Skip to main content

هَلِ البَسْمَلَةُ آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ؟

By الثلاثاء 6 شعبان 1438هـ 2-5-2017ممحرم 20, 1441بحوث ومسائل, فقه

هَلِ البَسْمَلَةُ آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ؟

فَلرُبَّ مُتعجلٍ أو جاهلٍ، وقد صدمهما العنوان، ينبريان للقول: أليس في واقع المسلمين، اليوم، مسألة أخطر تُناقَش؟ أولم يُشبع علماء المسلمين هذه القضايا الفقهية بحثاً، على مر القرون، ويعطوا القول الفصل فيها؟ أقول متمنيًا للمتعجل مزيداً من الأناة، وللجاهل فرصة للتعلم، أجل، إنّ العلماء قد أشبعوا المسائل بحثاً، لكنّهم لم يعطوا القول الفصل..!

والسبب أنّ قواعد المذهبية، وقد صارت أصلاً للتدين عند المسلمين، تقتضي ذلك. فلكل مذهب أصوله، وبالتالي ترجيحه، فيكون الأصل تعدد الأقوال .. ولنتذكر قاعدة العلماء في ذلك وهي (قولنا صواب يحتمل الخطأ وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب). وأنا أرد على هذه القاعدة فأقول: هذا رأيك ورأي غيرك أيها القائل، فأين ما جاء به النص من الوحيين؟ وقد ينبري مدافع عن الفكرة للقول إنّ القاعدة تتحدث عن الاختلاف في فهم النص..! ومتى كان النص العربي المبين، قرآناً كان أم سنة، يحتمل تعدد الوجوه إلا حين صار لكل مذهبٍ قواعد خاصة في أصول الفقه، هذا العلم الذي أفسده (علم الكلام)، وليد الفلسفة، وهو الذي سوغ الاختلاف في الدين، حتى اخْتُلِقَتْ لذلك نصوص تـدعم هذا الانحراف من مثل (اختلاف أمتي رحمة) و(أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، ومثل القاعدة المذكورة آنفاً. ففُتحت جَرَّاءَ ذلك أبواب الاختلاف على مصاريعها، حتى صارت نصوص الوحيين هي الغريبة..! ولولا تلك الثقافة التي سادت، ما رأينا شيخ الوسطية (القرضاوي) يقول: (فوجود النص لا يمنع الاجتهاد كما يتوهم واهم، بل تسعة أعشار النصوص أو أكثر قابل للاجتهاد وتعدد وجهات النظر، حتى القرآن الكريم ذاته يحتمل تعدد الأفهام في الاستنباط منه، ولو أخذت آية مثل (آية الطهارة) في سورة المائدة، وقرأت ما نقل في استنباط الأحكام منها، لرأيت بوضوح صدق ما أقول…). وأين هذا الكلام مما أجمع عليه العلماء (لا اجتهاد في مورد النص).

وقبل أن أغادر هذا الاستطراد الضروري، لا بد أن أضيف له كلاماً نفيساً يتممه، لعالم الأندس وأُصوليِّها (الشاطبي) رحمه الله، يقول في (الموافقات): (الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها وإن كثر الخلاف كما أنها في أصولها كذلك ولا يصلح فيها غير ذلك والدليل عليه أمور: أحدها أدلة القرآن من ذلك قوله تعالى: [ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا] فنفى أن يقع فيه الاختلاف ألبته ولو كان فيه ما يقتضي قولين مختلفين لم يصدق عليه هذا الكلام على حال.

وفي القرآن [فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول] الآية وهذه الآية صريحة في رفع التنازع والاختلاف فإنه رد المتنازعين إلى الشريعة وليس ذلك إلا ليرتفع الاختلاف ولا يرتفع الاختلاف إلا بالرجوع إلى شيء واحد إذ لو كان فيه ما يقتضي الاختلاف لم يكن في الرجوع إليه رفع تنازع وهذا باطل.

فالشريعة لا اختلاف فيها وقال تعالى: [وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله] فبين أن طريق الحق واحد وذلك عام في جملة الشريعة وتفاصيلها).

