Skip to main content

مَسَائِلُ فِي الطَّهَارَةِ

By الخميس 2 ربيع الأول 1438هـ 1-12-2016ممحرم 20, 1441بحوث ومسائل, فقه

أولاً: المني

ذُكرت في بعض كتب الفقه الصفات الآتية التي تميز المني:

الخروج بشهوة وبقوة، يعقب خروجه فتور في الجسم، لونه أبيض مائل للصفرة، ثخين ليس رقيقاً، يخرج دفقاً وفي دفعات، رائحته تشبه طلع النخل أو رائحة العجين، وإذا يبس يكون رائحته كرائحة بياض البيض الجاف.

ولدى خروج المني من الرجل بالأوصاف السابقة يقظة أو مناماً (عند الاحتلام)، وجب منه الغسل لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: (إذا فضخت الماء فاغتسل). فعند فضخ (القذف بشدة) المني فالاغتسال واجب، سواء كان القذف بجماعٍ أو احتلامٍ (أثناء النوم) أو استمناءٍ باليد.

والمني طاهر، مع وجود الخلاف بين العلماء، إلا أنّ الراجح طهارته لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم). ولو كان المني نجسا لوجب غسله.

ملاحظة1: عند الاحتلام، لا يجب الغسل على المحتلم إلا إذا أحس البلل، أما لو أحس اللذة ولم يجد بللا فلا غسل. لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما قال: (يغتسل) وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللا؟ قال: (لا غسل عليه)).

ملاحظة 2:
الجنابة لا
تؤثر في الصيام أبدا، إنّما لا تجوز معها الصلاة.

ثانياً: المذي

وأوصافه، كما في بعض الكتب الفقهية؛ ماء رقيق لزج شفاف لا لون له يخرج عند المداعبة أو تذكر الجماع أو إرادته أو النظر أو غير ذلك ويخرج على شكل قطرات على رأس الذكر، وربما لا يُحَسُّ بخروجه.

حكمه:

وجاءت في المذي أحاديث صحيحة، سنتعرض لها إن شاء الله، لنخلص إلى الحكم.

والبحث في حكم المذي من حيث النجاسة والطهارة قد يطول قليلاً، وهو دقيق. فقد ورد في المذي مجموعة أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلها إجابات عن أسئلة. ويمكن لتبسيط البحث وإيضاحه تقسيم الأحاديث إلى فئات أربع:

1. فئة ذُكر فيها الوضوء منه فقط، مثل: (عن علي قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم من المذي فقال: (من المذي الوضوء ومن المني الغسل)).

2. فئة ذُكر فيها الوضوء ونضح أو غسل الفرج، مثل: (إذا وجد أحدكم ذلك يعني المذي فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة).

3. فئة ذُكر فيها الوضوء، وغسل الذكر والأنثيين مثل قوله عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن سعد الأنصاري: (ذاك المذي، وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة).

4. وجاء حديث واحد بتفصيل وزيادة عن باقي الأحاديث ذكر فيه نضح الثوب: عن سهل بن حنيف قال: (كنت ألقى من المذي شدة وكنت أكثر منه الاغتسال، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (إنما يجزيك من ذلك الوضوء) قلت: يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: (يكفيك بأن تأخذ كفا من ماء فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه)). وسيـأتي شرحه إن شاء الله.

والآن إلى المناقشة لبيان كيف نتعامل مع هذه الأحاديث؟

وقبل ذلك يجب أن نستحضر تماماً أنّ الأحاديث المذكورة كلها إجابات لسائلين .. فهل نعتبر الإجابة في السؤال من الفئة الأولى ناقصة تتممها عن باقي الإجابات في الأحاديث الأخرى، ومن أخذ بها لا تبرؤ ذمته، (وهي إجابة المعصوم)…؟

ويستتبع ذلك أن نقول متسائلين: هل الإجابة في الأحاديث من الفئة الثانية، والتي فيها الزيادة عن الفئة الأولى بالأمر بغسل الفرج، ناسخة للحكم الأول في الفئة الأولى..؟

ويستتبع أيضا أن نقول: هل ما جاء من زيادة في الفئة الثالثة من إضافة الأنثيين ينسخ العمل بالتي لا تحوي لفظ (الأنثيين) ولا تبرؤ الذمة إلا بها فقط.

