لست ممن يحب كلما جاءت مناسبة دينية أن يكتب مذكرا بما يتصل مع هذه المناسبة من أحكام .. الفكرة في ذاتها جيدة، فالذكرى تنفع المؤمنين، لكن اتخاذ ذلك عادة هو محل اعتراضي، ولماذا؟ لأنّ فعل ذلك يكرس في أذهان الناس المتلقين، فكرة الموسمية في الدين. ولا شك أنّ في الإسلام مواسم خيِّرة، ومناسبات مباركة، يجب على المسلمين اهتبالها، وهذا هو المعنى الإيجابي للموسمية. لكن المعنى السلبي الذي أريد أن لا يكون، أن يتعامل المسلمون مع المواسم على أنَّ لكل موسم (دورة تعليمية) تواكبه، فلا حاجة إذن، لاختزان المعلومات في الذهن، لأنّها ستُتعلم في حينها، وكأنّ لسان الحال يقول وداعا للتعلم! ولا يفوتني أن أقول: إنّ أجهزة التواصل الاجتماعية، التي صارت في كل يد، قد رسَّخَت، ويا للأسف، كثيرا من السلبيات التي في حياتنا في مناحٍ عدة، عن طريق تداولها المكرور، ليُسر ذلك على تلك الأجهزة، ومنها (الموسمية الدينية)، بمعناها السلبي.
ويخطر ببالي الآن مثلٌ شديد الوضوح، للفكرة التي أريد إيصالها، وهو مثل واقعي بامتياز: في دمشق اليوم، إذا حضرت جنازة إلى المسجد للصلاة عليها، يقف الإمام بين يدي الصلاة على الجنازة ليُذَكِّر الناس بكيفية أداء صلاة الجنازة، لجهل أكثر الناس بذلك. وأجزم أنّي ما شهدت صلاة جنازة في دمشق، إلا حصل ذلك الأمر. وذات مرة، صليت على جنازةِ قريبٍ بطلب من أولاده، فاستأذنت الإمام الراتب، لأنّه الأحق بالصلاة، وصليت على الميت، ولم ألتزم، بالطبع، العادة المتبعة، فلما خرجنا للتشييع تعرضت للملامة من أكثر من شخص، لعدم تذكيري بكيفية صلاة الجنازة، ما
أربك بعض المصلين!
أما موضوع اليوم، فقد تناقل الكثيرون، مع بداية شهر رمضان، موضوع مفارقة الإمام بعد صلاة عدد من الركعات، من صلاة التراويح، ما بين متسائلٍ ومعترضٍ ومعلمٍ ومستفتٍ ومخطيء، واستنتجوا أنّ ذلك الفعل يُفوَّت على الفاعل وعد النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة أجر قيام الليلة كاملة. وبدأ كلٌ يَخِبُّ في المسألة ويَضَعُ. وعاد إلى ذاكرتي بحث مطول نشرته على الموقع منذ شهر عنوانه: (فقه الاستدلال)، فكم نحن بحاجة إلى موضوعات تأصيلية كهذه، وكم نحن بحاجة إلى أن لا يتكلم في الدين إلا العليم، ولا يعني حامل الشهادة، أو صاحب العِمَّة، واللحية، والجُبَّة! لكنّه من أحاط بنصوص الوحيين، وأحسن تطبيقها. وتمنيت لو أنّ أحدا ناقش المسألة من خلال استحضار النص الكامل للحديث، لأجل الإلمام بالواقعة التي قيل فيها! لكنّنا، بدل تلك المقاربة العلمية، نجد كل المتكلمين في هذه المسألة، يريد أن يصب كل الإهتمام حول تخطئة المفارق دون النظر إلى السبب، وتذكيره بالخسارة الكبيرة التي تلحقه، من وراء ذلك الفعل، دون الدخول في التفصيل، وهذا ما يقتضيه البحث العلمي الرصين، البعيد عن التشنج والتعصب.
من ذلك، خالفت ما ألزمت به نفسي، وهممت بالكتابة، لعل بيان الأمر، مع فقه الدليل، قد يعطي فرصة الاستقامة على هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، لمن شاء أن يستقيم.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: (صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا فِي السَّادِسَةِ وَقَامَ بِنَا فِي الْخَامِسَةِ حَتَّى ذَهَبَ يَنْتَظِرُ اللَّيْلَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ فَقَالَ: (إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ بِنَا حَتَّى بَقِيَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الشَّهْرِ فَقَامَ بِنَا فِي الثَّالِثَةِ وَجَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ فَقَامَ بِنَا حَتَّى تَخَوَّفْنَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ. قَالَ قُلْتُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السَّحُورُ).
