Skip to main content

هل يجوز ختم الدعاء بعبارة: (إنّ الله على ما يشاء قدير)؟

By الجمعة 14 محرم 1441هـ 13-9-2019ممحرم 18, 1441العقيدة, سؤال وجواب

س: هل يجوز ختم الدعاء بعبارة: (إنّ الله على ما يشاء قدير)؟

 

الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله، وبعد:

قلت لبعض الدعاة ممن يختم دعاءه بها: إن هذه العبارة فيها إشكال عقدي، وإشكالها إما من نفاة الأسماء والصفات أو المؤولة، فقد قيدوا قدرة الله بمشيئته، وهذا يعني أن الله يقدر على ما يشاء، والمعنى المخالف أن الله غير قادر على ما لا يشاء .. وهذا لا يصح شرعاً، لماذا؟

لأن صفات الله عز وجل متماثلة، فلا صفة أقوى من صفة، ولا يجوز لصفة أن تعطل صفة، أو أن تقيد صفة أخرى، من هنا كان خطأ هذه العبارة.

والذين يجيزون قولها يحتجون يآية وحديث:

أما الآية فهي قول الله تعالى في سورة الشورى: (وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ).

وتوجيه الآية كما سمعته من فم الشيخ العثيمين رحمه الله، قال: (يحتج بهذه الآية الذين يقييدون قدرة الله بمشيئته، وهذه ليست مثلها، فتقدير الآية: وهو على جمعهم إذا يشاء جمعهم قدير).

وأضيف من عندي إيضاحا، فكأنّ المعنى: وهو القادر على جمعهم متى شاء جمعهم. فالمشيئة توقيت للقدرة، وليسس قيدا لوقوعها.

ومعنى كلام الشيخ رحمه الله: أي زمن جمعهم، وهو قادر على جمعهم في الوقت الذي يشاء .. إذاً هنا في الآية لم يقيد الله تبارك وتعالى قدرته بمشيئته، ولم يجعل القدرة تتعلق بالمشيئة، إنما بتحديد الزمن الذي ينفذ فيه قدرته.

 

وأما الحديث: ما أخرجه مسلم في صحيحه، وهو حدديث طويل في آخره: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِى مِنْكَ أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا قَالَ يَا رَبِّ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّى وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ). فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَلاَ تَسْأَلُونِّى مِمَّ أَضْحَكُ فَقَالُوا مِمَّ تَضْحَكُ قَالَ هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالُوا مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (مِنْ ضِحْكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حِينَ قَالَ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّى وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ إِنِّى لاَ أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ وَلَكِنِّى عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ)).

يقول الشيخ الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصحيحة: (وقد كنت توقفت عنها حين علقت على قول الطحاوي في “العقيدة” (ص 20): “ذلك بأنه على كل شيء قدير” كلمة للشيخ ابن مانع رحمه الله أن ذلك ليس بصواب، وأن الصواب ما في الكتاب والسنة (وهو على كل شيء قدير) لعموم مشيئة الله وقدرته .. إلخ كلامه. 

ثم وقفت بعد ذلك على هذه الكلمة في هذا الحديث في “صحيح مسلم”، فخشيت- متأثراً بكلام الشيخ- أن تكون شاذة في الحديث؛ أو خطأ من بعض الرواة، فتريَّثت حتى يتسنى لي تخريجه والنظر في إسناده ورواته.

ثم كنت في ليلة من ليالي غرة شهر ذي الحجة في بعض مخيمات عمّان ألقي كلمة حول وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح؛ ووجوب قرن ذلك بالعمل، وبعد الفراغ منها فتحنا باب الأسئلة، فسأل أحد إخواننا الحاضرين- ويبدو أنه على شيء من العلم والثقافة- عن هذه الكلمة، مشيراً إلى تعليقي المذكور على “العقيدة الطحاوية “، وذكر- جزاه الله خيراً- بقوله تعالى: (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) [الشورى/29] ، فأجبته بأن الحديث بحاجة إلى تخريج وتحقيق، مشيراً إلى أنه من الممكن أن يكون أصل الكلمة: “وأنا على كل شيء قدير” أو نحوها، فبادرت إلى تخريج الحديث، فوجدت أن الرواة عن حماد بن سلمة اتفقوا على اللفظ المتقدم.

ثم تابعت البحث والتحقيق فوجدت للحديث طريقاً أخرى عن ابن مسعود، يرويه يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني: ثنا المنهال بن عمرو عن أبي عُبيدة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً مطولاً جداً؛ لكن بلفظ: (ولكني على ذلك قادر).

 

ومما سبق فلا يجوز أن نختم الدعاء بهذه العبارة، والأولى ألا تكون، فالله على كل شيء قدير .. والله أعلم