Skip to main content

قَضَاءُ الصَّلَاةِ

By الجمعة 19 رمضان 1437هـ 24-6-2016ممحرم 20, 1441بحوث ومسائل, فقه

ويتوجه العنوان إلى نوعين من القضاء:

1. من ترك صلاة أو أكثر لانشغاله بأمر لا يعتبر عذراً شرعياً، فهل يصلي الصلاة بعد خروج الوقت وتسمى قضاءً؟

2. من ترك الصلاة سنوات أو شهوراً ثم تاب إلى الله، فهل يلزمه أن يقضي ما عليه من الصلوات؟

أما الأول فيوقف فيه مع النصوص، فالرسول صلى الله عليه وسلم شرع للنائم والناسي إن فاتتهما الصلاة أن يصلياها وقت ذكرها. وجاء ذلك عنه صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله: (إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها). وفي رواية أخرى للحديث: (من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها). وقد جاءت في بعض الروايات زيادات مثل: (لا كفارةَ لها إلا ذلك).

وإنّ تخصيص النبي عليه السلام القضاء بالنائم والناسي يجعلنا نجزم بأنه لا قضاء للصلاة، في الإسلام، إلا في هذين الحالين، ولا ثالث لهما، ويتأكد ذلك بضميمة القاعدة الأصولية (إن النبي لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة)، وإلا لما سكت عن حالات أخرى، إن كانت واردة شرعا.

والصلاة في هذه الحال تؤدى مع راتبتها وحكمها حكم الأداء. وأما الدليل من فعله صلى الله عليه وسلم فما جاء في مسلم وغيره عن أبي هريرة قال: (عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان) قال: ففعلنا فدعا بالماء فتوضأ ثم صلى سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة).

وإلحاق المفرط بالمعذورين في الحكم، كما هو مذهب الجمهور في إيجاب أداء الصلاة خارج الوقت لا وجه له، ولا دليل عليه، ولا ينسجم مع أهمية الوقت في كثير من العبادات. كما أن احتجاجهم بقضاء الصلوات يوم الخندق لا وجه له لكونه منسوخاً بصلاة الخوف، وهو في حينه شرع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لظرف خاص وليس شرعاً للأمة إلى قيام الساعة لا سيما مع ورود الناسخ. وإذا كان الجمهور يرون أداء الصلاة بعد الوقت، فهلا أجازوا ذلك قبله والأمران واحد…! والذي ينفع تارك الصلاة عامداً الاستغفار والتوبة. لأنه بتركه أداء الصلاة في وقتها حين خوطب بها، تَحَوَّل بخروج الوقت إلى ذنب، والذنب لا تنفع معه إلا التوبة لقوله عليه السلام: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له). والذي ينفعه أيضاً الإكثار من النوافل لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة المكتوبة فإن أتمها وإلا قيل انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك).

والعمدة في هذا البحث عدم وجود دليل مع القائلين بالقضاء، والتركيز من جهة ثانية على أهمية الوقت: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا). والوقت من أهم شروط الصلاة، بل يضحى بغيره من الشروط حفاظاً عليه كالطهارة وستر العورة إن تعذرا .. كما أن الله عز وجل توعد في قرآنه الذين أهملوا امر الوقت في الصلاة في قوله: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ). وأكثر المفسرين على أنّ سهوهم تأخير الصلاة عن وقتها، وفي الآية الأخرى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا). وإضاعة الصلاة يكون بتأخيرها عن وقتها كما جاء عن بعض الصحابة.

أما الأمر الثاني وهو التارك للصلاة زمناً، نقول: إن كان قد كفر بذلك كما يرى بعض العلماء، فإن: (الإسلام يهدم ما كان قبله). وإن كان لم يكفر بذلك وإنما ارتكب ذنباً عظيماً فـ (التائب من الذنب كمن لا ذنب له). والقول بالقضاء لا دليل عليه بل فيه تضييق على الناس وتشويه لأمر التوبة في الإسلام، بل قد يصل والعياذ بالله إلى حد الصد عن سبيل الله، والانصراف عن التوبة بسبب ما يترتب عليها من عنت .. وأمرٌ بهذه الخطورة لا يدخل فيه الاجتهاد والرأي، ولا القول بالاحتياط، بل يترك للنصوص والعمل بها دون تحميلها ما لا تحمل، فمن يجرؤ أن يحمل يوم القيامة وزر صد إنسان عن التوبة والرجعة إلى الله بوضع العراقيل في طريقه..؟

ويقال لأهل التعقيد ما قولكم بمن حج هل يقضي ما عليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) وقوله: (وأن الحج يهدم ما كان قبله). فإن قالوا يقضي، وقد قال بعضهم ذلك، فقد خالفوا الحديثين المذكورين، وإن قالوا لا، قلنا لم فرقتم بين بين الحاج والتائب وهل الحج إلا توبة؟ وما حكم التائب ولم يتحقق فيه شرط الاستطاعة للحج أيبقى موزوراً؟

ومن فروع قضاء الصلاة حكم المغمى عليه هل يؤدي الصلوات التي فاتته أم لا؟

المسألة خلافية بين العلماء، والصحيح في ذلك أنه لا قضاء عليه إلا أن يستيقظ في الوقت فتلزمه الصلاة الحاضرة. ودليل براءة ذمته قوله صلى الله عليه وسلم: ( رفع القلم عن ثلاثة:عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ وعن الصبي حتى يكبر) وفي رواية: (وعن المعتوه حتى يعقل) وفي رواية: (عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ).

وللحديث روايات متعددة، وقد روى عبد الرزاق عن نافع: (أن ابن عمر اشتكى مرة غُلِبَ فيها على عقله حتى ترك الصلاة ثم أفاق فلم يصلِّ ما ترك من الصلاة).

وجاء هذا الحكم عن جمع من الصحابة والتابعين. وقد يقال لنا: أنتم تقولون إن اجتهاد الصحابي أو فعله ليس حجة في الدين. ونوضح فنقول إنه كذلك إن لم يسلم من معارض أقوى، أما إذا سلم فيؤخذ به، لأنّ الصحابة لما كانوا عدولاً ثقات، فهم منزهون ومبرؤون من القول على الله بغير علم. بل إنّ فعل ابن عمر يعضده الحديث المذكور (رفع القلم عن…) .. والله أعلم