أما صلاة الغائب غير المعين، والتي تفعل في سوريا، هذه الأيام على غير وجهها المشروع عن المعصوم عليه الصلاة والسلام، فبدعة ضلالة ولا يجوز فعلها، والمجاملة في ذلك.
وقد جاء في كتاب (أحكام الجنائز وبدعها) للشيخ الألباني رحمه الله، في معرض تعداد بدع الجنائز، في آخر الكتاب التحذير من بدعتين:
(71. الصلاة على جنائز المسلمين الذين ماتوا في أقطار الارض صلاة الغائب بعد الغروب من كل يوم.
72. الصلاة على الغائب مع العلم أنّه صُلي عليه في موطنه).
وكان قبل ذلك قد تحدث في الكتاب عن أحكام صلاة الغائب مع التأصيل فقال:
(من مات في بلد ليس فيها من يصلي عليه، صلاة الحاضر، فهذا يصلي عليه طائفة من المسلمين صلاة الغائب، لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي وقد رواها جماعة من أصحابه يزيد بعضهم على بعض، وقد جمعت أحاديثهم فيها، ثم سقتها في سياق واحد تقريبا للفائدة.
والسياق لحديث أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم نعى للناس وهو بالمدينة النجاشي [أصحمه] [صاحب الحبشة] في اليوم الذي مات فيه: قال: (إن أخا قد مات (وفي رواية: مات اليوم عبد لله صالح) بغير أرضكم فقوموا فصلوا عليه) قالوا: من هو؟ قال: (النجاشي وقال: استغفروا لأخيكم) قال: فخرج بهم إلى المصلى (وفي رواية: البقيع) ثم تقدم فصفوا خلفه صفين، قال: فصففنا خلفه كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت وما نحسب الجنازة إلا موضوعة بين يديه قال: فأمنا وصلى عليه، وكبر عليه أربع تكبيرات).
أخرجه البخاري، ومسلم واللفظ له، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، والطيالسي، وأحمد، من طرق عن أبي هريرة.
وأعلم أن هذا الذي ذكرناه من الصلاة على الغائب هو الذي لا يتحمل الحديث غيره، ولهذا سبقنا إلى اختيارة ثلة من محققي المذاهب، وإليك خلاصة من كلام ابن القيم رحمة الله في هذا الصدد، قال في زاد المعاد:
(ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسنته الصلاة على كل ميت غائب، فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غيب، فلم يصل عليهم، وصح عنه أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت، فاختلف في ذلك على ثلاثة طرق:
1. أن هذا تشريع وسنة للأمة، الصلاة على كل غائب وهذا قول الشافعي وأحمد
2. وقال أبو حنيفة ومالك: هذا خاص به، وليس ذلك لغيره.
3. وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يُصل عليه فيه، صُلي عليه صلاة الغائب كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي، لأنه مات ببن الكفار ولم يصل عليه. وإن صلي عليه حيث مات لم يصل عليه صلاة الغائب، لأن الفرض سقط بصلاة المسلمين عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغائب وتركه، وفعله وتركه سنة. وهذا له موضع والله أعلم).
فعلى هذا إذا مات المسلم ببلد من البلدان، وقد قضى حقه في الصلاة عليه ، فإنه لا يصلي عليه من كان في بلد آخر غائبا عنه، فإن علم أنه لم يصل عليه لعائق أو مانع عذر ، فإن السنة أن يصلى عليه ، ولا يترك ذلك لبعد المسافة.
فإذا صلوا عليه استقبلوا القبلة، ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان في غير جهة القبلة.
وقد ذهب بعض العلماء الى كراهة الصلاة على الميت الغائب، وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصا بهذا الفعل، إذ كان في حكم المشاهد للنجاشي. وهذا تأويل فاسد.
ومما يؤيد عدم مشروعية الصلاة على كل غائب أنه لما مات الخلفاء الراشدون وغيرهم لم يصل أحد من المسلمين عليهم صلاة الغائب. ولو فعلوا لتواتر النقل بذلك عنهم.
فقابل هذا بما عليه كثير من المسلمين اليوم من الصلاة على كل غائب لاسيما إذا كان له ذكر وصيت، ولو من الناحية السياسية فقط ولا يعرف بصلاح أو خدمة للاسلام).