Skip to main content

هَكَذَا الإِسَلَامُ

By الأحد 7 ربيع الثاني 1437هـ 17-1-2016ممحرم 21, 1441مقالات

فإن تعجبْ فعَجَبٌ أن ترى بعض المسلمين، وفيهم نخب، يمدون أعينهم إلى ثقافات الأمم الأخرى، معجبين بل منبهرين، إلى حد محاولة محاكاتها والدعوة إليها..! وما ذاك إلا لأنهم أطلّوا عليها من واقع فراغ، وبخاصة من المعرفة الحقيقية للإسلام. وقد يكون مما هو أشد، ولا ندخل في ما تخفيه السرائر.

وقد وصل الأمر ببعض النخب أن ينضوا عنهم أثواب الرفعة التي تُكتسب من الانتماء الإسلامي، كلقب داعية أو شيخ أو عالم، ويفرحهم أن يقدموا للناس بلفظة (مفكر)، وهي دخيلة في دلالتها واستعمالها. وهي ولا شك، وعلى مسؤوليتي، بداية انحراف. ولم أستطع حتى الآن، أن أفهم أو أقبل قول أحدهم، وبيننا معرفة شخصية، لما سئل عن الفرق بين العالم والداعية والمفكر فقال ما شاء، والغريب قوله: (والمفكر فوق العالم والداعية). ومثال ما يشدهم (لائحة حقوق الإنسان) ويرون أنها قد أنصفت الإنسان، وصانت إنسانيته، وضمنت له كل الحقوق، وقس على ذلك.

ولعل هذا الحديث ليس مقصوداً لرد من حاد، وإنما لتحصين وتثبيت من يمكن أن يخرج عن الجادة من ناشئة المسلمين، أو مَن على أبصارهم غشاوة، يحسبون الشحم فيمن شحمه ورم. وأحب أن أبدأ الحديث بحديث نبوي مع بعض وقفات مع إيحاءاته.

ففي صحيح مسلم وغيره عن عائذ بن عمرو: (أنّ أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر. فقالوا: والله! ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. قال فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. فقال: (يا أبا بكر! لعلك أغضبتهم. لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك). فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه! أغضبتكم؟ قالوا: لا. يغفر الله لك يا أخي!). وإلى بعض وقفات:

الأولى:
سلمان وصهيب وبلال كانوا من الموالي وليسوا عربا. أما سلمان ففارسي الأصل، وأما صهيبٌ فرومي، وبلالٌ عبد حبشي. ولما رأوا أبا سفيان ثارت في نفوسهم الغيرة على دين الله، مستغربين بقاء واحد من أئمة الكفر آنئذ، وهو أبو سفيان، متمنين له عاجل القتل. ويسمعهم الصديق أبو بكر رضي الله عنه فلا يعجبه تجاوزهم حدودا رسمتها الجاهلية الأولى في النفوس، في أنّ قيمة الشخص تُكتسب مما يتواضع عليه الناس في مجتمعات الضلال، ولا زال بعضٌ من آثارها في بعض النفوس، حتى أبو بكر فقد وجد شيئا في نفسه من ذلك الأثر، فأنكر عليهم فعلهم.

الثانية: يُراجع الصديق نفسه، ويُشعره صدقه في دينه أنه أخطأ، وتدفعه شفافية الإخلاص أن يقص القصص على النبي عليه السلام. فماذا كان جوابه، بأبي هو وأمي..؟ (يا أبا بكر! لعلك أغضبتهم. لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك). وهل يُحابي النبي والمعلم والمربي، في دين الله أحدا، حتى ولو كان الصديق..؟!

الثالثة: ما يلبث الصديق أن يعود إلى الثلاثة، مسترضياً لهم، تائباً إلى ربه متقياً لغضبه؛ فيبادرهم، وهو الشيخ الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ). وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ: (أَبَا بَكْرٍ – وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا تُبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ). قائلاً لهم بكل تواضع وحب: (يا إخوتاه! أغضبتكم؟). فيجيبه الثلاثة، وقد تعلموا من عودة الشيخ الكبير إليهم مسترضيا، وتعلم كل مسلم معهم إلى قيام الساعة، الإسلام الحق في نظرته الاجتماعية (قالوا: لا. يغفر الله لك يا أخي!).

أجل نتعلم من هذا الحوار، بل من هذه القصة، ويتعلم كل المسلمين وكل الناس، ما أراد الله أن يعلمنا، وما أراد رسوله أن يُفَهِّمَنا من خلال أحب وأقرب الرجال إليه: (أحب الناس إلي عائشة، ومن الرجال أبوها) متفق عليه، هذا الدرس العظيم: (الناس لآدم وحواء … إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا أنسابكم يوم القيامة إن أكرمكم عند الله).

الرابعة: هل لنا، بعد هذا التطواف، أن نقول بأسى شديد، وبشعور بالذنب مرير، إنّ المسلمين أساؤوا إلى إسلامهم مرتين..؟ مرة حين خالفوه بفعالهم، فأثموا..! ومرة يوم قدموه إلى العالم مشوهاً، فأثموا وظلموا..! فهل إلى خروج من سبيل..؟ نعم (ما أنا عليه وأصحابي).