شاء الله، تبارك وتعالى، وهو الخلاق العليم، أن تكون العلاقات بين الجنسين، في كل المخلوقات، أشد العلاقات قرباً و(حميميةً)، من أجل استمرار وبقاء النوع من كل خلق. وشاءها بفضله، وهو الذي كرم بني آدم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) أن تكون فيهم غاية في الرقي، والمتانة، والواقعية، لتنسجم مع إنسانية الإنسان، تلك الصفة التي يفارق بها الإنسان كل المخلوقات، ويفضلها، ويتميز عنها .. حتى وُصِفَ العقد بين الزوجين المسلمين بالميثاق الغليظ: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)، وهو الوصف نفسه الموصوف به الميثاق المأخوذ على النبيين صلوات الله عليهم أجمعين: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا).
فأي علاقة هذه التي تجمع بين كل زوجين مسلمين..؟ أوليس التأمل والتدبر في هذه المقاربة كافياً وداعياً كل زوجين مسلمين ليسموا بالعلاقة الزوجية بينهما إلى المستوى الذي أرادها الله أن تكون لدى هذا المخلوق المُكرَّم..؟ وتعلو كعلوه على سائر من خلق الله..؟ أوَيعجز كل زوجين مسلمين أن يكونا راعِيَيْنِ حارِسَيْنِ لهذه العلاقة التي هي هبة الله، وآية من آياته: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) من أن يعصف بها الجهل والهوى والأنا والتخلف والهبوط..؟
إنّ الواقع القائم، في كل المجتمعات الإسلامية، فيما يخص علاقة الأزواج، محبطٌ
مؤلمٌ، للهبوط الذي يشهده، ولست ظالماً، ولست متشائماً..!
شاء الله لي أنْ أنغمس في الشأن الشرعي الاجتماعي، أعني (الزواج، والطلاق وكُل ما يتعلق بالعلاقات الزوجية من أحكام) في المدينة العريقة التي أعيش بها، دمشق، عن طريقين: الفتيا بالهاتف فقط، أو التواصل حول ذلك عن طريق الشبكة العنكبوتية (الإيميل). واستمر ذلك الانغماس سنين عديدة ولا زال، وقد انكشف لي بجلاء ما هو مستور لمعظم الناس. واللافت في ما انكشف أنّ الأوضاع في كثير من البيوت، وأقصد العلاقات الزوجية، ليست على ما يرضي، إنّما خصومات وشجارات متتالية لا تتوقف إلى حد أن يقول الإنسان بصدق: كُلٌ من الزوجين متربص بالآخر .. والأخطر أنّ سُبل الحل، أو الخروج من تلك الدوامة مغلقة، لأسباب سنعرج عليها بإذن الله .. وأستطيع أن أختصر هذا الذي انكشف لي بالآتي :
أولاً: مع تقدم الزمن، وانغماس الناس في الواقع الذي غلبت فيه المادية على معظم النفوس، فأفقدتها الأريحية والشفافية، بل التقوى، ومع ضعف التربية الدينية الصحيحة في المجتمع، وغياب المُثل والأمثلة، في المجتمع الكبير بكل تجمعاته، ومع رقة دين الكثيرين من الناس، نتيجة ما ذكر، تكونت لديَّ قناعةٌ تامة بأنّ مُعظم الناس لا يتعاملون مع الزواج والطلاق، وأسلوب العلاقة بين الزوجين، وكل ما يتصل بذلك، على أنّه دِينٌ، وإنّما هو قضية اجتماعية تُنظمها العادات والأعراف والموروثات وما يستحسنه الناس. ونتج عن ذلك استعصاء الخلافات بين الأزواج، وما أكثرها، على الحل، وانتقالها إلى أُسرهم. لأنّ الناس لا يُريدون الحلول الشرعية العادلة المُنزلة من فوق سبع سماواتٍ، ولكنْ يريدون حلولاً يفرضها الواقع والعرف، وما تُمليه الأهواء، وما يحكم بها الكبراء، ولو أنّهم غير متدينين، فتكون النتائج حلولاً قاسية يُفرزها الرغبة في التحدي وحب الانتقام، مُتجاهلةً كل التجاهل، أحكام الدين، والمشاعر الإنسانية، وقضايا السكن والمودة والرحمة، التي أرادها الله تبارك وتعالى قاعدة للعلاقة بين الأزواج، والتي يجب ردّ كل زوجين متنازعين إليها.
