Skip to main content

حُكْمُ الإِجْهَاضِ

By الخميس 15 جمادى الأولى 1439هـ 1-2-2018ممحرم 20, 1441بحوث ومسائل, فقه

هذا الموضوع، وإن كان قديماً بحثُه، فإنّ البلوى فيه قد عمت أكثر، وأكثر بين المسسلمين في أيامنا الحاضرة .. وبعد الاطلاع على معظم آراء العلماء، في القديم والحديث حول هذه المسألة، اطمأنت النفس إلى تسطير ما يأتي: علماء المسلمين، القدماء والمعاصرون، في موضوع الإجهاض على ثلاث طرائق:

1. منهم من يرى جواز إسقاط الحمل قبل مضي مائة وعشرين يوما على الحمل، إذا وجد مبررٌ شرعيٌ للإسقاط. فإذا أتم الحمل مائة وعشرين يوماً لم يجز إسقاطه. وحجتهم في ذلك حديث ابن مسعود: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِى بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِىٌّ أَوْ سَعِيدٌ. ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ). فوقفوا عند عبارة: (ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ) فاعتبروا أنّ الجنين قبل ذلك، ليس فيه روح ولا حياة، وبالتالي يجوز إسقاطه لمصلحة راجحة. وهذا ترجيح الشيخين الألباني والعثيمين رحمهما الله، من المعاصرين.

2. ومنهم من يرى أنّه في الأيام الأربعين الأولى يجوز إسقاط الحمل. وحجتهم في ذلك أنّ الحمل قبل ذلك يكون نطفة، حسب ما جاء في حديث ابن مسعود السابق، ويرون أنّه لا يكون قد ثبت حملا بعد. وهو كلام يعتمد الرأي فقط.


3. والفريق الثالث، وهو القول الراجح عند كاتب الأسطر، لقوة استدلاله، والله أعلم. ولعلي أبين وجهة النظر الشرعية لهذا الموقف ليس من أقوالٍ منقولةٍ، ولكن من فهمي واجتهادي، فما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان .. فأصحاب هذا التوجه لم يُفصلوا القول، إنّما اعتمدوا أنّ الحمل يُحترم من لحظة دخول المني إلى الرحم، حتى خروجه مولودا.

أقول: إنّ الحمل لا يجوز إسقاطه في أي مرحلة من مراحل الحمل، فالمرأة من أول يوم ينقطع فيه حيضها، فالأصل أنّها حامل حتى يثبت بالواقع عكس ذلك .. والإسلام جعل إنقطاع حيض المرأة الأمارة المعتبرة على حملها، وجعل نزول الحيض أمارة معتبرة على استبراء رحمها، وقد رُبطت الأحكام الشرعية بذلك .. والأدلة على ذلك لا تخفى، فربنا تبارك وتعالى يقول: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ). فالله عز وجل سمى ما في البطن خلقاً ولو كان عمره قليلا، ولم يفصل في عمر الحمل حتى يسمى خلقا، بل يسمى خلقاً من أول يوم تحس المرأة انقطاع الطمث عنها.

والدليل الآخر جاء في البخاري عن المغيرة قال: (سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ إِمْلاَصِ الْمَرْأَةِ – هِىَ الَّتِى يُضْرَبُ بَطْنُهَا فَتُلْقِى جَنِينًا – فَقَالَ أَيُّكُمْ سَمِعَ مِنَ النَّبِىِّ فِيهِ شَيْئًا؟ فَقُلْتُ أَنَا. فَقَالَ مَا هُوَ قُلْتُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ يَقُولُ: (فِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ). فَقَالَ لاَ تَبْرَحْ حَتَّى تَجِيئَنِى بِالْمَخْرَجِ فِيمَا قُلْتَ، فَخَرَجْتُ فَوَجَدْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَجِئْتُ بِهِ، فَشَهِدَ مَعِى أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ يَقُولُ: (فِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ)).
وهنا لتأكيد ما

نريد تأكيده، من أن
ّ ربط حكم الإجهاض بالمراحل التي ذكرت في حديث ابن مسعود، محض اجتهاد بشري، لا دليل عليه.

ونكمل المناقشة حول حديث المغيرة السابق، بتطبيق القاعدة الأصولية (ترك الاستفصال عن الحال، في معرض السؤال، يُنَزَّلُ منزلة العموم في المقال). فمادام النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عن وقت اسقاط الجنين، وكذلك عمر رضي الله عنه من بعده، يكون الأصل في الحكم العموم؛ أي كل ما يسمى حملاً، عُرفاً وشرعاً.

ويعضد هذا الفهم عموم قوله عليه السلام: (وفي السقط غرة عبد أو أمة). وغرة عبد: أي العبد الصغير البالغ، ومنهم من قال الغرة هي مجرد العبد. فإن لم يجد، تحسب دية المرأة، ثم يُخرج عشرها، فدية الجنين على العشر من دية أمه. وهنا، أيضا، لم يفصل الشارع في عمر الحمل..!