وللاقتصاد في الكلام، وعدم التطويل أجعل المناقشة على شكل أسئلة وإجاباتها:
أولا: ماذا أراد الصحابي أبو ذر رضي الله عنه من سؤاله: (يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ)؟ السؤال واضح، وبلسان عربي مبين، لقد طلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يزيدهم من الصلاة فوق ما صلى بهم، بل أراد الاستمرار إلى نهاية الليلة (بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ).
ثانيا: هل استجاب النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الطلب؟
الجواب: لم يستجب بل أرشد السائل، وأرشد جميع الصحابة الحاضرين، وكل المسلمين إلى قاعدة منهجية شرعية (إنّ الكم الزائد عن المحدد شرعا في العبادة، غيرُ مرادٍ في الدين، ولا خير فيه، ولا غَناء، إنّما التعويل على الكيف المبني على اتباع المعصوم): (إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ).
بإيضاح أكثر، كأنّي به عليه الصلاة والسلام يقول يا طالب الزيادة في عدد الركعات، من أجل أن تكسب أجر قيام الليلة كاملة، إلزم صلاة العدد المسنون (دون زيادة) مع إمامك، يكن لك ذلك.
ثالثا: من أين استنبطنا فكرة، وجوب التزام العدد المسنون وعدم (الزيادة)؟
لقد استنبطنا ذلك من مناقشة بسيطة جدا، مع استبعاد أي شد لأي جهة، غير الهدي النبوي! نسألُ، من كان إمامَ أبي ذر الذي طُلبتْ منه الزيادة؟
الجواب: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم نسأل كم ركعة صلى بهم؟ ولعل المحاور الذي يريد الحيدة، يقول: لا ندري! نقول حسناً، تجيبنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لِيَزِيدَ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً).
رابعاً: وأعتذر، لأنّ شرحي للفكرة سيكون مدرسياً، مبالغةً في الإيضاح، وإقامةً للحجة. أقول: أليس جواب النبي عليه الصلاة والسلام لأبي ذر وللصحابة، ولكل المسلمين إلى قيام الساعة، يُفيد عدم الإذن بالزيادة على العدد الذي التزمه كل حياته؟ بل أقول بعبارة أصرح وأوضح، إنّ هذا هو رد النبي عليه الصلاة والسلام على كل أحد من المسلمين، في أي زمان ومكان، يرفع عقيرته طالباً الزيادةَ على صلاة النبي في التراويح. وردُّ النبي عليه الصلاة والسلام يعني شيئين: عدم إذن النبي عليه الصلاة والسلام بالزيادة، وهو في الوقت نفسه توجيهٌ لكل من يريد الزياد طمعا في الأجر، أن يتوخاه من التزام هدي النبي، جماعةً مع الإمام، فكأنّما قام الليلة كاملة.
وهُنا، وبعد طرح هذه الأسئلة، ستأتي (القَدْقَدات، وهي جمع {قد}) حيداتٍ عن الإجابة الصحيحة، عن تلك الأسئلة الواضحة! وأبرز ما يثار، مماحكةً، أن يقال: نُسلِّم أنّ النبي عليه الصلاة والسلام لم يزد في العدد، ولكن من أين نسبتم له النهي عن الزيادة؟! وقطعا لدابر تلك المماحكات، وما أكثرها! نُذكر بالقاعدة الشرعية الأصولية عن (السنة التركية)، التي يجهلها، أو يتجاهلها كل من يريد الابتداع في الدين! تقول القاعدة: (ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي لفعله فتركه سنة، وفعله بدعة). وإلى تطبيق القاعدة على ما نحن بصدده. نسأل: لماذا طلب أبو ذر زيادة الركعات؟ والجواب حتماً،
لأنّه يريد زيادة الأجر. والآن، أوليس النبي صلى الله عليه وسلم أشدَّ
حرصا على زيادة الأجر لنفسه، ولأبي ذر، ولكلِّ المسلمين إلى قيام الساعة؟ والجواب، يقيناً، نعم. إذن، إنّ هذا الحرص على زيادة الأجر منه عليه السلام يقتضي زيادة عدد ركعات صلاة التراويح عما هو مسنونٌ! وخاصة بعد طلب أبي ذر، ذلك صراحةً، فلماذا لم يفعل النبي عليه السلام تلك الزيادة، ولم يقرَّ عليها الصحابة الذين طلبوها منه، مع وجود المقتضي لها؟ تلك هي السنة التركية، التي يجب أن يتركها المسلمون إلى قيام الساعة، طاعةً لنبيهم واتباعاً. ومن يفعلها فهو المبتدع.