وإنْ تعذّر إقناعهما بلزوم تلك القاعدة الربانية تحت شعار (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) يغدو التفريق بينهما عندئذ واجباً عملاً بقوله تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا)، حتى يُحتوى الخللُ، وتُغَيَّبَ المخالفةُ. وكل محاولة لاستمرار العلاقة المتعثرة، المستعصية على الحل، تحت سقف واحد، خشية العيب أو الفضيحة، أو اتقاءً لكلام الناس، صَبٌ للزيت على النار المستعرة باستمرار، وانتظارٌ لما لا يرضي من انفجار الموقف. فضلاً عن أسوأ الآثار والنتائج على تربية الأولاد في ذلك الجو الصاخب المتوتر المشحون بالكراهية..! فالفراق خير من سوء المعاشرة والشقاق. ولا تلبث تلك الحلول الأرضية، غير الشرعية، أنْ تُوسع دائرة الخلاف ليُصبح شقاقاً وقطيعة بين الأُسر، ولو كانوا من الأقارب والأرحام.
ثانياً: تتصل الفكرة هنا من حيث المعنى بسابقتها، وإنْ اختلفت في مجرياتها. يتصل بي زوج، وأول ما يقوله بعد ذكر القصة (شو [فتوتها] ياشيخ؟). وتتصل زوجة لقصة مشابهة وأول سؤالها أيضاً (شو [فتوتها] ياشيخ؟). وكنت قبل الانغماس الكامل الذي أَورث معرفة دقيقة، والحمد لله، أظن أنّ عبارة (شو [فتوتها] ياشيخ؟) تساوي عند عوام قومي (ما العمل..؟) لكنّني اكتشفت، حينما أقول للسائل زوجاً كان أم زوجة، لا بُد أنْ تقع الطلقة، وإنْ شاء راجعها في عدتها ولا يلزمه شيء، يُعاد علي السؤال (مالها عندك [فتوة]؟) وأُجيب لا، ليس عندي، قبل أنْ أفهم حقيقة ذاك السؤال الذي يقع من أكثر الناس. واستيقنت المقصود عندما كُنت أسأل السائل عن عدد الطلقات التي سبقت الأخيرة فأُفاجأ بالجواب (هذه الثالثة أو الرابعة وأحياناً الخامسة، ولكن كل التي قبلها [فتيناهم]). وبعد استجواب ونقاش، والوقوف مع كلمة (فتيناهم) تبين أنّ القصد بلفظة (فتيناهم) أي كفرناهم أو بمعنى أوضح، (محوناهم) .. ويحدث ذلك بفتيا شيخ ما، وبطريقة تختلف من شيخ إلى آخر، ويعتقد الناس أنّ ذِممهم صارت خالية من الطلقات السابقة، مهما تعددت، ويستمرون في الحياة الزوجية، دون أي تحرج..!
وجلست أفكر هل يعتقد مسلم أنّ الطلاق يُكَفّر، فضلاً عن مشايخ يُفتون بذلك..؟ وبقي الموضوع مُشغلِاً لي حتى أوقفني ربي، له الحمد وحده، على كلام واضح مُريح لابن تيمية رحمه الله، عرفت منه أنّ الخلل في الناس، في بُعدهم عن الدين، وجَهلهم بحقائقه وأحكامه، قديم في هذه الأمة. يقول رحمه الله في (مجموع الفتاوى 33/ 58) ما نصه: (مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ. أَوْ: أَنْتِ طَالِقٌ. أَو: فُلَانَةٌ طَالِقٌ. أَوْ هِيَ مُطَلَّقَةٌ. وَنَحْوَ ذَلِكَ: فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَلَا تَنْفَعُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِين. وَمَنْ قَالَ: إنَّ هَذَا فِيهِ كَفَّارَةٌ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ).
