لطالما طرق سمعي، وأنا يافع، في مجالس كبار السن، مثلٌ شعبيٌ اتخذوه لهم شعارا وطريقة (صَلِّ فرضك، وابْرُكْ بأرضك). وما كنت أفهم مغزاه، ولم أسأل عنه. حتى عرفت ذلك بنفسي يوم تقدم العمر، واغتنى الفكر. وإذا به دعوة خطيرة لو سرت في الناس، لاسيما بين الشباب..! .. وفحواه التخفف من أي عمل للإسلام خارج (العبادات الشعائرية). وتذكرت إذ علمت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحواره مع ذلك الأعرابي:
عَنْ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قَال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِىُّ صَوْتِهِ، وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ). فَقَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: (لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ). قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (وَصِيَامُ رَمَضَانَ) قَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُه؟ُ قَالَ: (لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ). قَالَ وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ الزَّكَاةَ. قَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: (لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ). قَالَ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ)).
فهل يُلام ذلك الأعرابي على قولته تلك؟ أقول: ومن يجرؤ على ملامته وقد قال عليه الصلاة والسلام: (أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ) .. ولا بد من أن يُطرح سؤال: هل تبرؤ ذمة كل مسلم لو فعل ذلك؟
أقول: بادي الرأي، لا .. فإنّ رسول الله، بأبي هو وأمي، قَبِلَ من ذلك الأعرابي ما قال، ووعده الفلاح إن صدق، لأنّه لا يُحسن، ولن يُحسن غير ذلك..! وكبار السن، ومن يرى من نفسه عدم القدرة على الزيادة، من غيرهم، هم وذاك الأعرابي سواء .. هي رغبة في إراحة الجسم والبال من كل تكليف ليس عينيا، هكذا يفهمون..! لكن في الإسلام واجباتٍ وتطوعاتٍ سوى (العبادات الشعائرية).
وقبل أن نسترسل في الكلام أريد أن نضع نصب أعيننا آيتين تبينان حدود التكليف في الإسلام: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) و(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا). فالله تبارك وتعالى، بعدله ورحمته لا يطالبنا بأكثر مما أعطانا. ولعل ما مر حتى الآن مقدمة، والآن إلى صلب الموضوع:
جاء في حديث طويل عنه عليه الصلاة والسلام: (إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِىَ بِكَ). وجاء في شرح النووي على مسلم: ({إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِي بِكَ} مَعْنَاهُ لِأَمْتَحِنَكَ بِمَا يَظْهَرُ مِنْكَ مِنْ قِيَامِكَ بِمَا أَمَرْتُكَ بِهِ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْجِهَادِ فِي اللَّهِ حَقِّ جِهَادِهِ وَالصَّبْرِ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَبْتَلِي بِكَ مَنْ أَرْسَلْتُكَ إِلَيْهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُظْهِرُ إِيمَانَهُ وَيُخْلِصُ فِي طَاعَاتِهِ وَمَنْ يَتَخَلَّفُ وَيَتَأَبَّدُ بِالْعَدَاوَةِ وَالْكُفْرِ وَمَنْ يُنَافِقُ. وَالْمُرَادُ أَنْ يَمْتَحِنَهُ لِيَصِيرَ ذَلِكَ وَاقِعًا بَارِزًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يُعَاقِبُ الْعِبَادَ عَلَى مَا وَقَعَ منهم لاعلى مَا يَعْلَمُهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَإِلَّا فَهُوَ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُقُوعِهَا وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ أَيْ نَعْلَمُهُمْ فَاعِلِينَ ذَلِكَ مُتَّصِفِينَ بِهِ).
وفي موضوعنا اليوم فكرة مركزية، يجب أن تبين بوضوح كبير، لأنّها أصل للموضوع. إنّ مهمة الدعوة إلى الله، وهي مهمة الرسل (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا). إنّ هذه المهمة العظيمة، الدعوة إلى الله، وإلى الدين الحق، شرف يرثه كل مسلم يريد الله والدار الآخرة عن نبيه صلى الله عليه وسلم. ومما يؤكد ذلك أحاديث نبوية خاطب النبي عليه الصلاة والسلام بها أفراد المسلمين، يُحملهم بها هذه المسؤولية العظيمة التي سيسألهم عنها ربهم تبارك وتعالى. من هذه الأحاديث:
. (بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً).
. عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ).
. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (تَسْمَعُونَ ويُسْمَعُ مِنْكُمْ ويُسْمَعُ مِمَّنْ يَسْمَعُ مِنْكُمْ).
من الأحاديث المتقدمة، ونصوص أخرى على شاكلتها، نستطيع القول: إنّ الدعوة إلى الله واجب عيني على كل مسلم، مع قيد ضروري يضاف؛ على قدر حاله .. ولندقق في قوله عليه السلام: (بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً) فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعنت من حوله بقوله بلغوا كل ما تسمعون مني وعني، بل طالب بالأدنى مراعاة لأحوال المخاطبين. ومن هنا يفهم الوجوب في الدعوة مع قيد الاستطاعة. وكلٌ حسيب نفسه، والموعد الله.
وأما ما فهمه كثير من المسلمين، من أنّ للدعوة في الإسلام رجالا متخصصين، هم العلماء والدعاة وحسب، فمجانبةٌ للصواب، والنصوص تؤكد ذلك .. ونرجع إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأبْتَليَكَ وَأَبْتَلِي بِكَ)، مستحضرين شرح النووي المتقدم له. فكما كان الابتلاء لشخص النبي عليه الصلاة والسلام في تبليغ ما أمره الله، وفي الوقت نفسه يكون الابتلاء لكل من بلغته دعوته إلى قيام الساعة؛ فإنّ كل مسلم ورث عن نبيه مهمة الدعوة إلى الله، فسيكون محل امتحان وابتلاء؛ حفظ أم ضيع .. كما أنّ الحجة ستقوم به على كل من سمعه، ويكون الابتلاء.
ولعل مما يتصل بالسياق الذي نحن بصدده، من حيث الفكرة، ما كان في الحوار التالي بين النبي صلى الله عليه وسلم وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُخَلَّفُ عَنْ هِجْرَتِي؟ قَالَ: (إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفُ بَعْدِي فَتَعْمَلَ عَمَلًا تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ رِفْعَةً وَدَرَجَةً. وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي حَتَّى يَنْتَفِعَ أَقْوَامٌ بِكَ ويُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ)). وهو جزء من حديث طويل حين لقي النبيُّ عليه الصلاة والسلام سعدًا وهو في مكة، وكان مريضا، ويخشى أن يموت فيها، ولا يعود إلى مُهاجَره في مدينة رسول الله، وعن ذلك كان يسأل .. والشاهد قوله عليه السلام: (حَتَّى يَنْتَفِعَ أَقْوَامٌ بِكَ ويُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ). فهذا ديدن المسلم الداعي إلى الله، حيثما كان، ينفع الله به من يستجيب له، ويُضِرُّ به المعرضين، حيث تقوم به الحجة عليهم.
ويوم غابت هذه المعاني النبوية عن أكثر الناس، صرت تجدهم يلمزون الدعاة إلى الله، الآمرين بالمعرف والناهين عن المنكر، بحجة أنّهم يفرقون الناس، ويتدخلون في ما هو من أمورهم الشخصية..! وقد استعاضوا عن الهدي النبوي بمقولات هم ألفوها من مثل (دع الخلق للخالق)، (كل مين على دينه، الله يعينه)، (أخي فوت عالجنة وسكر وراك)، (ما بتنزل بقبره)، ومثل ذلك من البطلان والبهتان.
وبعد البيان السابق، مع إيراد النصوص، فلنجب عن سؤال العنوان، (كيف تبرؤ الذمة)؟
لا بد لكل مسلم يريد الله والدار الآخرة من أن يحمل بين جنبيه همّ الإسلام، ويجب أن يكون أكبر الهموم، ولماذا؟ لأنّ حمل همّ الإسلام هو في الحقيقة هو همّ الآخرة، ولنمعن النظر في الحديث الآتي:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ).
وإذا كان أصحاب المثل الذي استهللت به الكتابة، قد قالوا ما قالوا، وطبقوا ما قالوا، فذلك مبلغهم من العلم، وما أوتوا إلا من لدن الجهل .. أما الكثرة الكاثرة من أهل زماننا، ممن لهم الموقف نفسه، فيزري بهم أمران: رقة الدين، والانغماس في الدنيا .. ليصدق فيهم حديث ابن مسعود السابق.
