Skip to main content

هَلِ الدَّمُ وَالقّيْءُ نَاقِضَانِ لِلوُضُوءِ؟ وَهَلْ هُمَا نَجِسَانِ؟

By الثلاثاء 14 جمادى الأولى 1437هـ 23-2-2016ممحرم 20, 1441بحوث ومسائل, فقه

لدى مناقشة موضوع كهذا الذي بين أيدينا، لا بد من مراحل ثلاث في البحث:

1. استعراض الأدلة التي تتعلق بالموضوع ومعرفة درجاتها، واستبعاد الضعيف منها.

2. إعمال البراءة الأصلية، والتي هي من أقوى الأدلة في الدين، حينما لا نجد الدليل الناقل عن الأصل، لأنّ الأصل في الدين براءة ذمة المسلم من أي تكليف، حتى يأتي نص مكلِّفٌ.

3. استعراض الأدلة التي تؤيد البراءة إن حكمنا بها.

ولنبدأ:

1. استعراض الأدلة

. قال اللَّه تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ).

. (وكان أبو هريرة لا يرى بأسا بالقطرة والقطرتين في الصلاة).

أما الآية فهي نص في تحريم بعض المطعومات، فالتحريم ينصب على الأكل فقط. والذين قالوا بنجاسة الدم ونقضه للطهارة اعتمدوا قاعدة (كل محرم نجس) والقاعدة لا أصل لها ولا يصح معناها، والصحيح أنّ (كل نجس محرم). فيكون الدم محرماً أكله، وليس ناقضاً للوضوء ولا نجساً.

وأما حديث أبي هريرة فضعيف من جهة سنده، ثم هو مع ضعفه مخالف لما صح عن أبي هريرة قال: (لا وضوء إلا من حدث). وفي رواية: (إلا من صوت أو ريح) وهو مرفوع، والحديث بروايته أصل في حصر نواقض الوضوء، وليس فيها خروج الدم والقيء.

بقي حديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم: (قاء فتوضأ)، والحديث صحيح، ولكن لا توجد فيه إشارة إلى أنّ قيأه عليه السلام كان السبب في وضوئه، إنّما وصف الراوي حدوث الفعلين منه عليه السلام، متزامنين. والقاعدة الأصولية: (أنّ مجرد الفعل منه عليه السلام لا ينتهض دليلا للوجوبفيبقى الحكم بمنطوق أحاديث النقض هو الأصل.

2. الحكم

لمّا لم يثبت دليل للحكم، بنقض القيء والدم للوضوء، وبكونهما نجسين. صار الحكم للبراءة الأصلية.

3. ما يؤيد البراءة

. عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم في الصلاة، فوجد حركة في دبُرِه أحدث أو لم يحدث فأشكل عليه؛ فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً). فلا يكون الانصراف من الصلاة بسبب نقض الوضوء إلا لما ذكر حصرا.

جاء في نيل الأوطار (بتصرف): (عن شعبة وهو إمام حافظ واسع الرواية وقد روى هذا اللفظ بهذه الصيغة المشتملة على الحصر، فالواجب البقاء على البراءة الأصلية المعتضدة بهذه الكلية المستفادة من هذا الحديث فلا يصار إلى القول بأن الدم أو القيء ناقض إلا لدليل ناهض والجزم بالوجوب قبل صحة المستند كالجزم بالتحريم قبل صحة النقل والكل من التقول على اللَّه بما لم يقل).

. حديث عباد بن بشر الذي أصيب بسهام ثلاثة وهو يصلي فاستمر في صلاته وهو يموج دما. وهو عند البخاري تعليقاً وأبي داود وابن خزيمة.

جاء في النيل: (ويبعد أن لا يطلع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة، ولم ينقل أنه أخبره بأن صلاته قد بطلت).

ويقول الألباني رحمه الله في تمام المنة: (يستبعد عادة أن لا يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فلو كان الدم الكثير ناقضا لبينه صلى الله عليه وسلم، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو معلوم من علم الأصول. وعلى فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم خفي ذلك عليه، فما هو بخاف على الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء).

. جاء في الفتح: (أن عمر كان يصلي وجرحه ينبع دما).

. وفي الفتح: (عصر ابن عمر بثرة، فخرج منها الدم ولم يتوضأ). وفي رواية: (ثم صلى).

. قول الحسن: (ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم).

واستكمالاً لبحث الدم، من المفيد ذكر النقاط التالية:

1. دم الآدمي وقيؤه وما يخرج من الجروح والقروح طاهر، ما عدا دم الحيض والنفاس. للأدلة التي سبقت. ولا يوجد دليل صحيح عن نجاسة الدم والقيء والقلس وغيرها.

2. دم الحيوان المأكول اللحم وقيؤه وبوله ولعابه وروثه طاهر للأدلة الآتية:

. لما صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه نحر جزورا، فتلطخ بدمها وفرثها ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يتوضأ. أخرجه عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة، والطبراني في المعجم الكبير بسند صحيح عنه.

. عن أنس بن مالك قال: (إني لتحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيل علي لعابها فسمعته يقول: (إنّ الله قد أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث)).

. عَنْ أَنَسٍ قَالَ: (قَدِمَ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ مِنْ عُكْلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَوَوَا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَفَعَلُوا…) الحديث

ولا يصح ما ذهب إليه البعض من حمل الحديث على أن ذلك كان للدواء فقط ،لأنّ التداوي بالمحرم منهي عنه أصلاً.

. طواف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على ناقته. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن) وكذلك طواف أم سلمة بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم.

وعوداً على بدء نقول لما خلت النصوص الصحيحة من أي إشارة إلى أنّ الدم والقيء ناقضين، أو نجسين، صار الحكم فيهما للبراءة الأصلية، والله أعلم.