وُيضاف إلى العجيبة السابقة، ما هو أعجب، وهو أنّ الزوج السائل وأحياناً الزوجة السائلة، وهي حالة أقل، ليسوا متدينين، وباستقصاءٍ أكثر تعرفت أنّ كثيراً من الأزواج الذين يسألون عن الطلاق قائلين: (لا نريد أنْ نعيش مع زوجاتنا بالحرام..) و(يعترفون أنّهم لا يُصلّون ولا يصومون ولا يُزكّون، ويُعاقرون الخمر، ويزنون، ويَكفرون بسبِّ الدين والذات الإلهية والعياذ بالله) وهذه والله شهادة زوجاتهم بهم، وتبين أنّ الذي يُلجئهم إلى الاستفتاء عن الطلاق ضغط الأسر، والأكثر أسرة الزوجة. أما المستفتي فليس بمقتنع ولا خائف، ولا يهتم بالفتيا التي يتلقاها، ولا يُنفذ منها شيئا. ونعوذ بالله ممن هذا حاله. وقد يكون لبعض الزوجات الحال نفسها أو شبيه بها، ولكن النسبة أقل..!
ثالثاً: من العوائق التي وضعها الناس في طريق حل المعاسرات الزوجية، والتي قد تصل إلى الشقاق، وليس لها من حل إلا الفراق، أنّك تجدهم يسدّون الطريق أمام إنجاز الطلاق، الذي سيريح الطرفين ويُطفيء الحرائق المشتعلة. وألخص ذلك بما يأتي:
أ. البُعد عن المنهج القرآني في مقاربة مشاكل الخلاف الزوجي متمثلاً بقوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا).
ومن تجربتي، وجدت أنّ الذين يُطبقون هذا التوجيه القرآني، وهو واجب على أهل الزوجين أو وُكلائهم، إن احتاج الحال إليه، أقل من القليل..! وما من مرة طلبت من المستفتين من الأزواج، وبخاصة النساء، اللجوء إلى الحلّ القرآني في بعث الحكمين، إلا وسبقوا إلى القول: لا يوجد في الأسرتين من يستطيع ذلك، أو من هو أهل لذلك، أو تقول المرأة زوجي لا يسمع من أحد..! وهذا ولا شك ضعف نظر، وجهل في الدين، وبحث عن حل سحري أرضي، وهيهات..!
مع أنّ الحلّ القرآني هو الأنجع، وهو الواقعي .. ويُقال لمن يستعجل الحكم بعدم جدوى حل (الحكمين)، ما قاله رسول الله عليه السلام لمستعجل في حكم كهذا: (صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ). وبعض الفقهاء لا يُجيزون تحكيم الأجانب ويعتبرونه باطلاً، وهو الحق، لأنّ الله أحكم وأعلم. فالحكمان لِقربهما يستطيعان أنْ يغوصا إلى أعماق المشكلة، فغالباً ما يكون للخلاف أو الشقاق الزوجي ظاهر وباطن، بمعنى: سبب ظاهري مُعلن ليس هو الحقيقي، وآخر باطني مكتوم، هو أصل المشكلة. والناس يعالجون الظاهر مرات ومرات وتفشل الحلول لأنّها لا تُصيب أصل المشكلة. وأما الحكمان، بما خولهما الله من موقع متميز، وللقرابة مع أصحاب المشكلة، يتمكنان من الجلوس مع الأطراف والتباسط، والاستجواب، والاستنتاج، والاستكشاف، ووحدهما يستطيعان ذلك .. والحكمة البالغة في نص القرآن على كون الحكمين من الأهل، أنّه لا بد أن يكون في الحوارات ما يسمى بالعامية (نشر غسيل)، وهذا يحتاج إلى مؤتمنين على الأسرار، يستُرون ولا يُشَهِّرون. فما أحكم الله..! وكم يخسر الناس في البعد عن شرعه..!
