Skip to main content

مَتَى نَخْرُجُ مِن النَّفَقِ؟

By السبت 18 ربيع الأول 1438هـ 17-12-2016ممحرم 21, 1441مقالات

مما هو شائع بين الناس اليوم، تعبير متداول يستعملونه ليعبروا به عن الفشل، والأظهر لي أنّه تعبير مترجم وليس أصيلا في العربية، يقولون: (إنّ المسألة الفلانية دخلت في نفق مظلم)، كنايةً عن فشل المسألة الذريع، واستعصائها على الحلول .. وآخر ما دخل النفق من قضايانا(المسألة السورية) .. وليس هذا موضوعنا أبداً مع أهميته، بل الموضوع أكبر، ويشكل أصلاً لكل إصلاح في حياتنا .. والمهم ما يقوله الأصوليون: (لا مُشاحَّة في الاصطلاح).

وصار التعبير مبتذلاً، وفي متناول العامة، توصف به المشكلات العامة والخاصة، الكبيرة والصغيرة..! وما الذي يُدخل القضايا الأنفاق إلا سوءُ تصرف أصحابها فيها، وخطأُ تعاملهم معها..؟

ولا أطيل في المقدمة، فما أكثر ما أدخل المسلمون من قضايا في الأنفاق..! بل أقول: أدخلوا مشكلاتهم الدينية ودخلوا معها، ترودهم وتقودهم نخبهم. أعلم أنّ هذا كلام لن يرضي الكثيرين، والسبب بكل بساطة: لأنّهم داخل الأنفاق .. ثم أقول، وبكل جرأة وصراحة، إنّ كل مسألة في الإسلام، لا تُتَناول وتُفهم وتُطبَّق، وفق ضوابطَ أساسُها ثوابت الوحيين، فيحول ذلك دون تدخل العقل فيها بالقبول والرد، عن طريق الاستحسان، وهو عند بعض المذاهب من أصول الدين، وكم أساء..! فهي ومن يرضى بها من المسلمين، في حكم من دخل النفق، حسب التعبير الدارج. لأنّ ذلك، ولا شك، إساءة كبرى للإسلام .. ورحم الله الإمام الشافعي، وما أصدقها من كلمة قالها: (من استحسن فقد شرَّع).

أجل، بل أزيد، ولا أحيد، إن شاء الله، أنّ كل طرح للإسلام اليوم ليس ممهوراً بخاتم: (ما أنا عليه وأصحابي)، فهو مشكوك فيه..! أتُقبلُ قطعة ذهب بألف ريال إن كانت غير ممهورة..؟ والجواب طبعاً لا .. أفتكون قطعة ذهب أغلى علينا من ديننا، وهل نرفض أن نُغشَّ في أي بيع، وبكل إصرار، ونرضى أن نُغش في ديننا، الذي هو عصمة أمرنا؟ وها نحن نفعل..!

ما هو الباعث على طرح هذا الموضوع؟

يوم تغدو المنابر، وفي حكمها اليوم، كل طرق خطاب الناس الحديثة، وهي في الأصل لذكر الله، وإعلاء كلمته، ونشر دينه الحق، وفق هدي نبيه، ترويجاً ودعوةً للأشخاص، أو لبَثِّ دعواتٍ ليست من الإسلام في حل ولا حرم، تكون كلمة لا، وبملء الفم، فريضة لمن يحاول ذلك..! ومن يعترض على هذا الصوت الإصلاحي، بعد ما تبين كلُّ عُوارٍ في واقع المسلمين، وما يلقونه بسببه، هو لا شك راض بالخلل أو داعٍ له .. وبين يديَّ نماذج لممارساتأدخلتنا الأنفاق ولما نَرْعَوِ بعد..!

فبالأمس القريب، تقوم المهرجانات في مدينة اسطنبول، احتفالاً بعيد ميلاد (وللحق لم يصرحوا بذلك) لكنّه لازم فعلهم وقولهم، شيخِ الوسطيةِ بمناسبة بلوغه التسعين، والغاية تقديمه للأجيال على أنّه النموذج والمثال .. لا أريد جعل الكلام في الرجل وسيرته، محط رحلي، لأنّ ما يهمني أهم وأكبر وهو مفهوم الوسطية الخاطئ، التي هو شيخها، ويقال للأجيال من قبل المحتفين: هذا هو الرجل، فبشخصه اقتدوا.

