Skip to main content

هل يفهم من حديث (وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) أنّ الخير والشر من الله عز وجل؟

By الجمعة 14 محرم 1441هـ 13-9-2019ممحرم 18, 1441العقيدة, سؤال وجواب

س: جاء في حديث جبريل عليه السلام الذي سأل فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: (وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ). نفهم من ظاهر الحديث أنّ الخير والشر من الله عز وجل. لكن كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل: (وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِى يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ). السؤال: ألا يوهم ذلك التعارض بين الحديثين؟

الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله، وبعد:
يوم جاء في حديث جبريل عليه السلام تكليف البشر بالإيمان في قوله: (وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) فذلك ليعرف البشر كيف يتعاملون مع صروف الحياة التي تواجههم بما يعلمهم ربهم، لا بما تمليه عليهم غرائزهم وعواطفهم وضعفهم البشري، فالله يعلم وهم لا يعلمون.

فالإنسان الذي مات ولده أو احترق بيته، هذه من المصائب، وهي بالمنظور البشري شر محض، من خلال ما تراه أعيننا، لكن هذا الذي نراه ونحسه هو جزء من القدر الذي كشف، وله امتداد آخر خفي عنا.

نستعين على فهم ذلك بما جاء في حوار الخضر وموسى عليه السلام، فالصورة التي تبدو وبدت لموسى عليه السلام واستنكرها، أن فعل الخضر شرٌ، وذلك حين قال له: (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا) .. أما الصورة الخلفية التي هي امتداد أمر الله بالقدر اتضحت حين انقلب الشر إلى خير يوم كان التفسير من الخضر.

ونأخذ مثالاً واحداً من الحوار .. قال تعالى: (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) هذا الشر الذي ظهر لموسى عليه السلام، ثم انقلب إلى خير حين قال له الخضر: (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا)، يبين أنّ الخير المرجو من قتل الغلام الذي هو في المنظور البشري (شر)، هو إنقاذُ إيمانِ الأبوين، من  فتنة هذا الولد الضال لهما. وهذا لا يعلمه إلا الله، وأوحى به إلى الخضر وحيا، لتعليم كليم الله موسي ما غاب عنه، بعقله، وهو نبي … إذاً أراد الله أن يبين لنا أنّ الجزء الذي نراه وندركه من القدر المكشوف لنا، ونحسبه شرا لنا، سيتحول في المآل النهائي، وفي الجزء الغيبي من القدر، الذي نجهله تماما إلى خير. فلكل قَدَرٍ ظاهرٍ نطَّلِعُ عليه، تـتمةٌ وجزءٌ مَخفيٌ عنا لا يجوز الخوض فيه، والحكم عليه بعقولنا.

ولا شك أنّ ما يراه المرء من شر في القدر كموت الولد مثلا، فإنّه إن صبر واحتسب وعلم أنّ ولده الذي مات ينتظره على أبواب الجنة تتحول القضية عنده من شر إلى خير. ولكن لا ندخل عقولنا في المآلات، بل نسلم ونؤمن أنّه لا يوجد عند الله شر مطلق، فالذي نراه شرا، ليس شرا مطلقا لأنّه لا يمثل الواقعة كاملة، بل هو جزء منها، وبتتمة الصورة تتحول إلى خير.

فلما أمرنا بالإيمان بالقدر (خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) فيما نفهمه من ظاهر النص. استسلمنا لأمر الله، مع أنّ الشر قاسٍ على النفس، إلا أنّ ثقتنا بالله تجعلنا نوقن أننا ما دمنا على منهج الله فهذا الشر ابتلاء وامتحان من الله على الصبر: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)، ومن اجتاز مرحلة الابتلاء والامتحان بنجاح وصبر على قدر الله، فلا بد أن ينال الجائرة (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ). 

وأختم بحديث: عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: (إِنَّ الرَّجُلَ لِتَكُونَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ الْمَنْزِلَةُ فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ فَلَا يَزَالُ اللَّهُ يَبْتَلِيهِ بِمَا يكره حتى يُبَلِّغَهُ إياها) .. والله أعلم