ومن أدلة ذلك أنّ الغامدية يوم طلبت من النبي عليه السلام أن يطهرها من الزنى، أي يقيم عليها الحد، وقالت إنّها حبلى من الزنا، أمرها أن تذهب ثم ترجع بعد أن تضع حملها، وما ذاك إلا حفاظٌ على حياة الجنين. عن بُريدة بن الحُصيبِ رضي الله عنه:
(جَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِى. وَإِنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرُدُّنِى لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِى كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا فَوَاللَّهِ إِنِّى لَحُبْلَى. قَالَ: (إِمَّا لاَ فَاذْهَبِى حَتَّى تَلِدِى). فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِىِّ فِى خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ. قَالَ: (اذْهَبِى فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ). فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِىِّ فِى يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِىَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ. فَدَفَعَ الصَّبِىَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا. فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا فَسَمِعَ نَبِىُّ اللَّهِ سَبَّهُ إِيَّاهَا فَقَالَ: (مَهْلاً يَا خَالِدُ فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ). ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ). أخرجه مسلم، وأبو داود، والبيهقي، وأحمد.

يستنبط من هذا كله أنّ الحمل من يومه الأول لا يجوز إسقاطه لأنّه خلق يتمتع بالحياة.

ومن العلماء من قال لا يجوز إسقاطه في أي مرحلة من المراحل إلا إذا قال الأطباء الموثوقون أنّ بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موت الأم، وأكثر العلماء على هذا، إلا الشيخ العثيمين رحمه الله فقد قال: (قتل النفس لإحياء نفس أخرى لا يجوز، فنقول: إنّنا لو أسقطنا الجنين فهلك فنحن الذين قتلناه، ولو أبقيناه فهلكت الأم ثم هلك هو، فالذي أهلكهما هو الله عزّ وجل أي ليس من فعلنا). وكلامه رحمه الله وجيه، واستدلاله شرعي دقيق.

وبعد أن تكلمنا في الجانب الشرعي، لا حرج أن تكون لنا وقفة مع المسألة من الوجهة الواقعية العقلية العلمية الطبية. نقول: لو لم يكن في الجنين حياة لما نما وتطور إلى مراحل، من نطفة إلى علقة إلى مضغة .. كما أنّ الأطباء يقولون بوجود ما يشبه النبض للجنين في مراحله الأولى، أو ما يشبه هذا. ولقد أعلمني طبيب ثقة أنّ الجنين في اليوم الواحد والعشرين من عمره يبدأ قلبه بالنبض ويسمع الأطباء نبضات قلبه.

أما لو سُئلنا فما المقصود بنفخ الروح المذكورة في حديث ابن مسعود السابق؟ نقول: الله أعلم. والوقوف مع ظاهر النصوص أسلم من القول على الله بغير علم. ولقد قرأت لبعض العلماء كلاما لا أستحضر مظانه لأثبته، أنّ نفخ الروح التي جاءت في حديث بن مسعود هي الروح التي تحول الجنين إلى إنسان .. وأعيد القول: إنّ الوقوف، أو التوقف مع ظاهر النصوص التي لم تُفسر، أسلم من القول على الله بغير علم.

وقد يسأل سائل: ما حكم الإسقاط إذا كان الجنين مشوهاً؟

الجواب: لا يجوز .. ولنقل إذا خرج الجنين إلى الحياة سليماً، ثم شُوه بحادث معين، أو إصابة مرضية، هل يجوز في الشرع قتله؟ لا. بل، هل هناك في العالم قانون يجيز ذلك؟! لا، أيضا .. إذاً لا فرق بين الأمرين.

واليوم تطرح على ملأٍ مسألة إسقاط الحمل من سفاح، وبخاصة إذا كان من اغتصاب. وكثر الكلام في المسألة قديما، أما الأقدمون فاستدلال أكثرهم أقرب إلى الصواب، وهو المنع من إسقاطه، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم احترم حياة ابن الغامدية وهو ابن سفاح.

ولا بد هنا لإيضاح الأمر والتأكيد على شرعية الحفاظ على حياة الجنين ولو من سفاح بذكر الحديث الآتي في سلسلة الأحاديث الصحيحة: (ليس على ولد الزنا من وزر أبويه شيء). وقد يكون إذا كبر من المسلمين الصالحين القانتين. والشيء نفسه يقال في حالة الاغتصاب، ولا سيما ما كثر عنه الحديث اليوم عما يجري في سجون الظلمة للحرائر. فإنّ المرأة لا تؤاخذ على ذلك، ولا يجب أن تحرج اجتماعيا .. لكن، ويا للأسف، إنّ مجتمعات المسلمين فقيرة في معلوماتها الشرعية، لا سيما في مثل هذه الموضوعات. وما جاء من تعليل لجواز إسقاط الجنين سواء كان من سفاح، أو من اغتصاب، بالستر وعدم الفضيحة، والحرج الاجتماعي، كلام عقلي وليس شرعيا، فمن الناحية الشرعية فإنّ المغتصبة لا وزر عليها، ولا تعير بحملها، ويجب أن تبقى لها سمعة العفيفات الفُضُليات لأنّها لم تقترف ذلك بملكها .. أما الزانية بعد توبتها فيجب أن يرجع لها احترام العفيفات فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) … والله أعلم