الوسطية صفة عظيمة اختارها الله، تبارك وتعالى، منزل الإسلام لتكون صفة لهذا الدين إلى يوم القيامة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).

إنّها صفة منزلة مع دين الإسلام، من صنع الله جل جلاله، منزل الإسلام من فوق سبع سماوات، وليس لأحد من الخلق أن يدعي لنفسه فيها فضلاً .. فمن دخل في السلم كافة اكتسبها من تعاليم الدين فصار وسطياً لأنّه صار مسلماً، ولم يكن مخترعها..! وبالتالي فلا يمكن أن تكون الوسطية منفكةً عن دين الله، لينسبها أهل الأرض إلى عقولهم .. ولا يمكن أن تُنسب الوسطية لمخلط في الدين يُدخل مع الوحي عقلَه، ويأتي في الدين ويذر، بالاستحسان والاستقباح .. وقال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان مؤكداً هذا المعنى: (فدين الله بين الغالي فيه، والجافي عنه، وخير الناس: النمط الأوسط، الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين، ولم يلحقوا بغلوِّ المعتدين، وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطاً، وهي الخيار، العدل؛ لتوسطها بين الطرفين المذمومين، والعدل هو: الوسط بين طرفي الجور، والتفريط، والآفات إنّما تتطرق إلى الأطراف والأوساط محمية بأطرافها، فخيار الأمور أوساطها).

ويقول الشيخ العثيمين رحمه الله: (والوسط الضابط فيه: ما جاءت به الشريعة، فهو وسط، وما خالف الشريعة: فليس بوسط، بل هو مائل، إما للإفراط، وإما إلى التفريط).

وكنت دائما أقول: لا حاجة بنا إلى تقسيم الناس، حتى العلماء، في الدين، إلى متشدد ووسط ومتساهل، ونجعل الناس مع هذا التقسيم الدخيل، يعطون لأنفسهم الخيار في الفتيا التي يريدون، ويطلبونها من العالم الذي اشْتُهِرَ بها .. وما أعظمها جناية على هذا الدين من الجهال والعوام، والإسلام براء منها وممن يدعون بها .. في الإسلام وصفُ متبعٍ، وهو حكماً وعملاً الوسطيُ الذي يكتسب وسطيته من الدين الوسط الذي اتبعه. ومن لم يكن كذلك فقد أخذ بالأطراف من الجانبين وهو ليس على شيء، بل ليس مسلماً إن اختار ترك الاتباع والوسطية التي تلازمه، عن قصدٍ وإصرارٍ، اتباعاً لعقله وهواه، أما الجاهل، فما عليه من سبيل، يتعلم ويُعلَّم.

لكنّ المفهوم المعاصر للوسطية هو تدخلُ العقل في النص، واستنباطُ حكمٍ يرضي العقل والواقع .. إنّها وسطيةٌ يُقسم صاحبها المسافة بين كل مختلفين في الدين، ويجعل نفسه في نقطة المنتصف بينهما. وهو بذلك حكم على نفسه إما بقبول النقيضين معا، وإما بترك الحلال وأخذ الحرام، وإما بترك السنة إلى البدعة، لأنّه لا ضابط له أو عنده، إلا المجاملة والمسايرة والمداهنة.

