Skip to main content

عَوْرَةُ المَرْأَةِ عَلَى المَرْأَةِ

By الجمعة 7 رمضان 1435هـ 4-7-2014ممحرم 20, 1441بحوث ومسائل, فقه

اختلف العلماء في موضوع حجاب المرأة في القديم والحديث اختلافاً كبيراً، ومن ذلك عورة المرأة على المرأة، ويتلخص في اتجاهات ثلاث:

1. أنّ المرأة لا تبدي للمرأة ولا لمحارمها إلا ما يقبل وضع الزينة من الأعضاء، كالشعر والنحر والأذنين والمرافق وأسفل الساق .. ودليلهم أنّهم فسروا: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) أي مواضع الزينة.

2. إنّ عورة المرأة على المرأة هي كعورة الرجل على الرجل، وهي ما بين السرة والركبة، ولم يبدوا أي تحفظ على ما قالوا. وتمسك بهذا المستغربون والمتفلتون.

3. وهو الراجح عندي وسأفصل القول فيه:

جاء في الحديث الحسن (ما بين السرة والركبة عورة) والحديث عام يتناول عورة الآدمي ذكراً كان أم أنثى .. والذين اعتبروه خاصاً بالرجل ضيقوا معناه بحديث (المرأة عورة، وإنّها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنّها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها). وقد جاءت روايات (المرأة كلها عورة) تؤكد الحكم السابق. ولكن هل يُضيق هذا الحديث معنى الحديث العام المذكور ويجعله مخصصاً له بعورة الرجل..؟ الجواب: لا، لأنّ حكم هذا الحديث الأخير وما في معناه خاص بوضع المرأة أمام الأجانب من الرجال، أو لنقل في المجامع العامة حيث الرجال والنساء. أما ما يؤكد أنّ حديث (ما بين السرة والركبة عورة) مشترك بين المرأة والرجل، فهو عدم قبول دعوى تخصيصه كما ذكر، ولأنّ حديث مسلم: (لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ يُفْضِى الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلاَ تُفْضِى الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ)
يؤكد بدلالة الاقتران، وهي مطبقة محكمة إن لم تعارض بالنص، أنّ عورة المرأة على المرأة كعورة الرجل على الرجل .. ولا يوجد لهذا القول نص صريح معارض. لكنّه لا بد من التحفظ حينما نطلق أنّ عورة المرأة على المرأة ما بين السرة إلى الركبة فنقول لا يترك في مثل هذا البحث استحضار الأدب الإسلامي، وما كان عله أجيال المسلمين في الماضي من الحشمة. وحتى في المنطق المعاصر هل يتصور أنْ يجتمع نسوة مسلمات مؤمنات في زيارة وليس عليهن إلا ما يستر ما بين السرة إلى الركبة..؟ فبعض الأمور يحكم فيها الأعراف والعادات القائمة على الدين إضافة للنصوص .. ويبقى كشف غير العورة لحاجة، ولا أقول لضرورة، جائزاً ما لم يصبح أصلاً وعادة تخالف الأدب والاحتشام في الإسلام. وقد ذكر ابن تيمية أكثر من مرة في الفتاوى وغيرها: (أنّ نساء الصحابة في البيوت تلبس القمص الذي يستر من الكف إلى الكعب، من الكف -كف اليد- إلى الكعب -كعب الرجل). وهذا أدب وحشمة كانا أصلاً في حياة السلف، لكن لا ننسى أنّ ذلك الزمن لم يكن فيه استقلال في البيوت، بل فيها من الرجال من المحارم سوى الأزواج. كما أنّ أكثر البيوت لم يكن لها أبواب، نقول هذا حتى لا يكون التضييق على النساء اللواتي يقتصر البيت عليهن وأزواجهن والأولاد ولا يدخل أحد قبل قرع الباب والاستئذان.

والقول بأنّ عورة المرأة على المرأة ما بين السرة والركبة مع التحفظ السابق هو قول الكثير من العلماء وأخص منهم ابن تيمية والشيخ العثيمين .. والشيخ الألباني يقول بالقول الأول.

تبقى مسألة، وهي عورة المرأة المسلمة على الكافرة فمنهم من ضيقها وجعلها كعورة المرأة المسلمة على الرجل، وفي هذا إبعاد للنجعة (في رأيي) وإنْ كان شيخنا الألباني ممن قال بذلك ودليلهم قوله تعالى: (أَوْ نِسَائِهِنَّ) فحمّلوا المعنى على المرأة المسلمة .. ولو دققنا لوجدنا الحجاب بين الجنسين يدور على عامل اختلاف الجنس، لوجود الشهوة والميل وليس اختلاف الدين، فاختلاف الدين مع اتحاد الجنس ليس مهيجاً للشهوة .. والذين قالوا بالمنع من أجل ألا تنعت المرأة الكافرة محاسن المسلمة للرجال. نقول كثير من المسلمات المؤمنات يفعلن ذلك، فلا عبرة باختلاف الدين .. ويقول الشيخ العثيمين في قوله تعالى (أَوْ نِسَائِهِنَّ) الإضافة هي إضافة جنس وليس إضافة وصف .. ويقول الشيخ العثيمين: (عورة المرأة مع المرأة لا تختلف باختلاف الدين، وعورتها مع المرأة المسلمة كعورتها مع المرأة الكافرة، وعورتها مع المرأة العفيفة كعورتها مع المرأة الفاجرة، إلا إذا كان هناك سبب آخر يقتضي وجوب التحفظ أكثر).

وفي كتاب التحرير والتنوير لابن عاشور كلام نفيس يقول فيه:

(والإضافة في قوله: {نسائهن} إلى ضمير {المؤمنات}: إن حملت على ظاهر الإضافة كانت دالة على أنهن النساء اللاتي لهن بهن مزيد اختصاص فقيل المراد نساء أُمَّتِهن ، أي المؤمنات ، مثل الإضافة في قوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم}، أي من رجال دينكم. ويجوز أن يكون المراد أو النساء . وإنما أضافهن إلى ضمير النسوة إتباعاً لبقية المعدود.

قال ابن العربي: إنّ في هذه الآية خمسة وعشرين ضميراً فجاء هذا للإتباع. ا ه. أي فتكون الإضافة لغير داع معنوي بل لداع لفظي تقتضيه الفصاحة مثل الضميرين المضاف إليهما في قوله تعالى: {فألهمها فجورها وتقواها} أي ألهمها الفجور والتقوى. فإضافتهما إلى الضمير إتباع للضمائر التي من أول السورة: {والشمس وضحاها} وكذلك قوله فيها: {كذبت ثمود بطغواها} أي بالطغوى وهي الطغيان فذكر ضمير ثمود مستغنى عنه لكنه جيء به لمحسن المزاوجة) … والله أعلم، والحمدلله رب العالمين