقدسة لا تقدس أحدا، وإنّما يقدس الإنسان عمله). وفي مقابل أولئك المبتدعة من أنكر هذا الحديث وحكم عليه بالوضع لما فيه من ذم العراق كما فعل الأستاذ صلاح الدين المنجد في مقدمته على “فضائل الشام ودمشق”، ورددت عليه في تخريجي لأحاديثه، وأثبت أنّ الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم العلمية، فانظر الحديث الثامن منه).
. عن عبد الله بن حوالة أنّه قال: (يا رسول الله، اكتب لي بلدا أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر على قربك. قال: (عليك بالشام ثلاثا) فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم كراهيته للشام قال: (هل تدرون ما يقول الله عز وجل؟ يقول: يا شام يا شام! يدي عليك يا شام! أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي من عبادي، أنت سيف نقمتي، وسوط عذابي. أنت الأندر، وإليك المحشر، ورأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة، قلت: ما تحملون؟ قالوا: نحمل عمود الإسلام، أمرنا أن نضعه بالشام، وبينا أنا نائم رأيت كتابا اختلس من تحت وسادتي، فظننت أن الله تخلى من أهل الأرض، فأتبعت بصري، فإذا هو نور ساطع بين يدي، حتى وضع بالشام، فمن أبى أن يلحق بالشام فليلحق بيمنه، وليستق من غدره، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله)). والحديث الصحيح دون قوله: (يا شام يا شام. يدي عليك يا شام) وقوله: (أنت سيف نقمتي وسوط عذابي، أنت الأندر).
. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم الله يوماً: (إنّي رأيت الملائكة في المنام أخذوا عمود الكتاب فعمدوا به إلى الشام، فإذا وقعت الفتن فإنّ الإيمان بالشام).
. عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستخرج نار في آخر الزمان من حَضْرمَوْت تحشر الناس) قلنا: بما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: (عليكم بالشام).
. عن بَهْزُ بنُ حَكِيمٍ بن معاوية القشيري، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ قَالَ: قلْتُ يا رَسُولَ الله أين تأمرني؟ فقال: (هاهنا) وأومأ بيده نحو الشام. قال: (إِنّكُمْ محْشورُونَ رِجَالاً وَرُكْبَاناً ومجرون علَى وُجُوهِكُم).
. عن أبي الدّرْدَاءِ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: (فُسْطَاط المُسْلِمِينَ يَوْمَ المَلْحَمَةِ بالْغُوطَةِ إلَى جَانِبِ مَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشّامِ) وفي رواية ثانية: قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة فيها مدينة يقال لها دمشق خير منازل المسلمين يومئذ).
. عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ينزل عيسى بن مريم عليهما السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق).
. عن كيسان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ينزل عيسى بن مريم عليهما السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق).
. عن النواس بن السمعان الكلابي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق).
. عن أوس ابن أوس الثقفي رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق عليه ممصرتان، كأن رأسه يقطر منه الجُمان).
. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أنه سَمِعْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إذا وقعت الملاحم بعث الله من دمشق بعثاً من الموالي أكرم العرب فرساً وأجودهم سلاحا يؤيد الله بهم الدين).
. عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بناء له، فسلمت عليه. فقال: (عوف) قلت: نعم يا رسول الله! قال: (ادخل) فقلت: كلي أو بعضي؟ قال: (بل كلك) قال: فقال لي: (اعدد عوف! ستا بين يدي الساعة؛ أولهن موتي)، قال: فاستبكيت حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكتني. قال: (قل: إحدى. والثانية فتح بيت المقدس، قل اثنين. والثالثة فتنة تكون في أمتي وعظمها. والرابعة موتان يقع في أمتي يأخذهم كقعاص الغنم. والخامسة يفيض المال فيكم فيضاً حتى إن الرجل ليعطي المائة دينار فيظل يسخطها، قل خمساً. والسادسة هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر يسيرون إليكم على ثمانين راية، تحت كل راية اثنا عشر ألفا، فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها: الغوطة، فيها مدينة ويقال لها: دمشق)).
. قال صلى الله عليه وسلم: (عقر دار المؤمنين بالشام). وفي رواية (عقر دار الإسلام بالشام).