ولا يستغربنَّ أحدٌ، فهذه هي وسطية الشيخ المحتفى به اليوم، فقد ألجأته وسطيته إلى جمع النقيضين، حين ظل يدافع عن الشيعة ويعتبرهم من الأمة، حتى رأى حراب الشيعة تبقر بطون أهل السنة في العراق وسوريا تحت لافتات (يا لثارات الحسين)، فادَّكر بعد أمة، وتراجع واعتذر، منذ سنتين فقط .. وأما تركه الحلال إلى الحرام، فلْيُراجَع كتابه (الحلال والحرام في الإسلام) ففيه مثلا إحلال الموسيقى والمعازف، وإحلال سفر المرأة وإقامتها بلا محرم، وتصحيح النكاح بلا ولي .. وغير ذلك كثير، حتى إنّ بعضهم سمَّى الكتاب ساخراً (الحلالُ والحلالُ في الإسلام). وأما تركه السنة إلى البدعة، فلنقرأ هذا الكلام المنشور في صفحة الشيخ محمد الراوي: (حديث الدكتور يوسف القرضاوي عن الأشعرية ردا على سؤال من أحد الحضور جاء فيه: “بعض الناس يطعن في عقيدة الأزهر الشريف، فما رد فضيلتكم على هذا الكلام؟”، قال الشيخ القرضاوي بنبرة استفهام ساخرة: (عقيدة الأزهر الشريف؟!” “ليس الأزهر وحده أشعريا، الأمة الإسلامية أشعرية. الأزهر أشعري والزيتونة أشعري والديوباندي (بالهند) أشعري وندوة العلماء أشعرية ومدارس باكستان أشعرية.. وكل العالم الإسلامي أشعرية”.

وأشار إلى أنّه حتى الأشعرية موجودة بالسعودية التي تعد مركز السلفية الوهابية، وقال: “السلفيون مجموعة صغيرة، حتى إذا قلنا السعودية فليس كل السعودية سلفيين، فالحجازيون غير النجديين غير المنطقة الشرقية غير منطقة جيزان وهكذا”.

وأضاف: “فإذا أخذنا بالأغلبية، فإن أغلبية الأمة أشعرية.. هذه كلها اجتهادات في فروع العقيدة، والكل متفق على شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله وعلى النبوة في الإيمان بالله وكتبه ورسله وفي اليوم الآخر)).

هذه هي ثمار الوسطية كما ترونها، وكيف لا تكون كذلك وصاحبها المحتفى به، يُقَعِّدُ لنفسه في الدين قاعدة ما سبقه إليها من أحد. يقول في مقالة منشورة على موقعه: (فوجود النص لا يمنع الاجتهاد كما يتوهم واهم، بل تسعة أعشارالنصوص أو أكثر قابل للاجتهاد وتعدد وجهات النظر، حتى القرآن الكريم ذاته يحتمل تعدد الأفهام في الاستنباط منه، ولو أخذت آية مثل (آية الطهارة) في سورة المائدة، وقرأت ما نقل في استنباط الأحكام منها، لرأيت بوضوح صدق ما أقول…). ألا ترون كيف ينسف بعبارته قاعدة قد أجمع عليها العلماء وهي (لا اجتهاد في مورد النص).

إنّها الوسطية المبتدعة؛ وسطيةٌ بين متبعٍ ومبتدعٍ، وسطيةٌ بين مُقَدِّسٍ للنص، ومُقدِّمٍ للعقل عليه، وسطيةٌ بين مُعظِّمٍ للوحي ومأخوذٍ بأقوال الرجال..! فكيف تكون..؟ وهل هي من الدين..؟

وبالأمس القريب أيضاً، تطلع علينا شخصية سورية، من نزلاء اسطنبول، لها مركز إسلامي رئاسي، في فيديو مسجل، ينتصف لنفسه من شخصية سياسية سورية نصرانية بعد اجتماع ضمهما، وملاحاة بينهما. ولا يعنيني أبدا ما جرى بينهما، ولا تعنيني صحة الواقعة من عدمها، فكل ذلك شخصي بين الرجلين. لكنّ الذي استوقفني كلام الرجل من فمه بالصوت والصورة، وقد أطال فيه، وهو يُعرِّف بنفسه وتدينه وتاريخه العلمي. والفيديو متوفر وبإمكان كل أحد الرجوع إليه ليتأكد. لقد ورد في كلامه ما لا يمكن تمريره بلا تعليق، ليعلم الناس حقيقة من اتخذوهم رؤوساً ولا يزالون، وكانوا يُعتبرون في دمشق زعماء روحيين، من الصف والصنف الأول، وقد نقلوا زعامتهم الآن كما هي دون تغيير .. ولو عُويِرُوا بمعيار الإسلام، فماذا يَزِنُون وماذا يُمثلون..؟ أنْطَلِق من كلام محدد قاله الشيخ بالحرف: (الطريقة التي أتمسك بها في ديني، هي التي أسسها في القرن التاسع عشر الشيخ بدر الدين الحسني، والشيخ محمود العطار، والشيخ أمين سويد، والشيخ أمين زملكاني، هذه الطبقة من العمالقة الذين أسسوا هذه المدرسة. وتتلمذت على تلامذتهم، فمشايخي كلهم من تلامذة هؤلاء الرجال العظماء). ثم ذَكَرَ عشرات العلماء من مختلف المناطق السورية منهم والده الشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمه الله ثم يتابع: (هذه المدرسة التي يطلق عليها اليوم {التدين الشامي}. التدين الذي ينشر القيم والأخلاق بالحكمة والموعظة الحسنة. التدين الذي لا يعرف العنف ولا يعرف الغلظة والجفاء، التدين الذي يتميز بالتواضع وخفض الجناح…).

ثم ينتقل إلى الإشادة بالعالم الإسلامي، الذي وصفه خصمه النصراني أنّه جبان، فأسهب في الكلام عن مليار ونصف مسلم، عن إمكانياتهم الوفيرة المتنوعة، وعن الرسالة التي يحملونها للعالم كله. ثم بدأ يشيد بمأثرة خاصة، رغم الحكم الظالم، كما قال، وهي جمعية (حفظ النعمة) التي أسسها أخوه الشقيق وهو شيخ مثله، وأسهب في ذكر منجزاتها في سوريا كلها.

والذي أريد مناقشته ليكون بياناً للناس، وبخاصة الغافلين منهم الذين لا يزالون يعلقون آمالهم الإسلامية على مثل هؤلاء الرجال..!

أقول: إنّ هؤلاء المشائخ وعلى شاكلتهم كل المشائخ الطافين على السطح في دمشق بل في سوريا كلها، في نصف قرن مضى، مع تعدد مدارسهم واختلافاتها، لم يقدموا ولن يقدموا إنجازاً إسلامياً علمياً تربوياً ذا أثر في المجتمع السوري، ولا بد من أسباب. وأسجل على كلام الشيخ السابق الملاحظات الآتية:

1. إنّهم سجنوا أنفسهم في شرانق من صنع مشائخهم وأساتذتهم وآبائهم، حالت بينهم وبين أي تطور في العلم والمعرفة الدينية، والرؤية الواعية للحياة المعاصرة التي تخطف ببهرجها شبابنا وشابتنا، من حواضنهم التربوية، لأنّ صلاتهم بها صارت واهية لاعتمادها كل قديم. إنّ أولئك المشايخ تربوا في تجمعات مشيخيةتقوم على التقليد، ولهم مقولات تؤطرهم مثل (من قلد عالما لقي الله سالما)، ومثل (ما ترك المتقدم شيئا للمتأخر)، وغيرها كثير. فضلاً عن هالة من القدسية يرسمونها في مخيلاتهم حول الآباء والأجداد والمشايخ .. فلا يُقدَّم بين أيديهم قولٌ، ولا يطالبون بدليل على رأيٍ رأوه، ولا يُهمس في آذانهم عن خطأ وقعوا فيه، حتى لو كان في الدين، لأنّ كل ذلك من سوء الأدب مع المربي..!

وكما رُبُّوا يربون من دونهم، وهذا يخلق جواً من الركود الفكري، الذي يقعد بهم عن أن يكونوا دوماً على مستوى المسؤولية للتطور بالأجيال الصاعدة لتأهيلها إلى دخول المعترك العالمي، المتخبط، بالإسلام الحق، بثقة وفهم، ليبينوا للناس أنّه طريق الخلاص. وكل ذلك ليس من هَمِّ ولا قدرة (التدين الشامي)، وما هو على شاكلته.