ب. العائق الثاني: ظُهور الطمع المالي عند الطرفين، وهُما يُحاولان حل الشقاق الزوجي، وغالباً ما يكون الأهل في هذه المرحلة هُم الفاعلين، والزوجان ينظران وينتظران الخلاص. والنظرة عند كل طرف، من الأهل في الغالب أنّه مادام قد خسر الجولة المعنوية والشرعية في أن لا يكون الحكم لصالحه، فليعوض ذلك بالجولة المادية، ولِيُحصّل أكبر قَدْر من الأمور المادية، لإيقاع أكبر خسارة بالطرف الآخر انتقاماً، وهذا يُطيل أمد الحسم والخلاص، وقد تبقى القضية معلقة سنين عدداً أحياناً، حتى يحسم الأمر..! ويُفتح المجال لكل متربص، وتنتقل القضية من التبسيط إلى التعقيد، ومن الستر إلى الفضيحة، والزوجان معلقان في الهواء، فالقرار صار بيد الأهل، لأنّهم يرون أنّهم صاروا المعنيين أولاً وأخيراً بالمشكلة. أما الأولاد فيعيشون حالة اليتم وهم لا يزالون في كنف الأبوين المتشاكسين، ويكونون المحل الوحيد لإفراغ شحنة غضب الوالدين (المعلقين) وضِيقهما بالحال التي يعيشان..!
ولا يليق هذا المسلك بالمسلمين فهو سقوط في حمأة المادية، وتسلط الجشع، وحُب الانتقام. وكل ذلك يُنافي القاعدة القرآنية العظيمة في التسريح بإحسان: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ). والله جل جلاله الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، حذر عباده من هذا المطب الخطير في حل مشكلة الشقاق بين الزوجين، كاشفاً خبايا النفوس: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا). والأمر بالإصلاح خُوطب به الزوجان، أو أهلهما، والصحيح أنّ الأطراف كلها مخاطبة بذلك، لأنّ مشكلة كهذه تُقلق الجميع.
والشُّح المذكور في الآية يعني البخل، وحُب الطمع بالمال والمتاع، وهو الحاضر في النفس البشرية عند أول اختلاف بين طرفين. وانظروا كيف أمرنا ربنا أنْ نعالج مشكلة الشُّح التي نُحسّها حاضرة في أنفسنا، ونحن نُعالج مشكلة إنسانية اجتماعية، يفعل الظلم فيها فعله، بإشارتين مختصرتين معبرتين: (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا
فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) الإحسان والتقوى، وما أوسع طيف كلمة الإحسان في القرآن، وحتى في اللغة. ومن أحسن فقد اتقى، ومن يتق فلا بد أنْ يكون محسناً. وهي دعوة للمسلمين إلى السمو في كل المواقف، والترفع عن خطرات النفس الأمارة بالسوء.
ج. العائق الثالث: وهو موجود عند الأزواج والزوجات، وعند بعض (المشايخ) الذين يتصدون لحل المشكلات الزوجية..! أما بين الأزواج والزوجات، فاعتقادهم أنّهم لو تورطوا بمئة طلقة فلا يجب أن يتم الانفصال والفراق، رحمة وحرصاً على الأولاد، وبخاصة إنْ كانوا أطفالاً صغاراً .. وتسمع الزوج المخطيء المتجاوز المتسرع يقول بملء فمه: (من سيربي الأطفال حرام عليكم)..! وتسمع الزوجة الناشز تصرخ والعبرات تخنق صوتها قائلة: (أولادي ما مصيرهم) .. وكنت أقول كل مرة أسمع فيها ما ذكرت آنفاً، وما أكثر ما سمعت، الآن عرفتم أنّ لكم أطفالاً..؟ أين كانوا عندما ركب كل رأسه، وكل همّه أنْ ينتصر لنفسه، ويتحدى صاحبه، دُون أنْ يتذرع بالصبر والحكمة، ونسيتم أنّ إلى جانبكم شركاء في المشكلة، بل المصيبة، وأنّهم أشدّ المتضررين..؟ ألستما من أوصل الأمور إلى هذه المرحلة المأساوية..؟ وتتلقى الجواب البارد اللامسؤول أحياناً (هدا اللي صار، شو الحل..؟).
