لماذا يتوقف الإنسان؟ (ولا بد من أن أقول التوقف الإرادي لأخرج منه التوقف الذي سببه الموت) لطاريء، أو لمراجعة حساب .. ومراجعة الحساب تشمل أموراً عدة تستوجب المراجعة، أخطرها: هل أنا على الطريق الصحيح؟ وهل سرعتي في الحركة متناسبة مع حجم التكاليف والزمن المتاح؟
وتكاليف المسلم واضحة مكشوفة تحت ناظريه. والمبهم هو الزمن لأنّه عمر الإنسان .. فكيف تُحل المعادلة إذن بين تكاليف كثيرة ثقيلة معروفة يجب أن تؤدى في زمن مجهول؟ تحل المعادلة الصعبة بأمرين:
أولاً: حضور النية، وصدقها، وصحتها. وقد قلنا في النية الكثير، ومن باب الذكرى أستعرض بعض النصوص من السنة. قال عليه الصلاة والسلام:
. (من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه).
. (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ).
. (إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلاَ وَادِيًا إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ).
. (مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ).
فإذا ضاق عمر المرء بالتكاليف، فينفعه بعد توفيق الله أن يلقى ربه بنواياه. وكثيرا ما قلت ولا زلت أقول: إنّ خروج أمة المسلمين مما هم فيه من الهوان والذل وتكالب الأعداء علاجه في مسألتين:
أ. الانطلاق على طريق الإصلاح من قاعدة: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) .. وتفسير كل ما يواجهون على قاعدة: (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ).
ب. وهل كل من تحرك على هذا المنهج أدرك الغايات..؟ لا .. ولكن شتان بين من يلقى الله مرددا عند السؤال (هاه هاه لا أدري) ومن يلقاه بالنوايا الصادقة والتصورات الصحيحة، التي عاجل الأجل المحتوم إنجازها، فتسبق نواياه عمله ويدرك بها أجور من عمل. ولا أنسى عبارة كان يقولها شيخنا الألباني: (طريق الله طويل، ونحن نمضي فيه كالسلحفاة، وليس الغاية أن نصل لنهاية الطريق، ولكنّ الغاية أن تموت على الطريق).
ثانياً: دقة النظر في قوله تعالى: (وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) واتخاذ الفهم المستنبط من الآية منهجا .. وللتبسيط أقول:
ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون = كونوا مسلمين في كل لحظة.
ولا ننسى ربط هذه الفكرة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ).
وحين ذِكْرِ الطريق والسرعة والزمن أتذكر مثلاً ألمانياً يقول: (ما قيمة أن تسرع وأنت على الطريق الخطأ)..؟ إذن لا بد من المراجعة..!
أختصر فأقول ما دمنا سنتوقف عن طرح جديد فنحن في عملية مراجعة.
وما يحتاج إلى مراجعة في حياتنا الدينية كثير وكثير .. فلا بد من تحديد جانب منه لمراجتنا اليوم .. واخترت موضوع التميز .. ولماذا التميز، والحديث عنه ليس جديدا فقد سبق، ولا يكاد يخلو لقاء من الإشارة إليه؟
التميز موضوع إسلامي كبير، له من الأهمية، والمكانة، والخطورة، في حياة المسلمين المعاصرة، ما يبرر تكراره على الأسماع، والتواصي به على الدوام. فهو إذن ليس عليكم بجديد، وتكراره يكون من باب المتابعة والمراجعة، لنتأكد هل انتفعنا بما نسمع..؟ ولنلمس جدية انتقالنا من مرحلة الاستماع وهز الرؤوس بالموافقة، إلى واقعية التطبيق وشحذ الهمم في ميدان العمل.
وأستأذن في ملاحظة أبديها على استحياء أنّ انتفاء جدة الموضوع، وكون الموضوع للمراجعة فلا يعني التعامل معه بنصف وربع انتباه، فالمراجعة ذكرى، والله قال: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) .. ومن جميل التفسير ما قاله ابن عاشور: (والنفع الحاصل من الذكرى هو رسوخ العلم بإعادة التذكير لما سمعوه، واستفادة علم جديد فيما لم يسمعوه أو غفلوا عنه، ولظهور حجة المؤمنين على غيرهم يوماً فيوماً).