2. إنّ تلك المدرسة، التي سماها الشيخ المتحدث، خفضت السقف المعرفي الشرعي، وسدت آفاق التغيير نحو الأفضل والأحسن، حين قطعت الأجيال عن الصلة بالنماذج الفريدة في العلم والتطور العلمي الدائب والعمل لمستقبل هذا الدين، والدعوة على بصيرة، مستهدين بالهدي النبوي، وأهل القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، ومن تبعهم بإحسان، من علماء ربانيين .. وكأنّ هذه المدرسة ترى الإسلام بدأ في القرن التاسع عشر الميلادي، ومن عند رموزه، وعمالقته من المشايخ الذين ذكرهم بالاسم، والمسلمون مأمورون باتباعهم واتخاذهم المثل في الدين .. وهل يربط المسلم الصادق نفسه وتدينه بغير كتاب الله، وهدي نبيه وأصحابه، والقرون الثلاثة المشهود له بالخيرية، واتباع سبيل المؤمنين..؟

وهل رأيتم في كلام الشيخ أدنى إشارة لكل أولئك؟ رحم الله ابن تيمية، الذي ليس له عند تلك المدرسة وأتباعها وأساطينها ذكر، وهو ابن الشام، وجاهد فيها الجهل والبدع بعلمه، والعدو الطامع بنفسه، ومات فيه سجينا بأمر السلطة الدينية آنذاك، هذا الإمام الفذ لا يعترف به (التدين الشامي)، بل ولا يسلم منه..!

يقول رحمه الله في مجموع فتاويه: (الواجب على كل مؤمن أن يحب ما أحب الله ورسوله؛ وأن يبغض ما أبغضه الله ورسوله مما دل عليه في كتابه، فلا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولا لقول إلا لكتاب الله عز وجل. ومن نصب شخصاً كائناً من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو: {مِنَ الَّذِينَ فَرقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً}).

3. لا يُعرف عن مدرسة (التدين الشامي) موقف من البدع ومحاربتها، بل هم من المروجين لها، بمقولة البدعة الحسنة، والعمل بالأحاديث الضعيفة والموضوعة. حتى صارت الشام بلد البدع بامتياز. بل إنّهم يحاربون من يتصدى للبدع ويصِمونه بأنّه وهابي ليُنَّفروا الناس منه، ويَلمٍزونَه، ليتنبه له المتربصون بأهل الخير من كلاب السلطة. ولم ينقل عنهم من تصدى لشركيات وكفريات ابن عربي وغيره من المشايخ الغالين في التصوف، ولا زال قبر ابن عربي تنذر له النذور، ويستقبل عند الدعاء، على سمع وبصر مشايخ (التدين الشامي).

ومما يؤثر عن الرعيل الأول من أشياخ تلك المدرسة قولهم لأتباعهم: (بِعِ اللحية، واشتر الإحيا)، يقصدون كتاب إحياء علوم الدين للغزالي، وفيه طامات كما قال ابن تيمية رحمه الله.

4. أسهب الشيخ المتحدث في الكلام عن مليار ونصف مسلم، وإمكانياتهم الوفيرة المتنوعة، ودورهم الموعود. أقول له: وهل أبقيت للمسلمين أي دور ريادي، بعد أن مزقتهم شر ممزق، حين طلعت عليهم بفرية (التدين الشامي)، وهي المدرسة التي تنتمي إليها وتعتز بها، وتجعلها سببا لكل خير. فما رأيك لو طلعت علينا تجمعات لا تحصى كل تحمل اسم مدينتها أو قريتها، تعتز بها وتتمسك بها، وقدمتْ لنا أسماء مشايخها، ائتساء بمدرستك ومدرسة أشياخك فهل يكون المسلمون (المليار والنصف) متحدين أم متفرقين؟

ولعلي لا أذيع سراً إذا بينت للناس ليزول عجبهم، أنّ هذه هي الفكرة الشيطانية التي ألقاها طاغية الشام إلى المشايخ الموالين، في آخر اجتماع مع مشايخ الشام، والشيخ، محور الحديث، معهم، فقال الطاغية للمشايخ: إنّه بات على يقين أنّ الإسلام السوري هو الإسلام الذي ينتظره العالم اليوم..! وطلب من المشايخ التعاون مع الدولة لتحقيق هذا الهدف. وزف إليهم بشرى أنّه سيقدم لهم بعد أيام وبحلول شهر رمضان هدية عظيمة، وهي قناة نور الشام الفضائية، التي ما زالت حتى يومنا هذا، تعمل وتبث برامجها الدينية وفق طريقة (التدين الشامي) والإسلام السوري المليئين بالبدع والمخالفت الشرعية، وتسير في هوى الطاغية ومن حوله. فهل كان الطاغية يا ترى يريد خير الإسلام والمسلمين، حتى عضضتم بالنواجذ على الوصية وكنتم لها أوفياء، وعليها أمناء؟