نعود إلى موضوعنا الأساسي، فإنّ العلماء بناء على المعطيات السابقة تركوا لنا أقوالا مختلفة، نذكرها كما لخصها ابن الجزري رحمه الله في كتابه (النشر في القراءات العشر)، حيث يقول: (اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (حكم البسملة) عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَرُوِيَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ (الثَّانِي) أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، وَمِنْ أَوَّلِ سُورَةٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَنُسِبَ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ. (الثَّالِثُ) أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، بَعْضُ آيَةٍ مِنْ غَيْرِهَا، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ. (الرَّابِعُ) أَنَّهَا آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ لَا مِنْهَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ دَاوُدُ وَأَصْحَابُهُ، وَحَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ (الْخَامِسُ) أَنَّهَا لَيْسَتْ بِآيَةٍ وَلَا بَعْضِ آيَةٍ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، وَلَا مِنْ أَوَّلِ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا كُتِبَتْ لِلتَّيَمُّنِ وَالتَّبَرُّكِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَذَلِكَ مَعَ
إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ، وَأَنَّ بَعْضَهَا آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ).

وللقُراء أقوال مختلفة أيضاً، كما للفقهاء. فقد جاء في (النشر…) لابن الجزري: (قَالَ السَّخَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاتَّفَقَ الْقُرَّاءُ عَلَيْهَا فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنَّ ابْنَ كَثِيرٍ، وَعَاصِمًا، وَالْكِسَائِيَّ يَعْتَقِدُونَهَا آيَةً مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ سُورَةٍ، وَوَافَقَهُمْ حَمْزَةُ عَلَى الْفَاتِحَةِ خَاصَّةً. قَالَ: وَأَبُو عَمْرٍو، وَقَالُونُ، وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ لَا يَعْتَقِدُونَهَا آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ. انْتَهَى. وَيُحْتَاجُ إِلَى تَعَقُّبٍ، فَلَوْ قَالَ: يَعْتَقِدُونَهَا مِنَ الْقُرْآنِ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ لِيَعُمَّ كَوْنَهَا آيَةً مِنْهَا أَوْ فِيهَا، أَوْ بَعْضَ آيَةٍ – لَكَانَ أَسَدَّ ; لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ عَدَّهَا آيَةً مِنْ كُلِّ سُورَةٍ سِوَى الْفَاتِحَةِ نَصًّا، وَقَوْلُهُ: إِنَّ قَالُونَ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ لَا يَعْتَقِدُونَهَا آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ، إِذْ قَدْ صَحَّ نَصًّا أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْمُسَيَّبِيَّ أَوْثَقَ أَصْحَابِ نَافِعٍ وَأَجَلَّهُمْ، قَالَ: سَأَلْتُ نَافِعًا، عَنْ قِرَاءَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَأَمَرَنِي بِهَا، وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهَا آيَةٌ مِنَ السَّبْعِ الْمَثَانِي، وَأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا).

وظل الخلاف معلقاً حتى يومنا الحاضر لأنّ العلماء تعاملوا معه كتعاملهم مع أي اختلاف على أنّه اجتهادت تُقبل من أصحابها، والمسلمون بالخيار في أي الاجتهادات يتبعون وتنتهي المشكلة. وما أدري كأنّه لم يُتنبه إلى أنّ هذا الاختلاف ينبني عليه بطلان الصلاة..! وفي أحد المواقع الإسلامية على النت، أُجيب سائلٌ عن موضوع البسملة، بذكر الخلافات مع أدلتها بشكل مطول، وأنقل من ذلك الرد فقرتين، واحدة من أوله والثانية في ختامه، تعطيان زبدة الكلام. فنجد في أول الفتوى: (وقد اخْتلَفَ في عدها آية من آيات الفاتحة وفي عدمه كُـتّابُ المصاحف مع اتفاقهم جميعًا على كتابتها، وعلى أن الفاتحة سبع آيات، فهي آية من الفاتحة في المصحف المكي والمصحف الكوفي، وليست آية مستقلة في المصحف المدني والشامي والبصري. فإذا علمت كلام القراء فيها، فاعلم أن الفقهاء اختلفوا في كونها آية في الفاتحة، لا تتم الفاتحة إلا بها، وعليه فلا تصح الصلاة دونها، وفي كونها ليست آية منها، فذكر ابن قدامة في المغني، والنووي في المجموع، وابن حزم في المحلى: أن الشافعي وابن المبارك وأحمد في رواية عنه جعلوها آية مستقلة، ولا تصح الصلاة دونها. ورجح هذا المذهب النووي وابن حزم).