ولا بد لي قبل بدء المراجعة من استرجاع أبرز النقاط في أمر التميز إلى الذاكرة:
إنّي لا أحب في ما أقول أو أكتب أن أبدأ كما يبدؤ الكثيرون بالمعنى اللغوي المعجمي ثم أثني بالمعنى الاصطلاحي، ثم أنقل أقوال من قالوا، إذا كان الموضوع أقرب إلى البديهة، وليس مما يتحتم ضبطه بالتعريف ومعرفة حدوده بدقة، كالموضوع الذي بين أيدينا فيمكن استنباط تعريف له من واقع المناقشة .. والتميز مُطالب فيه أفراد المسلمين كما الأمة جمعاء.
أقول في تعريف التميز: إنسان يصدر في كل شأن من شؤون وجوده على الأرض، عن تربية قائمة على الوحيين، ورجل يصدر في كل شأن عن تربية قائمة على ما تواضعت عليه عقول أهل الأرض .. فهل يستويان مثلا..؟ أوَ لا نلحظ بينهما تميزا..؟ ولنعد ما قلناه مع استبدال كلمة رجل بكلمة أمة، فهل تستويان مثلاً .. أَوَلا نلحظ بينهما تميزا..؟ وهل على الأرض أمة تتحرك بمجموعها، ويتحرك أفرادها بمنهج سماوي غير أمة الإسلام..؟ لنتذكر قوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) .. وبم اكتسبت هذه الأمة خيريتها إلا من التزامها الوحيين .. أوليست خيريتها تميزا..؟
ولا بد من أن أبين أنّ كل نهي عن التشبه بقوم دعوة إلى التميز، وأنّ كل تميز يحمل معنى المخالفة وترك التشبه، وكم نقرؤ في كتاب الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا).
(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ).
(وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا).
(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
فالتميز أصله من كتاب الله بتلك الآيات وأصله أيضا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث عدة أكتفي منها باثنين:
. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ. قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ: فَمَن). فهنا نهي عن التشبه بأهل الديانات السابقة، وهو كما ذكرت آنفا أمر بالتميز عنهم.
. روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِى بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ. فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَفَارِسَ وَالرُّومِ؟ فَقَالَ: وَمَنِ النَّاسُ إِلاَّ أُولَئِكَ).
وهنا نهي آخر عن التشبه بأجناس، وفي نفس الوقت أمر بالتميز عنهم، لتصان شخصية المسلم عن الذوبان في غيرها بسبب الإعجاب والتقليد والمحاكاة، ولتتوضح الهوية المسلمة فلا يطغى عليها غيرها من أهل الأرض، ليس من وراء ذلك علو ولا استكبار، لكن ليكون هذا التميز عونا على حمل المهمة الكبرى وهي نصرة هذا الدين والدعوة إليه.
ولقد كان من علماء المسلمين من أدرك قيمة وخطورة التميز في حياة المسلمين، كابن تيمية فألف كتابا أظنه الأول في بابه وهو (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم). وهذه بعض عبارات جاءت فيه لأخذ مجمل الفكرة، وإلا فقراءته كله مفيدة نافعة:
(ومما يشبه الأمر بمخالفة الكفار الأمر بمخالفة الشياطين كما روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يأكلن أحدكم بشماله ولا يشربن بها فإنّ الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها) فإنّه علل النهي بالأكل والشرب بالشمال بأنّ الشيطان يفعل ذلك فعلم أنّ مخالفة الشيطان أمر مقصود مأمور به ونظائره كثيرة.
وقد كره موافقة الأعراب في اسم المغرب والعشاء فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإّنها في كتاب الله العشاء فإّنها تُعتِم بحِلاب الإبل). وفي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب قال والأعراب تقول هي العشاء).
واعلم أنّ بين التشبه بالكفار والشياطين، وبين التشبه بالأعراب والأعاجم فرقا يجب اعتباره، وإجمالا يحتاج إلى تفسير، وذلك: أنّ نفس الكفر والتشيطن مذموم في حكم الله ورسوله وعباده المؤمنين، ونفس الأعرابية والأعجمية ليست مذمومة في نفسها عند الله تعالى وعند رسوله وعند عباده المؤمنين).