أما لدى المشايخ، وهذا الأخطر، أنّهم يتركون كلّ المعايير الشرعية، والنصوص الحاكمة لتلك الوقائع ويتمسكون بمشكلة الأطفال، التي يُسمونها مشكلة إنسانية خطيرة، وتُوصلهم عُقولهم إلى البحث عن مناورات لعدم إيقاع الطلاق، فيأتون بالأعاجيب، يخالفون بها ما جاء عن الله ورسوله بتقديم عقولهم، وعواطفهم، وحُكم الله موجود معروف واضح، وهو أحكم الحاكمين .. وكأنّ الله يوم شرع الطلاق شرعه لأزواج لا أولاد لهم..! وقد لا يُصَدَّق أنّه يُفتى، ممن لا علم لهم أحياناً، أن يبقى البيت كما هو، فيه الزوج والزوجة يرعيان الأولاد، رغم انفصام عرى الزوجية بينهما، متساكنين متجاورين أجنبيَّيْن، تحت مظلة إنسانية تقدر الطفولة وترعاها .. وأي ضلال هذا، وأي انحراف، يُعمل باسم الدين..؟
رابعاً: لقد كانت الفقرات 1 و 2 و 3 للتشخيص، والفقرة 4 سأُكرسها بإذن الله للمعالجة. أقول وبالله التوفيق:
المعالجة الأساسية والرئيسية هي ردّ الناس إلى دينهم بالتصفية والتربية والتعليم. وهذا مشروع كبير يحتاج إلى جُهد أكبر وزمن أطول..! وعملاً بالحكمة القائلة (ما لا يدرك كله لا يترك جله) يبدو لي أنّه لا بُد من حل عاجل، يختصر المشروع الكبير إلى آخر أصغر منه يسايره، ويفي ببعض الغرض، مرحلياً .. وألخص الخطوات بالآتي:
1. وأول ملاحظة أُؤكدها أنْ يكون التدين على منهج وعلم، وليس بمظهر وادعاء، وشهادة مجروحة ممن يحرص أن يرضي بشهادته، إنْ سُئل الناسَ وهو يُغضب الله، أو يكتمها ولا يبينها.
زوجان كالمذكورين، يخشيان الله ويتقيانه، لا بُد أنْ يُقيما بُنيانهما على السكن والمودة والرحمة، كما أمر الله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). فتغيب جراء هذا البُنيان القائم بأمر الله، وعلى ما يرضي الله، كل الخلافات والشقاقات، ولا يبقى إلا التوافه التي لا تفسد للود قضية، في بيت الزوجية .. وقد يَستغرب أولادنا وأحفادنا، وأهل الأجيال الجديدة، هذا الكلام الذي لا يلمسوه لا في أنفسهم ولا في أقرانهم، وهو أنّ آبائهم وأجدادهم لم تُذكر كلمة الطلاق في بيوتهم أبداً، ولم يسمع عنهم شجارٌ تعلو فيه الأصوات والشتائم، لا مِن الذين هم معهم في البيت، ولا من الجوار، ولا نُقل من القريبين إلى الأباعد، لماذا..؟ لأنّهم كان للحياة الزوجية عندهم سرّ يجب أنْ يُصان، وخُصوصيات يجب أنْ تبقى طي الكتمان، وإخراج شيء من ذلك، خارج الدائرة الضيقة، خيانة وعيب وهوان. وكانوا إذا اختلفوا، وهذا يقع بين كل زوجين، جعلوه بينهم وراء الحجب المادية والمعنوية، وعالجوه بالود والحكمة والروية، فلا تطول في البيت القائم على السكن والمودة والرحمة خصومة بل تغيب بغياب شمس يومها .. نعم، هكذا كانوا، ولم يكونوا ملائكة في أنّهم لا يذنبون، ولا يخطئون، ولا يعصون، ولم يكونوا صحابة في أنّهم مطيعون متبعون، لا يميلون..! فلكأنّي بالمتفقه منهم، ومنهن عمل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في السلسلة الصحيحة: (ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟ النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله. ونساؤكم من أهل الجنة: الودود الولود العؤود على زوجها، التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول: لا أذق غمضاً حتى ترضى).