ثم يُذكر تفصيل الخلاف مع الأدلة. ورغم التأكيد أنّ بعض الفقهاء يرون بطلان الصلاة إن لم تقرأ مع الفاتحة..! نجد الفتيا السابقة تختم بالآتي: (ومن هنا يعلم السائل أن مسألة البسملة في الفاتحة وما يترتب على تركها من المسائل الخلافية التي بحث فيها العلماء قديمًا ولم يصلوا فيها إلى ما يقطع النزاع ويرفع الخلاف. وعليه فمن قلد من لم ير أنها آية من الفاتحة فلا يسجد لتركها لا في الفاتحة ولا في السورة بالأولى، ومن قلد مخالفيه أعاد الصلاة إذا لم يتذكر أنه تركها، إلا بعد فوات التدارك، ولا يكفي السجود عنها. والله أعلم).

ولقد آثرت في هذا البحث عدم الخوض في تفاصيل الاختلاف والأدلة اختصارا. ورأيت بديلاً لذلك، استعراض موقفي عالمين جليلين معاصرين من موضوع (البسملة)، يمثلان طرفي الخلاف، ويلخصان المسألة مع أدلتها دون تطويل. وهما الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ محمد الصالح العثيمين. واعتقدت أنّني أستطيع تحرير الخلاف في مسألة (البسملة)، من خلال مقارنة موقف الإمامين، واستعراض أدلتهما. ولا يمكن أن نقول: إنّه يسعنا في المسألة ما وسع الأقدمين من العلماء..! فالخلاف فيها ينبني عليه بطلان الصلاة، أفلا يجدر بنا تحرير هذه المسألة، لا مجرد سرد الأقوال المختلفة وحسب، عملا بما نقلناه قبلا عن الشاطبي..؟

وهذا
بعض
ما جاء في كتاب (الشرح الممتع)
للعثيمين رحمه الله، مع بعض تصرفٍ، بقصد الاختصار، غيرِ مُخِلٍ، إن شاء الله. يقول رحمه الله:

(وليست من الفاتحة، الضَّميرُ يعودُ على البسملة، بل هي آيةٌ مستقلِّة يُفتتح بها كلُّ سورة مِن القرآن؛ ما عدا براءة، فإنّه ليس فيها بسملة اجتهاداً من الصحابة، لكنّه اجتهاد – بلا شك – مستندٌ إلى توقيف).

ثم يعدد الشيخ آيات الفاتحة، ويقسم الآية الأخيرة (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم غيرالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) التي ترقم في بعض المصاحف، ومنها مصحف المدينة، على أنّها الآية السابعة من الفاتحة مع البسملة، لتصبح الآيتين السادسة (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم) والسابعة من الفاتحة (غيرالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)، دون عدّ البسملة، كما ترجح عند الشيخ، وهو معمول به في بعض المصاحف، وفق رواياتٍ لبعض القراء، وترجيح لبعض العلماء. ويضيف الشيخ رحمه الله: (وهذا التَّوزيعُ هو المطابق للمعنى واللَّفظِ. أما مطابقته للَّفظ: فإننا إذا وزَّعنا الفاتحةَ على هذا الوجه صارت الآيات متناسبة ومتقاربة. لكن إذا قلنا: [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ] هذه الآية السادسة. و[ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ] السابعة، صارت السابعة طويلة لا تتناسب مع الآية السَّابقة، فهذا تناسبٌ لفظي).

ويضيف:
(وأما التَّناسبُ المعنوي؛ فإن الله تعالى قال: (قَسَمْتُ الصَّلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سألَ. فإذا قال العبدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }، قال الله تعالى: حَمَدني عبدي. وإذا قال: {الرحمن الرحيم} قال: أثنى عَليَّ عبدي. وإذا قال: {مالك يوم الدين}، قال: مجَّدَني عبدي. فهذه ثلاث آيات كلُّها لله . فإذا قال: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل). فيقتضي أن تكون النِّصفُ هي: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وهي الرابعة. والخامسة، والسادسة والسابعة(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم)، (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم) (غيرالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)، فتكون الآيات الثلاث الأولى لله تعالى، والآيات الثلاث الأخيرة للعبد). ويقول: (فإن قال قائل: إذا قلتم ذلك، فكيف الجواب عمَّا نجدُه في المصاحف: أن أول آية في الفاتحة هي البسملة؟ فالجواب: هذا الترقيم على قول بعض أهل العلم : أنَّ البسملة آية من الفاتحة. ولهذا في بقية السُّور لا تُعدُّ مِن آياتها ولا تُرقَّم. والصَّحيحُ أنها ليست مِن الفاتحة، ولا مِن غير الفاتحة، بل هي آية مستقلَّة).

ويستخلص الشيخ العثيمين رحمه الله، من الحديث السابق أنّ البسملة ليست من الفاتحة، ومحل الشاهد، في الحديث أيضاً، أنّه بدأ الفاتحة بالحمد لله رب العالمين، ولم يذكر البسملة. إضافة إلى دليل آخر عام وهو ما استفاض من عدم جهر الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه بها في الصلاة .