ولا بد من الإشارة إلى أنّ التميز دوائر وحلقات، أعمها تميز المسلم عن أهل الأرض، وتميزه عن أتباع باقي الأديان، وتميزه عن بعض أهل الإسلام ممن ليسوا على الجادة المنجية، وهذه أخص دائرة .. وسيأتي إنْ شاء الله تفصيل.
وكلما تغيرت مفاهيم الدين، وهي ثابتة لا شك، لكنّني أعني تغيرها عند الناس، صار التميز أوجب. وكلما ازداد فعل التبديل والتأويل في الدين، صار التميز أسلم. وكلما زاد الابتعاد عن إسلام (ما أنا عليه وأصحابي) صار التميز هو النجاة والخلاص.
وإنّي لأقول اجتهاداً مني ولا يحملها أحد غيري أنّ التميز في زماننا شرط صحة للتدين، وأنّ من رضي لنفسه دين الأكثرية ودين العوام ليس بذي دين. ولماذا؟ إنّي أصبحت أرى أنّ التميز هو المنهج، وأنّ المنهج هو التميز. فلا دين لا تميز فيه، ولا دين بلا منهج يقوم عليه .. ومن أجاز غير ذلك فقد أراد أن يُخضع الدين للعقل والعاطفة والهوى والواقع .. وهل أفسد الدين إلا أولئك..؟ قد يحتاج الكلام مزيد إيضاح وسيكون ذلك في الوقفات والمراجعات إن شاء الله .. فإلى ذلك:
* وقفة… إنّ المسلم إن لم يدرك فلسفة التميز في الإسلام، ولم يستطع إفهامها للناس بصورتها المشرقة، يجعل من نفسه غرضا لاتهامه بالعصبية والعنصرية والتطرف إلى آخر تلك التهم التي بتنا نسمعها آناء الليل وأطراف النهار، وبالتالي يصبح مترددا في أن يتميز.
وأهم ما يقال إنّ المسلمين أفراداً وجماعات لا يقبلون، ولا يقبل الله لهم، أن يتميزوا عن إخوانهم من أبناء آدم عليه السلام بشيء من صناعة الأرض وبضاعتها. فلا المال، ولا النسب، ولا الجاه ولا .. ولا .. ولا .. يقرها الإسلام أسساً للتميز إلا أساساً واحداً علوياً سماوياً هو الاستجابة لله ورسوله. والعزة التي أثبتها الله في كتابه للمؤمنين كانت لهذا السبب (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
سجال وقتال وجدال بين فرقاء جمعتهم المدينة آنئذ، من أهل كفر، وأهل نفاق، وأهل إيمان، حسم الله مسألة التفاضل بينهم بتلك الآية. ولنضف إلى هذه الآية المفهوم النبوي للتفاضل:
عن عائذ بن عمرو: (أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلاَلٍ فِى نَفَرٍ فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ فَأَتَى النَّبِىَّ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ). فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ، قَالُوا: لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أُخَىَّ).
وكل من استجاب استجابة المؤمن لله ورسوله، انتقل فورا من صف المعاداة إلى صف الموالاة بل إلى صف المؤمنين، دون النظر إلى أي أمر آخر.
* وقفة… وحتى لا يكون التميز انتماء نظرياً، وانتساباً ادعائياً، وكلاماً بلا معنى، وموقفاً بلا حقيقة، جاء من النبي الكريم كلام عظيم يضع الأمر في نصابه في غاية الوضوح، ويقطع طريق الزيف على من يرى المتاجرة بالحق. فأعطى بأبي هو وأمي لأجلّ الأسماء وأشرف الأوصاف معاني والتزامات عملية ليتميز الصادق عن الكاذب والدعي عمن يتجر بلسانه على حساب الأفعال .. لقد أعطى نبي الإسلام معاني ومفهومات لألفاظ المسلم والمؤمن والمهاجر والمجاهد غير ما فهمه أكثر الناس وعملوا به. قال صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، والمجاهد من جاهد نفسه لله). فانقلب التميز بين من يحملون تلك الألفاظ وسائر الناس، من لافتات ترفع، وألفاظ تعلو بها الأصوات، وادعاءات تقوم عليها التحديات، إلى مواقف عملية ترفض المؤثرات الصوتية، والأضواء القرمزية، والتحديات الغوغائية. فإن قيل مسلم، مؤمن، مهاجر، مجاهد، قيل عُدوا عليهم المواقف، وأحصوا عليهم التطبيق ومن عُدَّ له أكثر فهو الذي استحق تلك الأسماء والأوصاف وكان أحق بها وأهلها.