الوقفة الثانية: التوظيف الخاطيء لتلك النصوص
قرأ تلك الأحاديث كثيرون واستبشروا بها، وبثوها في غيرهم ليفرحوا بها. وما أصدق تصوير المثل العامي الشامي لتلك البشرى والفرحة حين تسمع أحدهم يقول متنهدا وهو يتمطى: (الحمد لله على دين الإسلام والسكنى في الشام) معبراً عن نشوته بإنفاذ صفقة محرمة، وإبرام بيع مغشوش، والفراغ من عقد ربوي، ويمين فاجرة غطت كل ذلك. أنا أصور واقعاً، ولست أكتب مسرحية..!
وكنت ذات مرة في متجر وفي الأخبار كلام عن كارثة عالمية (نسيتها) فقال صاحب المتجر لصديقه الجالس إلى جانبه بعد أن سمعه يسترجع ويستعيذ خائفاً (لا تخاف، الشام الله حاميها بهدول) مشيرا بيده إلى صورة تاريخية لثلة من علماء الشام على رأسهم (أحمد الحارون، والشاغوري وووو). وكلكم يعرف هذه الصورة.
معظم أهل الشام يعتقدون أنّ كل الأحاديث المذكورة نافذة فيهم أحكامها، وأنّهم مستحقون لبشاراتها على ما هم عليه من بدع العبادة، وانحراف العقيدة، وبطلان المعاملة. ولست أنا المتَّهِم فقد حدثني من لا أتهم، عن الدكتور البوطي أنّه قال له (دمشق بلد البدع). وباختصار لقد وُظفتْ تلك النصوص لتسويغ كل ما عليه أهل الشام شرعياً، ما دام النبي صلى الله عليه وسلم زكاهم ووعدهم.
ويُرد هذا التوظيف الخاطيء بالحوار الذي دار بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي رضي الله عنهما، حينما دعا أبو الدرداء سلمان أن يهاجر من العراق إلى الشام، وهاكم الأثر كما في الموطأ:
حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: (أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: أَنْ هَلُمَّ إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ: (إِنَّ الأَرْضَ لاَ تُقَدِّسُ أَحَداً، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الإِنْسَانَ عَمَلُهُ). وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ جُعِلْتَ طَبِيباً تُدَاوِي، فَإِنْ كُنْتَ تُبْرِئُ فَنِعِمَّا لَكَ، وَإِنْ كُنْتَ مُتَطَبِّباً فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ إِنْسَاناً فَتَدْخُلَ النَّارَ. فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ أَدْبَرَا عَنْهُ نَظَرَ إِلَيْهِمَا وَقَالَ: ارْجِعَا إِلَيَّ أَعِيدَا عَلَيَّ قِصَّتَكُمَا، مُتَطَبِّبٌ وَاللَّهِ).
الوقفة الثالثة: تحرير مفهوم بلاد الشام وأهل الشام
لا يتصور الباحث أنّ يجد نصاً شرعياً أو جغرافياً حول هذا المفهوم، ولكن لشيوع استعماله في النصوص الدينية والتاريخية استقرأ الباحثون أنّ المقصود بمصطلح (بلاد الشام) ما هو اليوم معروف (بسوريا، والأردن ولبنان وفلسطين). وهناك مصطلح يكاد يكون خاصاً بسكان بلاد الشام، وهو أنّهم يطلقون كلمة الشام على دمشق بالذات. ولقد رأيتم أنّ دمشق ذكرت في أكثر من حديث مما جعل بعض العلماء يعتبرون كل ما جاء في الشام يقصد به دمشق وهذا مع استبعاد العصبية مذهب وجيه. وعلى أية حال فدمشق جزء من بلاد الشام فتنالها النصوص العامة والخاصة.
وبعبارة أخرى فإنّ الذي يعنينا ونحن نتعاطى مع النصوص المذكورة أنّنا، أعني أهل دمشق، معنيون ومخاطبون بكل تلك النصوص لكوننا من أهل بلاد الشام بمفهومها الواسع، ومنهم أيضاً بالمفهوم الضيق وهو أهل دمشق. فلنفتح الآذان والعقول والقلوب لنتلقى عن النبي المعصوم تكليفاً لم نكن نعيه، ولم نوفق أن ننظر فيه. وسيأتي التفصيل إن شاء الله.