خامساً: ماذا نفهم من كلمة (الْإِمَامِ)، في الحديث الذي بين أيدينا(إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ..)؟
لفهم الفكرة، بشكل أعمق، ومن أجل استدلال علمي أدق، نحتاج إلى التعريج على مسألة نحوية. يقول النحويون في بحث (أل التعريف): إنّ لها أنواعاً، وأبرز نوعين هما: (أل الجنس) و (أل العهد). أما (أل الجنس) فتعني تعيين جنس ما، كأن نقول: الإنسان، البحار، الأشجار، المسلمون، العلماء. وغالباً ما تعني استغراق الجنس كله، كقول ربنا:(وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)، فكان جنس الإنسان كله مستغرقاً في الحكم. وقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وتعني شمول اللفظ لكل مؤمن ومؤمنة .. على كلٍ (أل الجنس)، ليست موضوع بحثنا، لكنّها توطئة لفهم ما بعدها.
وأما (أل العهد) فتعني تعيين شيء، معهودٍ في الذهن، بين المتكلم والسامع. وإلى الأمثلة، قول الله: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، فالمسلم الذي يقرأ هذه الآية يتبادر إلى ذهنه أنّ الرسول هو محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وليس غيره من الرسل. وقوله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ)، والشيء الذي قلناه في الآية السابقة، نقوله هنا. فَلِمَ يتبادر إلى ذهن المسلم أنّ المقصود بالرسولِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم وليس غيره من الرسل؟ لأنّ التربية والثقافة الإسلامية شكلت في الذهن معرفةً بَدَهيَّةً، هي التي أسموها عهداً، ومن هنا سميت أل في هذه الأمثلة بالعهدية، ومن هذا القبيل، قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا). فألفاظ الرسول والنبي في الأمثلة أمور معهودة في أذهان كل المسلمين، على أنّ القصود بها هو النبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وليس غيره من الأننبياء والرسل.
سادسا: ثم نأتي لنطبق هذه القاعدة على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) فنسأل: إذا وردت كلمة (الإمام) في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا تعني؟ هل تعني كل من سماه العامة إماما، بغض النظر عن تدينه، واتباعه، وفقهه؟!. وبكلمات أُخَر، هل الإمام المذكور في حديث النبي عليه السلام، أيِّ حديثٍ، له توصيفٌ محددٌ، أم أنّ الكلمة مطلقة، فكلُّ ما سمي إماما فهو المعني، بغض النظر عن توصيفه؟ لاشك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعني بكلمة الإمام إلا ذاك الذي يصلي بالناس، ويقيم فيهم سنة نبيهم، ويطبق هديه متبعاً غير مبتدع. وهذا ما نعنيه بقولنا إنّ (أل التعريف) التي في لفظة الإمام هي (أل العهد) التي تحمل كل معنىً للتَمَيُز في الأوصاف الشرعية، التي ينبغي أن يتحلى بها من يؤم المصلين، لتكون صلاتهم كما صلى نبيهم، (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)، فتكون عند الله مقبولة.
ويعضد هذا الفهم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حين أوجب متابعة الإمام بقوله: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ) فما ذاك إلا لتتحد صلاة المؤتمين، وفق هدي نبيهم، ولا يصلي كل على هواه. ولا يُتصور أن يكون ذلك الأمر الصارم من النبي عليه الصلاة والسلام بمتابعة الإمام، في الصلاة، إلا لمن هو حريٌ بهذه المتابعة، لأوصاف فيه، تُخوِّله إياها.