وكأنّ الشيخ وكل مدرسة (التدين الشامي)، لم يسمعوا حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (ما بال دَعْوى الجاهلية؟! دَعُوها؛ فإنَّها مُنْتنةٌ)، وقد قاله عليه الصلاة والسلام يوم تشاجر مهاجريٌ مع أنصاريٍ فصاح بعضهم ياللأنصار، وصاح آخرون يا للمهاجرين، فكادت تقع فتنة فخاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم به. ولا يخفى ما للفظتي المهاجرين والأنصار من مدلول شرعي تاريخي حافل، فعلى كواهلهم قامت دولة الإسلام الأولى، ويكفي الاسمين فخراً أنّهما ذُكرا في القرآن الكريم بالثناء الحسن، وكذلك في السنة المطهرة، وحين أريد جعلهما أداتي تفرق واحتراب، كان الردع النبوي بأشد الألفاظ. أفلا نعتبر..؟ وبالقياس، ماذا تُصنف دعوة التدين الشامي أو السوري..؟

وثالثة الأثافي مهرجان (سواعد الإخاء)، وأعني ما أقول، ولعل اشتقاق كلمة المهرجان يشي بما أريد قوله، بأنّه عمل أقرب إلى الهرْج منه إلى أي شيء آخر .. وما أدري ماذا أراد به مخترعوه ومخرجوه ومنفذوه وأخيرا المشاركون فيه..؟ أي خير تريدونه للإسلام. وماذا قدمتم باجتماعاتكم وضحكاتكم وتبجيل بعضكم بعضا، للمسلمين المنكوبين، وقد عَدَتْ عليهم القوى المتربصة بهم منذ قرون، في العراق والشام، وأنتم سامدون..؟ هل يصدق عاقل أن يتلقى (دعاة الإسلام ) في (سواعد الإخاء) محاضرات في أهمية السينما ودورها في الدعوة للإسلام، والمحاضر شاب عصري، مخرج سينمائي، من خريجي هوليوود؟! ثم يقوم إثنان من مشاهير الدعاة، للتكلم بعده وشكره، واستحسان طرحه، وتسويق بدعته، والتأمين على مقولته، مستدلين بآيات من كتاب الله..! وإن أنس فلن أنسى، في بعض فقرات المهرجان التي يستضيف فيها داعيةٌ داعيةً، بعد أن يقدم له القهوة والتمر، يسأل الضيفُ المضيفَ ما هي آخر أعمالك العلمية؟ فيجيبه باللهجة النجدية (والله ها الأيام أنا طايْحِنْ بالسناب شات)، ما شاء الله، وقتلى المسلمين كل يوم في العراق والشام بالمئات.

والله، إنّ اجتماعكم المفتون هذا، ليذكرني بما كان يقام في العطلة الصيفية ما يسمونه (المراكز الصيفية)، يشارك فيها من شاء من طلاب المدارس الإعدادية والثانوية، وغايتها ملء فراغ الناشئة المراهقين بما هو نافع، وخيرٌ من الفراغ، وفيه تنوع للأنشطة والمهارات والهوايات للشباب المراهقين .. وإن كان بينهما من شبه فهو في بعض الممارسات، أما في النتائج (فالمراكز الصيفية) سمت غايتها وصحت، وحققت نفعاً وخيراً. أما (سواعد الإخاء) فلم تحقق إلا (الفرفشة) للدعاة..! وأقول لكل أولئك المفتونين:

ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم   ولو عظموه في النفوس لعُظِّما

صفحات غير مشرقة، ما أردت من نشرها، والله يشهد، لا التحقير، ولا التشهير، إنّما التحذير والتحذير والتحذير، من أنّ المسلمين في منزلق خطيرٍ خطيرٍ خطيرْ، وأنّنا إلى الهاوية نصيرْ.

ولي كبدٌ محروقةٌ من يبيعني
أبيع وَيْأبَى الناس لا يشترونها

بها كبداً ليست بذات قروح
ومن يشتري ذا علةٍ بصحيح
1

ومتى نخرج من النفق…؟