* وقفة… أليست الغربة التي حدّث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان تميزاً..؟ وأي تميز..؟ إنّها تجمع بين التميز بفرعيه: العام والخاص .. أعني التميز بين المسلم الغريب وسائر الناس، وبينه وبين بعض المسلمين المؤمنين ممن لم يكتسبوا بعد صفة الغربة في دينهم .. ولكي نكون متميزين في غربتنا .. ومن أجل أن ننتفع بها يوم لا ينفع مال ولا بنون، نطرح على أنفسنا الأسئلة الآتية:
1. هل كان التزامنا في ديننا من الصحة والدقة والاتباع على القدر الذي أوصلنا إلى أن نكون غرباء حتى مع أقرب الناس إلينا؟ أم أنّ المجاملة والحرص على رضا الناس أفقدنا ذلك؟
2. هل فهمنا من إحساسنا بالغربة، أنّنا لسنا في عزلة، وأنّ غربتنا هذه هي أكبر شهادة لنا من نبينا أنّنا على الحق، ومن صار الحق رفيقه وأنيسه فلن تكون غربته موحشة، وبالتالي فإنّنا لن نرضى بهذه الحال (حال الغربة) وهذه الشهادة (شهادة النبي) بديلا. فكان فرحنا بالغربة كبيرا، وشكرنا لله عليها كثيرا.
3. هل أفلحنا في توظيف هذه الغربة لتكون حافزا لنا على تعميق الدعوة إلى ما نحن عليه ليكثر الغرباء الحاملين سمة الحق. ونكون ونحن الغرباء المتميزين مراكز إشعاع متحركة بين الناس، ومنارات هدى يشع منها نور الحق.
4. وهل نجحنا في تجاوز أن تكون الغربة عقدة تعزلنا وتقعدنا عن الحركة الخيرة، وتجعلنا دوما كاظمين عابسين، نرى الذين يفترض أن ندعوهم، ونتلطف في دعوتهم أعداء لا يستحقون منا النظرة ولا الابتسامة. وقد يشتد بنا ذلك إلى حد التكفير وقتال المسلمين، وإعطاء الفرصة لأعداء الدين أن يلصقوا به كل نقيصة مستشهدين بسلوك أهله .. وكل ذلك سيحسب علينا ونتحمل وزره، فتضيع الغربة وشرفها وأجرها لعدم استيعابنا الصحيح لها.
5. ألم تورث الغربة بعض الغرباء (الذين يفترض فيهم التميز) فهما معكوسا وفكرا منكوسا انعكس شدة في السلوك إلى حد القول (لا مساس). وإهمالا للمظهر الخارجي وصل إلى حد (التقبح) بدل التجمل الذي أمرنا به، حتى عد البعض ذلك (التقبح) من لوازم الغربة والتميز .. ولا يفوتني أن أضرب مثلا نافعا إن شاء الله. وهو عن ابن عباس يوم ذهب يناقش الخوارج: (فلما كان ذات يوم قلت لعلي: يا أمير المؤمنين: أبرد عن الصلاة فلا تفتني حتى آتي القوم فأكلمهم، قال: إنّي أتخوفهم عليك. قلت: كلا إن شاء الله تعالى وكنت حسن الخلق لا أوذي أحدًا. قال: فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية، قال أبو زميل: كان ابن عباس جميلاً جهيراً. قال: ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة. قال: فدخلت على قوم لم أر قط أشد اجتهاداً منهم، أيديهم كأنّها ثفن الإبل، وجوههم معلمة من آثار السجود، عليهم قمص مرحضة، وجوههم مسهمة من السهر. قال: فدخلت. فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس! ما جاء بك؟ وما هذه الحلة، قال: قلت ما تعيبون علي؟ لقد رأيت على رسول الله أحسن ما يكون من هذه الحلل، ونزلت (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْق)).