هذا الحديث الصحيح يغفل عنه كثير من الأزواج وبخاصة الزوجات، وهو عظيم، عظيم، عظيم..! يجعل المرأة التي تجعل من نفسها في بيت الزوجية حمامة سلام، وداعية وفاق، ورافضة شقاق في الجنة، لأنّها جعلت بيتها في الأرض جنة (جنة المؤمن داره) كما يقول المثل، ولم تفتح الأبواب فيه على مصاريعها للشيطان يفعل بأهل البيت ما يشاء .. ومن لم يُرزق الفقه منهم اقتفى المثل الصالح من رحمٍ أو جارٍ أو صديقٍ، فكانوا في الطاعة سواء، وفي جنة الأرض شركاء..!
وهَدى الله أجيالنا الجديدة، وأقول هذه العبارة بأسى يعصر القلب: لم يتربوا على تلك المعاني، وإنّما كانوا في سُلوكهم وفهمهم للحياة، ككل، وللحياة الزوجية بتخصيص، نِتاج الأفلام والمسلسلات التي بدؤا مشاهدتها وهم يرضعون، ولا أدري أيصح أن أقول: وهم أجنة في بطون أمهاتهم..؟
وحذار، ثم حذار، ثم حذار، أنْ يُزوج قليلُ الدين إلى متدينة، بدعوى أنّهما إذا دخلا بيت الزوجية أحصنته وهدأت من طيشه (وفلتانه) وأعتذر عن اللفظة لكنّها صارت اليوم (إعلامية سياسية). وأُعيد التحذير من أنْ يُزوج الشاب الملتزم من فتاة غير ملتزمة بدعوى أنّه صاحب القوامة سيهديها متى دخلا بيت الزوجية ويُصلحها ويُربيها على الشرع ويكسب أجرها فهو رجل..!
وأحب أن لا أنسى أنْ أُذكّر أنّ الذي يُوصل إلى هذه الحالات من زواج غير متكافيء، بل يُغري بإنجازها، وهو بلا شك، خطأ شرعي واجتماعى، وجود امتيازات دنيوية تُغري كل طرف بما عند الطرف الآخر، فيرون عدم إضاعتها، أمّا الأمور الشرعية فتقبل التأجيل مع الأيام عندهم..! وأكثر التجارب أثبتت أنّ الملتزمة يخف التزامها مع الزوج قليل الالتزام لأنّ فساد الواقع أغلب، إلا من رحم الله .. والملتزم الذي أراد بقوامته أنْ يهديها ويُصلحها، انتقلت القوامة إليها فجرى (تطبيعه)، لأنّ فساد الواقع أغلب أيضاً، إلا من رحم الله .. أقول بملء فمي: إنْ لم تتحقق الشروط الشرعية الموضوعية، فليؤجل الزواج حتى تحققها، مهما كانت الإغراءات المادية والاجتماعية، ومهما كانت العلل الأخرى.
2. أن يكون همّ كل داع وداعية (وإنْ كُنت لا أُقرّ أنّ في الإسلام داعية أنثى بالمفهوم العصري الدارج) وهو رأي لا مجال للوقوف معه الآن، أتابع فأقول: أن يكون همّه الإلحاح على كلّ من راهق الزواج من الشبان والشابات بالأسئلة الآتية: هل صلّيت قبل أنْ تتعلم أحكام الصلاة الصحيحة لتكون صلاتك كما أمر نبيك في الحديث: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)..؟ وهل صُمت قبل أنْ تفعل الشيء نفسه، وهل ستحج، وهل سُتزكي..؟ ومادام الجواب لا حتماً، فأردِفوا لهم القول: إذنْ لا تدخلوا بيت الزوجية، رغم استكمال كل أمر دنيوي وشخصي، ليس الأمر الشرعي، أي قبل أنْ تدرسوا كل الأحكام الشرعية عن الزواج والطلاق والرجعة وغير ذلك، لماذا..؟ حتى لا تقعوا في الحرام، أو الظلم، وكِلاهما من سخط الله، دُون أنْ تشعروا، كما يقع غيركم بِجهلهم. ولِيعلم كل طرف حقوقه وواجباته الشرعية والاجتماعية في بيت الزوجية، فلا يبغي طرف على طرف.
