Skip to main content

أَبُو لُؤْلُؤَة

By السبت 20 ربيع الثاني 1437هـ 30-1-2016ممحرم 21, 1441مقالات

“فيروز” ويكنى أبا لؤلؤة المجوسي نسبة إلى ابنته وكان يسمى في قومه بابا شجاع الدين، أسره الروم ثم أسره المسلمون من الروم وسبي إلى المدينة النبوية سنة 21 ه، وكان مولى عند المغيرة بن شعبة. والشيعة ومن يشايعهم يدّعون أنّه مسلم، ويقول عنه ابن تيمية: (وأبو لؤلؤة كافر باتفاق أهل الإسلام، كان مجوسياً من عباد النيران، فقتل عمر بغضا في الإسلام وأهله، وحبا للمجوس، وانتقاما للكفار، لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم، وقتل رؤساءهم، وقسم أموالهم…).

طعنه أبو لؤلؤة، فيروز الفارسي، بخنجر ذات نصلين ست طعنات وهو يُصلي الفجر بالناس، وكان ذلك يوم الأربعاء 26 ذي الحجة سنة 23هـ، الموافقة لسنة 644 م، وحاول المسلمون القبض على القاتل، فطعن ثلاثة عشر رجلاً، مات منهم ستة، فلما رأى عبد الرحمن بن عوف ذلك ألقى رداءً كان معه على أبي لؤلؤة فتعثر مكانه، وشعر أنه مأخوذ لا محالة، فطعن نفسه منتحراً. ولا زال في أحد المدن الإيرانية مزار فخم باسمه يؤمُّه الزوار، وإن كان بعض أنصار إيران والشيعة يزعمون أنه أزيل، وقد كذبوا.

بعد هذا العرض لعل أكثر القراء يتململون، يُسِرُّون في أنفسهم تساؤلاً عما إذا كان ذلك اللعين يستحق سطرا يكتب عنه..؟ أقول: صدقتم وايم الله، لكن لذلك تتمة، فاصبروا علي حتى تنهوا القراءة.

وقفت في الفيسبوك على عبارةٍ (لمحب وحبيب غير شامي) يقول فيها: (إنّ داعش يطعنون الأمة اليوم بخنجر أبي لؤلؤ المجوسي)، ولا حاجة بي إلي إيضاح إعجابي بالفكرة ، فهي عندي دين ويقين .. ولكن الإعجاب التوأم هو بالأسلوب. فما أكثر ما يستهويني، بل يطربني الأسلوب الإشاري، إن صح التعبير .. حروف قليلة، تفيض على قارئها اللبيب بمعان سرعان ما تتجمع في ذهن القاريء، يستدعي بعضها بعضا، وتأخذ بحجز بعضها، فتجتمع متفرقاتها، لتعطي صورة ينوء بحمل سطورها، وصفاً، مجلدٌ كبير .. ثم ما يلبث القارئ اللبيب أن يُسقط كل ذلك على واقعه، فيحقق مراد الكاتب الأريب .. وما أروع أن يلتقي الكاتب الأريب، والقارئ اللبيب، عند خاطرة سامية، فأنْفِعْ بذاك اللقاء وأنفع..! وتَنِدُّ مني عبارة (وقليل ما هما اليوم)..!

وما كنت أنوي البوح بها، لكنّ قسوة الواقع، وقسوة أنفسنا على أنفسنا، أفقدتنا السيطرة على المشاعر، فعذرا لمن أزعجته العبارة. ويتداعى إلى خاطري، من مستودع الإعجاب عندي، شبيهان للعبارة المستحوذة للإعجاب في الأسلوب والموضوع:

الأولى: عنوان لكتاب صدر بعد قيام ثورة الخميني وهو (وجاء دور المجوس). وما ذكرت الكتاب والعنوان، في خلوة أو جلوة إلا غمرني الإعجاب، فأترجمه دعاء للمؤلف بظهر الغيب، وإن كنت أختلف معه تكتيكيا في منهج العمل. وسرعان ما ينتابني ضيق، وأسى عميق لأنّ المسلمين، ونخبهم في المقدمة، لم يهتدوا (ببوصلةٍ) وضعت في أيديهم في وقت مبكر، وكم أضاعوا من فرصٍ، وأعرضوا عن حقٍ فضلوا وأضلوا..!