وإذا كان لا بد من ربط الفكرة الرئيسة في الموضوع، مع ما يعانيه المسلمون في هذه الأيام، وعلى كل الأصعدة، نقول: إنّ الفشل في حمل همّ الإسلام من الأكثرين هو المسؤول عن غياب الأمة أو غثائيتها، وناهيكم به، فهو إحدى الكبر في حياة المسلين المعاصرة، وهو أُسُّ كل بلاء وهوان. ويجب أن يُعلم أنّ الله تبارك وتعالى قادر على نصرة هذا الدين: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) مستغنياً عن جهود البشر كلهم..! ولكنّ الله شاء أن تكون نصرة دينه على أيدي المخلصين من عباده، وهو يتولاهم ويسددهم ويوفقهم إن صدقت نواياهم .. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
وحمل همّ الإسلام، وهو صفوة القول، وبيت القصيد في موضوعنا، والذي لا تبرؤ ذمة المسلم إلا به، له جانبان: خفي ، وظاهر .. أما الخفي، فمحله القلب، وهو نية صادقة بين المسلم وربه، يدخرها لآخرته .. وظاهر إذ لا بد لهذا الهمّ المحول أن ينعكس عملا وفعلا .. وحين تلتقي النوايا عند ذلك الهمّ الواحد، وتزدحم الأفعال في ساحات العمل، حركة وتعاونا وجهدا مشتركا، تكون حينئذ الخطوة الصحيحة على طريق بعث الأمة التي طال غيابها، وتمادت غثائيتها، فصارت النكسات والنكبات تترى في حياة المسلمين المعاصرة..! ويكون الحل والمعالجة الصحيحة، بإذن الله، لكل نكسةٍ وتعثرٍ يصيب المسلمين، بعد التخبط الطويل، مع آراء المفكرين ونظريات المنظرين، ومخططات المسلمين المُسَيَّسين، وزفرات العاطفيين اليائسين، ومناورات أعداء متربصين..!
وإنعاشاً للأمل، بعد عصور من الإحباط .. وشحذاً للهمم، للجولة القادمة على طريق التأصيل، ونكران الذات، من أجل الهدف الكبير … وأضرب لحمل الهمّ مثلين:
الأول: حين يكون حمل الهمّ نية صادقة في القلب، وإرادة جادة في النفس، لكن يحول بين صاحبهما وبين العمل عذر شرعي .. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ). قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: (وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ)). رواه البخاري
الثاني: أما حين يترجم حمل الهمّ عملا، تهون من أجله الصعاب، ويبذل لتنفيذه كل غال، يغدو ذلك العمل نموذجا يحتذى لكل مسلم صادق أواب .. وانظروا القصة الآتية:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: (أَنَّهُ بَلَغَهُ حَدِيثٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَابْتَعْتُ بَعِيرًا، فَشَدَدْتُ إِلَيْهِ رَحْلِي شَهْرًا، حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ أَنَّ جَابِرًا بِالْبَابِ، فَرَجَعَ الرَّسُولُ فَقَالَ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ، فخرج فأعتقني، قُلْتُ حَدِيثٌ بَلَغَنِي لَمْ أَسْمَعْهُ؛ خَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ أَوْ تَمُوتَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ – أَوِ النَّاسَ- عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا”، قُلْتُ: مَا بُهْمًا؟ قَالَ: “لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ- أَحْسَبُهُ قَالَ: كَما يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ، لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ”. وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَدْخُلُ النَّارَ، وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ”. قُلْتُ: وَكَيْفَ؟ وَإِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عُرَاةً بُهْمًا؟ قَالَ: بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ)). البخاري في الأدب المفرد
لم يقل جابر بن عبد الله الصحابة في المدينة سواي كثير، وفيهم أغنى مني وأقدر على إنجاز المهمة، لكنّه حمل الهمّ وحده، ومضى إلى الغاية يريد عملا للإسلام يدخره عند الله. فأين العاملون كجابر رضي الله عنه..؟ وأين الصادقون في حمل همّ الإسلام، بعيدا عن تسجيل المواقف، وحظوظ النفس، وإغراء النجومية، وتجارة الشعارات..!
وأختم بكلام، أُكْثِرُ من ذكره في ما أكتب وأقول لأهميته وهو لمالك بن دينار رحمه الله: (إِنَّ الأَبْرَارَ تَغْلِي قُلُوبُهُمْ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ تَغْلِي قُلُوبُهُمْ بِأَعْمَالِ الْفُجُورِ، وَاللَّهُ يَرَى هُمُومَكُمْ، فَانْظُرُوا مَا هُمُومُكُمْ رَحِمَكُمُ اللَّهُ) … والحمد لله رب العالمين