ولطالما وقفت على حال أزواج لا يعرفون أنّ المرأة تَبين البينونة الكبرى بعد الطلقة الثالثة، وهُم مُستمرون في حياتهم الزوجية حتى بعد الطلقة الخامسة والسابعة والعاشرة و, و, و..! ونسيت أنْ أُذكّر بأحكام الخطبة قبل كل ذلك وهي هامة، ولعلنا نجعل لها حديثا في المستقبل بإذن الله.
3. على كل مسلم ومسلمة، حين يعزمون على دخول القفص الذهبي، كما يُقال، أن يعتقدوا الآتي:
أ. أنّ نِعمة الزواج العظيمة التي أنعم الله بها على بني البشر، وجعلها طريق العيش الهاديء، والهادف، والمطمئن، والعفيف الذي يُحقق الاستقرار النفسي والعاطفي، ويؤمن الفضيلة والعفة للأنفس وللمجتمع، أجل، إنّ تِلك النعمة قد زَهد فيها الكثير من الناس، ولم يتنعموا بها كما أراد لهم الخالق. فقد قلل من إحساسهم بها وبأهميتها بل بعظمتها، كثرة المِساس معها، واعتبارها شيئاً من بضاعة الأرض المزجاة، ليس لوحي السماء فيها دور..! زهدوا بها ولم يرعوها حق رعايتها. ولا أُريد أن أجعل كلامي موعظة، بل أُريد أنْ أُوضّح ما غاب عن الناس مما جاء في الكتاب الكريم:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)).
فلنتفكر في هذا الكلام الكريم الذي وصف الله به خلق الأزواج، وجعل العلاقة في الحياة بين الزوجين قائمة على السكن، والمودة، والرحمة، وكل واحدة من هذه الألفاظ الثلاث يمكن أنْ يُتحدث في مدلولها وتطبيقها الساعات، أجل، وُصِفَ ذلك بأنّه آية من آيات الله، وقُرنت تلك الآية مع آيات أُخر في الخلق هي من أعظم ما في هذا الكون العظيم البديع، فقد ذكر خلق السموات والأرض وهل من شيء أعظم من ذلك الخلق، وذكر اختلاف ألسنة الناس وألوانهم، وذكر نوم الناس بالليل وعملهم بالنهار، وذكر البرق والرعد والمطر، وذكر قيام الأرض والسماء بكل ما فيهن بأمر الله، إلى أجل لا يعلمه إلا الله. فماذا يعني ذلك؟ عند علماء الأصول قاعدة يسمونها (دلالة الاقتران)، وتعني أنّ الأمور التي تُذكر مُقترنة في نصٍ واحد لها صفات وخصائص مشتركة، فلو طبقنا هذه القاعدة في اقتران ذكر أمر الزواج وتسميته آية، مع ذكر آيات عظيمة من خلق الله لأدركنا قيمة هذه النعمة، وأنّها من أعظم ما تفضل الله به على بني البشر..! فليوظفوها كما أراد الله لها، ولا يجعلوها ممتهنة، مقبوحة، مِلؤها الشنآن والشقاق والمعاناة، وعاملَ هدم لبنيان المجتمعات، البشري والحضاري، وعائقاً لرفعة الأمة، لتكون خير أمة أخرجت للناس كما أرادها الله .. كل ذلك سيكون وقد كان لأنّ الناس تعاملوا مع (آية الزواج) تعاملاً أرضياً بحتاً، فهبطوا بها إلى الأرض السابعة، بدل السمو إلى السماء السابعة..!