وعنده أنّ الصواب الذي لا شك، فيه أنّ البسملة ليست من الفاتحة. كما أنّ البسملة ليست من بقية السور.

أما ما ذهب إليه الشيخ الألباني، فملخصه ما جاء بصوته في فتاوى جدة شريط رقم: (23): سئل الشيخ رحمه الله، هل البسملة هي آية من الفاتحة أو من كل سورة؟ وما حكمها داخل الصلاة وخارجها؟

الجواب: (لا فرق بين داخل الصلاة وخارجها من حيث أنّها آية من كل سورة، أم ليست آية. والصواب أنّها آية لأنّه قد جاء في صحيح مسلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم وكان قد أغفى إغفاءة ثم استيقظ فقال: {أنزلت عليّ آنفاً سورة، بسم الله الرحمن الرحيم إنّا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إنّ شانئك هو الأبتر}). [تعليق من كاتب المقال: وهذا نص الحديث في شرح مسلم ويرى قبله تبويب النووي له، وهو فهمه للحديث {باب حُجَّةِ مَنْ قَالَ الْبَسْمَلَةُ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ سِوَى بَرَاءَةٌ}. وفِيهِ، أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذِ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر إن شانئك هو الأبتر} ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ فَقُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ هُوَ حَوْضٌ يرد عليه}]. يتابع الشيخ كلامه ويقول: (أنزل عليّ آنفاً سورة ثم قرأها وقرأ بين يديها بسم الله. فدل ذلك على أنّ البسملة آية من السورة، وتأكد ذلك بذكرها بالمصاحف التي توارثناها خلفاً عن سلف، فهذا هو الراجح أنّ البسملة هي آية من كل سورة ذكرت قبلها، خلافاً لسورة براءة.

ولكن الذي يشكل على بعض الناس أنّ البسملة هذه لو كانت آية كبقية السورة لكانت السنة أن يجهر بها الإمام كما يجهر في الصلاة في كل الصلوات الجهرية في سائر السورة. ونقول: هذا لا ينفي أن تكون البسملة آية من كل سورة، كل ما في الأمر ليس من السنة الجهر بها في الصلاة الجهرية، فهذا حكم منفصل عن كونها آية بين يدي كل سورة.

فالسنة هي التي وضحت أنّ البسملة لا يجهر بها في الصلاة الجهرية، لكنّها تُقرأ سراً في الصلاة الجهرية والصلاة السرية. فبعد ورود هذا الحديث الذي ذكرناه أولاً وهو في صحيح مسلم، وبعد تتابع المصاحف على ذكرها بين يدي كل سورة إلا سورة براءة، كل هذا وذاك دليل على أنها آية من كل سورة.

وسئل هل هي من الفاتحة؟ فأجاب: إذا صلى المسلم وأسقط آية من الفاتحة فصلاته باطلة لأنّه لم يقرأ الفاتحة، سواء كانت الآية المسقطة في أولها أو في وسطها أو في آخرها، إلا اللهم إذا كان ناسيا غير متعمد فهنا يدخل في حكم (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)).

ومن الأدلة على أنّ البسملة آية من الفاتحة ما أخرجه الشيخ الألباني رحمه الله، في كتاب (سلسلة الأحاديث الصحيحة) عن أبي هريرة موقوفا ومرفوعا، برقم(1183): (إذا قرأتم [الحمد لله …] فاقرءوا [بسم الله الرحمن الرحيم]، إنّها أم القرآن، وأم الكتاب والسبع المثاني و[بسم الله الرحمن الرحيم] إحدى آياتها).

وقد ذكر الشيخ في تخريج الحديث المذكور، العبارة الآتية: (قلت: وهذا إسناد صحيح مرفوعا وموقوفا فإنّ نوحا ثقة وكذا من دونه، والموقوف لا يعل المرفوع. لأنّ الراوي قد يوقف الحديث أحيانا فإذا رواه مرفوعا – وهو ثقة – فهو زيادة يجب قبولها منه. والله أعلم. وبعضه عند أبي داود وغيره).
والشيخ يرد على من ترك العمل بهذا الحديث بدعوى أنه موقوف على أبي هريرة. كذلك فإن الحديث المذكور مخرج في (صحيح الجامع ) برقم (729).