الثانية: أبيات من الشعر من قصيدة عنوانها (دمشق) .. يقول الشاعر:

يا شام أين هما عينا معاوية

وأين من زاحموا بالمنكب الشهبا

ثم يقول :

وقبر خالد في حمص نلامسه
يا ابن الوليد ألا سيف تؤجره
دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي
إن كان من ذبحوا التاريخ هم نسبي

فيرجف القبر من زواره غضبا
فكل أسيافنا قد أصبحت خشبا
أشكو العروبة أم أشكو لك العربا
على العصور فإني أرفض النسبا

وقد ينبري متعجل، يظن أنه اكتشف سرا لينكر قائلاً: ما ظنناك تذكر شاعرا، حاله ما تعرف، في كتابة لك..؟! وأقول: إني ما أثنيت عليه في خلق ولا دين، وإنما أثنيت على الفهم والنظر الثاقب، وليت بعض من ينسفونه من موقع الدين والأخلاق والإلتزام، وليت بعض النخب، وفي الصف الأول، فهموا المصيبة الكبرى التي كانت تنتظر المسلمين، كما فهمها، ورمّز لها بغياب عيني معاوية رضي الله عنه، وقبر خالد، وسيف خالد رضي الله عنه، وإذن، لفعلوا شيئاً نافعاً .. وهيهات..! وهل ما يحدث في سوريا اليوم إلا ما كان إرهاصا بالأمس..؟

فالمحب، والمؤلف، والشاعر، وكل بطريقته وأسلوبه الخاص، ألمحوا إلى الكيد الشيعي المجوسي، الذي صرف المسلمين عنه، دعوات التقارب والإخاء التي أوشكت أن تصبح على كل لسان، لأنّ بعض النخب تبنوها ودعوا لها. ومما أسهب فيه المؤلف جزاه الله الخير خطر الخميني وثورته على المسلمين السنة، وعبر عن ذلك بدور المجوس.

ولكن، لا (خنجر أبي لؤلؤة)، ولا (دور المجوس)، ولا (عينا معاوية، وقبر خالد) أفادت منها الأمة ولا نخبها، في التحذير من شر قادم .. حتى رأينا فقه الشيعة يدرس لطلاب العلم في الأزهر، وفي بطون أمهات الكتب والمراجع. أما الأمة فغثائية غائبة، وأما النخب فأمرهم فرطا، لتعدد ولاءاتهم وانتماءاتهم وتصوراتهم، وقد استمرأ المسلمون، بل نخب المسلمين التعددية، تقليداً للغرب، وتركاً للأصالة، وصاروا يعدونها إثراء(للفكر الإسلامي) وقد استبدلوا مرجعية الفكر بمرجعية الشرع .. حتى وقع الفأس في الرأس، وانقلب المسلمون خائبين، ولم يجدوا ما يقولون إلا (أَنَّى هَذَا) ثم التلاوم فيما بينهم، ومع أهل الأرض يستجدون نصرتهم. فما الحل..؟ أهو عند أهل الأرض..؟

آن للمسلمين اليوم، والسوريون جزء منهم، أن يعلموا يقينا ما يجري من حولهم .. فالمعركة معركة الإسلام، بعد أن سقطت كل الذرائع والحجج والعلل والأقنعة، وعاد الغرب من جديد إلى الحروب الصليبية، بلبوس مُمَوَّهٍ، أعان على نسجه بعض أهل الإسلام، وصار الشعار (الحرب على الإرهاب)، وهو في حقيقته (حرب على الإسلام الحق)، وصدَّق ذلك بعض المسلمين قبل سائر الناس .. ولا بد من أن نعترف أنّ في المسلمين إرهابيين، ولا نغالط، وهم خوارج منحرفون دجاجلة .. ترفضهم تعاليم الإسلام الحق، وأهله أهل الاتباع، قبل أن يرفضهم دعاة (الحرب على الإرهاب)، وليس وهماً أو سراً أنّ بعض الحريصين على حرب الإرهاب هم من صنعوا الإرهاب أو أعانوا عليه، لأغراض تخدمهم..!