ويثور إشكال جديد، وهو أنه ذكرت في أحاديث كلمة الغسل (للفرج والأنثيين)، وفي أخرى النضح .. فهل يجزيء الأمران وهل هما في الكيفية سواء، أم ماذا..؟

وكما يلا حظ، فإنّ من بين عشر روايات عن المذي، لم يذكر رش الثوب
أو نضحه إلا في رواية واحدة، فبأسلوب المناقشة السابق أي الروايات نعتمد، وهل الذي لا ينضح ثوبه مخالف ولا تبرؤ ذمته..؟

أمام مثل هذه التساؤلات لا بُد قبل كل شيء من صيانة كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم من التناقض، ولا بد إذن من الجمع. والذي تكرر في كل الروايات هو الأمر بالوضوء من خروج المذي ولا خلاف فيه، ونقول الوضوء من المذي واجب شرعي، ويعتبر خروجه من نواقض الوضوء. وكل ما زاد، في الروايات الأخرى، مثل: (نضح الفرج، غسل الفرج والأنثيين، نضح الثوب)، فمن فعل ذلك فقد أحسن، ومن تركه لا يأثم لأنّه للجواز أو الاستحباب أو التنزه.

يقول الخطابي: (أمر بغسل الأنثيين (الخصيتين) بزيادة التطهير لأنّ المذي ربما انتشر فأصاب الأنثيين .. ويقال إنّ الماء البارد إذا أصاب الأنثيين رد المذي فلذلك أمره بغسلها).

وأنا أرى الأخيرة هي الصواب، حتى طبيا، لأنّ هناك من يوصي بصب الماء البارد على الأعضاء التناسلية لتخفيف الشهوة وتقليل الإمذاء وذلك ليس بواجب شرعي.

ولله در ابن تيمية إذ ينقل عنه ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان) كلاماً يكتب بماء الذهب لدقته وعمقه وجرأته: (ومن ذلك، أنّ النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن المذي فأمر بالوضوء منه فقال: كيف ترى بما أصاب ثوبي منه قال: تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصابه رواه أحمد والترمذي والنسائي.

فَجَوَّز نضح ما أصابه المذي كما أمر بنضح بول الغلام.

قال شيخنا: وهذا هو الصواب لأن هذه نجاسة يشق الاحتزاز منها لكثرة ما يصيب ثياب الشاب العزب فهي أولى بالتخفيف من بول الغلام ومن أسفل الخف والحذاء).

ويفهم من قول ابن تيمية رحمه الله: (فجوز نضح ما أصابه المذي، كما أمر بنضح بول الغلام). أمرٌ هام يُعرف بوقفة متأنية عند كلمتي (جَوَّز وأمر)، وهما مفتاح فهم ما رجحه ابن تيمية رحمه الله في شأن نجاسة المذي. فقد فرق بين حكمين جاءا في حديث واحد، الوضوءِ من المذي، ثم نضحِ الثوب منه. فلما سئل عن المذي (أمر) السائل بالوضوء والأمر للوجوب وسكت عليه الصلاة والسلام، أي انتهى الجواب. ولما أنشأ السائل سؤالا جديدا: (كيف ترى بما أصاب ثوبي منه) أجاب عليه الصلاة والسلام: (تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصابه). فكان الجواب الثاني استجابة لرغبة السائل في التنزه من أثر المذي من الثوب، وكان حكمه الجواز، وليس الوجوب، لأنّنا لا يمكن أن نعتبر أنّ السائل ذكَّر النبي عليه الصلاة والسلام، بسؤاله الثاني، بشيء قد نسيه، فيكون الجواب الثاني تتمة للأول وله حكم الجوب، حاشا أن يكون ذلك. من هنا عبر ابن تيمية عن نضح الثوب بلفظة (جَوَّزَ)، أي أنّ الحكم هو الجواز وليس الوجوب.

يؤيد هذا أنّه لم يُذكر نضح أثر المذي في الثوب، إلا في هذا الحديث، رغم أنّ أحاديث حكم المذي تجاوزت العشرة. وأنّ ذلك الحكم لم يجيء من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة بعد الأمر بالوضوء، إنّما كان جوابا عن سؤال السائل الذي أراد أن يستزيد عن حكم ما أصاب الثوب من المذي، وهو منفصل عن الحكم الشرعي الذي يجب أن يعرفه ويفعله كل مسلم، وهو وجوب الوضوء من المذي. ولا شك أنّ حكمه دون الوجوب. ولا بد من أن نقول إنّ غسل الذكر والأنثيين الذي جاء في أحاديث أخرى له حكم الجواز وليس الوجوب، لما توصلنا إليه من أنّ المذي غير نجس.