ولنقرأ هذين الحديثين:
1. عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال: (وجد عمر بن الخطاب حلة إستبرق تباع بالسوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابتع هذه تجمل بها للعيد وللوفود).
2. وعن عبد الله مولى أسماء قال: (أخرجت إلي أسماء جبة من طيالسة عليها لبنة شبر من ديباج، وإنّ فرجيها مكفوفان به، فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يلبسها للوفود، ويوم الجمعة).
* وقفة… أليس من التميز أن يكون النص من الوحيين قائد المسلم يثبت حيث ينتهي به النص..؟ إدراكاً منه أنّ هذا هو حكم الله ورسوله، فلا يحيد عنه. بعد أن صار أكثر المسلمين اليوم تقودهم الرجال بأشخاصهم وأقوالهم. ونصوص الوحيين معطلة غير محكمة، بل صارت نصوص الوحيين (وهي الحق الذي لا حق سواه) تعرف بالرجال بدل أن يكون العكس. وأكتفي ببعض الأمثلة:
1. عن عديسة بنت أهبان قالت: (لما جاء علي بن أبي طالب هاهنا البصرة دخل على أبي فقال: يا أبا مسلم ألا تعينني على هؤلاء القوم؟ قال: بلى، قال: فدعا جارية له فقال: يا جارية أخرجي سيفي، قال: فأخرجته فسل منه قدر شبر فإذا هو خشب فقال: إنّ خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم عهد إلي إذا كانت الفتنة بين المسلمين فاتخذ سيفا من خشب فإن شئت خرجت معك؟ قال: لا حاجة لي فيك ولا في سيفك).
2. عن أبي بكرة قال: (عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هلك كسرى قال: (من استخلفوا) قالوا: ابنته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) قال: فلما قدمت عائشة يعني البصرة ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فعصمني الله به).
3. عن الأحنف بن قيس قال: (خرجت وأنا أريد القتال فلقيني أبو بكرة فقال: ارجع فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا تواجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار). قال: يارسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: (إنّه أراد قتل صاحبه)).
* وقفة… أليس من التميز في الدين، ترك البدعة، وتكريس الجهد لإزالتها من حياة المسلمين، وقد انتشرت البدع اليوم بين المسلمين حتى صار الله يعبد في مساجد المسلمين بالبدع أكثر من عبادته بالسنن..! ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ومن انتشارها: (وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَتَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ إِلَّا دَخَله).
سرعة في انتشار البدع، وأقوام يزينونها ويدعون لها، وآخرون سكتوا خوفا أو مجاملة .. فماذا كانت النتيجة؟ يحدثنا عن النتيجة ابن مسعود في كلام خطير اعتبره بعض المحدثين في حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف بكم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير وتتخذ سنة فإن غيرت يوما قيل هذا منكر قيل: ومتى ذلك؟ قال: إذا قلت أمناؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت قراؤكم وتفقه لغير الدين والتمست الدنيا بعمل الآخرة).