وإلى مناقشة ما ذهب إليه الشيخان:

أ. نرى الشيخ العثيمين رحمه الله، يأخذ بما عليه بعض العلماء والقراء من أنّ البسملة ليست من الفاتحة وليست من أي سورة في القرآن تفتتح بها. ويستدل لما ذهب إليه بمناقشة حديث (قَسَمْتُ الصَّلاة بيني وبين عبدي نصفين…)
ويناقش تعداد الآيات في سورة الفاتحة، كما أثبتناه قبلا، ولكنّا نلا حظ أنّ مناقشة الشيخ للحديث اعتمدت مناقشة مفهوم الحديث، ودليل ذلك قول الشيخ: (وهذا التَّوزيعُ هو المطابق للمعنى واللَّفظِ). في حين نرى الشيخ الألباني رحمه الله، يتعامل في إثبات ما ذهب إليه مع منطوق
حديثين صحيحين، والمنطوق هو الأقوى والأرجح من المفهوم في الاستدلال، حسب ما يقول الأصوليون. وما ذهب إليه الشيخ هو ما فهمه النووي وعنون به الباب في صحيح مسلم، اعتمادا على منطوق الحديث.

ب. وإذا رجعنا إلى اختلاف العلماء في المسألة، نجد الشيخ العثيمين قد مال مع من ذهب إلى: (أَنَّهَا لَيْسَتْ بِآيَةٍ وَلَا بَعْضِ آيَةٍ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، وَلَا مِنْ أَوَّلِ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا كُتِبَتْ لِلتَّيَمُّنِ وَالتَّبَرُّكِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَذَلِكَ مَعَ
إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ، وَأَنَّ بَعْضَهَا آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ). ونرى أولئك لم يتعرضوا إلى الأحاديث المثبتة كون البسملة من الفاتحة.

أما ما ذهب إليه الشيخ الألباني رحمه الله، فيوافق من ذكروا في المغني: (ذكر ابن قدامة في المغني، والنووي في المجموع، وابن حزم في المحلى: أنّ الشافعي وابن المبارك وأحمد في رواية عنه جعلوها آية مستقلة، ولا تصح الصلاة دونها. ورجح هذا المذهب النووي وابن حزم).

ج. قضية الترجيح بين أقوال العلماء لها رجالها. وفي الوقت نفسه، نعترف أنّ المسائل التي تكون واضحة بأدلتها، لا تمنع طالب علم من أمثالي أن يدلي بدلوه ولعله لا يعدم واحدا من الأجرين. أقول بتواضع، أجدني مع الشيخ الألباني رحمه الله، في ما ذهب إليه لأسباب أبرزها:

1. أنّه رحمه الله استدل بمنطوق حديثين في المسألة أغنياه عن (الاجتهاد في مورد النص)، وهذا دأب المحدثين. في حين رأينا شيخنا العثيمين رحمه الله، لم يشر إلى ذينك الحديثين، ولعلهما لم يبلغاه، فجعل رحمه الله، بحثه في مفهوم الحديث الذي اعتمده، ليصل إلى ما وصل إليه.

2. لم يغب عن بالي أبداً وقد ندبت نفسي للترجيح، خطورة أمر الصلاة في المسألة فإنّ الشيخ العثيمين لم يتعرض لذلك، كما فعل سلفه في المسألة: (أَنَّهَا لَيْسَتْ بِآيَةٍ وَلَا بَعْضِ آيَةٍ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، وَلَا مِنْ أَوَّلِ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا كُتِبَتْ لِلتَّيَمُّنِ وَالتَّبَرُّكِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَذَلِكَ مَعَ
إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ، وَأَنَّ بَعْضَهَا آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ).

في حين أكد الشيخ الألباني رحمه الله على موضوع الصلاة وبطلانها في حال ترك البسملة، وهذا ما فعله سلفه أيضاً: (فذكر ابن قدامة في المغني، والنووي في المجموع، وابن حزم في المحلى: أن الشافعي وابن المبارك وأحمد في رواية عنه جعلوها آية مستقلة، ولا تصح الصلاة دونها. ورجح هذا المذهب النووي وابن حزم). فأراني مع الشيخ الألباني في ما ذهب إليه.

3. لعله قد جاء وقت الرد على من لا يرى المسألة المطروحة قمينة بالبحث، وقد تبين كيف أنّ ترك البسملة من الفاتحة يبطل الصلاة، وتركها من السور التي تسبق بالتسمية فيه إخلال بتلاوة القرأن فكان لا بد من طرح الموضوع مفصلا (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ).

قد قلت ما قلت فما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأٍ أو خطلٍ، فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله منه، وإنّي راجع عنه حيًا أو ميتًا، والحمد لله رب العالمين