ب. إنّ الزوجين، كل زوجين يخشيان الله، ليسا حُرَّين في سلوكهما في بيت الزوجية، يصطلحان يوماً، ويختصمان آخر، يتحاببان أياماً، ويتباغضان أياماً، يرحمان أو يقسوان، يَوَدَّان أو يُشاكسان، إنّهما مسؤولان عن سلوكهما أمام الله، لأنّ السُّلوك الزوجي حدٌ من حدود الله، والواجب ألا يتعدوه .. وإقرؤوا إن شئتم قوله تعالى:
. (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
. (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
تأملوا كم تكررت عبارة (يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) في الآيات السابقة، وأين هو المكان الذي يجب أنْ تُقام فيه حدود الله؟ إنّه ولا شك، بيت الزوجية..! وما مسؤولية ذلك الشرعية؟ فانظروا هاتين العبارتين في قوله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، وفي قوله: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). في بيت الزوجية حُدودٌ أمر الله الزوجين ألا يتعدوها، ومن يتعد تلك الحدود فهو من الظالمين، وكفى بالظلم ذنباً عند الله..! وفي الآية الثانية تأكيدٌ على حُدود الله في بيت الزوجية، وتعليم لمن لا يعلم، وبيان لمن لا يفهم أنّ تجاوز تلك الحدود ذنب سيُسْأل عنه مرتكبه.
أتدرون لِمَ هذا التغليظ في الحكم والمسؤولية؟ لأنّ الأمة تُبنى ببناء البيوت، وتصلح بصلاحها، وتضل بضلالها. فكل زوجين، شاءا أم أبيا، عرفا أم جهلا، عليهما دور كبير ومسؤولية عظيمة عن واقع الأمة، وبنائها ومستقبلها .. فالله الله أنْ يكون بعض الأزواج أدوات هدم لواقع الأمة ومستقبلها، بل حياتها..!
ج. إنّ أهم هدف يستهدفه الشيطان وأعوانه من شياطين الإنس والجن، لأهميته وخطورته في حياة الأمة الإسلامية، ولانعكاساته السلبية والخطيرة على الأمة جميعها لو انتكس واقعه: بيت الزوجية، وقد ذكرنا في الفقرة السابقة شيئاً من هذا والآن نُكمل. ويكفي لفهم هذه الفكرة خير فهم تأمل الحديث الصحيح الآتي:
عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ إبليس! يضعُ عرشهُ على الماءِ، ثم يبعثُ سراياهُ؛ فأدناهُم منه منزلةُ أعظمُهم فتنةً، يجيءُ أحدُهم يقولُ: فعلتُ كذا وكذا، فيقولُ: ما صنعتَ شيئاً، ثمَّ يجيءُ أحدُهم فيقولُ: ما تركتُه حتى فرّقتُ بينهُ وبين امرأتهِ، فيُدنِيه منه ويقولُ: نِعم أنت!) قال الأعمش أراه قال: (فيلتزِمُه) رواه مسلم.
إنّ كثيراً من الأزواج (وكلمة الأزواج تشمل الجنسين) اليوم، يُبيحون بيوتهم، وحيواتهم الزوجية للشيطان، يمكر فيها مكره، ويكيد كيده، ويَعبثُ بها ما يشاء، ويعتقدون أنّهم إنّما يمارسون حريتهم في الحياة..! أيها الناس أضعنا انتماءنا الصحيح والفعلي لدين الله القويم، فأضعنا كل شيء، ودفعنا أبهظ الأثمان من سعادتنا الشخصية، واستمتاعنا بالحياة كما أراد الله تبارك وتعالى، فضلاً عما نُحْدثه من خلل في حياة الأمة، وتداعي أهل الأرض علينا. وتذكروا هذه العبارة من حديث صحيح: (… سلّط عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)، فالرجعة، الرجعة، الرجعة..! … والحمد لله رب العالمين