فيكون ترجيحه رحمه الله أنّ نضح الثوب من المذي جائز، تطييباً للنفس، وليس واجباً كنضح بول الغلام الذي لم يأكل الطعام بعد، وكلا الأمرين نجاسة مخففة لأنّ فيه النضح وليس الغسل. والنضح هو رش المكان الذي أصابه بالماء بدون عصر وبدون فرك. ويعلل ابن تيمية ما استنبطه بقوله: (وهذا هو الصواب لأن هذه نجاسة يشق الاحتزاز منها لكثرة ما يصيب ثياب الشاب العزب فهي أولى بالتخفيف من بول الغلام ومن أسفل الخف والحذاء).

وجاء في الفتاوى الكبري لابن تيمية رحمه الله (5/ 313): (وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ مِنْ الْمَذْيِ، وَالْقَيْحِ، وَالصَّدِيدِ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَحَكَى أَبُو الْبَرَكَاتِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ طَهَارَتَهُ…).

والخلاصة: فالوضوء من المذي واجب، وما سوى ذلك يفعل تنزها لا أكثر. وبالتالي فلا يعتبر ما يصيب الثوب من المذي نجاسة لما تحقق من طهارة المذي أولاً، ثم لعموم البلوى به من جهة، وخفاء أثره على الثياب غالباً، وعدم الشعور بخروجه أحياناً من جهة أخرى .. وذلك تخفيف من الله ورحمة.

ولا يشكلن على أحد الفهم الخاطئ في أنّ كل ناقض للوضوء نجس، فالمني ينقض الوضوء بل يوجب الغسل وهو طاهر في الراجح. ولا يغرنك، أيها الأخ المسلم سكوت أكثر الفقهاء عن هذا، وانتباه ابن تيمية له، فهو من هو. وتذكر سكوتهم جميعا عن وقوع الطلاق الثلاث طلاقا باتًّا، ولا يعلم عدد البيوت التي خُربت، والشمول التي فُرقت، والأسر التي ضُيعت، بسبب تلك الفتوى إلا الله .. وشاء الله أن لا ينتبه لذاك الخلل إلا ابن تيمية.

وأؤكد القاعدة في أنّه إذا تعددت الروايات الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، واختلفت متونها فلا بد من القول بالنسخ مع دليل ظاهر عليه، أو أن نسلك طريق الجمع
لنصون كلام النبي من التناقض والتردد والنسيان .. وهذا ما فعلناه، والحمد لله. ومما يشابه المسألة التي بين أيدينا ما جاء في صفة الغسل من الجنابة، في عدة روايات بعضها فيه المضمضة والاستنشاق وبعضها فيه الوضوء وجاء من حديث جابر: (أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ سَأَلُوا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا إِنَّ أَرْضَنَا أَرْضٌ بَارِدَةٌ فَكَيْفَ بِالْغُسْلِ فَقَالَ: (أَمَّا أَنَا فَأُفْرِغُ عَلَى رَأْسِى ثَلاَثًا)). ومن هنا أخذ العلماء أن أركان الغسل إثنان: النية، وتعميم البدن بالماء، وما تبقى فهو سنة.

ثالثاً: الودي

أوصافه كما في بعض الكتب: يخرج عقب (البول) وهو غير لزج، أبيض ثخين يشبه البول في الثخانة ويخالفه في الكدورة ولا رائحة له.

حكمه:

يلحقه بعض العلماء بالبول من حيث النجاسة، لأنّه قد لا ينفصل عنه في الغالب، ويصعب تمييزه. وشيخنا العثيمين رحمه الله يقول: (المذي والودي: نجسان نجاسة مخففة يكفي فيها رش الثوب أن أصيب بهما .وغسل البدن لحديث: (يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه). أما غسل البدن لقوله صلى الله عليه وسلم: (فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك)).

والأظهر إلحاق الودي بالبول في الحكم، لأنّ تميز خروج الودي وحده قليل الحدوث، والأغلب أن يكون عقب البول فلا يلاحظ.

هذا والله أعلم، فما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله منه (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا).