Skip to main content

رُؤْيَةُ النَبِيِّ صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّم فِي الْمَنَامِ

By الجمعة 6 محرم 1438هـ 7-10-2016ممحرم 18, 1441بحوث ومسائل, عقيدة

موضوع يكثر السؤال عنه، كما يكثر الكلام فيه، بعلمٍ وبغير علم .. والصوفية والعوام المرتبطون بهم يلعبون به لعبا..! فلا بد من تأصيلٍ وضبط.

وأبدأ بموضوع نظير له، ولكن يسبقه في الأهمية؛ هل يمكن رؤية الله في المنام؟
رُوي ذلك عن الإمام أحمد، وفي ترجمة ابن تيمية أن
ّه رآى الله أكثر من مرة، وكتب عن بعض العلماء مثل ذلك.

وسمعت مرة الشيخ أبا بكر الجزائري، في درس في المسجد النبوي، يقول بعد أن سئل هل يُرى الله في المنام؟ ما معناه: (نعم، وإن رأى رؤية مريحة فهي تطمين للمرء في حسن دينه، وإن كانت غير مريحة فهي إنذار للمرء أن دينك غير مرضي). واستغربت هذا من الشيخ، فذكرت ما سمعت عند الشيخ العثيمين رحمه الله فقال: هل أنت متأكد مما سمعت، وهل سمعته بأذنك؟ قلت له: نعم، قال: لأنّي سأكلم الشيخ في ذلك وأقول له: لا يجوز هذا، فالله لا يُرى.

وأُثْبِتُ هنا جواباً للشيخ العثيمين رحمه الله، سئل فيه؛ هل يُرى الله في المنام؟ فأجاب: (إنّ الله سبحانه وتعالى يُعَلِّم بما أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فالقرآن كلام الله كأنّما يخاطبك الله به، هذا يكفيك عن رؤية الله. أما رؤيته في المنام فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المنام كما في حديث اختصام الملأ الأعلى، أما غير الرسول فذكر عن الإمام أحمد أنّه رأى ربه والله أعلم هل يصح هذا أم لا يصح؟ لكن نحن لسنا في حاجة في الهداية إلى رؤية الله عز وجل، حاجتنا أن نقرأ كلامه ونعمل بما فيه، وكأنّما يخاطبنا، ولهذا ذكر الله أنّه أنزل الكتاب على محمد وأنزله إلينا أيضا حتى نعمل به، ولا تشغل نفسك بهذه الأمور، فإنّك لن تصل إلى نتيجة مرضية، عليك بالكتاب والسنة والعمل بما فيهما).

فالرؤيا إما أن تكون حقيقية أو تمثل شيطان، فبالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم نستطيع أن نميز بين أن تكون الرؤية حقيقية أو لا، فإذا قال أحدهم قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يلبس قبعة فلا نقول إنّ هذا رآى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنّما هذا من تمثل الشيطان، لكن لو أنّ إنساناً ادعى أنّه رأى الله في منامه، فلا يوجد إنسان رآى الله، فكيف نحكم على هذا الإنسان أنّه صادق أم كاذب؟

فالأصل ما جاء في الحديث الصحيح: (تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ). لأنّ الله عز وجل لا يرى إلا في الآخرة. لكن من العلماء الذين يصرون على إثبات رؤية الله تبارك وتعالى في المنام، من يعتبر أنّ عبارة النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق (حَتَّى يَمُوتَ)، تعني حتى ينام، بدليل الآية: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى)، وليس هذا بصواب، لأنّ النصوص متضافرة على أنّ الله تبارك وتعالى لا يُرى إلا في الآخرة.

أما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فهناك حديث: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ رَآنِى فِى الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِى، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ صُورَتِى). وللحديث روايات متعددة تدور حول المعنى نفسه .

والقضية العامة في موضوع الرؤى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرؤيا ثلاث؛ فبشرى من الله، وحديث النفس، وتخويف من الشيطان، فإن رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقص إن شاء، وإن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم يصلي).

فمن تهاويل الشيطان أن يأتي الشيطان بصورة النبي صلى الله عليه وسلم بلباس البابا، فهذا لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (مَنْ رَآنِى…) يعني لا بد أن يراني على الصورة التي أنا عليها .. لأنّ الله حرم على الشيطان أن يتمثل بصورتي .. فإذا جاء الشيطان ولعب بإنسان في المنام وقال أنا رسول الله، فعلى هذا الإنسان أن يعرض ما رأى على ما في ذهنه من قراءته عن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم فإما أن تطابق وتكون رؤيا حق، وإن خالفت يقول عندئذ كذب الشيطان.

ولكن، للعبد الفقير، كاتب هذه السطور، اجتهاد في هذه المسألة، فإن أصاب فمن الله، وإن أخطا فمن نفسه والشيطان وهو راجع عنه ومستغفر منه، ولله الحمد على كل حال. والذي شجعني على نشر هذا الاجتهاد كلام وجدته لابن حجر العسقلاني، في فتح الباري، سيأتي إن شاء الله، ومما شجعني أكثر أنّني ما وقفت على نص، بحدود علمي وبحثي، يعارض ما أذهب إليه.

أقول: إنّ الفصل والفيصل بين أن تكون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حقاً، أو باطلاً، عرض ذلك على أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم .. وأقول لو وصفت لكم الآن أبي بدقة، هل يعطيكم ذلك الوصف الصورة الدقيقة بحيث لو رأيتموه في محفل من الناس لذهبتم إليه مسلمين قائلين حيا الله أبا فلان..! اللهم إلا أن تكون هناك علامة فارقة، نادراً ما تكون في الناس. أما الطول والقصر، والسمنة والنحول، وبياض البشرة أو السمرة، والشعر الأشقر أو الأسود، واللحية الكثة أو الخفيفة، فهي أوصاف عامة ومشتركة بين الناس.

وأزيد الفكرة وضوحاً في أنّ بعض الأعراب كانوا يأتون مجلس النبي وأصحابه فيقول :(أيكم محمد؟) ما يدل أنّه لم تكن للنبي عليه السلام علامة فارقة، أو هالة بارقة، تميزه عن أصحابه القليلين الذين هو بينهم..! وهل من حدثته عن أبي عشرات المرات بل مئات، يستيقن رؤيته في المنام، ويجزم أنّه والد فلان، بالطريقة التي أستيقن بها رؤية أبي؟ قطعاً لا. لماذا؟ لأنّ المعاينة ليست كالسماع مهما كان دقيقاً.

والآن من يمكن أن يقول أنّ لديه في مخيلته صورة كاملة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون فيصلاً في أن نقول إنّ رؤيته للنبي عليه الصلاة والسلام حق وليست باطلة، يقينا؟ هذه لن تكون إلا لجيل واحد في هذه الأمة، وهو جيل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .. فلو رآه أحدهم في المنام، لعرفه كما يعرف ابنه أو أباه…!

وعليه فإنّ ما جاءنا من وصف عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشكل عندنا المقدرة في أن نجزم أنّ رؤيته في المنام حق، وليست من تمثل الشيطان.

إذاً نقول: هذه للصحابة، لأنّهم هم الوحيدون في الأمة الذين تتحقق رؤيتهم لنبيهم في المنام بيقين. وليست لأحد غيرهم.

قلت هذا بجرأة يوم لم أجد ما يمنع من أن أقوله من النصوص، وأقول لزيادة البيان لم أجد نصاً يثبت لمن رأى النبي في المنام فضلا على غيره من المسلمين.. لكن ناقشني بعض الناس فقالوا: لماذا تحجرت واسعاً؟

قلت: الكلام على العين والرأس، لكن أسألكم: هل عندكم نص أنّ من رآى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام له مزية دون سائر الخلق؟

فإن قالوا: نعم، هناك نص، فأنا أسحب كلامي لأنّي حرمت الأمة كلها من مزية تنالهم من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم .. أما إن لم يكن في نصوص الشريعة كلها ما يؤيد أنّ رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لها ميزة تضيفها إلى الرجل الذي رآه، فأنا متمسك باجتهادي .. وأكون لم أتحجر واسعاً، لأنّني لم أغلق على الأمة باب نفع أو فضل، بل إنّني أغلقت على المشعوذين والدجالين، الذين يتجرون برؤيته عليه السلام، باب الكذب والدجل والمتاجرة، وما أكثرها حتى عند بعض المشايخ.

