Skip to main content

(فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)

By الأربعاء 7 ذو الحجة 1435هـ 1-10-2014ممحرم 21, 1441مقالات

من ذكريات الماضي التي أسأل الله أنْ يكتب أجرها، أنّي كنت أقول لغير المسلمين وغير الناطقين بالعربية في مجال الدعوة والتعريف بالإسلام: (الإسلام دين سماوي، مدرسته الوحيان، وطريقه الإتباع، ونهايته الجنة).

وصرنا نجد لزاماً علينا أنْ نُعيد هذا الكلام بإلحاح وتأكيد على مسامع المسلمين الملتزمين..! يوم تعددت المدارس، وتفرقت السبل، وغاب الإتباع! فظهر الإختلاف واضحاً بين المسلمين في تطبيقهم الدين، وبخاصة وهم يقيمون صلواتهم ويؤدون حجهم، وخرج علينا من يقول: (الاختلاف رحمة وسعة)، مع أنّه، أي الاختلاف، لا ينسجم مع التلقي من مدرسة الوحيين، وسلوك سبيل إتباع النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنْ يُصِرَّ القائل على موقفه بمقولة أخرى باطلة كسابقتها وهي (الحق يتعدد). وعندها لا ينفع الكلام! وقد كتبت مرات في هذه المشكلة الخطيرة المنحصرة في (فقدان نصوص الوحيين قدسيتها)، وقد تكلمت في ذلك من قريب وفي (الشرود عن طريق الإتباع) وهأنذا أتكلم فيه اليوم.

ما أكثر النصوص التي تؤكد على أمر اتباع النبي عليه السلام ولكنّني تطبيقاً للمثل العربي (كل الصيد في جوف الفَرى) أكتفي بإثنين:

الأول: قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)، ففي هذه الآية الكريمة طالب الله تبارك وتعالى مدعي حبه ببرهان، والحب أمر معنوي يقبل الإدعاء .. والنكتة اللطيفة في الآية أنّ الله طلب أنْ يكون برهان حبه أمراً عملياً محسوساً ملموساً أساسه التطبيق ولا يقبل الادعاء، وهو الاتباع .. فالاتباع عمل، ومواقف، وتطبيقات .. ولعل هذه الآيه أقوى دليل في موضوع الاتباع! وكيف لا يكون ذلك وقد ارتقت الآية بالاتباع ليكون البرهان العملي على حب الله .. فهل يدرك من رغب عن الاتباع، أو استهان فيه، أو قصر في تطبيقه، أي ذنب اقترف .. وأي إساءة أساء؟ فقد حرم نفسه من حب الله له لمّا أخل بشرط ربه عليه..! فأي خير يرجو بعد ذلك..؟

وللاتباع انعكاس إيجابي في حياة الأفراد المسلمين وحياة الأمة المسلمة، فضلاً عن كونه طاعة لله وقربة إليه. أما الجانب الفردي فهو ضمان صواب العمل وألا يضرب به وجه صاحبه يوم القيامة .. وهل يتحقق ذلك بغير اتباع؟ فالاتباع ضبط العمل بالوحيين .. وتقضي المناسبة أنْ أُذكر بشرطي قبول العمل عند الله تبارك وتعالى وهما أنْ يكون العمل خالصاً وصواباً. والخالص ما كان لوجه الله، والصواب ما كان وفق الهدي النبوي (الاتباع). وهذان الشرطان مستنبطان من نصوص عدة أبرزها قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ).


وأما فيما يخص الأمة فهو تحقيق وحدة المسلمين .. التي ضاعت من أيديهم بعد أنْ ضيعوا الاتباع الذي يعني توحيد مصدر التلقي، والذي هو الأصل الوحيد لتحقيق الوحدة الضائعة. ولمّا يجدِ المسلمون بعد وحدتهم رغم شدة السعي، وكثرة البحث ولكن في غير مظانها! ولن يجدوها إلا على طريق الاتباع.

الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ بَدَا لَكُمْ مُوسَى فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَأَدْرَكَ نُبُوَّتِي لَاتَّبَعَنِي). وموسى من أولي العزم من الرسل، فهل يدعو إلى ضلال..؟ وهل يصدر عن نبي من أنبياء الله غير الحق..؟ إنّ دعوات من سبق نبينا صلى الله عليهم وسلم من الأنبياء والرسل شاء الله بحكمته البالغة أنْ تكون مرحلية لتأتي دعوة الإسلام الخاتمة نسخاً لها جميعاً .. من هذا المفهوم كان تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم (لَوْ بَدَا لَكُمْ مُوسَى فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ) مع أنّ دعوة موسى حق .. وما بال بعض المسلمين اليوم راغبين عن اتباع نبيهم إلى اتباع مَن بينه وبين موسى كما بين المشرقين في القدر والفضل والمنزلة والهداية والعلم، ثم يطمعون أنْ يكونوا على هدى وحسن اتباع! إنّها لا تعمى الأبصار.