الوقفة الرابعة: كيف ينبغي أن يكون التوظيف الصحيح لهذه النصوص عند أهل الشام
وتحت هذا العنوان الكبير تتداعى مجموعة خواطر أجملها في الآتي:
أ. وأبدأ هذه الفقرة بعدة تساؤلات تشكل الإجابات الصحيحة عنها الإطار الصحيح للفكرة التي أريد طرحها:
هل المخاطب بالنصوص السابقة أهل الشام على أوضاعهم الدينية القائمة..؟
وهل البشارات التي جاءت في تلك الأحاديث يحققها أهل الشام بما هم عليه دينيا..؟
وهل ينبغي لأهل الشام بأوضاعهم الحالية أن يعتبروا تلك الأحاديث ثناء عليهم، وإقرارا لما هم عليه، وبالتالي يرددونها افتخارا وزهوا قائلين: هذه شهادة نبي الأمة بالشام وأهله..؟
وهل أهل الشام اليوم هم صفوة الله من خلقه كما جاء في بعض الأحاديث..؟
وهل ملائكة الرحمن الآن باسطة أجنحتها على الشام..؟
وهل الشام اليوم عقر دار المؤمنين، أو عقر دار الإسلام..؟
للإجابة عن هذه التساؤلات، والخلوص من ذلك، كما أسلفت، إلى الإطار الصحيح للفكرة، لا بد من تحرير مسألة أساسية ومنهجية بل هي من صلب المنهج الذي ارتضيناه لأنفسنا، منهج العودة إلى تحكيم الكتاب والسنة وفق فهم السلف لهما، أو إن شئتم منهج تحقيق إسلام (ما أنا عليه وأصحابي)، فهل يأتي نصر الله وفرج الله، ومنعة أمة الإسلام على أيدي أناس لا تتحقق فيهم أوصاف المنهج المذكور..؟ وهل يقبل الله منا شعارات مفرغة من المضمون..؟ وهل يرضى منا أن نكون أرباع أو أنصاف أو أخماس مسلمين..؟
إن كانت الأجوبة على الأسئلة المطروحة كلها نعم، فليبحث أهل هذه الأجوبة عن الخلاص، وليقبلوا أن نفارقهم أو يفارقوننا. أما إذا كان الجواب لكل الأسئلة لا، وهو ما ندين الله به فلا بد من البحث عن الحل..!
إنّ الحل يكمن في النصوص الشرعية وتدبرها، وإسقاطها على الواقع المعاصر. والحل يتضح ويتجلى في فهم واستيعاب سنن الله في خلقه التي نستقيها من تدبر كتابه ومن إمعان النظر في القصص القرآني الذي يؤكد تلك السنن التي تسري أحكامها على كل ذرية آدم والتي لا يحابي الله فيها أحداً من خلقه. يريد الله منا أن نستخلص من ذاك القصص وتلك السنن الدروس والعبر لنسلك طريق المهتدين، ونحذر اتباع الغاوين. لنستذكر الآن غزوة أحد وما جاء فيها من آيات وبخاصة تلك التي يعاتب فيها الله تبارك وتعالى أحباءه وأصفياءه الذين اختارهم لصحبة نبيه حين بدت منهم حيدة عن الطريق الصحيح كانت منهم باجتهاد وتأويل وليست عن استخفاف وحب للمخالفة، فإنّ الله لا يحابي أحدا على حساب الحق، ولا يجامل أحدا على حساب تربية المجموعة بل الأمة.
عوقب الأصحاب والنبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم بتأخير النصر عنهم واضطراب أحوال المعركة، وزلزلة القلوب ليريهم أثر المخالفة مباشرة دون تأخير، وليقول لهم هذه جناية أيديكم وما كسبت قلوبكم (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) حثاً لهم على الندم والتوبة الفوريين والمعركة لما تنته بعد، وبيد الله تقليبها كيف شاء تعليماً وتأديباً وتشريعاً. ويستمر العتاب من رب العزة لأصفيائه ليكون أشد صراحة من العتاب الأول (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
ولابن مسعود كلام رائع يجلي لنا، رضي الله عنه فيه، صراحة المكاشفة، ووضوح المعاتبة وياله من كلام معبر مؤثر. يقول ابن مسعود: (ما كنت أرى أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد: (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)). وفي رواية عنه يقول: (إنّ النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين، فلو حلفت يومئذ رجوت أن أبرَّ أنّه ليس أحد منا يريد الدنيا حتى أنزل الله {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة}).
