Skip to main content

حكم تبييت النية من الليل في صيام الستّ من شوال

By الأحد 11 شوال 1442هـ 23-5-2021مالصيام, سؤال وجواب

س: قرأت هذه الفتوى للشيخ العثيمين رحمه الله، وهي بعنوان: حكم تبييت النية من الليل في صيام الست .. فما قولكم بارك الله بكم؟
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (صيام الستة أيام من شوال لا يمكن أن يتحقق إلا إذا نوى صوم كل يوم قبل طلوع الفجر، فإن لم ينو إلا بعد طلوع الفجر، فإنه لا يصدق عليه أنه صام ستة أيام من شوال، وأضرب لهذا مثلاً: في اليوم الأول من الستة لم ينو الصوم، ولما أذن الظهر نوى الصوم على أنه يوم من الست، ثم أكمل فكم يبقى عليه؟ خمسة أيام، ثم صام الخمسة الباقية، فهذا الرجل هل نقول: إنه صام ستة أيام أو صام خمسة أيام ونصف؟ خمسة أيام ونصف، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «أتبعه ستاً من شوال» وهذا لم يصم إلا خمسة أيام ونصفاً، ولكنه يكتب له أجر صيام ذلك اليوم، إلا أنه لا يحسب من الستة، فنقول: الصوم الذي نويته عند صلاة الظهر يصح، وتثاب عليه من بدء النية، ولكنه لا يحسب لك من الستة؛ لأن الستة لا بد أن تكون أياماً كاملة). (سلسلة اللقاء الشري).

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله، وبعد:
لوجود أسباب ثلاثة مجتمعة، مُلِحَّة قررت الاستعجال بالرد والنشر على الموقع. والأسباب الثلاثة هي:
أ. المنزلة العلمية الكبرى التي لا تخفى للشيخ العثيمين، عندي أولا، وهو شيخ لي، وعند كل المسلمين وهذا لا يماري فيه إلا جاهل.
ب. باعتبار أنّ شهر شوال لا زال في عشره الأول، والناس لا يزالون منهمكين لاكتساب غنيمة صيام الست، قبل انقضاء الشهر، ولِما نَمى إليَّ أنّ فتيا الشيخ بدأت تنتشر بسرعة بين الناس، لاسيما النساء.
ج. تعلمنا من أشياخنا كالإمام مالك رحمه الله وابن تيمية وغيرهما في القديم، والألباني وابن عثيمين في الحديث، أنّ كلاً يؤخذ من قوله ويترك، إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم. وأنّ النصوص الصحيحة من الوحيين فوق أقوال الرجال كلهم. ولذلك أتجرؤ بتواضعٍ واحترامٍ أن أدلي بدلوي بين يدي فتيا شخينا العثيمين رحمه الله. فأقول، وبالله التوفيق:
1. إنّ العرب تعبر عن الأعلى بالأدنى، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد جاء في الحديث عنه: (كان إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله). فهل يفهم أنّ النبي كان يحي الليلة من عِشائها إلى فجرها؟؟ والجواب: لا، لقول عائشة رضي الله عنها: (لا أعلم رسول الله قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلة حتى الصباح). فكان قيامه جزءاً من الليل يسمى قياما لليل في الشرع وفي اللغة. وقد جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم طلب منه الصحابة أن ينفلهم بقية الليلة في التراويح، فأجابهم: (إنّه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة). فالعبرة بالأجر الشرعي وليس بالزمن.
يعزز هذه الفكرة أن نقول: إنّ الصوم له وحدة لا تتجزأ هي اليوم، ولا يُعتدُّ بصوم بعض اليوم ولا أجر له، لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ). إذاً فالصوم لا تتبعض مدته وإن كان يتبعض أجره لقوله صلى الله عليه وسلم: (كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الظَّمَأُ).
ورسول الله حينما كان يدخل على عائشة فيقول: (أعندك شيء؟ قالت: ليس عندي شيء. قال: فأنا صائم). ونفهم أنّه نوى عبادة يوم كامل وإن تأخر في عقد النية. وكان يرجع بعد قليل فتقول عائشة: (ثم دار علي الثانية وقد أهدي لنا حيس فجئت به فأكل فعجبت منه فقلت: يا رسول الله دخلت علي وأنت صائم ثم أكلت حيسا؟ قال: نعم ياعائشة إنّما منزلة من صام في غير رمضان أو غير قضاء رمضان أو في التطوع بمنزلة رجل أخرج صدقة ماله فجاد منها بما شاء فأمضاه وبخل منها بما بقي فأمسكه).
ومن ذلك فإنّ من لم يبيت نية صوم يوم من شوال، وهو صوم نفل، من الليل، وأجلها إلى الفجر فغلبته عيناه، انعقدت نيته المتأخرة بصوم يوم من شوال، وله أجر صوم يوم كامل. ولا نستطيع القول أنّ له أجر نصف يوم أو بعض يوم لما مرّ قبل قليل.

والنبي عليه الصلاة والسلام حين قال: (لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل) قد قصد التمييز بين صوم الفرض وصوم النفل، ليسحب حكم الفرض على صوم قضاء رمضان، فلا بد من تبييت نيته من الليل.

2. إنّ شيخنا العثيمين رحمه الله، له مثل هذا التوجه في أكثر من فتيا، وهو التوجه إلى موضوع العدد أو المدة وترك مفهوم وحدة العبادة، فمما اعتمد عليه الشيخ رحمه الله في أنّ من صام الست وعليه قضاء من رمضان لم يصح صومه الستّ، ولم يقل كما قال غيره كالألباني مثلاً، لأنّه قدم النافلة على الفريضة، ولكنّه قال لأنّ من أفطر يوما من رمضان ولو بعذر لم يصدق في قول النبي: (من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال). وهذا لا نراه ينسجم مع حديث أنّ النبي كان إذا حضر العشر قام ليله، وعائشة تؤكد أنّه لم يقم ليلة كاملة قط. ومع قوله لأصحابه: (إنّه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)، مع أنّ الإمام لم يصل إلا زمنا قليلاً يسيرا. وأنّ قول النبي صلى الله عليه وسلم لا بد أن يفهم أنّ من أفطر بعضاً من شهر رمضان بعذر شرعي، يصح أن يقال له، لغة وشرعا، إنّه صام رمضان.

3. إنّنا من باب تيسير عمل الخير على المسلمين، فصيام الستّ من شوال لكسب أجر صوم الدهر، لا ينبغي أن تقام في وجه من يريد ذلك اجتهادات وتفسيرات، تحرم باغي الخير من غايته، ولا سيما أنّ ظاهر النصوص لا يشي بذلك! ولا بد لنا من أن نستحضر القاعدة الأصولية الشهيرة (إنّ النبي لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة)، لا سيما أنّ في صوم الستّ من شوال طاعة وخيراً، وأنّ أكثر المسلمين يبتلون بحالات الإفطار أياماً من رمضان بأعذار شرعية، وذلك كثير الوقوع. ومع ذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى ظاهر النصوص ولم يبين لهم بياناً مخالفاً ضيقاً.

والله أعلم ورد العلم إليه أسلم…