نخلص إلى القول: إنّ الذي يفارق إمام التراويح، الذي يزيد في صلاته عن العدد المسنون، بعد أداء عشر ركعات، ليس مخطئا إن شاء الله، ونرجو أن يحظى بأجر
قيام ليلة، كما وعده نبيه، ولن يُحْرَم بترك الاستمرار مع الإمام، ذاك الأجر، لأنّ الإمام خالف الهدي النبوي، فألجأه إلى مفارقته، انتصاراً للهدي النبوي الثابت عن صاحب الهدي، أما فعل الإمام ومخالفته، فما حَظّ ذلك من الصواب، إنْ هو إلا تركٌ لهدي المعصوم إلى آراء وأهواء الرجال، فهل يستويان مثلاً؟
وأذكر أنّ الشيخ الألباني لما طرحت عليه هذه المسألة قال، وهذا مأخوذ عن شريط مسجل: (قرأت عن بعض العلماء هناك في السعودية بأنّهم ينقمون أشد النقمة على الذين يُصَلُّون عشر ركعات ثم ينصرفون، ويوردون عليهم الحديث الذي أشرت إليه آنفاً بأنهم ما انصرفوا مع الإمام. وجوابي، أنّ مفارقة إمام التراويح، الذي يخالف الهدي، بعد العاشرة، فإنا نفهم أنّ الرسول عليه السلام كان يعني بالإمام إماما بوصف معين، ولاشك أنّ هذا الوصف هو الوصف الذي يصلي صلاة الرسول عليه السلام؛ فإذا كان الواقع أنّ إماماً ما لا يصلي صلاة النبي عليه السلام، فانصرف المأموم بعد العاشرة، فهذا لا يكون مخالفا، لماذا؟ لأنّنا نجد في السنة ما هو أصعب أو أخطر من هذه الظاهرة التي ينكرها أولئك العلماء الذين ينكرون على الذين ينصرفون بعد صلاتهم العشر ركعات؛ فمعلوم أنّه وقع في زمن الرسول عليه السلام أنّ معاذا كان إذا صلى العشاء الآخرة وراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذهب إلى قومه فصلى بهم إماما وهي كما قال جابر هي له نافلة وهي لهم فريضة؛ فذات ليلة دخل رجل من الأنصار واقتدى بمعاذ في صلاة العشاء وإذا به يفتتح سورة البقرة فقطع الصلاة وانتحى ناحية من المسجد وصلى أربع ركعات وانصرف؛ ولما انتهى معاذ من الصلاة وبلغه الخبر أخذ يسبه ويقول فيه إنّه منافق، لماذا؟ لأنّه ترك صلاة الجماعة؛ الصورة الآن، حقَّ لمعاذ أن يقول إنّه منافق لماذا؟ لأنّه ترك صلاة الجماعة؛ لكنّه سيتبين لنا فيما بعد أنّ معاذا كان مخطئا، وأنّ ما فعله ذلك الأنصاري كان صوابا فما يفعله أحدنا اليوم ليس أشد مخالفة للإمام من ذلك الأنصاري؛ الأنصاري بلغه نقمة معاذ عليه وما يشتمه به من الكلام فشكاه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، واحتج الأنصاري قائلا يا رسول الله إنّنا أصحاب نواضح نعمل طيلة النهار، وهو يطيل بنا الصلاة؛ فالتفت النبي،عليه السلام، إلى معاذ، وقال {أفتان أنت يا معاذ، أفتان أنت يا معاذ، أفتان أنت يا معاذ، بحسبك أن تقرأ والشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها من السور}. ونرى أنّ النبي عليه الصلاة والسلام لم ينكر على الذي انصرف فعله، أبدا، وإنّما أنكر على الذي أطال.)،
منقول عن سماعي للشريط، مع بعض التصرف للاختصار.
تبقى ملحوظة مهمة، أنّ الناس في لجة الاختلاف والتحدي الذي نشهده، فاتهم أنّ التراويح نافلة، وأنّ من فارق الإمام لا يعد مسيئا ولا مخطئا ولا ملوما، فله أن يصلي على قدر استطاعته، أو فسحة وقته، ولا تقولوا عن ذلك، إنّها لأِحدى الكبر، والله يأجره على عمله.
فيا أيها الناس هذه مسائل شرعية، يُحَكَّم فيها العقل والمنطق، وقبلهما الدليل، فلا تحكموا الأهواء، ومسايرة الدهماء، وتقليد الأشياخ والآباء، وما لكم كيف تحكمون؟ وما عليه الأكثرون، ليس هو الحق والصواب بالضرورة، والله يقول: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ). ورضي الله عن ابن مسعود، لخص المسألة بكلمات: (الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك)، فأغنت عن كل كلام!
وصلى الله وسلم وبارك على الرحمة المهداة، ترك فينا هديه لنلْتَزِمه فاختلفنا، وقال: (قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)، فاستبدلنا بها سوادَ الزيغ، وظلمة الاختلاف. فهل من مدكر؟!