الأصحاب فوق الشبهة والاتهام، والأصل فيهم الاتباع والالتزام، ولكنّهم بشر ليسوا معصومين، يخطئون كسائر البشر، ويذنبون ككل الخلق، لكنّهم، للتربية العالية التي تلقوها من النبي صلى الله عليه وسلم، لا يستمرون في الخطأ، ولا يُصرون على المعصية، بل يُسرعون في التوبة والأوبة إلى الحق. بَيَّنَ لهم ربهم أنّ الذنب كان في الفشل والتنازع والعصيان، وأعلمهم بما علمه تبارك وتعالى من دخائل قلوبهم، في أنّ سبب الفشل والتنازع والعصيان كان في التجاذب والتدافع في أمر حب الدنيا. هل بعد هذه المصارحة من مصارحة..؟ وهل بعد هذا العتاب من عتاب..؟
أريد أن أخلص بعد سرد تلك القصة إلى أن نسأل أنفسنا: هل نحن أعز عليه تبارك وتعالى من صحابة رسوله فيقبل فشلنا في نصرة ديننا، وتنازعنا فيه، وعصياننا لأوامره وأوامر نبيه..؟ وهل يهبنا النصر الذي حجبه عن أحبائه وأصفيائه الذين اختارهم لنصرة دينه، وشدِّ عضد نبيه..؟ فيا أهل الشام لا تفرحوا بأحاديث الشام ما لم تتغيروا وتُغيروا ما بأنفسكم وتعودوا إلى إسلام (ما أنا عليه وأصحابي).
والدليل الآخر والمثال الذي أحب إيراده تأكيداً لما قلت، والذي هو من سنن الله في الكون، وبخاصة سننه في الصراع بين الحق والباطل وكيف ينبغي التصدي للباطل على أسس ما علمنا ربنا من سننه في خلقه، إنّها قصة معركة من معارك الحق ضد الباطل وأهله ولنقرأ الآيات:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَاتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ).
إنّ القتال من أجل العقيدة ليس كأي قتال، إنّ التمحيص يسير مع المقاتلين خطوة خطوة، وإنّ معاينة ما في القلوب لا يتوقف حتى يتم الفرز ويكون التمحيص، على طريق المعركة، وفي ساحات القتال. وحتى لا يختلط أمر الدنيا بالدين، وحتى يكون السمو لمن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ويحل الصغار والطرد والفضح لأهل التلبيس والتدليس واستغلال الفرص، وادعاء المواقف..!
إنّ الله لا يقبل من عباده الذي يريد المشاركة في بعض الرحلة إليه ويختار ما يناسب أطماعه وهواه، ثم يفارق الجموع المؤمنة التي كرست كل شيء لهذه الرحلة العظيمة. ولن يسمح الله لمن يخالف قلبَه جوارحُه، وتغاير نيتُه عملَه أن يدعي شرف عمل مقرب إلى الله ليرفع به خسيسته (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).
ربنا تبارك وتعالى لا يتعامل معنا من خلال الواجهات، واللافتات والشعارات وعلو الأصوات وكثرة الجموع، إنّما التعويل على الحقائق التي في القلوب فهل من مدكر.
ب. لا بُد أن نقف ملياً عند قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ). وعلينا أن نقرأ السطور وما بين السطور، وما وراء السطور. وينبغي أن نلح على أنفسنا في السؤال: ماذا نفهم من قول نبينا هذا؟
قد يقول متعجل إنّه ثناء على أهل الشام في ربط خيرية الأمة بصلاح أهل الشام، ونفي تلك الخيرية إذا فسد أهل الشام .. أجيب لا والله..! إنّ الأمر أعمق وأخطر من هذا، إنّي لأفهم، وما أدري إذا كنتم تتفقون معي، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حمّل أهل الشام من المسؤولية الجسيمة ما لم يحمله لأهل مصر والحجاز واليمن وووو، حينما ربط خيرية الأمة بصلاح أهل الشام. فلو فسد أهل الشام فسيحملون وزر فسادهم ومعه وزر إفساد الأمة..! وإذا صلحوا فسيكسبون أجر صلاحهم ومعه أجر إصلاح الأمة..!