وأنا يوم قلت هذا الرأي أغلقت باب شر وحسب. فالعلماء الربانيون، لم يسمع منهم أو يقرأ عنهم، أنّهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم، لأنّه لا ينبني على ذلك أدنى فضل.

إذاً حديث: (مَنْ رَآنِى فِى الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِى، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ صُورَتِى) وكل الأحاديث التي تدور حول هذا المعنى، من أنّ رؤية النبي صلى الله عليه وسلم حق، إن كانت الأوصاف مطابقة للحقيقة.

فما القول الفصل إذن؟ إنّه القول أنّ الذين يمكنهم أن يقطعوا بذلك يقينا، هُم الصحابة الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم بأم أعينهم، وخالطوه وملؤوا منه أعينهم ونفوسهم .. ولا بد أن نقول أنّ رؤية الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في المنام لا يؤخذ منها أي أمر، لكن لعلها أن تكون بشرى لمن عاصره ولم يره .. ويؤكد هذا ما جاء في الحديث الصحيح: (مَنْ رَآنِى فِى الْمَنَامِ فَسَيَرَانِى فِى الْيَقَظَةِ، وَلاَ يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِى) .. وقد يظهر لنا ذلك في كلام ابن حجر في الفتح.

جاء في فتح الباري لابن حجر: (وَقَالَ الْمَازِرِيُّ إِنْ كَانَ الْمَحْفُوظُ فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ فَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الْمَحْفُوظُ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَهْلَ عَصْرِهِ مِمَّنْ يُهَاجِرُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ إِذَا رَآهُ فِي الْمَنَام جعل ذَلِك عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ يَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْيَقَظَةِ).

فلم يستبعد العلماء أن تكون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام أليق أن تكون لأهل عصره، فقط، ولا يمكن أن تكون لغيرهم .. وقد أطال ابن حجر الكلام في ذلك، ولم أنقل النص كاملا تجنبا للإطالة، فليراجعه من شاء.

وهناك أمثلة صارخة على اللعب برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، وأنّ هذا الباب يجب أن يغلق .. وأبرزها المثال الآتي عن ابن عربي ، وكتابه (فصوص الحكم)، الذي تعاد طباعته في دمشق كل عام .. ويكفي أن نقول في (فصوص الحكم) ما قاله الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء: (وَمِنْ أَرْدَيء تَوَالِيفِهِ كِتَابُ (الفُصُوْصِ)، فَإِنْ كَانَ لاَ كُفْرَ فِيْهِ، فَمَا فِي الدُّنْيَا كُفْرٌ، نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ وَالنَّجَاةَ، فَوَاغَوْثَاهُ بِاللهِ!).

يقول ابن عربي في مقدمة كتابه فصوص الحكم: (أما بعد فإنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق وبيده صلى الله عليه وسلم كتاب فقال لي: هذا كتاب فصوص الحكم خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به، فقلت السمع والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر منا).

وكأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: (تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض) بدا له أن يضيف لهما ثالثا وهو كتاب (فصوص الحكم) لابن عربي، ولنتذكر ما قاله الذهبي رحمه الله عن الكتاب.

أردت من هذه القصة، والتعليق عليها جعلها عنوانا خطيرا يندرج تحته أقوال وممارسات، تشوه الدين وتسيء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، والحجة في ذلك كله رؤىً مكذوبة، أوليس من الخير قطع دابر هذا الانحراف، وإغلاق باب الشر..؟ والله أعلم .. والحمد لله رب العالمين