بل إنّ من يقف اليوم في وجه البدع مبيناً بطلانها وخطورتها في دين الإسلام، لا يُصغَى إليه، بل يُسكت ويُحارب وقد يؤذى من أجل ذلك .. وقد وصف ابن القيم حال هذه الشريحة من الناس وصفاً دقيقاً تحسن قراءته. وهل التميز إلا غربة؟ وهل الغربة إلا تميز..؟ يقول ابن القيم:
(وأهل العلم في المؤمنين غرباء وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع فهم غرباء والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة ولكن هؤلاء هم أهل الله حقا فلا غربة عليهم وإنما غربتهم بين الأكثرين الذين قال الله عز وجل فيهم وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه وغربتهم هي الغربة الموحشة وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم كما قيل:
فليس غريبا من تناءت دياره ولكن من تنأين عنه غريب)
ويقول أيضاً: (فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه وفقها في سنة رسوله وفهما في كتابه وأراه ما الناس فيه من الأهواء والبدع والضلالات وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط فليوطن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه وطعنهم عليه وإزرائهم به وتنفير الناس عنه وتحذيرهم منه كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه صلى الله عليه وسلم فأما إن دعاهم إلى ذلك وقدح فيما هم عليه فهنالك تقوم قيامتهم ويبغون له الغوائل وينصبون له الحبائل ويجلبون عليه بخيل كبيرهم ورجله فهو غريب في دينه لفساد أديانهم غريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم غريب في صلاته لسوء صلاته غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم غريب في نسبته لمخالفة نسبهم غريب في معاشرته لهم لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم.
وبالجملة فهو غريب في أمور دنياه وآخرته لا يجد من العامة مساعدا ولا معينا فهو عالم بين جهال صاحب سنة بين أهل بدع داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الأهواء والبدع آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر والمنكر معروف).
اعذروني إن تشددت، وما أنا بمتشدد إن شاء الله، وإن تماديت وما أنا بمتماد إن شاء الله، وإن غامرت وما أنا بمغامر إن شاء الله. إن قلت: إنّي لا أعده متميزاً إسلامياً من لم يحفظ كلام ابن القيم، إن لم يكن بنصه فبمعناه، ومن لم يجعل هذا الكلام بالاصطلاح السياسي، ورقة عمل ومنهج حركة في التعامل مع البدع اليوم. وهذا من توظيف تميزنا وغربتنا كما أسلفت.
* وقفة… أليس المسلم المتميز هو الذي يحقق في عقيدته وتدينه نوعي التوحيد المنبثقين عن الكلمة الطيبة (لاإله إلا الله، محمد رسول الله) توحيد الألوهية من الشق الأول، وتوحيد الرسالة من الشق الثاني بعد أن التزم الكثير من المسلمين اليوم النوع الأول ونسوا النوع الثاني جاهلين أنّ النوعين في الأهمية سواء، وأنّ من أخل بتوحيد الألوهية وقع في شرك مخرج من الملة، وأنّ من أخل بتوحيد الرسالة وقع في شرك مثله مخرج من الملة أيضاً. وما الذي جرأ الناس على توحيد الرسالة سوى تضخيم الرجال، وتعظيم أقدارهم، وتصويب أقوالهم وتقديمها على نصوص السنة.
وقد فعل الفعل نفسه كثرة الأقوال في المسألة الواحدة، واعتماد الأحاديث الضعيفة والموضوعة حتى كثر الخلاف في الدين وخرج من يدافع عن هذه الظاهرة ويعتبرها عرضاً صحياً فيه إلى أن وُضعت الأحاديث لتسويغ ذلك من مثل (أصحابي كالنجوم) و (اختلاف أمتي رحمة)، وما أكثر أهل الأهواء الذين يتلقفون هذا الكلام محتفين به مروجين له .. وهل يقدر على معالجة هذا الخلل إلا أهل التميز..؟
* وقفة… أليس المسلم المتميز اليوم هو الذي لا تخيفه الكثرة ولا تزحزحه عن موقع الاتباع، بل هو في اتهام دائم للكثرة إن خالفت النص، مسترشداً بقول ربه: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) .. ولا يغيب عن باله كلمة ابن مسعود: (الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك) .. ويرى أنّ النص من الوحيين أكبر من الكون وما فيه جميعا، فلا سلطة في الدين تغلب سلطان النص، ولا ولاء في الدين يقاوي الولاء للاتباع.
ويعتقد أنّ السلامة في الدين، مع انتشار البدع وشيوع التقليد، لا تتحقق إلا بتحقيق درجة عالية من التميز من التزام الاتباع والالتصاق بالنصوص .. ومن هذا الموقع المتميز يرفض ويتصدى لكل الحجج الواهية التي اعتاد الناس اليوم إطلاقها في وجه أهل الحق والاتباع من ربط الصواب مع الكثرة، وهو تحكيم للديمقراطية في أمر الدين.