الحديث إذن تكليفٌ وليس تشريفاً .. فليدع أهل الشام إذن التفاخر والتباهي وليبحثوا عن المخرج، كيف يُبرؤون ذممهم، ويتحملون ما حمّلهم الله على لسان رسوله..! فما هو طريق الصلاح والإصلاح؟
هما طريقان موصِلان وما سواهما مُضِل: العلم والاتباع. ولا بد من تخصيص لقطع الطريق على محاولات التأويل، وقد فعل التأويل في إفساد هذه الأمة ما فعل. إنّه تعلم الوحيين، والعمل بهما، وبثهما في الناس، والاستغناء بهما عما سواهما … أما الاتباع فلواحد في هذا الوجود، وهو المعصوم صلى الله عليه وسلم، ويوم عدد المسلمون مسارب الاتباع اتبعوا السبل فتفرقت بهم عن سبيل الله. ومن رام الإصلاح في غير هذين الطريقين فإنّه يحرث في البحر، ويضيع الوقت، ويفوت المصالح. إنّها مسؤولية تنوء بها كواهل الرجال، لكنّ سلعة الله غالية.
والمسألة لا تنحصر بأفراد إنّما هو هم عام، فالرسول صلى الله عليه وسلم تكلم عن أهل الشام ولم يتكلم عن أفراد بالشام، إذن لا بد من التواصي بهذا الأمر، وحفز الهمم له ليكون أهل الشام عند حسن ظن نبيهم بهم، وليكون لهم الإسهام الكبير في عودة الخيرية لهذه الأمة.
ج. إذا فات أهل الشام اليوم، وهو قدر الله، ويا لفداحة الخطب..! أن يكونوا هم المخاطبين والمعنيين بأحاديث نبيهم، أليس هناك من تعويض لتلك الخسارة..؟ أليس من بقية يستدركونها قبل فوات الأوان..؟ بلى لديهم أكبر فرصة وأعظم مهمة، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وما هي؟
إنّ المعني بالأحاديث جيل لم يأت بعد، ومن أين سيأتي هذا الجيل..؟ هل ستنشق عنه الأرض أم ينزل من السماء..؟ إنّه بلا شك من أصلاب وأرحام أهل الشام اليوم، ولا شك أنّ الآباء والأجداد يورثون الأبناء والأحفاد الثقافة التي يريدون، أفيعجز أهل الشام اليوم أن يُخلصوا في نواياهم ويصدقوا في أعمالهم فيربوا على الوحيين أجيالاً قادمة تُحقق نبوءة النبي، فينالهم كفل من أجور الأحفاد لما غذوهم به من خير الزاد.
أيها الإخوة … إنّ نبيكم لم يرد من ملك الجبال أن يطبق الأخشبين على كفار مكة (إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِى مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِىُّ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا). وإذا كان نبيكم يحرص على بقاء كفار مكة رجاء أن يخرج من أصلابهم المؤمنون الموحدون، أفلا نرجو أن نقدم للأمة، وفينا المؤمنون الموحدون، من أصلابنا أجيالاً نحسن تربيتهم وتوجيههم ليكونوا الأمل في تحقيق خيرية الأمة.
لقد سمعت كلاماً عن أحد الدعاة، جزاه الله الخير، في إحدى الفضائيات، ولم أسمعه بأذني، كان يشرح حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سند الحديث (عن ابن عمر حدثني أبي أنّ رسول الله … ) فبقي حلقتين يتكلم في واجبات الآباء التربوية، مستلهما ذلك من قول ابن عمر (حدثني أبي) لم يقل سمعت أبي، ولا أُخبرت أنّ أبي، (حدثني أبي). ما أكثر ما نحدث أبناءنا، ولكن عن أي شيء..؟ أنحدثهم كيف يكونون وجه الشام الديني المشرق الذي يصنع خيرية الأمة..؟ أنحدثهم أنّ آباءكم فاتهم هذا الشرف والأجر لأنّ الخلل كان أكبر منهم، فسدوا خلة آبائكم، وكونوا كما أرادكم
نبيكم .. أم لا زلنا نعلمهم (الحمد لله على الإسلام والسكنى بالشام)، خاليةً من كل مضمون، خاويةً من أي خير…؟!
والحمد لله رب العالمين