والكلمة المؤلمة جداً لقائلها، والتي لا مندوحة له عن قولها: إنّ الرغبة عن الاتباع جناية باتت اليوم تُعَصَّبُ برؤوس النخب! والذي يتابع البرامج الدينية والفتاوي في الفضائيات يدرك ذلك وهو يصغي لبعض العلماء والدعاة .. ولا أريد الإطالة بذلك، لكن أستأذن لأثبت الواقعية، أنْ أعرض أقرب مثال سمعته:

واحد من الفضلاء يُسْأل فيقول: إنّه لا يرى مانعاً أنْ يصلي وراء إمام أكل لحم الإبل ولم يتوضأ ما دام الإمام لا يرى في مذهبه النقض بلحم الإبل..! أقول: إنْ كُنا نتكلم في المجاملة والدبلوماسية والأدب، فما أروع وأجمل هذا الموقف..! لكنّني لا أستطيع ولا يمكن أنْ أقبل ذلك شرعياً، لأنّني أُفكر كالآتي: طهارة الإمام قد انتقضت، ولا بُد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بموجب حديثين صحيحين في مسلم والصلاة باطلة .. أما أنْ تصح الصلاة باجتهاد بشري لأئمة، يُخالف النص، وإنْ كانوا كباراً، ويُسمى الحكم بعد ذلك شرعياً! فإنّ ذلك لا يعني إلا شيئاً واحداً لا غير أنّ الحُكم في الإسلام صار للعقل البشري وليس للوحي..! وقد يبدو حكم الوحيين واتباع النبي صلى الله عليه وسلم متشدداً يورث الشقاق.

إزاء مثل هذا التيسير البشري المزعوم! سبحانك هذا بهتان عظيم! وهذا الذي لا أقبله ولا يقبله غيري إلا بدعوى (تعدد الحق)، أو أنْ يكون اجتهاد الأئمة كحديث النبي عليه السلام في الحجية وذلك كله باطل .. والمسلمون في منعطف خطير. وهل من العقل قبل الدين أنْ نقبل نحن المسلمين، من أيٍ كان، أنّ اجتهاد بشر ولو كان إمام مذهب حجة في دين الله..؟ وهل من أحد يقول لي ماذا يمكن أنْ يكون جواب الإمام ومن قَبِلَ حُجتَه أمام سؤالٍ يوم الحساب على قاعدة (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ)؟ ومن كان عنده كلام مقنع فلا يضن به علي مشكوراً..! ولعل من المفيد في الختام أنْ نحدد أسباب التساهل في أمر الاتباع، ولعل العناوين تكون كافية.

أ. التعصب المذهبي، وبعض من أوصلهم هذا التعصب إلى الإهتمام برأي المذهب، ولو على حساب الاتباع. وقد لا يُصدق بعض الناس أنْ يكون ذلك. هذا الكرخي فقيه وإمام يقول: (كل نص ليس عليه أصحابنا إما منسوخ أو مؤول). والأعجب من هذا ما جاء في حاشية أحمد الصاوي على تفسير الجلالين: (ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة ولو وافق قول الصحابة، والحديث الصحيح، والآية .. فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل، وربما أداه ذلك إلى الكفر، لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر). فماذا بعد الحق إلا الضلال؟

ب. تدخل المدرسة العقلية من طريق المعتزلة وإفرازاتها في العقيدة والفقه، والأصل عند أولئك، أنّ الحكم في الدين للعقل قبل النص.

ج. واقع المسلمين المعاصر وانغماسهم الدنيوي أوجد طبقة من العلماء والدعاة المعاصرين، تقوم فلسفتهم على أنّ التخفيف عن الناس أولى من تفلتهم نهائياً من الدين! ولا أقول إنّه رأي خاطيء بل هو باطل، فالدين لله ولا يمكن لأحد من البشر العبث فيه (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وليس للرؤية البشرية، وفلسفتها واستنتاجاتها وتقريراتها مهما علت، مكان في أحكام الدين إن كانت تعارض النص..!

أسأل الله أنْ يرينا الحق حقاً، وأن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن .. ومن أعظم الفتن ترك الاتباع في الدين، ولو تساهل بعض أهل العلم في ذلك، وأنْ نلقى ربنا بإسلام الاتباع وهو راض عنّا…