* وقفة … أليس من التميز المطلوب، بل الواجب أن يفهم كل مسلم وسطية الاسلام، الفهم الذي أراده الله تبارك وتعالى، دون خلطه بمناورات المجاملات، ومسايرة المخالفات إرضاء واسترضاء للواقع المنحرف عن سواء السبيل. ويتأكد هذا التميز يوم نجد (في السوق) أفهاما متعددة للوسطية تلتقي كلها عند نقطة وهي التخفف بل إلغاء بعض أحكام الدين التي تصادم الهوى .. وتتم تلك المناورة عن طريق افتراض طرفين في كل خلاف، وأنّ الوسطي العصري بدل أن يقف موقف المرجح مع من معه الدليل، يظهر وسطيته التي يتباهى بها بأن يقيس المسافة بين الخصمين (لأنّه يعتبر نفسه الحكم والحيادي دوما) ثم يوسط تلك المسافة ليخرج للناس إحداثيات موقفه وموقعه الوسطي المعاصر .. أما المسلم المتميز فيفهم الوسطية من خلال قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) على النحو الآتي:
1. أنّ هذا الدين أنزل وسطا، بوسطية من صنع وتدبير من أنزله، لا بوسطية مفتراة من عقول قاصرة منحازة، لا تزال تقيس وتنصف حتى تصبح وأتباعها خارج دائرة الدين، والعياذ بالله.
2. إنّ الله تبارك وتعالى بين علة هذه الوسطية الذي أنزل دينه بها، في أنّها تجعل متبعي تلك الوسطية والعاملين بها عدولاً ثقات باتباعهم ما أنزل الله تبارك وتعالى فيستحقون أن يكونوا شهداء على الناس كلهم .. وشهادتهم تلك دنيوية وأخروية .. أما الدنيوية ففي أنّهم يخلفون النبي صلى الله عليه وسلم في حمل هذا الدين وتبليغه كما بلغه، فيشهدون لمن استجاب لهم .. ويشهدون على من أعرض عنهم .. وفي صحيح مسلم: (مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ).
وأما الأخروية، ففي البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ هَلْ بَلَّغْتَ فَيَقُولُ نَعَمْ يَا رَبِّ. فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ هَلْ بَلَّغَكُمْ فَيَقُولُونَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ. فَيَقُولُ مَنْ شُهُودُكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ. فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ. ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) قَالَ عَدْلاً (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)).
وشهادة نبيهم صلى الله عليه وسلم تصدقهم وتحيط من ورائهم .. هذه وسطية الإسلام ووسطية أمة الإسلام، لا وسطية اختزال الدين، وإنقاصه من أطرافه، كما فهمها دعاة الوسطية المعاصرون.
تساؤلات كانت الغاية منها أن يجيب كل منا عنها بينه وبين نفسه ليعلم هل تميز في دينه، وهل تميزه هذا سيكون أبلغ نداء لمن حوله بلسان الحال ليتميزوا وبالتالي ليكونوا على المنهج الذي هو عليه .. ولم تستوعب التساؤلات كل أنواع التميز فذلك أمر دونه خرط القتاد .. فالتميز لا حدّ ولا حصر له ولأحواله .. لكنّها صور انتقائية عن قضايا منهجية تستحق التميز قبل غيرها. وكما قلت مني الطرح وكل حسيب نفسه في الإجابة .. وإن كان الجواب سلبيا (لا قدر الله) فلا بد من وقفات خاصة يقفها كل مع نفسه بعد هذه الوقفات العامة معا، متذكرا ما قلت: (أنّ التميز في زماننا شرط صحة للتدين، وأن من رضي لنفسه دين الأكثرية ودين العوام ليس بذي دين).
ولست أدعي لاجتهادي عصمة لكن الذي يخالفني هذا الرأي فليدل بدلوه ومنه نستفيد .. وأقول لمن وجد الجواب سلبيا لا تستكثر من حجة الله عليك فالشهود أكثر من أن تحصى .. ولنتوَاصَ في الختام بقوله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) … والحمد لله رب العالمين