وللمكابرين أقول: داعش وكل الخلايا التي إنشطرت داعش عنها، في ربع القرن الماضي، نماذج للإرهاب المشؤوم، وممارساته المنفلتة من كل ضوابط الدين الحق والأخلاق، وإن تعددت الأسماء فالأصل واحد .. ولا بد أن نذكر أنّ تنظيمات الإسلام السياسي، أسهمت بطريقة أو بأخرى في تشكل الإرهاب، من خلال التركيز على أمر الجهاد بعاطفية دون التطرق إلى فقهه وضوابطه.

ولقد أجهد المفكرون، والإسلاميون منهم، أنفسهم في رصد الظاهرة، ومعالجتها، ولم يفلحوا لأنّهم لا يريدون أن يعترفوا بباب الشر الذي أراد رسول الله صلوات الله عليه وسلامه أن يغلقه عن أمته، حتى لا يتفرقوا وتظهر فيهم الفرق الضالة المنحرفة المخالفة لمنهج (ما أنا عليه وأصحابي) الذي أمر به النبي عليه السلام، وقاية للمسلمين من الافتراق، والابتعاد عن طريق الاتباع .. ولكنّ بعض المسلمين وبعض علمائهم ودعاتهم هم الذين فتحوا ذلك الباب المشؤوم، يوم تسابقوا أيهم يُسقط حديث الافتراق، إنْ في توهين سنده، أو تنكير متنه، وما جاؤوا إلا بحجج داحضة .. وتلقف تلك الزلة من بعض المسلمين، المغرضون وأصحاب الهوى، الناكبون عن طريق (ما أنا عليه وأصحابي)، لنصرة أهل الفرق التي توعدها نبي الأمة عليه السلام بالنار. ونشطت فرق الابتداع والاختلاف حين وجدت من ينافح عنها، من علماء استهوتهم بضاعة أهل الكلام، وما أنتجته من مذهب الأشاعرة ومن على شاكلتهم، وقد تترسوا بقاعدة باطلة جملة وتفصيلا (مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم)، واستُمْرِأَت مخالفة النصوص .. حتى فقدت نصوص الوحيين قدسيتها عند كثير من المسلمين، وهانت مخالفتهما .. ما أدى إلى غثائية الأمة وغيابها، الذي فتح على المسلمين كل باب للشر، وضرب الذل والتخلف أطنابه بين ظهرانيهم، فهانوا على الله، وعلى الناس، فتداعت عليهم الأمم كما أخبر الصادق المصدوق .. ولا توصيف لما يجري اليوم غير ما ذكر آنفا.

فما المخرج؟ أن يواجه كل ما يكاد للإسلام اليوم بالأمة الواحدة الحاضرة، فهي مجمع الشمل، ومكمن القوة، وملجأ الحماية، ومصدر العزة ومقتل كل طامع.

وكيف تعود الأمة؟ بالنفس الطويل، والصبر الجميل، والدعوة على بصيرة، والتصفية والتربية. وليعلم كل أحد أنّ أمد تحقق النتائج قد يكون أطول من أعمار بعضنا، وذلك لا يضر .. ومن اقتنع بكل ما قيل، فلا تكن عينه على النتيجة، بل على صحة المنهج، ودقة تطبيقه .. وليحرص أن يموت سائراً على الطريق، وليس جالساً خارجه يُفكر، ويقع أجره على الله وبإذن الله…